fbpx

ترحيل لاجئين واعتقالات… تمهيداً للقاء أردوغان – الأسد!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

تستخدم تركيا اللاجئين السوريين كورقة انتخابية، سياسات الترحيل القسري والانتهاكات ضد المحتجزين، تزرع الرعب في قلوب السوريين الخائفين على حياتهم في ظل أخبار عن لقاء أردوغان والأسد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عاش سامر في اسطنبول لمدة عام،  لجأ من إدلب شمال سوريا بعدما ضاقت به السبل. عمل في أحد المصانع ثم انتقل ليعمل “عتالاً ” في أحد أسواق المدينة، كان يتقاضى ألف ليرة تركية أسبوعياً، يرسل نصف المبلغ إلى عائلته ويتدبر أموره بما تبقى. نستخدم صيغة الماضي لأن سامر اعتُقل ورُحِّل إلى الشمال السوري، التجربة التي يصفها بـ”الموت الموقت”، إذ يقول: “كنت أتمنى الموت على أن أمر بما مررت به”.

كان سامر واحداً من ثلاثة ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا على وقع تصاعد وتيرة الاعتقالات ثم الترحيل القسري، الاستراتيجيّة المريعة التي تتبناها السلطات التركيّة منذ بداية العام الحالي تحت مسمى “العودة الطوعية”. لا تقتصر عمليات الترحيل على الأفراد، بل امتدت إلى ترحيل جماعي وفق مخطط وتوزع مناطقي، ومعظم المرحلين كانوا يحملون بطاقات “الحماية الموقتة” الصادرة عن دائرة الهجرة التركية.

اعتُقل سامر من الشارع من دون أي سبب، كان يرغب في شراء العصير، لكنه لم يعلم أن رغبته تلك ستعيده عاماً إلى الوراء، وصل إلى أول الشارع، فأوقفه رجال الشرطة وأدخلوه إلى الباص، ثم نقلوه إلى سجن “توزلا” حيث أوقف ليومين ورُحّل بعدها إلى شمال سوريا.

“أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة، عندما سألت الشرطي عن مضمون الاستمارة، ضُربت  وأجبرت على توقيعها مثل كثيرين رأيتهم يُضربون لأجل ذلك”، يقول سامر في محادثة معه عبر تطبيق “زووم”. يخبرنا أنه كاد يفقد وعيه مرتين أثناء التعذيب في السجن، هو يعاني بسبب أزمة صحية في قلبه، لكن لم يحرك أحد ساكناً حين كان يُركل ويُضرب، ليُجبر بعدها على توقيع وثيقة “العودة الطوعية”، ويعود إلى بلده بعدما فقد أمواله التي صودرت منه، وأسنانه التي تحطّمت بفعل التعذيب. 

عمليات ترحيل جماعيّة

رحّلت رئاسة دائرة الهجرة في تركيا قرابة 20 عائلة سورية لاجئة مقيمة في منطقة KahramanKazan (أنقرة) إلى شمال سوريا عبر معبر جرابلس  الحدودي، معظم أفراد العائلات يحملون بطاقة الحماية الموقتة (الكملك) الصادرة عن مديرية الهجرة في أنقرة، والبعض ممن يمتلكون عملاً أو ممتلكات منقولة، لم يُسمح لهم بتسوية أمورهم المالية (تم ترحيلهم خلال 72 ساعة). 

تأتي عمليات الترحيل هذه ضمن خطة تتبعها الحكومة التركية تهدف إلى إخلاء تركيا من اللاجئين السوريين، وفق تصريح سابق لداريا يانيك، وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، التي تعهدت بإخلاء تركيا من اللاجئين السوريين بحلول عام 2023، الشأن الذي يتطابق مع قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلده في حزيران/ يونيو المقبل، الذي يصادف موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها تركيا قريباً.

تطبَّق هذه السياسة في ظل تجاهل حقيقة أن سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين، لكن أردوغان أكد نيته بناء 200 ألف وحدة سكنية في 13 منطقة بتمويل من منظمات إغاثية دولية، سبق ذلك إعلان وزير الداخلية Süleyman Soylu عن مشروع Seyreltme / التخفيف، الذي يهدف إلى تحديد نسبة وجود اللاجئين السوريين والأجانب في بعض الأحياء والمناطق بنسبة 25 في المئة من إجمالي نسبة السكان. تزامن ذلك مع قرار رئاسة الهجرة إغلاق قرابة 1169 حياً سكنياً أمام إقامة اللاجئين السوريين الأجانب (توزعت الأحياء المحظورة على 52 ولاية).

