fbpx

أزمة المهاجرين: حملة قيس سعيد ضدهم تضع تونس في منحدر جديد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بدت مشاهد المهاجرين الأفارقة يغادرون تونس ضمن عمليات إجلاء عشرات من مواطني مالي وساحل العاج، مثيرة للحزن والقلق معاً، فهؤلاء يعودون تحت وطأة حملات عدائية وقف خلفها رئيس الجمهورية قيس سعيد.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“التونسيون لا يحبوننا… علينا مغادرة بلادهم”، قال مهاجر مالي شاب لوكالة الصحافة الفرنسية وهو يحمل أمتعته مغادراً تونس، فيما قال آخر إنه مضى على وجوده في تونس للتعلم نحو أربع سنوات، لكنه قرر العودة لأنه لم يعد يشعر بالأمان. 

بدت مشاهد المهاجرين الأفارقة يغادرون تونس ضمن عمليات إجلاء عشرات من مواطني مالي وساحل العاج، مثيرة للحزن والقلق معاً، فهؤلاء يعودون تحت وطأة حملات عدائية وقف خلفها رئيس الجمهورية قيس سعيد.

ففي خطاب قاسٍ ضد المهاجرين، شدّد سعيد على وجوب عودتهم الى بلادهم، متّهماً إياهم بالمسؤولية عن العنف والجرائم والانتكاسات التونسية المستمرة. 

صحيح أن منظمات حقوقية تونسية ندّدت بـ”عنصرية” مواقف سعيد، لكن حملات الكراهية كانت أقوى وأشد وطأة، وهو ما تحدّث عنه عدد من العائدين. إذ بين ليلة وضحاها، فَقَدَ عدد كبير من الـ21 ألف مهاجر من دول جنوب الصحراء المسجّلين رسمياً في تونس، ومعظمهم في وضع غير قانونيّ، وظائفهم وطُردوا من منازلهم، فيما أوقِفَ العشرات خلال حملات للشرطة وسُجن بعضهم. ونقلت منظمات حقوقية شهادات عن تعرّضهم للتعذيب الجسدي.

يقول موسى عومارو من “جمعية الطلبة الأفارقة” في تونس، لـ”درج”، إن طلاباً كثراً باتوا يلازمون مساكنهم، “فالوضع كارثي للغاية. عندما قدمنا الى تونس، كان المستقبل مشرقاً، لم نتوقع هذه الكراهية من رئيس البلد الذي أحببناه، كانت تونس بالنسبة إلينا ملاذاً وفرصة … ولكن عنصرية سعيّد صدمتنا”. 

وحذّرت الرابطة النيجيرية للطلاب والمتدربين في تونس، من خطورة الوضع، قائلةً “للأسف، سجّلنا عدداً من حالات الاعتداء المادي على طلبة نيجيريين في تونس، لا لشيء سوى أنهم أفارقة. وضعنا رقماً أخضر لتلقي الشكاوى ومتابعة أي مشاكل يتعرض لها المهاجرون، للأسف اضطررنا الى تحذيرهم من الخروج الى الساحات العامة أو التحرّك عبر النقل العمومي”. وقد تسبّب هذا الوضع المشحون بتدفّق عشرات المهاجرين إلى سفاراتهم أو الى مكاتب المنظمة الدولية للهجرة، حيث نصبوا خياماً مطالبين بضمان حمايتهم.

كيف أشعل سعيد الكراهية ضد المهاجرين؟

خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الشهر الماضي، أعلن سعيد أن تونس “ليست للأفارقة، مسهباً في رسم خيوط مؤامرة وصفها بترتيب إجرامي أُعدّ منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس، متهماً جهات بتلقّيها أموالاً طائلة بعد عام 2011، لتوطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس.

لعب سعيد على وتر الهوية، معتبراً إلى أن الهدف غير المعلن من الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية، اعتبار تونس دولة إفريقية فقط ولا انتماء لها الى الأمتين العربية والإسلامية. 

قبل خطابه، تعالت أصوات في تونس ضد وجود أفارقة جنوب الصحراء في تونس، ورمت التهم ضدّهم، وانخرط سعيّد في موجة شعبوية تستهدف أفارقة جنوب الصحراء منذ بداية السنة. ولكن بتخصيصه اجتماعاً للأمن القومي لتناول هذه القضيّة، ساهم سعيّد في تعميق الأزمة والتحريض عليهم وجعلها قضيّة دولة، معلناً ضرورة إنهاء هذه الظاهرة. كان خطابه أشبه بالضوء الأخضر لفئة واسعة من العنصريين لإنهاء الوضع، ليتعرض عدد كبير من أفارقة جنوب الصحراء في تونس للطرد من منازلهم والاعتداء والشتم في الشوارع والساحات العامة، وخلق جوّ مشحون ضدّهم.

العنصرية ورهاب الأجانب وجهان لعملة واحدة

قصة تونس مع العنصرية شائكة ومعقّدة، إذ يحمل تاريخ البلد سرديتين متناقضتين، الأولى فيها تاريخ كامل من العنصرية والجهويّة وإقصاء الأفاقين -أي سكّان الدواخل- من أي منصب في الدولة. أما السردية الثانية فهي مناهضة العنصرية ومحاولة إلغائها. 

تُعرف تونس بأنّها أوّل بلد إسلامي وعربي يلغي العبوديّة عام 1846 خلال حكم أحمد باي، الذي أصدر قراراً ألغى بموجبه الرق وعتق العبيد بشكل نهائي بتزكية من جامع الزيتونة. وعلى مدى عقود بعد ذلك الإعلان، حاولت دولة الاستقلال الفتيّة المضي قدماً في سكة التحديث، لكنه كان تحديثاً انتقائياً، إذ لم يكن إلغاء مظاهر التمييز العنصري من بين أولوياتها. ولم يهتم الرئيس حبيب بورقيبة كثيراً آنذاك بمسألة العنصرية واعتبرها غير مهمة. 

لكن بعد عقود من الاستقلال، وتحديداً في عام 2018، طفى موضوع العنصرية إلى السطح، وبات محلّ نقاش مجتمعي وقانوني، بخاصة بعدما أقر مجلس النوّاب السابق  تجريماً للتمييز العنصري بمختلف أشكاله. 

حاولت مؤسسات في المجتمع المدني والقوى التقدمية في مجلس النوّاب، إلغاء أي تمييز وتكريس المساواة، لكنها بقيت مساواة سياسية في غياب مساواة اجتماعية على أرض الواقع. يتجلى ذلك بشكل أكثر وضوحاً في حملات العنصرية والكراهية التي تواجه التونسيين ذوي البشرة السوداء، ولكن العنصرية تطورت بشكل سلبي، إذ طاولت اعتداءات جسدية ومعنوية أفارقة جنوب الصحراء في تونس، علاوة على خطابات الكراهية التي تبثّ عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، وبلغ الأمر ذروته عند ظهور “الحزب القومي التونسي”  – الذي حصل على تأشيرة قانونية لممارسة نشاطه السياسي منذ عام  2018- عبر”قناة التاسعة” الخاصة، حيث أعلن عن حملة ميدانية للتوعية بخطر “الأجصيين”، التي تعني بحسب الأمين العام للحزب، أفارقة جنوب الصحراء، وطردهم من تونس. وجدت المداخلة التي قدمها الحزب صدى لدى التونسيين، ليكمل خطاب سعيّد ما بدأ فيه الحزب القومي التونسي. 

 واقع مشترك ومعاملة مختلفة

على رغم أن بين تونس ودول جنوب الصحراء نقاطاً مشتركة، إلّا أن المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون لا تعكس الروابط التي تجمعها. ففي اليوم نفسه الذي تحدث فيه سعيّد عن خطر وجود الأفارقة في تونس، كان نيلسون مانديلا  موجوداً  في تونس قبلها بستة عقود، في رحلة لحشد الدعم من أجل قضية جنوب أفريقيا. علاوة على ذلك، يعاني كلاهما، – أي التونسيين وأفارقة جنوب الصحراء- للوصول إلى أوروبا بسبب سياسات الهجرة والشروط الصارمة للتأشيرة، ويدفعون ضريبة السياسات الاقتصادية والتنموية التي تفرضها القارة العجوز على بلدانهم. ولكن ذلك كله لم يحل دون ممارسة العنصرية عليهم، فيما تعرّض عدد من المهاجرات للاغتصاب والتحرش الجنسي والابتزاز والتعنيف، ولم يتمكنّ من التظلّم بسبب وضعيتهن غير القانونية، في ظل تقاعس المنظمات الدولية التي تعنى بالهجرة في تونس، والتي يقتصر دورها أساساً على إبراز الجوانب السلبية للهجرة غير النظامية مثل الغرق في المتوسّط. كما أدى قانون اللجوء والتسوية في تونس وغياب إمكانات الاندماج الاقتصادي في النسيج الاجتماعي التونسي، الى تهميش المهاجرين بشكل أكثر حدّة. 

