fbpx

أقنعة “آل مبارك” الساخرة: دروس مصريّة في الحنين إلى الخراب

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يحاول المصريون انتقاد النظام الحالي وسياساته الاقتصادية عبر توظيف مبارك ونجليه للسخرية من النظام الحالي وما تشهده البلاد من فقر وغلاء، ما فعّل لدى البعض حنيناً إلى الرئيس المخلوع.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“كنت بسرطنكم آه، لكن أمنع عنكم الدوا ليه، هو أنا كافر”، تُلخص العبارة السابقة التي وردت في منشور على صفحة “محمد حسني مبارك” الساخرة، نظرة المصريين إلى الاختلاف بين عهد الرئيس الراحل حسني مبارك وما يعيشونه الآن. 

لا تؤيد الصفحة مبارك، لكنها تستخدمه بشكل واضح لانتقاد الوضع الحالي عبر السخرية والتحذلق، ولا تبرّئ مبارك وعائلته من اتهامات الفساد، بل تتهكم منهم ومن نجاتهم من العقاب، إذ نشرت لاحقاً: “صباح الخير… كنت حابب أفكركم إن فلوسنا اتحجز عليها والدولار بخمسة جنيه ورجعتلنا تاني والدولار ب 18 جنيه”.

ما زال جزء من المصريين مؤيداً للرئيس الراحل، وهو أمر تتعقبه السلطة الحالية ويزعجها بالفعل، فعام 2019، ألقت قوات الأمن القبض على كريم حسين (آدمن) صفحة “أنا آسف يا ريس”، التي تأسست عقب إسقاط حسني مبارك عام 2011، واجتذبت حتى بداية العام الحالي أكثر من أربعة ملايين متابع.

تنشر الصفحة بشكل دوري فيديوات وصوراً لمبارك وعائلته في مناسبات مختلفة، لكن سبب القبض على كريم حسن هو نشره فيديو يحوي عدداً من لقاءات الرئيس المخلوع وهو يحذر من سياسات صندوق النقد الدولي، ويتحدث عن رفع الدعم عن البنزين والدولار، لأنها تثقل كاهل المواطن، ما يتعارض بشكل واضح مع سياسات السلطة الحالية، التي تتوسع في الاقتراض بشكل غير مسبوق، وتسرّع وتيرة رفع الدعم وتعويم الجنيه بشكل شبه كامل، إذ بلغ  سعر الدولار حتى لحظة كتابة هذه السطور 30 جنيهاً مصرياً.

أمرت النيابة العامة بحبس كريم حسين 15 يوماً على ذمة التحقيق، بتهمة إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية، قبل الإفراج عنه بعدها بأشهر في آذار/ مارس 2020.

بدأت الصفحة بوصفها معارضة للثورة المصرية، ومؤيدة للدولة والنظام عموماً، كان همها الأول أن ترد تُهم الفساد عن الرئيس المخلوع، لكن القائمين عليها لم يدركوا المفارقة، إذ تحولت رغماً عنهم إلى صفحة معارضة لسياسات النظام الحالي، وهو ما لم يكن مقصوداً أبداً، إذ نشرت الصفحة بياناً عقب إلقاء القبض على كريم حسن،  جاء فيه: 

 “حملة آسفين يا ريس لا علاقة لها بأي جماعات مخالفة لسياسة الدولة، إذ ساندت القوات المسلحة والدولة في حربها على الإرهاب والجماعات الإرهابية، ولم يصدر عنها أي أعمال مخالفة للقانون، أو ضد توجيهات الدولة المصرية، نؤكد دعمنا الكامل لمؤسسات الدولة، وأننا أول من حشد لثورة 30 يونيو ودعمنا الرئيس السيسي بدءا من التفويض حتى الرئاسة”.

“كنت بسرطنكم آه، لكن أمنع عنكم الدوا ليه، هو أنا كافر“.

علاء مبارك ساخراً

صار الترحّم على مبارك وأيامه أمراً عادياً، كما تُنعش آمال ترشح نجله جمال مبارك للرئاسة أفكار البعض، يأتي ذلك عقب كل حدث يظهر فيه جمال، كزيارته الأخيرة إلى قبر والده، في ذكرى حرب أكتوبر، حيث التفّ حوله عدد من المواطنين بشكل يعكس شعبيته وقدرته على حشد الناس من حوله.

الجديد في حكاية “آل مبارك” هو المنشورات التي ينتقد فيها علاء مبارك النظام الحالي ويناوِشه، والتي كتب بعضها بالفعل، فيما تحولت أخرى إلى صفحات ساخرة تستخدم اسمه.