التخفيّ بمواجه سياسة الترحيل

وصل محمد (26 سنة) إلى اسطنبول بعد عام من المحاولات الفاشلة، رحلة شاقة خاضها الشاب العشريني، ليقطع الحدود من إدلب إلى تركيا من دون أن يقبض عليه حرس الحدود التركي ويبرحه ضرباً كما حدث في المرات السابقة. 

وصل محمد لكنه لم يحصل على الأمان الذي يشعر به اللاجئون عند الخروج من بقعة الخوف أخيراً، فتركيا هدف الشاب العشريني الذي أمضى أعوام الشباب الأولى هارباً من الحرب والخوف والخطر بين سوريا ولبنان، يقول: “أريد الدخول إلى أوروبا، عليّ الاختباء هنا حتى الصيف، أريد حماية حلمي”. 

يختبئ محمد في إحدى القرى المجاورة لغازي عنتاب، خوفاً من أن يُلقى القبض عليه ويُرحل كما حصل مع مئات اللاجئين السوريين في تركيا، يصف ذلك قائلاً: “الخوف بات رفيقنا الدائم نحن السوريين، لا مجال للراحة والاطمئنان، سواء كنا داخل بلاد الحرب أم خارجها، صراعنا هدفه البقاء”. لا يستطيع محمد الخروج والعمل الآن، يعتمد على دعم بعض أصدقائه حتى الصيف كي لا يخرج ويُعرّض نفسه لخطر الترحيل إلى إدلب مجدداً.

وأصدرت رئاسة إدارة الهجرة في تركيا مؤخراً، بياناً وثّقت فيه ترحيلها 119817 لاجئاً منذ بداية العام الحالي في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية، وأشارت إلى أن  نسبة النجاح بلغت 70 في المئة. 

تُنفذ عمليات الترحيل عبر ثلاثة منافذ حدودية، شهد معبر باب الهوى في إدلب أعلى حركة مرور، يليه باب السلامة في حلب، وتل أبيض في الرقة. تواصلنا في “درج” مع أحد الموجودين بشكل دائم  في معبر باب الهوى، وأشار إلى أن معظم المرحلين من تركيا عبر المعبر أفادوا بأنهم قد أجبروا على التوقيع على استمارات “العودة الطوعية”، وذكر له أحد المرحلين أيضاً، أن من يرفض التوقيع يتعرض للتهديد والضرب، كما أضاف أن كثراً من المرحلين تعرضوا للتعذيب واختبروا ظروف اعتقال سيئة. 

 وصدر بيان عن المفوضية الأوروبية في بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أكدت فيه أنها قدمت لتركيا هذا العام حزمة مالية (دعم) بقيمة 1.2 مليار يورو  في إطار ضبط عمليات الهجرة غير الشرعية ومراقبة الحدود ومسار دعم اللاجئين. 

صُرف (جزء) من هذه الحزمة على مراكز الترحيل (نفقات احتجاز اللاجئين)، في حين تُغرق رئاسة الهجرة مراكز الترحيل باللاجئين، ويرى الناشط السوري الحقوقي طه الغازي أن بيان رئاسة الهجرة كان في أصله رسالة ضمنية للمفوضية الأوروبية، سعت من خلاله الى تأكيد التزامها ودورها في اتفاقية مناهضة الهجرة غير الشرعية (الاتفاقية التي تم تمويلها من المفوضية الأوروبية بحزمة مالية 1.2 مليار يورو).

ووثقت هيئات حقوقية تركية حكومية (TİHEK) ومنظمات حقوقية دولية (HRW) في تقاريرها الخاصة بحقوق اللاجئين السوريين، تعرُّض بعض اللاجئين للتعنيف النفسي والجسدي في بعض مراكز الترحيل وإجبارهم بالإكراه (من بعض الموظفين في تلك المراكز) على التوقيع على أوراق العودة الطوعية، واتباع رئاسة الهجرة سياسة الترحيل “القسرية” مع اللاجئين السوريين مؤخراً، على رغم ذلك، ما زال كل من وزارة الداخلية التركية ورئاسة الهجرة يستخدم وصف “الطوعية” في حديثه عن إعادة / عودة كل اللاجئين السوريين إلى مناطق الشمال السوري.

وجاء في تقرير “هيومن رايتس ووتش”، “في انتهاك للقانون الدولي، اعتقلت السلطات التركية مئات اللاجئين السوريين، حتى الأطفال غير المصحوبين بذويهم، وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا. وعلى رغم أن تركيا قدمت حماية موقتة لـ3.6 مليون لاجئ سوري، يبدو الآن أنها تحاول جعل شمال سوريا منطقة للتخلص من اللاجئين”.