دفعت هذه الظروف كلها بجزء كبير منهم إلى العمل غير النظامي الهشّ بطبعه، وشكلت النظم القانونية عائقاً كبيراً أمام ولوج المهاجرين الى سوق العمل المنظّم والقانوني، كونها تمنح الأولوية في التشغيل للعمال التونسيين في حال تساوت مؤهلاتهم مع مؤهلات الأجانب المتقدمين الى الوظيفة، ما يترك العمل الهشّ الحل الوحيد أمامهم. 

خلال العام الماضي، شهدت تونس موجة هجرة كبيرة، خصوصاً في محافظتي مدنين وتطاوين في الجنوب الشرقي للبلاد، غالبيتهم من الشباب الذين يمثلون القوة الفتية والعاملة، إذ سجلت تطاوين التي يبلغ عدد سكانها الـ 150 ألفاً، هجرة حوالى 20 ألف شاب، وفقدت بذلك 12 في المئة من سكانها، لتخلّف هذه الهجرة فراغاً كبيراً، بخاصة في سوق العمل الهشّ الذي لا يتطلّب خبرة كبيرة مثل المقاهي والمطاعم والتنظيف وحضائر البناء، فوجد الأهالي في المهاجرين حلّاً جذرياً لمشكلة النقص في العمالة، وباتوا يفضلون تشغيل أفارقة جنوب الصحراء، فيما لم تعد للتونسيين رغبة في العمل في عدد من القطاعات الهشّة، وأصبحوا يطمحون، في غالبيتهم، الى العمل في مجالات توفّر رواتب أعلى أو الى الهجرة نحو أوروبا. 

سرديّات خاطئة

تحوم مغالطات كثيرة حول أفارقة جنوب الصحراء في تونس، عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، إذ يتم تضخيم أعدادهم ومسؤوليتهم عن البطالة. وتبدو تلك المغالطات كأنها محاولة منظّمة لتمييع ضعف السياسات التنموية والاقتصادية الكارثية لسعيّد، وتحميل المهاجرين مسؤولية ذلك، لكن الواقع والأرقام تفنّد ذلك بشكل جذري.

 يبلغ عدد المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس 21.466 مهاجراً، بمن فيهم الطلبة، وفق آخر دراسة  للمعهد الوطني للإحصاء صادرة عام 2021. تكذّب هذه المعطيات سرديات الخطاب العنصري والتمييزي القائم على تضخيم التعاطي مع وجود المهاجرين/ات في تونس، حيث يقدّر المعهد الوطني للإحصاء في تقرير “المسح الوطني للهجرة الدولية” لعام 2021، عدد الأجانب المقيمين في تونس بـ 58.990 شخصاً، أي ما يعادل 0.5 في المئة من إجمالي سكان تونس. 

ويقدّر المعهد عدد المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء بـ21.466 شخصاً، أي بنسبة 36.4 في المئة من مجموع الأجانب المقيمين في تونس. إضافة إلى ذلك، فإن حوالى 8.151  مهاجراً، هم لاجئون أو طالبو لجوء، إضافة الى حوالى 6 آلاف طالب، ما يجعل عدد المهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية حوالى السبعة آلاف فقط. 

وتشير الأرقام التي توفّرها دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الى أن نسبة 9.5 في المئة من 962 شخصاً شملتهم الدراسة، قاموا بأعمال غير قانونيّة خلال مسار الهجرة، وقد اعتبر 79 في المئة من هؤلاء أنهم أُجبروا على القيام بهذه الأعمال بطُرق مُختلفة، إمّا عن طريق تعرّضهم للابتزاز والتحايل والخداع من أشخاص آخرين، أو لأنّ وضعهم الاقتصادي الهش جداً دفعهم نحو الجريمة. إضافة إلى ذلك، لا تتجاوز نسبة الجريمة في صفوف المهاجرين الواحد في المئة من نسبة الجريمة بشكل عام في تونس. 

لماذا تحدّث سعيّد الآن؟

بدا لافتاً حديث سعيّد عن وجود نية لتغيير التركيبة الديموغرافية للمجتمع التونسي، واتهامه جحافل المهاجرين غير النظاميين، حسب تعبيره، بـضلوعهم في “العنف وجرائم وممارسات غير مقبولة”. 

لا يوجد أي دافع للحديث عنهم في هذه اللحظة بالذات، لأن عددهم لم يشهد طفرة خلال العشر سنوات الأخيرة، ولم ترتفع نسب الجريمة في صفوفهم في الآونة الأخيرة حتى يتهمهم سعيّد بالعنف والجريمة.

الأرجح، أن هذا التركيز على المهاجرين هو محاولة من سعيّد لتحميل أطراف خارجية مسؤولية خياراته الخاطئة، فبعد تغييره الدستور، وإعلان الاستفتاء لتغيير النظام نحو نظام رئاسي، وفشل الانتخابات وحملة الإيقافات، لم يتحسّن الواقع الاقتصادي في تونس، بل ازداد كارثية، ولم يجد سعيد سوى أفارقة جنوب الصحراء مبرراً لفشله المتكرر. 

كما يشكّل الضغط الذي تمارسه دول الاتحاد الأوروبي على تونس سبباً آخر لأزمة المهاجرين، وذلك لإحكام القبضة أكثر لوقف موجات الهجرة غير الشرعية. وكان وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي، عبّر عن مخاوفه من هذه الظاهرة خلال لقائه بسعيّد مطلع العام الحالي، إذ أكد أن نصف المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا الى إيطاليا في العام الماضي قادمين من تونس، هم من الأفارقة جنوب الصحراء. 

أصبحت دول الاتحاد الأوروبي أكثر سخاء في مسألة مساعدة تونس، فأغدقت المنح والتمويلات الموجّهة لمكافحة الهجرة غير النظامية، ومكّن الدعم الإيطالي والأوروبي تونس من زيادة عمليات الاعتراض قبالة سواحلها بشكل كبير. ووفقًا لبيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منذ بداية عام 2022 وحتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر منه، تم اعتراض ما لا يقل عن 30604 مهاجرين من السلطات التونسية، ما يعني زيادة بنسبة 38 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، وبأكثر من ستة أضعاف مقارنة بعام 2019. في الوقت نفسه، تستمر الممارسات العنيفة للحرس البحري وحوادث الغرق بالارتفاع، وهذا هو الثمن الذي يبدو أن الاتحاد الأوروبي على استعداد لدفعه لإبقاء أولئك الذين يعتبرهم غير مرغوب فيهم بعيداً منه، كما تشير بيانات المجتمع المدني في تونس.

كيف يأتي المهاجرون: ترانزيت أم توطين؟ 

غالباً ما يأتي المهاجرون الى تونس عبر مسارين مختلفين، فبعضهم قادمون بطريقة قانونية عبر مطار تونس قرطاج، خصوصاً الطلبة والكفاءات المهنية، وهؤلاء يمثلون أكثر من نصف عدد المهاجرين، والبعض الآخر يأتون بشكل لا نظامي ضمن رحلة طويلة غالباً ما تكون عبر تشاد وليبيا والسنغال وموريتانيا والجزائر، والتي تكررت فيها حوادث إساءة معاملة المهاجرين الى حدّ ترك مجموعات واسعة منهم في الصحراء لمواجهة مصيرهم. 

بعد تلك الرحلة الشائكة، يكون المهاجر أمام خيارات ثلاثة، الأول هو التوجه الى مفوضية اللاجئين وطلب اللجوء الإنساني ضمن مسار بيروقراطي معقّد قد يستغرق وقتاً طويلاً، أما الثاني فهو البقاء موقتا حتى توفير ثمن “الحرقة” أو الهجرة غير الشرعية عبر قارب من شواطئ البحر الأبيض المتوسط نحو السواحل الإيطالية، والخيار الثالث يكون بالبقاء في تونس في محافظتي صفاقس -العاصمة الصناعية لتونس- أو أريانة ضمن إقليم تونس الكبرى.

الخيارات الثلاثة لها ضريبتها الباهظة، وهنا يأتي دور دول أوروبا التي قررت الضغط أكثر باتجاه منع موجات الهجرة غير النظامية، رفضةً اعتبار تونس أرض عبور، لأن ذلك يعني أن الوجهة القادمة هي أوروبا، وتصرّ على تركهم في تونس. كما أن بقاءهم في تونس يقتضي على الأقل توفير ملاجئ أو مأوى وأدوية ومساعدات بشكل موقت، ونظراً الى الوضع الاقتصادي الهش في تونس فإن الحكومة لا تستطيع توفير أي شيء من هذا القبيل. 

وفي الوقت نفسه، ترفض دول الاتحاد الأوروبي تمويل برنامج مساعدة أفارقة جنوب الصحراء، لأن ذلك يحمل تبعات سياسية وأخلاقية وإنسانية لديهم، لأن تونس ليست وجهة لهم. 

إيطاليا كلمة السرّ

توضح سعيدة قرّاش، المحامية والناطقة الرسمية السابقة لرئاسة الجمهورية، أن أوروبا تودّ التخلص من الضغط المالي والحقوقي والسياسي والإنساني لملف الهجرة. ففي أوروبا، تنشط مجموعات وأحزاب تتصدى لسياسة التمييز العنصري مع بروز قناعة بأن أوروبا مسؤولة عن تفقير القارة الأفريقية التي تضم مستعمرات أوروبية سابقة. 

يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن يلتقي سعيد أو وزير الخارجية التونسي بالسفير الإيطالي في تونس أو تحصل مكالمة تجمع نجلاء بودن، رئيسة الحكومة التونسية، ونظيرتها الإيطالية جورجيا ميلوني. ويأخذ التعاون في مسألة الهجرة الحيّز الأكبر من هذه المحادثات، إذ تسعى إيطاليا ومن ورائها أوروبا إلى تولّي تونس موضوع الهجرة غير النظامية ومحاربته، ويأتي هذا التعاون في صيغ متنوعة ومختلفة. 

في المقابل، يستفيد النظام التونسي من دعم سياسي ومادي لا محدود من عدد من العواصم الأوروبية، فمثلاً لم تدن دول أوروبية عدة إجراءات سعيّد القمعية، ولم تعد تهتم كثيراً بمسألة الانتقال الديمقراطي أو وضع حقوق الإنسان بقدر اهتمامها بالهجرة غير النظامية ومحاربتها. وبعدما أصبحت تونس تؤدي دور شرطي الحدود وتحمي حدود أوروبا، مُنع أكثر من 21 ألف مهاجر من جنوب الصحراء من الوصول إلى إيطاليا خلال الأشهر الأربعة  الأخيرة فقط، حسب وزارة الداخلية الإيطالية.

يقول مجدي الكرباعي، النائب في مجلس النواب التونسي المنحل، إن السلطة تريد إلهاء التونسيين بمشاكل أخرى، فمهاجرو جنوب الصحراء موجودون في تونس منذ سنوات، إلا أن سياسة الدولة المتعلقة بالهجرة هي سياسة اعتباطية، وليس هناك تعامل جدي مع مشكلة المهاجرين الوافدين إلى تونس أو المغادرين منها، فالوافدون هم ضحايا احتجاز السلطة التونسية واعتراضها لهم عند محاولتهم الهجرة نحو إيطاليا، أما المغادرون فهم يدفعون ضريبة ذلك عند موافقة تونس على ترحيلهم من إيطاليا. يتابع الكرباعي، “تزامن تحريض سعيّد ضد الأفارقة جنوب الصحراء  مع انتهاء الدور الثاني للانتخابات وحملة الإيقافات، ما يجعله محاولة لإلهاء الشعب عن المشاكل الأساسية ومحاولة لكسب ودّ إيطاليا، التي قررت تقديم 100 سيارة خاصة لتونس، بعد تصريحات وزير الخارجية الإيطالي بأنه يجب على إيطاليا معاضدة تونس في التصدي للهجرة غير النظامية. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.