fbpx

أحواز إيران : موت خوزستان بعد موت نهرها

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

عادت مدينة الأحواز العربية في محافظة خوزستان الإيرانية إلى الواجهة، بعد الهجوم المسلح الذي شهدته على العرض العسكري في ذكرى الحرب الإيرانية العراقية. مدينة الأحواز مسرح دائم للعمليات العسكرية وساحة مفتوحة للأجهزة الأمنية الإيرانية، لممارسة شتى أنواع الترهيب.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]
الأحواز الإيرانية في لقطة أرشيفية تعود للعام 1982 خلال الحرب العراقية الإيرانية

عادت مدينة الأحواز العربية في محافظة خوزستان الإيرانية إلى الواجهة مرة أخرى، بعد الهجوم المسلح الذي شهدته نهاية الشهر الماضي على العرض العسكري في ذكرى الحرب الإيرانية العراقية، والذي أدى إلى سقوط 30 قتيلا و60 جريحا، وتبنته أكثر من جهة تعتبر مناوئة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، من بينها تنظيم “داعش” و”جبهة المقاومة الشعبية لتحرير الأحواز”، بحسب ما أدلى به الناطق الرسمي باسم “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” الحر التستري.

قبل الهجوم الأخير، لم تكن مدينة الأحواز بخير، فهي على الدوام مسرح للعمليات العسكرية من قبل المنظمات العربية المسلحة وغير المسلحة المطالبة بالاستقلال، من جهة، ومن جهة أخرى، هي ساحة مفتوحة للأجهزة الأمنية الإيرانية، لممارسة شتى أنواع الترهيب والقمع والضغوط النفسية والاقتصادية والثقافية.

ذلك أن رغبة الأحوازيين في الاستقلال، تعود إلى ما قبل الثورة الإسلامية في إيران، أما قمع هذه الرغبة، فهو متوارث من قبل الحكومات المتعاقبة، حيث لم يختلف أداء السلطة وأدوات قمعها على مر تاريخ هذه البلاد، سواء كانت إمبراطورية أم إسلامية.

إقليم الأحواز، تاريخيا، هو إمارة عربية ضخمة، تمتد جغرافيا على طول الساحل الشرقي للخليج العربي، ابتداء من مضيق هرمز وصولا حتى شط العرب، عُرف أيام الدولة الصفوية باسم “عربستان” أي بلاد العرب.

في العام 1925 أعلن رضا شاه بهلوي، بدعم من الاحتلال البريطاني، ضم إقليم الأحواز رسميا إلى الدولة الإيرانية، وقسمه إلى ثلاث محافظات إدارية هي: خوزستان، هرمزكان وبوشهر، بعد أن كان إقليماً عربياً يتمتع باستقلال تام وإدارة ذاتية، ونشأت إثر ذلك أولى انتفاضات الأحوازيين ضد الحكومة المركزية ومازالت مستمرة.

مدينة الأحواز، هي عاصمة محافظة خوزستان، ويعيش فيها نحو مليوني شيعي عربي، بينهم عدد من الأقليات الدينية (الصابئة) بحكم جوارهم العراقي، والقومية (اللرية) بحكم جوارهم الجغرافي مع إقليم لرستان الإيراني، ومستقدمون من القومية الفارسية، وهي غير إقليم الأحواز التاريخي.

سيدات من عوائل العسكريين الذين سقطوا في الأحواز في العملية الأخيرة

ويختلف عرب خوزستان عن عرب بوشهر وهرمزكان، من حيث لهجتهم وتقاليدهم الاجتماعية وثقافتهم. عرب خوزستان (عاصمتها الأحواز) أصولهم عراقية، ويتحدثون العربية باللهجة العراقية، وهم من أتباع المذهب الشيعي الإمامي، وينحدر منهم عبد الله بن المقفع وابن السكيت وأبو النواس وسيبويه، ومنهم أيضا الشيخ الثائر على الحكم البهلوي خزعل الكعبي، الذي سلمه الاحتلال البريطاني لرضا شاه، بعد اكتشاف ثروات خوزستان النفطية، وأعدمه الأخير بالسم في معتقله في قلعة طهران العام 1936، ومنهم كذلك أحمد مولا أبو ناهض المعروف باسم أحمد نيسي، مؤسس “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز” والذي اغتالته قوة تابعة لفيلق القدس في تنظيم الحرس الثوري الإيراني على عتبه منزله في لاهاي في سبتمبر العام الماضي.

