fbpx

روايات أحمد داني كتوثيق لحكايات المثليين العرب…
العيش في بلد يكرهك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لا يسعني إلا أن أتخيل ما قد يعنيه تزايد القصص والتمثيل الثقافي بالنسبة إلى المجتمع المثلي العربي، الذي ناضل طويلاً من أجل التوفيق بين هويتيه بطريقة آمنة…

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

ليس سراً أن غالبية بلاد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحظر العلاقات المثلية. وبعضها، مثل اليمن والسعودية، يصل الأمر به إلى معاقبة من يخوضون هذه العلاقات بالإعدام، استناداً إلى الظروف. وتنص المادة 520 من قانون العقوبات السوري على أن أي “مجامعة على خلاف الطبيعة” تعاقب بمدة سجن قد تصل إلى 3 سنوات. وهذه هي العقوبات الأكثر انتشاراً في المنطقة، مع تطبيق مثلها في المغرب والجزائر وتونس ومصر والإمارات وعمان. وفي ظل هذه المعايير المروعة، فإن هذه البلاد هي التي يكون القانون فيها أيضاً أكثر تساهلاً، مع استثناء الأردن والبحرين، حيث تعد المثلية قانونية، وكذلك العراق، حيث تبدو المسألة غير واضحة. لكن غياب تجريم زواج المثليين يبعد كل البعد من ضمانة عدم وجود تمييز، وهو شيء لا تخلو منه دولة عربية واحدة.

على رغم الصراع، فإن أعضاء مجتمع الكوير العربي يواصلون العثور على سبل للنجاح والاستمرار.

أذكر عندما قابلت أحمد في حفل تدشين الترجمة الفرنسية لأولى رواياته “أرجوحة الياسمين”. كان هذا خلال أسبوع “مونتريال برايد” عام 2019، الذي يستغرق فعلياً أسبوعين، حيث ينطلق عدد لا يحصى من الفعاليات حول المدينة، داخل قرية المثليين وخارجها. كان متجر الكتب النسوي، الذي كنت مشاركة فيه، يقع داخل قرية المثليين وكان داني عضواً نشطاً في مجتمعه.

لم يكن مؤلفو الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُدعون كثيراً، لذا كنت العضو الوحيدة ضمن فريق العمل من هذه المنطقة، وقد التزمت بحضور هذه الفعالية، وأسعدتني مقابلة مؤلف كان عطفه وشجاعته، بجانب مهاراته الأدبية الاستثنائية، جديرة بأن يُمنح جوائز عدة.

ولد أحمد داني رمضان في دمشق عام 1984. ودرس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وشرع في العمل صحافياً وكاتباً في سوريا ومصر. في دمشق، انتهى به المطاف باستضافة مجتمع مثلي سري في شقته. واضطر للمغادرة إلى بيروت قبل التقدم بطلب للجوء إلى كندا، حيث تخرج من  جامعة بريتيش كولومبيا المرموقة حاصلاً على درجة الماجستير في الكتابة الإبداعية، وصار مؤلفاً مشهوراً وناشطاً لدى مؤسسة “رينبو رايلرود”، وهي منظمة تساعد اللاجئين من مجتمعات الميم.

تعد رواية “أرجوحة الياسمين” شبه سيرة ذاتية لرجل يشار إليه باسم الحكواتي يخبر حبيبه الذي يحتضر في مدينة فانكوفر في ولاية بريتيش كولومبيا، عن ذكرياته في سوريا، حيث ترعرع وهو مثلي. الكتاب الثاني لداني هو “سلمى الشيف السوري”، وهو عبارة عن كتاب أطفال يروي قصة لاجئة سورية صغيرة في كندا تريد أن تجعل أمها سعيدة من طريق تحضير وجبة سورية تقليدية لها، لكنها تواجه تحديات بينما تكافح من أجل العثور على وصفات، والعثور على مكان تبتاع منه التوابل الملائمة، وما إلى ذلك.

نلتقي بهذا الكاتب بينما يحكي لنا رحلته من المصاعب التي واجهها عندما كان صغيراً حتى صعود نجمه بوصفه شخصية ثقافية ناجحة مزدهرة تُترجم أعمالها الأدبية.

