fbpx

محمد بن سلمان: أحلام هندسيّة وسط الصحراء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“المملكة الجديدة” تغوي “الجميع”، عرباً وأجانب، معارضين وموالين، شهوة المال لا تعلو فوقها غواية، أو على الأقل، يمكنها أن تدفع البعض إلى مساءلة بعض ما يؤمنون به أو ما يمثلونه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُبهرنا ولي العهد محمد بن سلمان برؤيته الجديدة للمملكة التي تحمل اسم عائلته، انفتاح ثقافي وفني، حفلات تكنو، مصارعة حرة، مهرجانات سينمائية، أبواب مفتوحة للجميع فوق البحر الأحمر.

“المملكة الجديدة” تغوي “الجميع”، عرباً وأجانب، معارضين وموالين، شهوة المال لا تعلو فوقها غواية، أو على الأقل، يمكنها أن تدفع البعض إلى مساءلة بعض ما يؤمنون به أو ما يمثلونه، أي لا مشكلة في أن يقف مُغنيان على الخشبة ذاتها، وتأدية الأغنية ذاتها أمام رجل الترفيه الأول تركي آل الشيخ، وإن كان الفنانان، أصالة وجورج وسوف، على النقيض سياسياً.

المربع

ما يُهمنا لا يتعلق بصناعة الترفيه في السعوديّة، ولا شراء النوادي الرياضيّة في أوروبا، ما نشير إليه، هو الصروح التي ينشئها أو يعلن عنها محمد بن سلمان لتكون واجهة المملكة، التي عرفت سابقاً بأبنيتها العالية و”المولات”، الصروح التي تعكس الغنى والتطور العمراني.

عمران سبق أن حول الحرم المكي نفسه إلى ما يشبه الخيال العلمي، مُجمع من الفنادق “تطلّ” على الكعبة التاريخية والتي تبدو ضئيلة أمام سلطة “العمران”، بصورة أخرى، سلطة السيادة السياسية على الأرض، التي ارتفعت صروحها علامة على السطوة.

هذه الصروح سبقت تولي بن سلمان ولاية العهد، لكن وصوله الى السلطة حمل طموحاً سياسياً واقتصادياً لم يسبق أن عرفت البلاد مثله.

ترافق وصول بن سلمان إلى السلطة مع “رؤية 2030″ مشروع التطوير العملاق الذي يصفه بن سلمان ببلاغة هشة بـ”قصة نجاح” تبدأ بـ”رؤية”، أي بصورة ما نحن أمام Pitch، طرحه ووافق عليه ولي العهد ذو الـ37 عاماً، ذو الابتسامة، والطلاقة بالانكليزيّة. سلمان نفسه مُنحت أثناء “سيادته” أول روبوت في العالم “الجنسية السعوديّة”، مرة أخرى، كل هذا لا يهم.

الصروح التي يعلن عنها بن سلمان تتركنا محتارين، لا فقط لكونها تعكس السطوة على التراب، وتشع “قوة” و”هيبة” ترتبط بالدولة نفسها وقدرتها، بل لأشكالها نفسها، وكأن بن سلمان متأثر بالخيال العلمي نوعاً ما، أو أن المهندسين من حوله يتجاهلون بدهيات تخطيط المدن والصروح.

آخر إصدارات تلك الصروح الهائلة ما أعلنه صندوق الثروة السعودي الذي كشف عن بناء جديد أو “المربع الجديد” يتوسطه مكعب عملاق، والذي سيكون مركز العاصمة الرياض.

يُبهرنا ولي العهد محمد بن سلمان برؤيته الجديدة للمملكة التي تحمل اسم عائلته، انفتاح ثقافي وفني، حفلات تكنو، مصارعة حرة، مهرجانات سينمائية، أبواب مفتوحة للجميع فوق البحر الأحمر.

بسذاجة نسأل، ما هو المربع/ المكعب القديم إذاً؟ بالطبع سبقنا كثيرون للإجابة، المقصود هو الكعبة، لكن لا يمكن وصف كل مبنى مكعب بأنه الكعبة، لكن هذا المربع بالذات يحمل خصائص “التأليف” و”التقريش” أي اجتماع الناس للتجارة والتسلية وتمرير الوقت والعبادة، وهذا ما يجعل المربع الجديد والأضخم، فعلاً سياسيّاً، وكأنه قطيعة مع الماضي أو صرح يحرر المملكة من الثقل الديني ويخلق بديلاً أكثر حياداً، إنه مكعب قادر على استيعاب 20 مبنى بحجم “إمباير ستايت” في نيويورك. 

لا تهمنا المقارنة مع القدس ذات الثقل التاريخي الديني، فالواضح أن بن سلمان يتجاوزها، ويقدم صروحاً جديدة للسعودية بوصفها  بلداً “من المستقبل” ذات صروح مهندسة بشكل متقدّم، فالمكعب أبعاده 400*400*400 م، كتلة اسمنتية في وسط العاصمة الجديدة المُحاطة بالصحراء. رمز ذو هالة، يفترض أن يعكس الإتقان، والصنعة، لكن، المعروف تاريخياً و هندسياً أن “الهرم” هو أشد الأشكال مقاومة للزمن والأصعب إنشائياً، ما يُفسرُ (بسذاجة) تحوله إلى رمز عدد من الجماعات ذات السطوة، لا يوجد مكعب فرعوني أو أزتيكي (نسبة للأزتيك، الذين صنعوا أهراماً في أميركا الجنوبيّة، كالفراعنة)، ولا مكعبات أمام متحف اللوفر، بل هناك هرم.