أحد تعليقات علاء الساخرة استهدفت مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، والذي يقضي بإنشاء صندوق للأسرة المصرية يموله المقبلون على الزواج، إضافة إلى خضوع العريس لكشف طبي من لجنة فنية قبل عقد القران، إذ غرّد عبر حسابه الشخصي على “تويتر”: 

“ولازم العريس المقبل على الزواج بعد الكشف الطبي وقبل موافقة اللجنة والمأذون يخضع لاختبار اللياقة البدنية تحت إشراف مدرب أحمال 10 عدات ضغط و20 عقلة و20 قرفصاء ويختم بـ 3 لفات بدون توقف للتراك المحيط بملعب كرة القدم ويتم عرض النتيجة على اللجنة ولو نجح تتم الموافقة ونبارك للعروسين”.

Text Description automatically generated

 حذف علاء مبارك التغريدة بعد مدة قصيرة من نشرها، ثم تكرر الأمر في آب/ أغسطس 2022، إذ دخل  علاء في جدل مع مصطفى بكري، الإعلامي والنائب، الذي تقدم ببلاغ إلى مكتب النائب العام ضد علاء، لأن الأخير اتهم بكري بقلة الأصل بسبب عدم حضوره عزاء والده.

كان مصطفى  بكري واحداً من أشهر المؤيدين والمستفيدين من نظام مبارك، وقال علاء مبارك في تغريدة حذفها لاحقاً أيضاً: “ما يبقاش تاريخك كله فضايح وتيجي عند ابن الأصول وتديله نصايح”.

هاجم علاء مبارك في كانون الثاني/ يناير 2022 الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر حسابه الرسمي على تويتر، ثم أثار جدلاً بعد تغريدة قال فيها إن مصر ليست كُهْنة ولا شبه دولة، عقب كلمة ألقاها السيسي، مهاجماً سياسات مبارك، إذ قال: “من خوفهم على الكراسي خافوا يصارحوا الناس بكارثة تسعيرة خدمات الطرق والنقل… لحد ما خلوا البلد كهنة. طرق متهالكة وسكة حديد وقطارات متهالكة”، وأضاف “سياسات التسعير كانت سبباً وراء تدهور المشروعات القومية”.

تستخدم المناوشات المتكررة التي يثيرها علاء مبارك من وقت إلى آخر، عبر صفحات منسوبة إليه، تهاجم سياسات العهد الحالي بشكل مباشر، ومن بينها تدوينة نسبت الى علاء مبارك على “فيسبوك”، تضمنت آية من القرآن الكريم تتحدث عن الظلم. انتشرت التدوينة  بشكل لافت، ما اضطر علاء إلى إصدار بيان ينفي علاقته بأي حساب سوى حسابه الرسمي على “تويتر”.

لم يكن عهد حسني مبارك نعيماً، والسياسات الاقتصادية التي أطلقت يد طبقة رجال الأعمال المقربة منه ومن نجليه جمال وعلاء، هيمنت على المشهد السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى ارتفاع نسبة التضخم. ويرى البعض أن تلك السياسات لم تكن ستؤدي حال استمراره أو توريث أحد نجليه، إلى ما يحدث الآن،  أي وصول سعر الدولار مقابل الجنيه المصري إلى رقم غير مسبوق.

  بدأ  الدولار رحلة انخفاضه في عهد مبارك، ووفقاً للتقديرات الدولية، فإن نسبة المصريين الذين عاشوا دون خط الفقر في عهد الرئيس المخلوع وصلت إلى 30 في المئة وفق بيانات رسمية، كما أن الرضوخ لسياسات صندوق النقد الدولي بدأ عام 1990، لكن ما كان مختلفاً آنذاك هو أن الدعم كان يُرفع تدريجياً عن المواد الأولية لا مباشرة وبشكل كليّ. 

رسخت طبقة رجال الأعمال المقربة من نظام مبارك ما يعرف بظاهرة “المال السياسي”، بوصفها جزءاً من أسلوب الحكم في مصر، نقصد مثلاً رجل الأعمال أحمد عز، الذي لُقِّب حينها بإمبراطور الحديد، بسبب سيطرته على صناعة الحديد وتجارته، المفارقة أن النظام الحالي يتبنى السياسات ذاتها بوتيرة قاسية متسارعة، لا تعرف الرحمة، موظفاً  قبضة أمنية لا تقبل المعارضة.

ما يفعله المصريون في توسّلهم لظلال مبارك ونجليه هو حنين لخراب بدا عقلانياً في تلك الفترة، أو على الأقل تمكن معارضته وانتقاده، حتى أن الترحم على الرئيس المخلوع واستعمال نجليه كأقنعة للمعارضة السياسية، والسخرية المبطنة من السياسات القاسية وصعوبة الوضع الاقتصادي، صارت أحد المنافذ التي لا تبرئ العهد السابق، بقدر ما تدين النظام الحالي.