fbpx

الهوية الإيمانية… التضييق على الحريات في اليمن باسم الدين 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

لم تقتصر إجراءات الحوثيين لترسيخ “الهوية الإيمانية” على الجامعات والدوائر الحكومية، بل امتد نشاط الأجهزة الأمنية وما يعرف بالأمن الوقائي إلى الفضاء العام والأسواق والمحال التجارية، وعمدوا إلى طمس الإعلانات التي تحوي مجسمات للنساء أو صور نساء على لوحات المحلات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كنا نحتفل بتخرجنا من الجامعة بعد سنوات من التعب، كان حفلنا يشغل كل تفكيرنا منذ بداية الدراسة في الجامعة، لكن هذا الحفل تحول إلى كابوس بسبب مجموعة من المسلحين الذين اقتحموا القاعة لإطفاء الموسيقى وإيقاف الحفل بحجة أنه يتنافى مع الهوية الإيمانية”، هكذا تبدأ أحلام (اسم مستعار) الطالبة في كلية الآداب بجامعة صنعاء حديثها عن تلك الذكرى. “كان يوماً مخيفاً، مسلحون بلباس شعبي يحملون أسلحتهم اقتحموا القاعة وأوقفوا الأغاني ومراسيم دخول الطلاب واعتدوا بالضرب على بعض الطلاب، ليخبرونا أخيراً أن الحفل ملغى، لأنه يتنافى مع تعليمات نادي الخريجين”.

خلال موسم حفلات تخرج الطلاب من الجامعات، والممتد من نيسان/ أبريل حتى أيلول/ سبتمبر من كل عام، واجه طلاب الجامعات اليمنية تضييقاً متزايداً من جهة جديدة أنشأتها جماعة  أنصار الله (الحوثيون) في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهي ملتقى الطالب الجامعي،  بغرض مساعدة الطلاب في ترسيخ “الهوية الإيمانية”.

ظهر  مصطلح “الهوية الإيمانية” بشكل جديد منذ عام 2017، وفرضه الحوثيون بالقوة منذ 2019، وعمل ملتقى الطالب الجامعي ونادي الخريجين على مراقبة الطلاب في الجامعات ومنع الاختلاط  بين الجنسين في القاعات والمكتبات وحتى الحديث الجانبي بين الزملاء والزميلات.     

تروي عبير عبدالرحمن، وهي طالبة في كلية الإعلام جامعة صنعاء، حادثة حصلت معها، فبينما كانت تتحدث مع زميل لها عن بحث مشترك بينهما، فوجئت بشبان يعتدون على زميلها بالضرب والشتم لمجرد أنه كان يتحدث معها، مشيرة إلى إيقافه لدى حرس الكلية لساعات.

الهوية الإيمانية وتوجيهات القائد 

في إحدى الخطابات الشهيرة لقائد جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي لمناسبة ذكرى دخول الجماعة إلى العاصمة صنعاء في أيلول 2014، قال إن على الشعب اليمني أن يعود إلى هويته الإيمانية التي انسلخ عنها لعقود طويلة، وأصبح بعيداً من عاداته وتقاليده بسبب الغزو الفكري بقوى العدوان وقوى الإعلام الجديد، على حد وصفه.

 وسرعان ما انعكس الخطاب إجراءات عملية على عدة مستويات رسمية وأهلية، شملت مختلف قطاعات المجتمع والدولة، بما يشمل الفضاء العام في الشوارع والجامعات ووسائل النقل ووسائل الإعلام، وأطلق الحوثيون جيشاً إلكترونياً، واستنفروا مشرفيهم في الأحياء وفي الأجهزة الأمنية.

وفي الدوائر الحكومية، فرض الحوثيون على الموظفين الالتزام بحضور محاضرات دينية لتعزيز الهوية الإيمانية كل يوم أربعاء، مع إجراءات عقابية بحق من لا يحضر كعدم الحصول على الراتب الشهري.

واجه طلاب الجامعات اليمنية تضييقاً متزايداً من جهة جديدة أنشأتها جماعة  أنصار الله (الحوثيون) في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهي ملتقى الطالب الجامعي،  بغرض مساعدة الطلاب في ترسيخ “الهوية الإيمانية”.

