fbpx

صناعة الترفيه وطاعة النظام سوريا:
تعليمات فنيّة للتعامل مع الأمن والشرطة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تحوّل الممثلون بعد عام 2011، إلى أداة واضحة بيد السلطة، يستقبلهم بشار الأسد لـ”إيجاد حلّ للأزمة”، وأصبح كل من الممثل والمنتج والمخرج يلعب دور “رجل سياسة” و”مثقف” تمنحه السلطة مباركتها لقدرته على مخاطبة الجمهور، وأداء أدوار تلفزيونيّة تنال جماهيريّة واسعة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نناقش في مقالات “صناعة الترفيه وطاعة النظام” علاقة الإنتاج الفني والثقافي بالسلطة السياسيّة، التي تتحكم بعمليات الإنتاج ومكونات العمل الفنيّ لترسيخ ثقافة الطاعة.  نكتب عن سوريا، البلد الذي يهمين فيه نظام الأسد على الصناعة الفنية والثقافيّة، والذي حوّل صناعة المسلسلات التلفزيونيّة  إلى أداة أيديولوجيّة، لترسيخ الطاعة، ورسم سيناريوهات لكيفية التعامل مع رجل الأمن والشرطة، وأسلوب تبنيّ دور المواطن المطيع الذي لا يسمع ولا يرى ولا يتحدث.

كيف يجب أن أتعامل مع رجال الأمن؟ سؤال يخطر على بال أي طفل أو مراهق سوري لا تجيب عنه المناهج المدرسية، ويحاول كل مواطن سوري أن يعثر على إجابته الخاصة من خلال الاستنتاجات التي يرسمها بشكل منفرد على خلفية الأحاديث المكتومة في الشارع السوري، ومن خلال المشاهد والصور التي رسمتها الدراما التلفزيونية عن علاقة المواطن بالسلطة؛ التي تبدو المرجعية الأكثر وضوحاً وانتشاراً، خصوصاً أن “استراتيجيّة الهمس” حسب تعبير دوناتيلا ديلا راتا، هي ما تحكم الإنتاج الفني، أي تهمس السلطة لصناع الدراما بما تريد تمريره، وما يجوز وما لا يجوز، لتتحول الشاشة إلى دليل غير جديّ للتعامل مع السلطة.

أحد تجليات السلطة في سوريا، صورة رجل الأمن على الشاشة، الذي يمتلك تمثلاً شديد النمطيّة يتمثل برجل ذي زي أسود ونظارة سوداء، ويقال  عادة عن كل من يتناولها بأنه “جريء” أو يقارب “المحظور” ، سواء كنا نتحدث عن “غزلان في غابة الذئاب” أو “الولادة من الخاصرة” أو ” خريف العشاق” أو حتى كوميديات “مرايا” و “بقعة ضوء”، التي تحضر فيها شخصية رجل الأمن وعناصر الشرطة بوصفهم جزءاً من جهاز الدولة، أداؤهم مضبوط، وحدود انتقادهم مرسومة بدقة، لكن المشترك أن حضورهم مرتبط بكليشياهات، متكررة، عبارات وأنماط تبدو واضحة أو مبتذلة، لكن “تشفيرها” متفق عليه بين المشاهد السوري وصناع العمل.

التعليمات والأنماط السابقة جعلت المسلسلات السوريّة نوعاً من “النيش” الذي يتداول في الأوساط الأكاديميّة الغربيّة بوصفها علامات “إثنوغرافية وفاكتوغرافيّة” على الهيمنة السياسية، أما بالنسبة الى النظام السوريّ، فهي  السلاح الناعم لضبط المواطنين وتوجيههم، إذ تفرض رقابة شديدة تحاصر الإبداع الفني، وتعطي لنفسها الأحقية بحذف بعض المشاهد والحوارات وإضافتها، وإدراك صناع العمل التلفزيوني أنفسهم الخطوط الحمراء هو جزء من هذه الهيمنة، التي توجت بأن يتحول الممثلون بعد عام 2011، إلى أداة واضحة بيد السلطة، يستقبلهم بشار الأسد  لـ”إيجاد حلّ للازمة”، ليتحول كل من الممثل والمنتج والمخرج إلى “رجل سياسة” و”مثقف” تمنحه السلطة مباركتها لقدرته على مخاطبة الجمهور، ولعب أدوار جماهيريّة تنال رضا الجمهور.