الحياة قبل الهجرة

1. ما هي أبرز ذكرياتك الحية لترعرعك مثلياً في سوريا (وفي مصر عند مرحلة ما)؟

سبر الأغوار على الفور، أرى ذلك. حسناً، يمكنني أن أقول إن معظم ذكرياتي في كلا البلدين تتعلق بالمجتمعات الروحية التي أسستها هناك. الأصدقاء والعائلة الذين اخترتهم، ولولاهم لما كنت سأصل إلى حيث أنا. على سبيل المثال، ذكرياتي في سوريا تتضمن أول شخص أُعجبت به، وكان صبياً في مدرسة لم يفكر قط في الاعتراف بي في ما عدا مرة واحدة فقط أتذكرها جيداً. ومحاولاتي للتفاوض مع الإله حول مثليتي، والأمل بأن أحصل على بعض الإجابات الأسمى. وقول أشياء غريبة على شاكلة “سوف أحصي عدد خطواتي من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) وإذا كانت الخطوة النهائية رقماً فردياً، إذاً فإن الله يحبني بغض النظر عن أي شيء”.

أما في مصر، فأعتقد أن غالبية ذكرياتي تتعلق بكوني متحرراً جنسياً: العثور على الأقارب والأصدقاء والحب، والعثور على مكان لنفسي هناك. يمكنني أن أقول إن مصر سمحت لي بأن أكون ما أنا عليه بسبب بعدها من سوريا، ولأنني صرت وحيداً بدون رابط دم مع أي شخص، ما سمح لي خلق ارتباطات مجدية للأشخاص الذين اعتنيت بهم.

2. أخبرنا عن مجتمع المثليين السري في شقتك

يا للهول، أكتب كتاباً كاملاً عن ذلك الآن. من أين أبدأ؟ لقد بدأنا صديقين فقط: أنا، رجل مثلي، وأعز صديقاتي، وهي مثلية. دعونا أصدقاءنا، الذين دعوا أصدقاءهم، وأسسنا رويداً رويداً مجتمعاً من حولنا بطريقة متناغمة. صار المجتمع مرتبطاً بالمنزل، وتقريباً أدمنوا ارتياد المكان. يمكنك تصوره مكاناً لا يشبه أي مكان آخر حول المدينة. لقد تُركنا وشأننا لنكون الكوير الشائن الذين نريد أن نكون عليه. لقد كان جوهرة بالنسبة إلينا جميعاً، وأتمنى لو أنه استمر، بكل أمانة.

3. قلت إن الحكومة السورية طلبت منك مغادرة سوريا. فهل مُنعت من دخول البلاد؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا؟ وهل هددوك؟

أُلقي القبض عليّ في أيار/ مايو 2012، ثم أُطلق سراحي في حزيران/ يونيو 2012، وأُبلغت بأنني إذا بقيت في البلاد فسوف أُعتقل مرة أخرى. لا أستطيع أن أخبرك عن سبب اعتقالي؛ لأنني لا أعرفه أصلاً. اصطُحبت من المطار في دمشق أثناء رحلة عودتي إلى الأردن، ثم أُطلق سراحي بعد أسابيع. وفي غضون أيام، كنت خارج البلاد وفي طريقي إلى بيروت.  

“لا أعرف ما الذي سوف يحدث إذا عدت إلى سوريا. أفترض أنني سوف أُعتقل مرة ثانية. لذا، أُفضّل ألا أجرب حظي”.

4. كيف كانت تجربتك في بيروت، ثم في كندا؟

إنه سؤال كبير. بدت الحياة في بيروت أشبه بالعيش على الهوامش، لم أكن أعرف ما الذي يخبئه الغد، وكنت أكافح من أجل توفير الأساسيات اليومية، مثل العيش الكريم والمياه والكهرباء. ولكن كذلك، مثلما قلت من قبل، ثمة منظور معقد يحتاج أن يترسخ هنا. لم أجلس في بيروت أنتحب يومياً في بؤس. كان لدي أصدقاء، كنا نخرج وكانت لدينا وظائف، وحاولنا أن نبقى على قيد الحياة وضحكنا، وأحببنا، وكنا نفعل أقصى ما بوسعنا. أعتقد أن تلك المدة من الوقت علمتني الكثير بشأن التجارب الإنسانية المعقدة، وما يعنيه أن تكون إنساناً كاملاً في أحلك الأوقات.