يقول عبدالله المطري الموظف في وزارة الأوقاف في صنعاء إن المحاضرات القسرية تتضمن خطباً ودروساً في فضل آل البيت والجهاد والصبر، وبث أناشيد دينية تدعو للقتال والجهاد ويطلق عليها “زوامل”، إضافة إلى دروس سياسية ودينية تتضمن شرح منهج الحوثي، عبر مؤسس جماعة الحوثي حسين الحوثي، وهي ما يطلق عليها  “ملازم السيد”، ويشير المطري إلى أن أي موظف لا يلتزم بهذه المحاضرات، يتم حرمانه من مخصصاته المالية، وربما يعاقب بالفصل والإيقاف، مضيفاً أن القائمين على تلك المحاضرات يطلبون من الموظفين أن ينقلوا ما يتعلمونه إلى منازلهم وزوجاتهم وأولادهم.

ومطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، أطلق الحوثيون ما سموه مدونة السلوك الوظيفي في الدوائر الحكومية، وفي حفل رسمي أطلق رئيس المجلس الأعلى للجماعة مهدي المشاط المدونة التي تضمنت تعاليم إجبارية للموظفين الحكوميين، الذي عليهم التوقيع عليها حفاظاً على الوظيفة العامة والراتب المقطوع أصلا منذ عام 2016.

وقوبلت المدونة بانتقادات واسعة بين شرائح مختلفة من المجتمع اليمني، وهو ما دفع وزير الإعلام في الحكومة التابعة للحوثيين إلى التنديد بهذه الانتقادات، وكتب في تغريدة على حسابه الرسمي على تويتر أن “من يشنون هجومهم على مدونة السلوك الوظيفي مشكلتكم مع الله وتوجيهاته”.

ووفق ما ورد في المدونة “فإن المرتكزات الأساسية القرآن والهدي النبوي، وعهد الإمام علي إلى مالك بن الأشتر (رسالة بعث بها علي بن أبي طالب إلى الأشتر عندما ولّاه حكم مصر تتعلق بكيفية إدارة الدولة)، ودروس ومحاضرات من هدي القرآن الكريم (لزعيم الجماعة السابق حسين الحوثي)، وخطابات زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، إضافة إلى الهوية الإيمانية”.

وهاجمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً المدونة، وكتب وزير الإعلام معمر الأرياني على “تويتر” أن جماعة الحوثي من خلال المدونة تقايض الموظفين بالالتحاق بصفوفهم… والانخراط في الأنشطة والطقوس الطائفية المستوردة من إيران، أو الفصل من الوظيفة”.

الإعلانات تؤخر النصر 

لم تقتصر إجراءات الحوثيين لترسيخ “الهوية الإيمانية” على الجامعات والدوائر الحكومية، بل امتد نشاط الأجهزة الأمنية وما يعرف بالأمن الوقائي إلى الفضاء العام والأسواق والمحال التجارية، وعمدوا إلى طمس الإعلانات التي تحوي مجسمات للنساء أو صور نساء على لوحات المحلات.

مالك أحد المحال حسان عبدالله (استم مستعار) يتحدث عن تعرضه للضرب وقيام عناصر الأمن الوقائي بتكسير واجهة محله وفرض غرامة عليه لوجود صور نساء على الواجهة.

يقول عبد الله إن واجهة المحل ظلت على حالها أكثر من 25 عام دون أي تغيير، ويردف “كلنا مسلمون ويمنيون ونعرف ما لنا وما علينا لكن يبدو أن هناك توجهاً دينياً جديداً يتم فرضه على اليمنيين”. 

ويرى أستاذ علم الاجتماع محمد غانم أن “الهدف من الهوية الإيمانية التي يريد الحوثيون تعميمها على المجتمع هو أولاً فك ارتباط المواطن بالهوية الوطنية التي تكونت خلال العقود الماضية وهي هوية مرتبطة بمبادئ النظام الجمهوري وفكرة أن يحكم الشعب نفسه بنفسه”، إضافة إلى إلغاء “المكتسبات السياسية وطمس أمجاد اليمنيين وانتماءاتهم لحضارات قديمة للتركيز على دورهم في الإسلام وعلاقتهم بالرسول وآل البيت”.