لفهم العلاقة أكثر بين رجل الأمن والطاعة، نرصد هنا مجموعة مشاهد متشابهة، تتكرر في المسلسلات السورية التي تترافق بالجمل الكليشيه ذاتها في كل مرة يحتك بها المواطنون بأجهزة السلطة في أي مسلسل، فتعكس هذه الجمل/ الكليشيه حدود العلاقة بين أجهزة السلطة والمواطنين، خصوصاً أن الكليشيه ذاته، ذو معنى واضح، لا يختلف عليه بسبب تكراره والاتفاق على ما يمثله.

 الشرطة في خدمة الشعب

شعار “الشرطة في خدمة الشعب” المعلق على حائط كل مخفر ، يظهر بكثرة في هذا النوع من المشاهد الكليشيه؛ يردده رجال الشرطة كشعار أجوف، وتشير إليه بعض شخصيات المواطنين المتمردين بوصفه شعاراً لا يطبّق، كما يفعل “سعيد النايحة” مراراً في مسلسل “بطل من هذا الزمان”،  ونتيجة (تناحة) المواطن غير المرضية، يجد “سعيد النايحة “نفسه في غرف التعذيب حتى لو كان بريئاً، وينتهي المشهد بالتراجع والاعتذار.

طرأت تغييرات جذرية كثيرة على صورة رجال الأمن في الدراما السورية بعد عام 2011، التي انقسمت بين نموذجين متعارضين تماماً، رجل الأمن الفاسد الذي لا يحوي مكتبه سوى لوحات تجريديّة، ورجل الأمن الوطني المثالي الذي تتصدر مكتبه صورة بشار الأسد.

بجانب الشعار الأجوف، الذي تلتقطه كاميرات المخرجين في بداية معظم المشاهد التي تدور في مخافر الشرطة، يتم تصوير الإتيكيت الذي يُفترض على المواطنين الالتزام به عند دخول مخفر الشرطة؛ فيجب أولاً أن يقرع المواطن الباب حتى ولو كان مفتوحاً، وأن يقف أمام الكراسي الخالية في غرفة رئيس المخفر بانتظار الإذن للجلوس، وإذا لم يلتزم المواطن بالإتيكيت ولم يحترم القواعد غير المعلنة في المكان، فقد يطاوله الأذى، حتى لو كان قد دخل إلى المخفر بوصفه شاهداً أو مُدعياً؛ ففي مسلسل “إنت عمري” يهدد رئيس المخفر المواطن “نبيل شق تيابه” بالحبس لمدة 24 ساعة على ذمة التحقيق إذا لم يتصرف بالاحترام المفترض.  

في المشهد النمطيّ ذاته، يتبين أن المواطن الذي لديه واسطة وتربطه علاقات وطيدة بأفراد من “القيادة” هو الاستثناء في المعادلة، ووحده من يحق له عدم الالتزام بإتيكيت مخافر الشرطة؛ ومعه يتبين أن شعار “الشرطة في خدمة الشعب” هو جملة شرطية غير مكتملة، وأن الجزء المفقود منها: “إذا كان لديك واسطة”؛ فالشرطة في خدمة الشعب (المدعوم) حصراً، وأمام المدعومين وأقارب المسؤولين، يقف رجال الشرطة كقطيع من الخدم فعلياً، وهذه الصورة يتم تجسيدها بحرفيتها في مسلسل “هومي هون”.

 القانون لا يحمي المغفلين

يقول رئيس المخفر “أبو شكيب” في نهاية مسلسل “عيلة 6 نجوم”: القانون لا يحمي المغفلين،، وهو ينفذ حكماً يعرف تمام المعرفة أنه جائر، ليُحمل المواطنين مسؤولية الظلم الواقع على عاتقهم ويخلي المسؤولية عن أجهزة الدولة، ليترك ضحايا عمليات النصب من دون أي معين يدافع عنهم وينصفهم. 

العبارة ذاتها تتكرر بعشرات المسلسلات في سياقات مختلفة، كلها تعلمنا درساً واحداً فقط: إن الدولة غير مسؤولة عن جهل المواطنين وغبائهم. الدرس كررته الدراما ورسخته قبل سنوات، ليتحول بعد الثورة السورية إلى مسلمة في عُرف السلطات السورية وأجهزتها الأمنية وإعلامها، حيث يلام الشعب على الويلات التي وقعت به.  

مفكر حالك بسويسرا

 عبارة “مفكر حالك بسويسرا” هي الإجابة الموحدة لكل رجال الأمن والشرطة في كل المسلسلات السورية عن أي طلب أو خطاب حقوقي يواجههم. تتكرر الجملة كثيراً في مسلسل “بطل من هذا الزمان”، الذي يبدو بطله مفصوماً عن الواقع ويطالب بحقوقه في كل مرة يدخل بها المخفر، فحين يقول “سعيد النايحة”: “أنا مواطن محمي بهاد البلد بالقانون” أو “حقوق الإنسان هيك بتنص”، سينتهي المشهد بإذلاله على “بساط الريح”، يصاحبه الخطاب الساخر الذي يختزله التعليق: “مفكر حالك بسويسرا !”.

 نفهم من هذه المشاهد أن المواطن في سوريا ليست لديه حقوق، وهو ما يتم تأكيده في مشهد من مسلسل “ضيعة ضايعة” حين يقول الشرطي “حسان” للسجين “سلنغو”: “الحق الوحيد يلي عندك أنك تفوت تندفس وتنام”، ليلخص بهذه الجملة حقوق السجناء السوريين حرفياً.

المسلسلات التي ذكرناها قد تكون الأفضل والأكثر جرأة على انتقاد الواقع، لكنها ساهمت بتعليمنا مع مئات المسلسلات الأكثر محاباةً منها للسلطة، درساً لا يمكن إغفاله، وهو أن المواطن السوري في أفرع الأمن والسجون ومخافر الشرطة مجرد من الحقوق، والامتيازات التي قد يحصل عليها ليست سوى منحة أو هبة من القيادات. 

يبدو أن هذا الدرس أصبح من مسلمات إعلام النظام على رغم رفض الشعب الدفين له، ليؤدي هذا التعارض إلى توتر بخطاب النظام الإعلامي في بعض المواقف، كما هي الحال عندما أصدر الأسد عفواً عاماً وأفرج عن بعض المغيبين قسراً في سجون الاستخبارات عام 2022، حينها وقفت مئات العائلات تنتظر المفرج عنهم من دون جدوى، وانتقدهم إعلام النظام لأنهم لم يحمدوا السيد الرئيس ويشكروه على مكرمته؛ فالحديث عن حقوق السجناء كان خطاً أحمر تجاوزه الشارع يومها؛ وكأنه لم يستفد من الدروس التي تلقنها الدراما التلفزيونيّة.

 المخابرات ظلّام

 تتم المقارنة بين الشرطة وأفرع المخابرات في مسلسل “قلة ذوق وكثرة غلبة”، وفي إحدى الحلقات يقول “أبو صبحي”: “شو مفكرتيهم متل الشرطة! هدول ظلّام”، ليشير إلى أن الوقوع بيد المخابرات يعني احتمالية الاختفاء عن الوجود. العبارة التي ترد في هذا المسلسل يتردد صداها في باقي المسلسلات بصياغات مختلفة، توصلنا جميعها إلى نتيجة واحدة، وهي أن العقوبة الأقسى والجريمة الأصعب التي لا تغتفر في عُرف السلطات السورية هي الحديث في السياسة؛ فكثيراً ما ترد عبارات من قبيل: “لو سرق لو قتل نص مصيبة”، التي تبدو درساً درامياً قاسياً هدفه الترهيب من الأفرع الأمنية.

يتضح هذا الرعب من أجهزة الدولة القمعيّة في تصريح شهير لـلممثل دريد لحام، يقول فيه بوضوح، إنه يخاف من المخابرات أكثر من الله نفسه، لا نعلم كيف يمكن وصف عبارة كهذه، لكنها لا تعني أن علاقة رجال السلطة مع الصناعة التلفزيونيّة قائمة على التخويف فقط، هناك علاقات أسرية في بعض الأحيان لن نشير إليها، وهناك شركات إنتاج مملوكة من رجال في الدولة، تمتلك “أسقفاً” رقابية أعلى من تلك التي تحاول العمل بعيداً من سلطة الدولة.

المواطن المطيع

لا تكتفي الدراما برسم الخطوط الحمراء التي يجب أن يقف عندها المواطنون، وإنما ترسم أيضاً صورة نموذجية للمواطن المثالي. في المسلسلات الكوميدية، يتم عادةً اختزالها بعبارة: “لا أرى، لا أسمع  ولا أتكلم“،  وتُضاف إليها في بعض الأحيان جمل توكيدية تشير بشكل مباشر إلى وظيفتها، كما هي الحال في مسلسل “بطل من هذا الزمان” حين يصرخ “سعيد النايحة” بنبرة ساخرة لا تغير مضمون الرسالة: “أنا مواطن مثالي، لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم”. 

في المسلسلات الواقعية الاجتماعية، يتم رسم صورة المواطن المثالي من خلال شخصية دائمة الحضور، هي شخصية المواطن المثقف المعجون بالطاعة، الذي ينتقد بشدة مظاهر الأمركة والعولمة التي تجتاح البلاد، لكنه يسلّم بحكمة أصحاب النفوذ ورجاحة عقولهم؛ فعلياً يمكن أن تشاهد شخصية كهذه في كل مسلسل، شخص يتسم بالشاعرية والهدوء، ويستمع صباحاً لفيروز ويردد في كل نقاش شعارات اليسار العربي التي يتبناها محور الممانعة، لكنه كغيره من الشخصيات، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، وإذا ما تكلم فإن صوته لن يخرج عن الجوقة، ولن ينتقد سوى الغزو الثقافي الغربي وسياسة القطب الواحد، والفساد أحياناً، هذ الدور النمطي يتبناه الممثل غسان مسعود ذو الروب دو شامبر في الكثير من أدواره التلفزيونيّة كما نراه في مسلسلي “قاع المدينة” و “مع وقف التنفيذ”

تعديلات على سيناريو الطاعة ما بعد 2011

 بعد اندلاع الثورة عام 2011، بدأت الدراما بتعديل ملامح شخصية المواطن المثالي؛ الصمت لم يعد كافياً في هذه المرحلة، وبات التعبير عن الولاء ضرورياً؛ فتراوحت صورة المواطن المثالي في هذه الحقبة ما بين شخصيات المثقفين الذين يتمتعون ببصيرة ثاقبة تمكنهم من كشف المؤامرات الكونية على سوريا، وما بين الجنود الذين يضحون بحياتهم في سبيل القائد والوطن. 

تطورت العلاقة بين المواطنين ورجال الأمن “في دراما ما بعد الحرب”، وبدأت تظهر عبارات كليشيه جديدة تتكرر في معظم المسلسلات، مثل: “المواطن الشريف لازم يتعاون مع رجال الأمن”، “واجبك تشتكي وتخبر عن الفساد”، “وغيرهما من العبارات التي لا تبدو دروساً في حسن التعامل مع أجهزة السلطة وحسب، وإنما تهدف الى تجنيد المواطنين لصالحها.

طرأت  أيضاً تغييرات جذرية كثيرة على صورة رجال الأمن في الدراما السورية بعد عام 2011، التي انقسمت بين نموذجين متعارضين تماماً، هما: رجل الأمن الفاسد، ورجل الأمن الوطني المثالي. وأصبح الصراع بينهما هو الصراع الدرامي الأبرز في الدراما السورية في السنوات الأخيرة. ومع توالي السنين، بدأت الدراما السورية تحدد ملامح شخصية رجل الأمن المثالي وتنمطه؛ فهو رجل أمن مثقف، يجيد التواصل مع المواطنين ويستوعبهم ويقدّر ظروفهم الإنسانية؛ أحياناً يتحول رجل الأمن المثالي إلى شخصية فاقعة تغالي بالمثالية كما يحدث في مسلسل “الضفدع”، الذي يؤجل فيه رجل الأمن عملية اقتحام منزل مجرم وتفتيشه  إلى حين إخلائه من الأطفال، خوفاً على صحتهم النفسية. لكن ما يميز رجل الأمن المثالي ليس إنسانيته فعلياً، وإنما الولاء للأسد؛ ففي مسلسل “كسر عظم” مثلاً يتم التمييز بين رجال الأمن الشرفاء والفاسدين من خلال الصور المعلقة على جدران مكاتبهم، فتجد في مكاتب رجال الأمن الفاسدين لوحات فنية تجريدية، بينما تتصدر صورة الرئيس بشار الأسد مكاتب رجال الأمن الوطنيين الشرفاء؛ لتعلمنا هذه الدراما أن مفهوم الوطنية يُختزل بشخص الرئيس وحده.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.