fbpx

بيوت على العظم… آخر ما تبقى لفقراء سوريا!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تقول دينا (اسم مستعار): “أصعب ما في السكن على العظم، أن يكون لديك طفل مصاب بالتوحد، أخاف من ارتطام رأسهِ بأي شيء قاسٍ في المنزل، فالأرضيات غير مبلّطة ولا نملك غير أغطية من الصوف نمدّها لنشعر بالدفء”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“صاحب المنزل يريد أن يرفع الإيجار، حتى إيجار البيوت على العظم ارتفع، أين سنذهب إن لم نستطع سداد إيجار البيت؟ هل يمكن أن يصبح هذا المكان الذي يشبه الخرابة، حلماً لي ولأطفالي؟”، هكذا تشرح عُلا معاناتها، وهي واحدة من الذين أجبرتهم الظروف في سوريا على السكن في بيت ما زال قيد البناء في جرمانا، مقابل إيجار شهري يكبّدها، كغيرها، ما يقارب نصف مدخولها. 

يتراوح أيجار البيت على العظم في جرمانا التابعة لريف دمشق، بين 75 ألف ليرة سورية و150 ألفاً (سعر الصرف غير الرسمي نحو 7200 ليرة للدولار الواحد)، ما قد يساوي راتب موظف، تقول علا: “في أيام المنخفضات الجوية والمطر، ببكي كتير وأنا عم حاول سدّ الشبابيك المفتوحة بكل الطرق، بكياس نايلون وكرتون وقماش قديم، بس هاد كلو ما بيمنع من أن يطوف البيت ويصير جسم ولادي متل جثث عبيرجفو من البرد والحزن والقهر”.

تقول علا إنهم لا يستطيعون الحصول على الخدمات في هذه المنازل بسهولة، فالحصول على مياه الغسيل والاستحمام يتطلب جهداً، فالأبنية غير مُجهّزة للسكن، فلا تمديدات صحية وكهربائية، ولا توصيلات للإنارة أو قواطع كهربائية أو مفاتيح أو مآخذ كهربائية، أما الشقق التي يتم تأجيرها، فغالباً ما تكون في الطوابق الخامس والسادس،  ما يعني جهداً يومياً مضنياً للوصول إليها صعوداً ونزولاً، علماً أن المصاعد لا تكون جاهزة للاستخدام غالباً، وفي حال توافرها فهي تَرفْ لا يُمنح لمستأجري المنازل التي على العظم، “نحن نُعتبر درجة عاشرة في تلك الأبنية ولا يحق لنا ما يحق لغيرنا من مالكي الشقق”.

هي معاناة يومية تفرضها إيجارات البيوت المرتفعة في دمشق وريفها، إذ يشترط أصحاب المنازل دفع مبلغ للتأمين، إضافة إلى إيجار ثلاثة أشهر أو حتى سنة، يُدفع سلفاً، ويختلف الأمر بين المناطق وأصحاب البيوت، يضاف إلى ذلك عمولة المكتب العقاري التي تبلغ إيجار شهر واحد أو أكثر.  

يؤكد عامر (اسم مستعار لصاحب مكتب عقاري)، أن الطلب يتزايد على هذه المنازل، بخاصة مع ارتفاع الأسعار وحدّة الأزمة الاقتصادية، فليس من السهل أن تحظى ببيت على العظم فوراً، مع ارتفاع عدد الفقراء والمحتاجين.

معاناة أطفال الاحتياجات الخاصة

تقول دينا (اسم مستعار): “أصعب ما في السكن على العظم، أن يكون لديك طفل مصاب بالتوحد، أخاف من ارتطام رأسهِ بأي شيء قاسٍ في المنزل، فالأرضيات غير مبلّطة ولا نملك غير أغطية من الصوف نمدّها لنشعر بالدفء. كما أن أعراض الحساسيّة الصدريّة ظهرت على ابني منذ بداية سكننا في هذا المنزل بسبب الرطوبة”. تزيد هذه الظروف حالة ابنها سوءاً، وتصيبه بنوبات من الصراخ، تغضب الجيران وتحرج دينا التي تسكن في الطبقة الخامسة، حيث الشقة الوحيدة المتوافرة على العظم، وإيجارها مقبول بالنسبة إليها مقارنة بالطبقات الأخرى المكتملة. أما عن الطبخ والحمام والغسيل، فهذه معاناة أخرى.

 نحو 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وسط ارتفاع قياسي في الأسعار تعدى 800 في المئة خلال العامين الماضيين فقط.

 تشتري دينا الماء من الباعة المتجولين وتفرغها بأوعية بلاستيكية، تفرزها لغسيل الأكل وغسيل الملابس والاستحمام. ومقابل هذا الشقاء، تدفع دينا 150 ألف ليرة سوريّة شهرياً من أجل غرفة ومنتفعاتها من حمام ومطبخ وشبابيك مفتوحة في برد لا يحتمل، وهو مبلغ يساوي  22 دولاراً تقريباً.

تتابع دينا: “إخوته الأكبر استطاعوا التأقلم أكثر مع هذه الظروف، أما هو فمعاناتي معه  يومية لأنه يريد مساحة أكبر ومناسبة أكثر للعب والتحرك بأريحيّة. أصبحنا نتأقلم مع السوء والظروف المعيشية القاهرة، حتى غدونا نلوم من لا يتحمل من أطفالنا الحياة في بيت على العظم”. “يسألوننا أحياناً، في حدا بيسكن على العظم؟ (نعم.. نحن)”، تقول دينا، وهو ما يشعرها وصغارها بالألم والإحراج، وتتردد عبارات مثل “يا حرام ساكنين على العظم ونازحين كمان”. 

 دونية وإساءات يومية

أمّا  كارمن (اسم مستعار) فيبلغ إيجار بيتها ذو الإكساء المكتمل 300 ألف ليرة سورية، لكنه غير مفروش أبداً، وكل ستة أشهر تهددها صاحبة المنزل برفع المبلغ، تقول: “مشكلتي ليست فقط الإيجار المرتفع بل عدم الأمان النفسي، أتخيل يومياً أنني خارج المنزل وأطفالي وأغراضي في الشارع، يلاحقني هذا الكابوس باستمرار، فأفزع ليلاً خوفاً من الزيادة ومن الترحيل المفاجئ”.

غياب الشعور بالاستقرار

أوضح المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن تفشي الفقر في سوريا أثّر بشكل كبير على قدرة السكان على تأمين احتياجاتهم اليومية من الغذاء والسلع الأساسية، خصوصاً في ظل الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الأسعار.

ذكر في تقرير صدر عام 2022 أنّ النزاع في سوريا وما رافقه من أزمة نزوح، وانكماش اقتصادي حاد، وانخفاض قيمة العملية المحليّة، أدّى إلى إفقار السكّان وزيادة أعبائهم المعيشية، إذ بات نحو 90 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، وسط ارتفاع قياسي في الأسعار تعدى 800 في المئة خلال العامين الماضيين فقط.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ تدهور الوضع الإنساني لا يقتصر على محافظة أو منطقة معيّنة ولكنّه يشمل تقريباً جميع المحافظات السورية، ولا سيما محافظات شمالي البلاد التي تستضيف ملايين النازحين الذين يعانون أكثر من غيرهم على مستوى الفقر والأمن الغذائي.

هكذا يحرم السوريين من أبسط حقوقهم في السكن والغذاء، فالصراع الذي بدأ عام 2011، ما زال مستمراً الآن بأشكال أخرى على حساب الفقراء وأجسادهم الهشة.