ويتابع غانم أن الحوثيين يسعون “على المدى البعيد  إلى تحويل الهاشمية من طائفية سياسية إلى طائفية دينية”، معرباً عن توقعه أن يؤدي ذلك إلى انقسام ثقافي في المجتمع “إلى أغلبية ترفض الهوية الجديدة وتقاومها وأقلية هاشمية ترسخت لديها مفاهيم الهوية الجديدة”، مضيفاً أنه “في ظل استمرار هذا الحكم ستضطر أغلبية المواطنين لممارسة ما يشبه التقية تجنباً لمواجهة السلطة القائمة حيث ستعيش غالبية المواطنين بهوية مزدوجة، إيمانية تجنبا لمواجهة السلطة، والأخرى وطنية تمسكا بالخصوصية الثقافية”.

ظهر  مصطلح “الهوية الإيمانية” بشكل جديد منذ عام 2017، وفرضه الحوثيون بالقوة منذ 2019، وعمل ملتقى الطالب الجامعي ونادي الخريجين على مراقبة الطلاب في الجامعات ومنع الاختلاط  بين الجنسين في القاعات والمكتبات وحتى الحديث الجانبي بين الزملاء والزميلات. 

بدوره يقول الداعية الإسلامي عبدالحليم الهجري إن توظيف الحوثيين لمصطلح الهوية الإيمانية “يخدم موضوع الولاية الدينية والسلالة الحوثية فقط وهو يتعارض مع قاعدة المساواة في الإسلام”، مضيفاً أن المصطلح ظهر بقوة في ملازم مؤسس الجماعة حسين الحوثي.

ويحذر الهجري من أن “هذه الممارسات تتعارض مع وسطية الدين وتعطي غطاء لخداع الجماهير الي قد لا تفهم ما هو الهدف من الممارسات وقد تتبع المصطلحات اللامعة التي يتبعها الجمهور العام دائماً”. 

جهاز الرقابة على المنظمات

عام 2019، أنشأ الحوثيون “المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي- سكمشا”، وهو الجهاز الذي عزز الرقابة على عمل منظمات المجتمع المدني في مناطق سيطرتهم.

 وأصدر المجلس بعيد تأسيسه توجيهات صريحة بمنع الكثير من الأنشطة والفعاليات، كأنشطة تنظيم الأسرة باعتبارها تتنافى مع قيم المجتمع اليمني وتعاليم دينه وهويته الإيمانية، كما ألغى المجلس الأنشطة القائمة على التدريب والتوعية والتمكين، حتى أصبحت صنعاء خالية من أي أنشطة للمنظمات المحلية والدولية، باستثناء تلك التي تتبع لهم مباشرة والقائمة على توزيع الإغاثة.

ويقول الحوثيون إن هذه الإجراءات تهدف لمنع المنظمات من اختراق المجتمع عبر تلك الأنشطة والتدريبات التي تشكل واجهة لعمليات استخباراتية لبعض الدول في اليمن.

ويكشف رئيس إحدى المنظمات المحلية في صنعاء عمار جهلان عن تلقي المنظمة تعميماً من المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي يقضي بضرورة الحصول على تصريح قبل إقامة أي نشاط تدريبي أو ميداني.

ويضيف جهلان أن التعميم الذي وصل لجميع المنظمات في صنعاء يشدد على عدم الاختلاط بين الجنسين وإرسال كشف بأسماء المشاركين في أي نشاط، وعلى ضرورة وجود مندوب من قبل المجلس أثناء تنفيذ أي نشاط، على أن تتحمل المنظمة المنفذة تكاليف المندوب من تأمين المواصلات والغذاء وغيرها.

من جانبه، يرى رئيس مؤسسة سام للحريات توفيق الحميدي أن تراجع عمل المنظمات في اليمن مؤشر خطير على تراجع الحريات في البلاد، ويضيف  الحميدي أن حرية العمل المدني من المقاييس الأساسية التي يتم على أساسها تصنيف الدول بأنها حرة ومتقدمة، مشيراً إلى صدور تقارير دولية صنفت اليمن بأنه في مرحلة متأخرة من ناحية العمل المجتمعي والمدني وحتى الصحافي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.