أما عرب بوشهر وهرمزكان أو عرب الساحل الشرقي للخليج فتعود أصولهم إلى الأصول ذاتها للقبائل العربية في الدول العربية المطلة على الخليج، المعروفة باسم قبائل الهولة، والتي تعيش على سواحل عمان، البحرين، الكويت، الإمارات العربية المتحدة وفي المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية ويتحدثون العربية بلهجة خليجية ويتبعون المذهب السني، واشتهروا بالتجارة البحرية والبناء وصيد اللؤلؤ والغوص.

علاقة عرب بوشهر وهرمزكان بالحكومة الإيرانية، جيدة نوعا ما، رغم اختلاف المذهب، والمفارقة أن المذهب الشيعي الإمامي، لم يشفع للحكومة الإيرانية باحتواء عرب خوزستان، ولا باعتراف عربها بسلطتها عليهم.

يمكن حصر العلاقة العدائية بين عرب خوزستان والحكومات الإيرانية المتعاقبة، في ثلاث مسائل متداخلة: ثقافية وجغرافية واقتصادية

منذ تفتيت إقليم الأحواز العربي ومحاولات تفريسه الممنهجة، وإعلان ضمه رسميا إلى إيران في العام 1925، تتبع إيران سياسات تمييزية ضد سكانه العرب

في المسألة الثقافية: قد تكون النزعة الاستقلالية التي يمتاز بها عرب خوزستان، عائدة إلى التركيبة النفسية للقبائل والعشائر العربية العريقة، التي ينحدر منها شعب هذه المنطقة. فغالبية العائلات الخوزستانية تعود أصولها إلى قبائل عربية هاجرت إليها من شبه الجزيرة العربية، مثل: طي وبكر وتميم وكعب وربيعة وأسد وفروع كندة والسادة الهاشميين، وهم كما وصفهم الجغرافي الألماني كارستن نيبور “يعشقون الحرية إلى درجة قصوى شأنهم شأن إخوانهم في البادية العربية”. عدا أن هذه المنطقة شهدت في التاريخ القديم، ميلاد الحضارة العيلامية، إحدى أشهر الحضارات السامية في العالم. هذ النزعة، شكلت بدورها، مأزقا نفسيا وحضاريا، للممالك الفارسية المختلفة، حيث لم تستطع محو الفروق الثقافية والاجتماعية بين الفرس الآريين والعرب الساميين، التي ساهمت في تشكيلها منابت السكان الأصلية إضافة إلى البيئة الجغرافية.  

في المسألة الجغرافية: لا يختلف سكان المدن الخوزستانية، بطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية عن جيرانهم العراقيين، يورد الباحث الإيراني أحمد كسروي في كتابه “تاريخ خوزستان في خمسمئة عام” أن “التاريخ الجيولوجي لأراضي الأحواز في عربستان والسهل الرسوبي العراقي متماثل، فقد تكوّنا من ترسبات دجلة والفرات وكارون، وشكلت سهول هذه المنطقة مع سهول العراق وحدة قائمة بذاتها، لها خواص مناخية متشابهة”. كما أن سكان مدن هرمزكان وبوشهر يشبهون شكلا ومضمونا عرب الدول المواجهة لسواحلهم، فسكان مدن هرمزكان الساحلية، مثلا، لا يمكن تفريقهم عن جيرانهم العمانيين.

على الخارطة، تنتهي بلاد فارس عند مرتفعات جبال زاغروس، الممتدة من كردستان شمالا حتى مضيق هرمز جنوبا، لتنبسط على مقلبها الآخر لجهة المياه (سواحل الخليج العربي وشط العرب) السهول والأراضي الزراعية الخصبة والصحارى الواسعة، التي تعتبر مواطن قبلية عربية منذ القدم، هذا الفاصل الجغرافي الطبيعي أدى إلى غياب أي علاقة اجتماعية أو سياسية، بين سكان المناطق الساحلية (العرب) وسكان ما وراء الجبال (الفرس)، إضافة إلى أن هذا الفاصل حال دون أن يكون الفرس، يوما، أمراء للبحار، وهنا تكمن عقدة حضارية أخرى.   

