fbpx

من هو غسان عويدات الذي قاد انقلاب السلطة على التحقيق بانفجار المرفأ؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تجاوزاً لقرار التنحّي، المُلزم بموجب القانون، أصدر عويدات قرارات بإخلاء سبيل كل الموقوفين في ملف التحقيق، بينهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر، وبالفعل أُطلق سراح جميع الموقوفين بسرعة قياسية، في إشارة إلى تواطؤ الأجهزة الأمنية مع قرارات عويدات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بلغ جنون السلطة اللبنانية التي تحاول القضاء على التحقيق في انفجار المرفأ، إلى حد تهديد الجسم القضائي بأكمله، عبر حرب شنّها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، على المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، مضيفاً رقماً جديداً إلى سجلّه المملوء بانتهاكات قانونيّة فادحة.

هجمة عويدات نُفذت بغطاء أمّنه وزير العدل هنري خوري، الذي سمح لمرافقيه بالاعتداء على نواب كانوا ضمن محتجين على قرار عويدات أمام قصر العدل.

“مش بس انتو عندكم ضحايا، كلنا بلبنان في عنا ضحايا”، لم يتردد في قولها عويدات لأهالي الضحايا خلال لقائهم في قصر العدل، في محاولة إضافية للتقليل من  فظاعة الجريمة والاستخفاف بمن قضوا فيها. فمن هو عويدات الذي قاد انقلاب السلطة على ملف التحقيق بانفجار المرفأ؟

تنقّل القاضي غسان عويدات (67 سنة) في مراكز قضائية عدة، عُين محامياً عاماً استئنافياً في جبل لبنان ثم مدعياً عاماً بالإنابة، ثم أصبح قاضياً للتحقيق في الجبل، ورئيساً للمجلس التأديبي فيه، وعُيّن بعدها قاضياً للتحقيق في المحكمة العسكرية. 

 تولى عويدات أيضاً مهمات قاضي التحقيق الأول في بيروت، وعُين محققاً عدلياً في ملف مخيم نهر البارد. وفي أيلول/ سبتمبر 2019، عَيّن مجلس الوزراء عويدات، المحسوب سياسياً على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، نائباً عاماً تمييزياً. 

أصدر الحريري بعدها بأيام فقط، تعميماً طلب فيه من جميع الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات حصر مراسلة قضاة النيابات العامة على اختلافها، بالنائب العام التمييزي. 

راسل عويدات حينها أيضاً المدعين العامين كافة، طالباً منهم إعلامه مسبقاً بكل إجراء قضائي يتناول الهيئات العامة، وإحالة بواسطته كل طلب للحصول على إذن بالملاحقة، وطلب أيضاً بوجوب مراجعته في كل قضية ذات شأن عام، وكل قضية تثار في الرأي العام والصحافة، يشار فيها إلى سوء ممارسة الأجهزة الأمنية أو القضاء لإعطاء التوجيهات اللازمة.

برر عويدات تعميمه بأنه محاولة “لتصويب المسار القضائي بعد التراخي والتداخل والتضارب في الصلاحيات، ولتحسين التخاطب الإداري القضائي”.

منح التعميمان، وفق المفكرة القانونية، عويدات صلاحيات حصرية في الملاحقة أو إيقافها بكلّ ما يتصل بالمخالفات الجزائية المرتكبة من الإدارات العامة أو أيّ من العاملين فيها، ما يعني أن “عويدات يوجّه رسالة إلى القضاة والأجهزة الأمنيّة مفادها أنهم كلهم تحت رقابته، وبإمكانه اتخاذ تدابير معينة بحقهم، كما يوجه رسالة إلى الإعلام بإمكان ملاحقة أي تطاول على القضاء أو الأجهزة الأمنية”.

 تعيد سياسة عويدات إلى الأذهان ما اعتمده النائب العام التمييزي السابق عدنان عضوم، خلال الوصاية السورية على لبنان في حقبة التسعينات، لناحية التحكم  بالقضاء والأجهزة الأمنية بشكل تعسفي ومحكم، ما يعكس رغبة في ترسيخ سلطة جهاز النائب العام التمييزي لمصلحة تعزيز أوزان ومواقع المرجعية السياسية التي عينته داخل القضاء.

دأب عويدات على استكمال نهج تعطيل التحقيق من خلال عرقلة عمل المحقق العدلي الجديد طارق البيطار، الذي أبقى الادعاء على كلّ من ادعى عليهم القاضي صوان.

كيف “طيّر” عويدات التحقيق؟

تعود صلة عويدات بملف انفجار المرفأ إلى ما قبل وقوع الانفجار، ففي أيار/ مايو 2019، تلقى تقريراً من مدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا عن خطورة نيترات الأمونيوم الموجودة في العنبر رقم 12، والتي قد يتسبب اشتعالها بانفجار ضخم نتائجه مدمّرة على المرفأ وبيروت نفسها، وتخّوف صليبا أيضاً من تعرّض هذه المواد للسرقة، لأن من يحصل عليها قد يستخدمها لصناعة المتفجرات، أمر  عويدات حينها بحراسة العنبر وإجراء أعمال صيانة عوضاً عن التخلص من المواد، كما أمر بختم محضر التحقيق،  وفق المراسلات المسرّبة بينه وبين الأجهزة المعنية.