تراجع العمليات العسكريّة في الشمال السوري لا يعني انتهاءها، فالانتهاكات والاعتداءات مستمرة ضد المواطنين هناك، وكثر ممن غادروا خسروا منازلهم وعائلاتهم ولا مكان ليعودوا إليه.

تواصلنا في “درج” مع  نادية هاردمان، الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش، التي علقت على الشأن قائلةً: “إن عمليات الترحيل غير قانونية وقسرية، كونها لا تسمح للاجئين بأن يعرفوا سبب احتجازهم، يتم بعدها إجبارهم على توقيع استمارات لا يسمح لهم بقراءتها، وإن سمحوا لهم بذلك، فهم مجبرون على التوقيع في أي حال وإلا يتم ضربهم وتعذيبهم”. وأشارت هاردمان إلى عدم إمكانية طرح الأسباب وراء عمليات الترحيل، لأن السلطات التركية لم تعطِ أي تبرير للاجئين الذين يتم احتجازهم وترحيلهم، لكن لوحظ ارتفاع الهجمات العنصرية والمعادية للأجانب في تركيا، بخاصة ضدّ السوريين، كما أصبح واضحاً استخدام ملف الترحيل في البرامج الانتخابية.

يشرح الناشط الحقوقي طه الغازي لـ”درج”، الأسباب المتوقعة وراء ما يحدث قائلاً: “هناك تيارات وشخصيات في المعارضة التركية تحرض في العامين الأخيرين على خطاب الكراهية والتمييز العنصري تجاه اللاجئين السوريين، وكانت ترجمة هذا التحريض تعرُّض عدد كبير من السوريين لاعتداءات ومضايقات، كما بات ملف الترحيل ورقة رابحة في برامج المرشحين للانتخابات التركية، نلاحظ أيضاً أن الحكومة التركية تنشر أسبوعياً بيانات وأرقاماً عن عمليات الترحيل كرسائل إلى الداخل التركي، التي ترافقت مع التضييق الذي يتعرض له اللاجئون السوريون في لبنان والأردن”.

يسأل الغازي عن سبب غياب موقف أو دور للمؤسسات المعارضة السورية والمنظمات والهيئات واللجان الملحقة بها واللجنة المشتركة التي تم استحداثها للعمل على ملف العودة القسرية، وما يتعرض له اللاجئون من تعنيف وتعذيب جسدي ونفسي وتقديم الدعم القانوني للعائلات التي يتم توقيفها. 

انتهاكات للقانون الدولي وعنف عشوائي

لم تحترم تركيا الالتزامات الدولية التي أبرمتها (معاهدة جنيف 1951، بروتوكول 1967، معاهدة مناهضة التعذيب 1987)، إذ يتوجب عليها عدم تطبيق سياسة الإعادة القسرية، وحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطراً حقيقياً بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة. على تركيا أيضاً حماية الحقوق الأساسية لجميع السوريين، بغض النظر عن مكان تسجيلهم، ويجب ألا تُرحّل اللاجئين الذين يعيشون ويعملون في مدينة غير تلك التي سُجّلت فيها هوياتهم وعناوين الحماية الموقتة، واحترام  القرار الذي ينص على عدم ترحيل اللاجئين قبل مرور 7 أيام على اعتقالهم، لكن وفق الشهادات التي حصلت عليها “هيومن رايتس ووتش”، هناك من تم ترحيلهم خلال 48 ساعة فقط مع تكبيلهم خلال عملية النقل إلى مركز الترحيل من محافظة إلى أخرى .

تراجع العمليات العسكريّة في الشمال السوري لا يعني انتهاءها، فالانتهاكات والاعتداءات مستمرة ضد المواطنين هناك، وكثر ممن غادروا خسروا منازلهم وعائلاتهم ولا مكان ليعودوا إليه. وقد خلص تقرير  “لجنة تقصي الحقائق في سوريا” التابعة لـ”الأمم المتحدة”في أيلول/ سبتمبر، إلى أنّ سوريا ليست آمنة للعودة، إضافة إلى الخوف من الاعتقال والاضطهاد، ويعلق الغازي على إدعاءات الحكومة التركية قائلاً إن “ادعاء الحكومة التركية أن الشمال السوري بات آمناً غير منطقي، أحد الشبان رُحّل إلى مناطق الشمال السوري وتوفى بفعل القصف هناك، كما أن التعامل مع ملف الترحيل غير مدروس، في العام الماضي رُحّل شباب أفغان إلى شمال إدلب!”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.