في المسألة الاقتصادية: مع إعلان بريطانيا العظمى اكتشاف النفط في إقليم الأحواز في العام 1908، بدأ عصر جديد من التوتر بين حكام الإقليم والسلطة المركزية في طهران، حيث تم القضاء على إمارة بني كعب واعتقل أميرها الشيخ خزعل واقتيد أسيرا إلى طهران ومات فيها مسموما. ثم قسمت الإقليم إلى ثلاث محافظات، وشرعت بعملية التغيير الديمغرافي، فاستقدمت عائلات إيرانية فارسية، وأسكنتها في المدن العربية بعد أن حولت أسماءها من العربية إلى الفارسية.

أما محافظة خوزستان وحدها، فتعوم فوق بحر عظيم من الثروات الطبيعية، أولها النفط، ثم الغاز الطبيعي، وتلحقهما الأنهار والأراضي الزراعية الخصبة، وقد وصف الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي أهمية خوزستان بالنسبة إلى إيران بقوله: “لا حياة لإيران بدون خوزستان”.

فعلى سبيل المثال، تعد مدينة عبادان آبادان بالفارسية، التي تقع على شط العرب ويحيط بها نهر كارون العظيم من الجهات الثلاثة الأخرى، كنز إيران الطبيعي الغني بالبترول والمياه والأراضي الزراعية، وهي تضم إحدى أكبر مصافي النفط في العالم، وفيها أكبر ميناء تجاري ونفطي في إيران، وتشهد استثمارات سنوية بملايين الدولارات في قطاعي النفط والغاز، لكنها استثمارات لم تحقق لها نقلة اجتماعية أو تنعكس رغدا على حياة أهلها، لأنها مدينة منهوبة، منكوبة، كل عائداتها تذهب إلى خزائن الحرس الثوري والحكومة المركزية.

أما نهر كارون العظيم، النهر الوحيد في هذه الجهة من العالم، الذي تبحر فيه السفن التجارية وناقلات النفط، ويمتد طوله أكثر من 950 كيلومتر ويسقي مئات الآلاف من الهكتارات الزراعية على جانبيه، فتم تجفيفه وتحويل مياهه عبر أنابيب الأنفاق نحو مزراع أصفهان ورفسنجان ويزد وغيرها، عدا السدود السبعة المنجزة، التي حجزت مياهه لتستفيد منها المحافظات الشمالية.

ويشهد حاليا أهالي خوزستان موت نهرهم العظيم، وموت حياتهم معه، كل ذلك لأنه ينبع من منطقة زرد كوه في منطقة جبال زاغروس، مما منح السلطات الإيرانية حق التصرف فيه، كما تدعي الرواية الرسمية. ومما قاله أحد المسؤولين الإيرانييين رداً على الحراكات الشعبية في خوزستان المطالبة بوقف تجفيف النهر: “إن الكثير من الأنهار في العالم جفت، وكارون لا يستثنى من هذه القاعدة”.

منذ تفتيت إقليم الأحواز العربي ومحاولات تفريسه الممنهجة، وإعلان ضمه رسميا إلى إيران في العام 1925، تتبع إيران سياسات تمييزية ضد سكانه العرب، فممنوع على عرب هذه المنطقة تعلم لغتهم في المدارس والجامعات، عدا الصعوبات التي يواجهها الطلاب للدخول إلى الجامعات، حيث تعتمد الدولة سياسة محدودية التعليم، وممنوعون أيضاً من تسمية أطفالهم أسماء عربية، إضافة إلى أنهم يعانون من التمييز الوظيفي من حيث فرص العمل والرتبة والراتب، ويعاملون كمواطنين درجة ثانية من حيث الحقوق الإنسانية والإنماء، مما أدى على الدوام إلى نشوء حركات اعتراضية وانتفاضات شعبية وعمليات انتقامية بين الحين والآخر.

إقرأ أيضاً:

 في إيران يُجبر معتقلو الرأي وأهلهم على الندم تلفزيونياً

 إيران : حملة اعتقالات بتهم الرقص والوشم وعرض الأزياء والمرأة هي “مكمن الضعف”..

 

 

 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.