fbpx

وثائقي ARTE والحرب في أوكرانيا:
هل استخلص المجتمع الدولي الدروس من سوريا؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

رسالة الفيلم تشدد على أنه لو تم لجم النظام السوري ومن بعده الروسي لما تحول بوتين إلى خطر يتربص بأوروبا. بمعنى آخر، يستمد بوتين قوته من تقاعس المجتمع الدولي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ بدء الحرب الروسية- الأوكرانية، نُشرت مقالات ودراسات تتناول أوجه التشابه بين الميدانين السوري والأوكراني: صحافيون ومحللون وخبراء أشاروا إلى لجوء موسكو إلى الاستراتيجية العسكرية ذاتها. في هذا الإطار، لم يحمل الفيلم الوثائقي “روسيا: المختبر السوري” الذي بثته قناة ARTE أي جديد لناحية الإشكالية المطروحة، لكن الفارق كان الرسالة التي أرادت الصحافية أوديت بوفييه إيصالها. 

لم تخف بوفييه غايتها، فعبر تناول المشهد السوري، سلطت الضوء على أهمية وضع حد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرة أنه لولا تراخي المجتمع الدولي في سوريا لما تجرأ بوتين على شن حربه في أوكرانيا.

على نحو مباشر تم الربط بين سوريا وأوكرانيا، ما يفسر اعتماد كلمة “المختبر” عنواناً للفيلم، والمختبر هو المكان الذي تتم فيه التجارب، كما يشكل مساحة لاكتساب الخبرات والمهارات. في هذا السياق تماماً، أتاح التدخل في سوريا اختبار الروس قدراتهم العسكرية، قبل شن حرب ضمن مجالهم الحيوي. ونظراً لاهتمام الرأي العام الدولي بالحدث الأوكراني، كان لا بد من تناول الفصول غير المحكية من هذه القصة.

إعادة طرح هذه الاشكالية من قبل بوفييه، لا تنفصل عن تجربتها المهنية والشخصية: فهذه الصحافية المستقلة دخلت إلى سوريا أواخر عام 2011  لإعداد تحقيق ميداني. كانت في حمص حين أصيبت في ساقها بعد قصف مدفعي استهدف مركزاً إعلاميا وأدى إلى مقتل صحافيين اثنين في 22 شباط/ فبراير 2012. ظلت بوفييه عالقة في حي بابا عمرو نحو 10 أيام ليحتضنها الأهالي مقدمين لها المأوى والعلاج. وعبر رسالة مصورة توجهت إلى السلطات الفرنسية لإنقاذها، لتعود إلى بلادها مطلع آذار/ مارس من العام نفسه. تجربة تناولتها في كتاب بعنوان “غرفة تطل على الحرب” (Chambre avec vue sur la guerre). 

استمرارها بتوثيق الحدث السوري يحمل تحدياً للنظام الذي تعمد استهداف المركز الاعلامي لمنع توثيق الجرائم التي تضاعفت “بفضل” موسكو إن مباشرة أو لأنها حالت دون سقوط النظام.   

على خط مواز، حمل الفيلم نوعاً من الرد على الأصوات المطالبة بمهادنة الكرملين باسم البراغماتية بعدما لمس الشارع الأوروبي نتائج الحرب من التضخم إلى أزمة الطاقة.  

 “المختبر” عنواناً للفيلم، والمختبر هو المكان الذي تتم فيه التجارب، كما يشكل مساحة لاكتساب الخبرات والمهارات. في هذا السياق تماماً، أتاح التدخل في سوريا اختبار الروس قدراتهم العسكرية، قبل شن حرب ضمن مجالهم الحيوي.

رسالة الفيلم تشدد على أنه لو تم لجم النظام السوري ومن بعده الروسي لما تحول بوتين إلى خطر يتربص بأوروبا. بمعنى آخر، يستمد بوتين قوته من تقاعس المجتمع الدولي، فالخط الأحمر الذي وضعه أوباما بشأن الاسلحة الكيميائية قبل التراجع عنه، بات بنظر بوتين ضوءاً أخضر ليتدخل عسكرياً أينما أراد، وفقاً للباحثة آن بورش سكايا. كلامها يتقاطع مع ما أدلى به الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند لناحية انسحاب الولايات المتحدة من النزاعات، انسحاب بدأه أوباما واستكمله الرئيس الحالي جو بايدن في أفغانستان، ما حفز الروس على التمدد وفق الاستراتيجية ذاتها. ففي إطار تناوله حصار حلب، سرد سلام الكواكبي (مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس) موقفاً جمعه بمسؤول روسي على صلة بالملف السوري، حيث توجه الأخير للكواكبي قائلاً: “ستواجه حلب المصير الذي عرفته غروزني”، ليستطرد الكواكبي: “وهذا ما عادوا وفعلوه في ماريوبول”.

