fbpx

“جايين يا أرز الجبل”… حين عشقنا أنفسنا وغنّينا ذلك

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أصواتنا أحسن الأصوات، وشوارع مدننا وقرانا أجمل الشوارع والقرى، وكذلك مآكلنا، أما إجماعنا حول “أرز الجبل” فلا تشوبه شائبة، و”يا دار ما دخلك شر”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في لبنان قبل حرب 1975، ظهر لون من الغناء سوف نمثل عليه هنا بثلاث أغانٍ معروفة. 

المطربة وداد غنت كلاماً جاء فيه:

“صبّحتو وما رد

مسّيتو وما رد

تاري الأخ كتير يمّا

آخدها عن جد

والله

….

ما قلتلو شي

يمّا

وما عملتلو شي

قلتلو وين كنت يابا

مبارح ليش طوّلت؟”.

وتمضي الأغنية عتاباً له وإعلاناً لخوفها من أن “يستذوق” حالة التفلت وعدم العودة مبكراً إلى البيت إذا تركته “يفر

فش”…

لكن أول ما يُلاحظ في هذه الأغنية أنها “حكي”، بالمعنى البسيط والمباشر الذي يحكيه الجميع عن أحوالهم وعلاقاتهم. فهو ما من أثر فيه للشعر، بما فيه الشعر العامي كالذي كان يكتبه سعيد عقل وميشال طراد وموريس عواد وسواهم. إلا أننا نلاحظ، فوق هذا، أن موسيقى سامي الصيداوي، وباستثناء مقدمتها القصيرة، لا تلبث أن تتحول إلى ما يشبه الخلفية التي تنسحب تاركةً لصوت المطربة أن يتقدم وحده بكل قوته ووضوحه صوتاً طبيعياً كاملاً. لقد وصل إلينا صوت وداد عارياً “كما خلقتني يا رب”، فبدا كما لو أنها تغني لأهلها وأصدقائها في غرفة وفي سهرة، بل كما لو أنها تغني لنفسها.

ولما كان الكلام والموسيقى العنصرين الصناعيين في الأغنية، صح القول إن الصوت، بوصفه العنصر الطبيعي، هو الذي طغى عليهما، ناقلاً لنا من الكلام ما يمكن أن نقوله نحن أنفسنا في ثرثراتنا بلا أي إضافة أو تزويق.

 لقد وصل إلينا صوت وداد عارياً “كما خلقتني يا رب”، فبدا كما لو أنها تغني لأهلها وأصدقائها في غرفة وفي سهرة، بل كما لو أنها تغني لنفسها.

بدورها غنّت صباح “ألو بيروت”، يوم كان سكان المناطق ما زالوا يتصلون هاتفياً بالعاصمة عبر سنترال عام.

الأغنية هذه تبدأ (وتنتهي) بـ”الحكي” في أبسط صوره: 

“ألو بيروت
من فضلك يا عينييّ
اعطيني بيروت
عجّل بالخط شويي”.

ولا تلبث صباح أن تسمّي شوارع ومناطق في بيروت تعلن لها حبّها ورغبتها في التحدث إليها وإلى سكانها. فهناك الصنايع حيث أضاعت قلبها ولا يزال ضائعاً، والبسطة حيث أحبابها “البسطاوية”، وهناك أيضاً الروشة والمنارة وباب ادريس وفرن الشباك والدورة والأشرفية والزيتونة. وهي، فوق هذا، لا تخفي رغبتها في التحدث إلى الإذاعة ونقابة الصحافة…

وكعادة أغاني صباح (وين الياس وين حسين؟)، ثمة حرص على توازنات الطوائف والمناطق في العاصمة، وهو ما تحول في الكلام اللبناني إبان أزمنة السلم إلى ما يشبه الطبيعة الثانية للبنانيين (كلنا إخوان، عناق الهلال والصليب إلخ…).

كذلك غنى وديع الصافي “جايين يا أرز الجبل”، وهي فعلاً تعداد للمدن والقرى اللبنانية واحدة واحدة، ومعها بعض مآكلها التقليدية، مع مراعاة للتوازنات الطائفية بينها إلى هذا الحد أو ذاك. ولأن هؤلاء “الجايين”، أساساً إلى “أرز الجبل” وتالياً إلى مناطقهم، هم مغتربون وسيّاح، أو “منتشرون” وفق الاختراع المتأخر لجبران باسيل، فإن الأغنية تندرج في الفولكلور السياحي الذي كان اللبنانيون يعرّفون به أنفسهم، ولو إلى جانب تعريفات أخرى.

فالكلمات، في أغنية وديع الصافي هذه، هي رصف لأمكنة يُفترض أن جميع اللبنانيين يشتاقون إليها، والمرء لا يشتاق إلا إلى مكان يستحق الشوق. 

هذه الأغنيات الثلاث التي اختيرت هنا بشكل عشوائي تعبر عن موجة طغت على الفن الغنائي اللبناني في المرحلة التي سبقت انفجار القتال وارتفاع درجة الإفصاح عن المشاعر الطائفية. وكما نعلم، كانت الحقبة الشهابية في الستينات ذروة تلك الموجة، إذ صاغ الأخوان الرحباني وفيروز أدبها الغنائي بوصفه “الثقافة الرفيعة”.

ما يمكن استخلاصه، والحال هذه، أن شعورنا كلبنانيين بالاكتفاء الذاتي طغى على تلك المرحلة. فنحن كنا نُكثر الاحتفال بحالتنا الخام التي لا حاجة معها إلى شيء آخر: أصواتنا أحسن الأصوات، وشوارع مدننا وقرانا أجمل الشوارع والقرى، وكذلك مآكلنا، أما إجماعنا حول “أرز الجبل” فلا تشوبه شائبة، و”يا دار ما دخلك شر”. وأما خلافاتنا، إذا ذكّرنا بها شخص سمج، فنحلها بتعداد أسماء مناطقنا المتعادلة طائفياً، وإعلان حبنا كلنا لها بالتساوي.

صحيح أن تلك المرحلة تبقى، وبما لا يقاس، أفضل من هذه الكارثة التي نعيشها اليوم، إلا أننا يومذاك كنا ساذجين جداً، وكان يمكن أن نحب أنفسنا وأن نغنيها أقل قليلاً وأفضل كثيراً.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.