هذا الميل نحو الأشكال الهندسية قد يبدو عرضياً أو عادياً، لكن هناك إشكالية في تنظيم الناس والسكان وحركتهم ضمن هذه الصروح، ولا نتحدث عن التهوية والطاقة، بل عن تدفق السكان، لنتخيل مثلاً تظاهرة أو احتجاجاً في هذا “المكعب”، كم سيكون احتواؤه سهلاً، المربع أشبه بـ”مول” كبير إذاً، حيث هواء نقي ومصفّى ومكيّف، وقنوات مضبوطة للحركة، يمكن في أي لحظة إغلاقه و عزل من فيه.

هذه الانتقادات لحركة السكان ضمن هذه الصروح تنسحب على المدينة “الخط”، التي ظنها كثيرون مجرد دعاية من نوع ما، لكن عمليات البناء بدأت بالفعل، و قد نرى أنفسنا مستقبلاً أمام “مدينة- خط”، ما يطرح أسئلة وشكوكاً، فمدينة كهذه أيضاً لا تتيح الحركة بحريّة، ويمكن عزل من فيها أيضاً بدقائق. لنتخيل مثلاً أن الشرطة تلاحق أحدهم في “الخط” أين يختبئ؟ لا زواريب ولا شوارع فرعيّة، فقط خط ممتد لـ170 كيلومتراً في الصحراء، ويكفي نظرياً إغلاق المدخل والمخرج، لتكديس الموجودين وحجزهم.

السؤال الثاني المطروح مرتبط بتوسع المدينة، هذه المراكز الجديدة، قد تحاكي تصاميم الحواضر القديمة. بغداد مثلاً كان شكلها دائرياً، دمشق كانت ذا شكل غير منتظم، الاسكندريّة كانت على شكل رقعة شطرنج، لكن ثبت مع الوقت أن الشكل الهندسي والاحتواء الذي يفترضه، لا يأخذ في الاعتبار أن المدينة “جسد” ينمو، يمتد ويتوسع، تتخلله الحواري والزواريب والمجتمعات الفرعيّة، أي أن هناك هوامش ومراكز، لكل منها خصائصها وعلاقتها، وهذا ما تواجهه كل مدن العالم، التي يستحيل أن “تحتوي” الأبدان والمنازل والشوارع، من دون أن تتمدد وتتوسّع.

يمكن القول إننا في المربع أمام “مول”، أو منتجع كبيير جداً، لا يمكن أن يتوسع، أما الخط، فالحل الوحيد للتوسع فيه هو إطالة الخط، وهو أمر مستحيل طولاً وعرضاً بسبب الجدران، وحين النظر إلى صور المدينة من أعلى يمكن أن نرى الترتيب التالي، صحراء ثم جدار، ثم مدينة، ثم جدار، ثم صحراء، أين الهوامش إذاً؟ أطراف الخط؟ منتصفه؟ لا أجوبة حتى اللحظة.

اللافت في أحلام بن سلمان الهندسية أنها “مستقبليّة”، تحوي الفيديوات الترويجيّة مساحات خضراء ومائية مصطنعة، سيارات طائرة،  ولا نسخر هنا من أحلام ولي العهد الذي قد يمتلك فعلاً خطة لتطوير البلاد التي تحمل اسم أسرته، لكن هذه الأشكال الإقليدية التي تتبناها هذه الصروح، تحوي هالة هيمنة من نوع ما، هي صارمة،  تعكس السلطة وسطوتها، بما يشبه الحدائق الرومانيّة القديمة، تلك التي كانت تتبنى أشكالاً هندسيّة شديدة الإتقان لتعكس ثبات الزمن، والقدرة على التحكم به، فما لا يتغير شكله، خاضع لقوّة سياسية حكماً، وهذا بالضبط ما ينعكس على من سقطن على هذه المدن، تخيل/ي مدينة أو “داون تاون” من دون تغير أو توسّع، الشكل ثابت دوماً، والهواء اصطناعيّ ومكيّف، كيف يمكن التنزه واستكشاف المكان إن كان لا يتغير؟ كيف يمكن التقاط الروائح المختلفة في ظل التكييف؟ ربما قد تتغير المحلات التجارية واللافتات، لكن جغرافيا الخط أو المربع الجديد لن تتغير، وهذا عادة  متخيل ديستوبي، يعكس مساحة معزولة عن الخارج والتاريخ، فلا حنين فيها لفترة زمنية محددة، هي كإعلانات تستهلك مراراً ومراراً دون توقف، كل ما هو “جديد” يصبح بلا أصل، حتى إن الأصل نفسه المُقبتس منه يُنسى، ويبقى نهايةً، خط، ومكعب، وسيارات طائرة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.