أرجوحة الياسمين

5. ما هو الدافع أو الدوافع التي شجعتك على كتابة رواية “أرجوحة الياسمين” في ذلك الوقت بالتحديد من حياتك؟ وما الذي أثار حماستك لذلك؟

صراحةً لم أجلس قط أفكر بيني وبين نفسي قائلاً، “أريد أن أكتب رواية”. كنت أعيش في بيروت آنذاك، وكنت أعاني نفسياً كثيراً. لم أكن أعلم في ذلك الوقت أنني مُصاب باضطراب ما بعد الصدمة. وبدأت كتابة القصة لأنها جعلتني أشعر بتحسن حيال العالم من حولي، وما أفعله للنجاة في هذا العالم. لقد شعرت أن لها تأثيراً علاجياً، وأعتقد أنها كانت كذلك حقاً.

وعندما انتهيت من كتابة الرواية، لم أكن أعتقد أن أحداً سيقرأها أبداً. وعندما نُشِرَت، اعتقدتُ بصدق أن أصدقائي فقط هم من سيَشترونَها. وما زِلت متفاجئاً مثلَ الجميع أنها حققت هذا النجاح كله.

6. قُلت إنّك لم تكن مُتحمساً أن يُترجم كتابك إلى اللغة العربية. لماذا؟

المسألة ليست أنني لم أكن مُتحمساً، ولكن انظر إلى أي مدى سيتسم هذا الأمر بالتعقيد. أولاً، نحن بحاجة إلى إيجاد دار نشر عربية على استعداد لنشر كتاب يتناول المثلية من منظور إيجابي، وكذلك مترجم يستخدم مصطلحات دقيقة، وبعدها سنرى آراء المجتمع وانطباعاتهم. على رغم من أنني أحاول أن أكون أكثر ثقةً في العالم العربي، لم يكن العالم العربي هو الأفضل؛ لا سيما عندما يتعلق الأمر بوسائل الإعلام. فمثلاً عام 2015، انتشرت قصة عبر القنوات العربية الرئيسية والمنافذ الإعلامية، ظهرت فيها صورتي الشخصية، وتحدثت عن أنني أول لاجئ سوري مثلي الجنس يتزوج من شريكه. لقد كنت أعزب حينها، وكانت القصة مفبركة بالكامل، ولكن بعد ذلك أمضيت أسابيع تلقيت خلالها تهديدات بالقتل ورسائل كراهية. ولست متأكداً من أنني أرغب في المرور بهذه التجربة مجدداً.

إقرأوا أيضاً:

الحياة في الوقت الراهن

7. حدثنا عن الأنشطة التي تقوم بها في مدينة فانكوفر، مع منظّمة “رينبو ريلرود” Rainbow Railroad وفي أوساط المجتمع السوري.

نظراً إلى أنني ناشط في مجتمع الميم، فقد شاركت في تنسيق الجهود عبر شبكة الإنترنت وعلى أرض الواقع لدعم المثليين والعابرين جنسياً من اللاجئين السوريين، لكي يتمكنوا من الهجرة إلى كندا. فضلاً عن أنني أشارك في تنظيم حفل جمع التبرعات السنوي، المعروف باسم “أمسية في دمشق”، لدعم تلك الجهود والتبرع بالأموال لمنظّمة “قوس قزح للاجئين” Rainbow Refugees. ومنذ أيار/ مايو 2015، جمعت ما يزيد عن 200 ألف دولار لدعم عشرة لاجئين سوريين آخرين من مجتمع الميم؛ وشاركت في الجهود الرامية لضمان المرور الآمن لـ28 لاجئاً سورياً من المثليين والعابرين جنسياً إلى كندا.

لقد اعتدت أن أكون أكثر مشاركةً في عمليات إعادة التوطين الفعلية للاجئين السوريين المثليين إلى كندا. بيد أنه قبل بضع سنوات، بدأت التركيز أكثر على جمع التبرعات. والسبب في ذلك هو أنه كان عليّ بكل صدق أن أضع صحتي العقلية في صدارة أولوياتي ومحور اهتماماتي؛ وقد كان العمل مع اللاجئين المثليين الذين تعرضوا لصدمات نفسية دون خبرة في كيفية مساندتهم يُمثل عبئاً ثقيلاً، فقد توفي أحد هؤلاء اللاجئين قبل أسابيع من موعد سفره إلى كندا، الأمر الذي فطر قلبي.