برغم عدم توسع الوثائقي في عرض الاستراتيجية العسكرية الروسية، إلا أن الكثير من المقالات الصحافية والدراسات الأكاديمية تطرقت للمسألة منذ شباط 2022: يعتمد الروس على خنق المدن الرئيسية من خلال فرض حصار محكم لحرمان المدنيين أساسيات الحياة، بالتوازي مع قصف عنيف لإنهاك الخصم ناهيك بالتهجير المتعمد لفرض واقع ديمغرافي مغاير.  

في مقابلة سابقة، اعتبر الباحث في الشأن الروسي ديمتري مينك أن قتل المدنيين ليس بالضرورة الغاية المباشرة للجيش الروسي. في الواقع، يعمد إلى تحديد هدف عسكري، ويسعى إلى بلوغه غير آبه بالثمن الإنساني، وهو ما يعرف بسياسة “الأرض المحروقة”. سياسة أكدها أحد القادة الميدانيين السوريين المعارضين الذي فاوض الروس كي يسمحوا بخروج المدنيين من حلب كمرحلة أولى على أن يناقش مصير المقاتلين في مرحلة لاحقة، ليرد عليه الجانب الروسي: إما أن يخرج الجميع أو يموت الجميع.   

وتناول الوثائقي انتهاك الروس جميع القوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بالحروب (قصف الممرات الإنسانية، تعذيب المعتقلين، استخدام أسلحة محرمة…)، إذ يملك الروس مقاربتهم الخاصة لحقوق الإنسان. في هذا الصدد، سلط الفيلم الضوء على لجوء الجيش الروسي لما يعرف بالضربات المزدوجة: قصف الهدف كمرحلة أولى ثم انتظار فرق الإغاثة لقصفهم في مرحلة ثانية. كان لافتاً في هذا الإطار المقابلة التي أجريت مع أفراد من الخوذ البيضاء الذين تطوعوا لتقديم نصائح للأوكرانيين، اعتماداً على “خبرتهم الميدانية السابقة”.

واعتبر الوثائقي أن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان منطقياً، فإلى جانب سعي بوتين إلى بسط نفوذه وإضعاف الهيمنة الغربية، ساندت موسكو نظاما يشبهها، أي نظام تسلطي.  بهذا المعنى، بعث الفيلم بالرسالة التالية: المواجهة مع روسيا ليست مجرد مواجهة عسكرية، بل هي مقارعة لمجموعة قيم لا تقيم وزناً لحقوق الإنسان. وإذا ما استمر الحال على هذا النحو، فسيستمر نظامه غير الديمقراطي بالتمدد. فالغرب يخوض مواجهة طويلة الأمد ومتعددة الأبعاد: عسكرية، سياسية، ثقافية. 

بنظر بوفييه، الاستراتيجية العسكرية الروسية ليست عفوية بل مخطط لها بعناية. فقد اختُتم الفيلم بعرض خريطة تظهر توسع نفوذ الجيش الروسي من خلال قاعدتي طرطوس البحرية وحميم الجوية. هذا التوسع سيوفر مرونة لشن عمليات عسكرية، انطلاقاً من المتوسط باتجاه المحيطين الهندي أو الأطلسي، إلى جانب تحويل حوض المتوسط إلى نقطة ارتكاز جديدة للجيش الروسي. بالتالي، عدم مواجهة الروس في أوكرانيا يعني أن موسكو ستتمدد وفقاً لرؤية مدروسة. 

C:\Users\Hassan\Desktop\mediterrannée.jpg

استحواذ أوكرانيا على اهتمام الرأي العام العالمي والأوروبي دفع بأوديت بوفييه إلى توجيه رسالة مزدوجة: تنشيط الذاكرة لناحية التذكير باستمرار المأساة السورية لغاية اليوم وتقديمها كصورة لمستقبل أوكرانيا ما لم يتم التصدي لبوتين. 

لعل بوفييه تأمل بـ”تصحيح الخطأ”، فسوريا التي حولها بوتين إلى مختبر بسبب تقاعس المجتمع الدولي، قد يشار إليها مستقبلاً كـ”بداية النهاية” بعدما أخطأ الكرملين تقدير الموقف، إن لجهة استخفافه برد الفعل الدولي أو المبالغة في تقدير قوته العسكرية. ولعل إخفاقه في أوكرانيا قد يعيد شيئاً من العدالة للسوريين الذين لا يخفون سعادتهم كلما لمسوا إمكانية كسر شوكة بوتين. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.