ومع انطلاق التحقيق الذي أوكِل إلى المحقق العدلي فادي صوان، أقدم عويدات في كانون الأول/ ديسمبر  2020 على خطوة استعراضية تمثلت بإعلانه تنحّيه عن متابعة النظر في ملف انفجار المرفأ بصفته مدعياً عدلياً في القضية. السبب، وجود صلة قرابة بينه وبين الوزير السابق النائب غازي زعيتر المتزوج من شقيقته، الذي ادعى عليه صوان، ليتبين لاحقاً أن التنحي شكلي، بخاصة أن عويدات سلّم الملف إلى مساعده المحامي العام التمييزي غسان خوري.

بعد تنحية صوان بحجة مخالفته الدستور بادعائه على كلّ من رئيس الحكومة السابق حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزيري الأشغال السابقين غازي زعيتر ويوسف فنيانوس، دأب عويدات على استكمال نهج تعطيل التحقيق من خلال عرقلة عمل المحقق العدلي الجديد طارق البيطار، الذي أبقى الادعاء على كلّ من ادعى عليهم القاضي صوان، وادعى أيضاً على مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا.

امتنعت النيابة العامة عن حضور جلسات الاستجواب في ملف التحقيق بحجة تنحّي عويدات، ورفض الأخير إعطاء الإذن بملاحقة إبراهيم وصليبا، ولم يأمر المباحث الجنائية بتبليغ فنيانوس باستدعائه إلى التحقيق، ولم يسمح بجلب دياب وخليل وزعيتر إلى التحقيق، ورفض إبداء رأيه حول الدفوع الشكلية التي قدمها قائد الجيش السابق جان قهوجي لمنع استجوابه كمدعى عليه، وهو رأي يحتاجه البيطار لرفض الدفوع بشكل قانوني.

وفي 24 كانون الثاني/ يناير الحالي، انقلب عويدات بشكل كامل على التحقيق بعد قرار البيطار استكمال التحقيق، على رغم عدم البت في دعاوى كف اليد المرفوعة ضده، وإخلاء سبيل بعض الموقوفين في القضية، والادعاء على عويدات، مستنداً بذلك إلى اجتهاد قانوني لا يُخضع المحقق العدلي لأحكام الرد والتنحية الصادرة بحقّه.

ردّ عويدات على البيطار بآيات من القرآن والإنجيل، معتبراً إياه “منعدم الوجود” نظراً الى يده المكفوفة عن التحقيق، ورفض تبليغ الأجهزة الأمنية والمباحث الجنائية بتنفيذ البلاغات وإخلاءات السبيل الصادرة عن البيطار باعتبارها غير قانونية.

تجاوزاً لقرار التنحّي، المُلزم بموجب القانون، أصدر عويدات قرارات بإخلاء سبيل كل الموقوفين في ملف التحقيق، بينهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر، وبالفعل أُطلق سراح جميع الموقوفين بسرعة قياسية، في إشارة إلى تواطؤ الأجهزة الأمنية مع قرارات عويدات.

ذهب عويدات في انقلابه أبعد من ذلك، فأرسل ضابطاً إلى منزل البيطار لإبلاغه بطلبه المثول أمامه بعد ادعائه عليه “بجناية اغتصاب السلطة وممارسة أعمال خلافاً للقانون”، وطلب أيضاً من المديرية العامة للأمن العام منع سفر القاضي البيطار بعدما أحاله إلى التفتيش القضائي، ومنع رئيس وموظفي النيابة العامة من استلام أي قرار أو تكليف أو مراسلة صادرة عن البيطار في سابقة قضائية فادحة.

بعيداً من ملف التحقيق في انفجار المرفأ، فعويدات سبق أن اتخذ قرارات تحمي المصارف التي تحتجز أموال اللبنانيين منذ عام 2019، فهو  من أبطل قرار تجميد أصول 20 مصرفاً، كما نأى بنفسه عن أي ملاحقات في الملف بحجة أن القانون لا يسمح له باستجواب أصحاب المصارف، لكنه لم يتأخر في إصدار استنابة قضائيّة لكلّ الأجهزة الأمنيّة لملاحقةِ الأعمال الجرميّة المُرتكَبة من المودعين، الذين يطالبون بودائعهم المسروقة داخل المصارف، كما أصدر توجيهات تبيح توقيف المُرتكبين وإحالتهم إليه.

تحصل تجاوزات عويدات في ملف التحقيق في انفجار المرفأ فيما يؤمن وزير العدل، هنري خوري المحسوب على “التيار الوطني الحر”، الغطاء الكامل له، كما يتجه الوزير الى إصدار قرار بتعيين محقق عدلي آخر في ملف التحقيق، ليضمن تنحية البيطار بشكل كامل عن التحقيق، في مشهد يعكس مرة جديدة تعاضد أقطاب السلطة لتطيير ملف التحقيق في انفجار المرفأ، وطمس الجريمة، تماماً كما حصل في جرائم كبرى على امتداد العقود الماضية.