وفي الوقت الراهن، أركز تركيزاً كاملاً على جمع التبرعات وتنظيم حملات التأييد في كندا. على أمل أن الجيل المقبل سيواصل العمل، بينما أركز على ما يمكنني فعله على أكمل وجه.

8. ما الذي دفعك لكتابة رواية “سلمى الشيف السوري”؟ وما هو التأثير الذي أحدثه الكتاب على حد علمك؟

منذ بضع سنوات، شعرت عندما استيقظت من النوم بأن لدي حنيناً لتناول الفطور الدمشقي التقليدي. فلم أكن أريد تناول مخفوق البروتين أو الفطائر. بل أردت تناول لبنة بالزيت وبعض المكدوس المحشي والفول الشامي اللذيذ. ولذا دعوت الكثير من الأصدقاء إلى منزلي من أجل تناول فطور متأخر معاً (أتذكر هؤلاء؟!) وكلفت كل واحد منهم بإحضار أحد المكونات اللازمة لإعداد هذه الوليمة الدمشقية.

لدي أصدقاء ينتمون إلى ثقافتي ذاتها، فيما ينتمي آخرون إلى ثقافات مجاورة، وبعضهم ولدوا في الجانب الآخر من العالم. لقد كان من المضحك قراءة الرسائل النصية التي أرسلوها لي وهم في طريقهم من جميع أنحاء المدينة إلى منزلي، بينما كانوا يبحثون عن مكونات لم يسمعوا بها من قبل. فقد شاركنا الكثير من الصور والملاحظات الصوتية، واستخدمنا خدمات “ترجمة غوجل” كثيراً، لمعرفة الأسماء الإنكليزية للتوابل النادرة. وبعد بضع ساعات، وتقريباً بحلول وقت الغداء، كنت أخيراً في المطبخ أُعد هذه الأطباق اللذيذة لأصدقائي. لقد شعروا بالسعادة والذهول، وأمضينا وقتاً ممتعاً مجتمعين حول طعامنا، وتحدثنا عن ثقافاتنا، وأوجه التشابه بين مأكولاتنا.

على رغم الصراع، فإن أعضاء مجتمع الكوير العربي يواصلون العثور على سبل للنجاح والاستمرار.

في تلك الأمسية، كانت لدي المسودة الأولية لرواية “سلمى الشيف السوري”.

أعتقد أننا حين نكتب حول مواضيع معقدة في أدب الأطفال، فإننا نُقدم للأطفال الاحترام الذي يستحقونه: فهم يستحقون أن يعرفوا العالم كما هو الآن، وليس كنسخة خيالية متوقعة منه. ويستحقون المشاركة في التغيير الذي نأمل بأن نشهده في العالم، ويستحقون أن يكونوا قادة حياتهم ومجتمعاتهم. وكذلك أعتقد أن تقديم مثل هذه القصص المعقدة بطريقة مناسبة للأطفال هو حقاً السبيل لتعزيز التعاطف مع الآخرين.

9. ما هي مشاريعك الأدبية المقبلة؟

من المقرر أن تصدر روايتي “أصداء صافرة الضباب” (The Foghorn Echoes)، في صيف 2022 من إصدارات دار نشر “بنجوين راندوم هاوس”. وسأصدر أيضاً مذكراتي التي تحمل عنوان “أسنان ملتوية” (Crooked Teeth)، في صيف 2024. ولدي مجموعة من القصص القصيرة بعنوان “المُفكرة السورية للنجاة” (The Syrian Survival Notebook)، التي كنت أعدها على مر السنين، لذا ربما سترون ذلك قريباً أيضاً.

خلال الحفل الذي عُقد بمناسبة صدور الكتاب، أتذكر رجلاً كان يطرح بعض الأسئلة بينما يبدو على وشك البكاء. لقد بدا أنه مثلي وعربي، ولعله كان ينتظر هذا طوال حياته. ذلك الشعور بالسعادة الغامرة لأن هناك من يفهمه، وأن تجربته الحياتية لها قيمة.

لا يسعني إلا أن أتخيل ما قد يعنيه تزايد القصص والتمثيل الثقافي بالنسبة إلى المجتمع المثلي العربي، الذي ناضل طويلاً من أجل التوفيق بين هويتيه بطريقة آمنة، ولكن لا شك أن أحمد ترك إرثاً راسخاً في هذه المعركة، ولم ينته بعد.

إقرأوا أيضاً: