fbpx

حرب ترامب الاقتصادية على إيران محكوم عليها بالفشل

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

كل مَن يتدخّل في صراعات الشرق الأوسط الإقليمية، ومنهم إيران، يفعلون ما تفعله الدول دوماً: أي محاولة التأثير على نتائج الأمور لتصبّ في مصالحهم الحقيقية أو المتصوَّرة. ومع ذلك، صمَّمت الولايات المتحدة على جعل موقفها من إيران عدائياً. لكن هل سيُحقّق لها هذا الموقف أي مكاسب استراتيجية؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أعلنت الولايات المتحدة حرباً اقتصادية على إيران، فبعد أن انسحبت في أيار/ مايو الماضي من الاتفاق النووي الذي تبنّاه مجلس الأمن، تُكافح الآن بشكل أحادي ضد حق بقية العالم في الانخراط في تجارة قانونية مع الجمهورية الإسلامية.

تقوم هذه السياسة على الادعاء القائل بأن إيران تمثل تهديداً أمنياً كبيراً على الشعب الأميركي. لكن هذه مبالغة واضحة. وتصريح مايك بومبيو أن العقوبات ستستخدم للحرص على أن “تتصرف إيران مثل بلد طبيعي” يحمل مفارقة غير مقصودة.

الولايات المتحدة نفسها ليست بلداً “طبيعياً”. فالتواطؤ والانخراط في العدوان المريع على اليمن ودعم إطالة أمَد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ليست أعمالاً طبيعية. في الحقيقة إن كل مَن يتدخّل في صراعات الشرق الأوسط الإقليمية، ومنهم إيران، يفعلون ما تفعله الدول دوماً: أي محاولة التأثير على نتائج الأمور لتصبّ في مصالحهم الحقيقية أو المتصوَّرة.

ومع ذلك، صمَّمت الولايات المتحدة على جعل موقفها من إيران عدائياً. لكن هل سيُحقّق لها هذا الموقف أي مكاسب استراتيجية؟

حين كنت سفيراً للمملكة المتحدة في طهران عام 2005، تلقيت مع زملائي الفرنسيين والألمان رفضاً إيرانيّاً لأول محاولة غربية لعقد اتفاق نووي. كثيراً ما يُخطئ المحللون لأننا نعتقد أن المعارك المقبلة ستكون على شاكلة المعارك في أيامنا، لكن هذا ما أعتقد أنه قد يحدث.

من وجهة نظري، ستظل إيران مستقرة على رغم ارتفاع معدل التضخم وموجة الكساد القاسية التي يتوقعها صندوق النقد الدولي. سيزداد الاستياء العام، وربما الاحتجاجات، زيادة بالغة. ومع ذلك سيحاول قادة إيران اجتياز العاصفة. وستكون انتخابات 2020 في الولايات المتحدة حاسمة بالنسبة إليهم. لن يستطيعوا التعايش مع تطاول أمد الأزمة أربع سنوات أخرى إذا فاز ترامب مجدداً. سيكون هدفهم تفادي المواجهة حتى ذلك الحين. وأتوقع أن يتجنبوا في هذه الفترة استفزاز الولايات المتحدة في المنطقة أو إعادة افتتاح الأجزاء التي أغلقوها من البنية التحتية لبرنامجهم النووي.

 

الولايات المتحدة نفسها ليست بلداً “طبيعياً”. فالتواطؤ والانخراط في العدوان المريع على اليمن ودعم إطالة أمَد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ليست أعمالاً طبيعية. في الحقيقة إن كل مَن يتدخّل في صراعات الشرق الأوسط الإقليمية، ومنهم إيران، يفعلون ما تفعله الدول دوماً: أي محاولة التأثير على نتائج الأمور لتصبّ في مصالحهم الحقيقية أو المتصوَّرة.

 

آية الله خامنئي عنيد لا يتنازل عن موقفه. بل إنّ كل قادة إيران يتمتعون بالعزم والتصميم. ومن غير المرجح أن تكون الأضرار الاقتصادية والمعاناة الشعبية خلال العامين القادمين كافية لإجبار الحكومة على التحرك، والأهم من ذلك عدم وجود حملة دولية متفق عليها ضد إيران هذه المرة. فقد صمم الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، آليةً للالتفاف على العقوبات لتحقيق بعض السيولة المالية، على رغم أن الإيرانيين لن يُعوِّلوا على نجاعة هذا الأمر.

وأشار ترامب إلى أنه يريد تحقيق إنجاز ديبلوماسي مثل الذي حققه مع كوريا الشمالية. يقول إن إيران تتغير. وتتعالى الدعوات بين كبار الساسة في الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات للتوصل إلى بديل أفضل للاتفاق.

لكن لا يبدو هذا الأمر قابلاً للتحقيق. إيران منفتحة على المفاوضات، لكن فقط وِفق الشروط التي تراها مقبولة. وكالولايات المتحدة، تحاوِل اتخاذ موقف قوي تتفاوض من خلاله. خلاصة الأمر أن إيران ستغيِّر موقفها الثابت حين توقن أن بإمكانها توقّع تنازلات أميركية حقيقية.

وفي كل الأحوال، هناك مخاطر قد تتحملها الولايات المتحدة إن لم تخفض سقف مطالبها. قد يؤدي الطلب الصيني والهندي والتركي على النفط الإيراني إلى خلق قنوات بديلة للتبادل في التجارة العالمية، تقوِّض موقف الدولار وتضعف قدرة الولايات المتحدة على استخدامه سلاحاً في المستقبل.

ويلوح كذلك خطر حرب تنجم عن خطأ في التقدير، أو حتى عن قصد، فقد تلجأ الولايات المتحدة على إثر فشل سياستها إلى تصعيد الموقف وإشعال الحرب، بدعم من بعض الدول في المنطقة. ومع ذلك، يبدو ترامب راغباً في تجنب حرب أخرى في المنطقة، وسيضرّ إشعال مثل هذه الحرب بفرص إعادة انتخابه.

لن يجدي شيء سوى تغيير هذا النهج، عبر التخلي عن الكثير من مطالب تغيير السلوك، وعبر إظهار شيء من الاحترام، وبدء مفاوضات بشروط واقعية. وإذا أمكن إقناع إيران بأن رفع العقوبات سيكون حقيقياً هذه المرة، فسيكون من السهل حثّ الإيرانيين على تقديم تنازلات بخصوص مدى صواريخهم وأنواعها. وفي النهاية سيكون من الممكن تحقيق اتفاق نووي بديل وانسحاب إيران جزئياً من الإقليم مع عقد اتفاقات سلام في جميع أرجاء الشرق الأوسط.

وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة في الابتعاد من نهج إملاء المطالب والتحول عنه إلى مقاربة تدريجية، فسيكون بإمكان المملكة المتحدة العمل مع ألمانيا وفرنسا لإعادة تشكيل التحالف في مجلس الأمن الذي تفاوض مع إيران ابتداء من عام 2013.

لكن في ظل السياسات الحالية، ربما تظهر الولايات المتحدة بمظهر الضعيف أمام العالم، عوضاً عن تحقيق مكاسب استراتيجية. ومع غياب أي أفق لجذب الحلفاء إلى جانبها أو إجبار إيران على القبول بمطالبها المجحفة، فليس هناك ما قد تجنيه الولايات المتحدة.

 

*ريتشارد دالتون: سفير المملكة المتحدة السابق إلى إيران والباحث المساعد في تشاتام هاوس

هذا المقال مترجم عن صحيفة theguardian.com ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي.