fbpx

14 آذار و17 تشرين… متى “الانتفاضة داخل الانتفاضة”؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“… لكن الإحباط لن يزول إلا بالحركة، والحركة الواضحة التي تعيد رسم الرهانات في أولوياتها”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“انتفاضة الاستقلال” لم تكن لحظةً ليومٍ واحدٍ، بل مثّلت مرحلة “الربيع الطويل” التي بدأت في أواخر شباط/ فبراير 2005 وانتهت مع انطلاقة صيف السنة نفسها، أي بعد اغتيال سمير قصير وجورج حاوي، اللذين كرّسا أدواراً مختلفة لليسار اللبناني في الفلك السياسي الواسع الذي سُمّي “14 آذار”.

نتذكّر قصير وحاوي كي نصرّ على أن علاقة “14 آذار” و”8 آذار” بما يسمّى بـ”التغيير” حالياً، لم تبدأ في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019. الانقسام الذي طغى على البلد في مرحلة ما بعد 2005 ضمّ دوائر واسعة من “التقدميين” و”الديمقراطيين”، الذين عرفوا أنّ تلك المرحلة فرضت على الجميع الدخول في لعبةٍ سياسيةٍ ستحدّد مصير لبنان لسنين طويلة. 

في ذلك الزمن، كان “التغيير” فريقاً من أفرقاء “14 آذار”، واليوم “14 آذار” هو أحد ألوان “التغيير” ضمن المعارضة التي تشكّلت في سياق انتفاضة 17 تشرين.

بات واضحاً أنّ هناك سلّة من المواقف التي رسمت صورةً نمطيةً لنشطاء وناشطات “14 آذار” في سياق المعارضة الحالية: أولوية السلاح والسيادة والاغتيال السياسي، مقارنةً بالقضايا الأخرى، الموقف الملتبس من الحل المالي الشامل والتوزيع العادل للخسائر، التصويب على العهد وشخص ميشال عون، قراءة سياسية لا تقتصر على نقض “كلّ من شارك في السلطة”، رفض أي تسوية رئاسية مع فريق “8 آذار”، وربط مصير لبنان السياسي بأي تحوّل قد يحصل في سوريا، نظراً إلى تورّط الأسد في الشأن الداخلي اللبناني. لعبت هذه التجربة دوراً مهماً في الانتخابات النيابية التي أُجريت العام الماضي والاستحقاقات التي سبقتها، ولا تزال النقاشات الحادة حول دورها مستمرّة حتى اليوم – فكيف نقيّمها ونتعامل معها في ظلّ انهيارٍ شامل وشللٍ قد يقضي على بوادر المقاومة؟

شبح 14 آذار في وجه “أصالة” 17 تشرين

بدأت انتفاضة 17 تشرين بتكرار شعارات حراك النفايات في 2015 (“كلن يعني كلن”، “لن نستثني أحداً”)، ومن ثمّ ترافق غضب الناس مع قراءة منطقية لتوزيع المسؤوليات: جبران باسيل مثّل السلطة التنفيذية، نبيه بري كان الكلمة الأخيرة للمجلس النيابي وشرطته، حسن نصرالله هو قائد “حزب الله”، الدويلة الفعلية في البلد، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وظّف موقعه لمصلحة أصحاب المصارف وأعوانهم. على رغم هذا التوزيع للأدوار، تحمّل حسن نصرالله عبء النظام كلّه عندما وقف في وجه إسقاط الحكومة، ودافع عن “مستقبل” المصارف اللبنانية في وجه “المؤامرة الأميركية” وصندوق النقد، وهاجم قاضي تحقيق جريمة المرفأ طارق بيطار، والتحقيق الذي قد يفضح أصابع المحور بين سوريا ولبنان. 

أكّد “حزب الله” أنه حامي النظام، وأنّ تدخلات النظام السوري المخابراتية لا تزال قائمة، وأنّ انتفاضة الاستقلال هي مهمّة لم تنتهِ صلاحيتها، وأن 14 آذار هي لحظة سياسية قد يجوز العودة إليها. ومع اغتيال الكاتب لقمان سليم قبل عامين، تبدو تلك اللحظة المأزومة هي نفسها آخر نفَس شجاع في بلدٍ محكوم بالعنف الأبدي. ولكن في الواقع، 14 آذار “المعارضة” لم تواجه “حزب الله” وحسب، بل أيضاً تصادمت مع شقّيْن من المعارضين والمعارضات: معارضة ذات خلفية مرتبطة بمجموعات يسار 8 آذار، ومعارضة تشرينية تمحورت تجربتها حول “أصالة الاعتراض”، فتعود إلى الشعارات والعناوين التي قد برزت في أوائل أيام الانتفاضة. هذا الجيل التشريني في غالبيته، لم يخض تجربة سياسية مباشرة تحت الوصاية السورية أو الاحتلال الإسرائيلي، ووعيه السياسي مرتبط بشكل أساسي بتطور الحركة الاعتراضية “الجديدة” منذ سنة 2011، أي في وجه أذرع النظام كافة، السياسية والاقتصادية والمالية.

نقد التجربة والتأقلم مع الحاضر

يقف الجناح “الجذري” للمعارضة اليوم، أمام محاولة للتخلّص من الثنائيات التي حكمت البلاد منذ 2005، وإحدى مهماته نقد التجارب السابقة، مع الحفاظ على هامش معيّن للدخول في صلب اللعبة السياسية وتكوين ثقل في موازين القوى. فالثنائية التي حاول أقطاب النظام إنتاجها اليوم، ترتكز على إلغاء المساحة المتبقية بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، ونرى هنا ترجمات مباشرة في ملّفات أساسية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أي أنه أصبح علينا الاختيار بين المصارف والقاضية المحسوبة على التيار العوني غادة عون في اشتباكهما القضائي، أو بين النائب ميشال معوض وزعيم المردة المرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية، وبين التحالفات الانتخابية الهجينة والانغلاق الكامل.

من هنا، لا مفرّ أمام المعارضة المتشبّثة بلحظة 14 آذار، من قراءة المشهد الراهن بدقّة، وإنتاج معرفة حقيقية حول حساسيات جيلٍ من المنتفضين والمهجّرين. هذا الجيل رفض هيمنة “حزب الله”، ولكنه أيضاً رفض الشق المصرفي والمالي للنظام، وقد بنى وعيه الطبقي في وجه من استفاد على حساب الفئات الأكثر هشاشة. اليوم، ينحاز هذا الجيل إلى خيار التأقلم مع الملّفات الأساسية ورفض محاولات حصر الملعب السياسيّ بين مخيّمَيْن. 

سمير قصير ودروس 14 آذار: استعادة المبادرة

في ظلّ سوداوية الحالة السياسية، كما الحالة النفسيّة لمعظم منظّمي المعارضة، يبقى السؤال متمحوراً حول كيفية إرساء خطّ سياسي فكري ثالث، سيادي وعادل اجتماعيّاً في آن، يرفض تحميل عبء الخسائر على الأكثر هشاشة، يرفض تسلط ميليشيا النظام وحلفائها، ويحمي ما تبقّى من العملية الديمقراطية. 

قد تكون العودة إلى 14 آذار جزءاً من الحلّ، ولكن إذا شددنا على دروسها وتمسّكنا بلحظتها التحررية، وحسب. نتعلم من تلك اللحظة أهمية الحركة بهدف اتخاذ قرار سياسي ينتهز الفرص المتاحة والشروط الموضوعية. هذه ليست دعوة الى المساومة على أيٍّ من أهداف المرحلة أو قيم الانتفاضة والحركة الاجتماعية الواسعة التي أنتجتها، بل دعوة إلى إنتاج كتل تتمكّن من خرق المنطق السياسي المهيمن، كتل قد تفرض نفسها كلاعب أساسي بين الشارع والرأي العام.

في مقاله الشهير “ليس الإحباط قدراً”، يقول الكاتب سمير قصير: “… لكن الإحباط لن يزول إلا بالحركة، والحركة الواضحة التي تعيد رسم الرهانات في أولوياتها”. نشهد في انتفاضتَي 17 تشرين والاستقلال حركة وطاقة هائلتين، قائمتين في الأساس على استعادة المبادرة ورفض الشلل، وهو الشلل نفسه الذي يسود اليوم. زعماء النظام لن يبادروا إلى تنفيذ الحل، فهم في الخندق الآخر من حيث المصالح؛ “المجتمع الدولي” لن يتدخل، فسلّم أولوياته في الصراعات الكبرى، والتسوية الإيرانية- السعودية ليست سوى دليل على تماسك الأنظمة في ظلّ الأزمات.

الحديث الراهن عن الإرادة، أي الإرادة التي وجدناها في 14 آذار و17 تشرين على حدٍ سواء، ليس كافياً، فالدرس الآخر هو التواضع لإيجاد “الانتفاضة ضمن الانتفاضة” على ما كتب سمير قصير، على أن نكون دائماً في موقعٍ تصحيحي بين الحفاظ على مشروع بناء الدولة وتفكيك بنى الاضطهاد (الذي كان غائباً في 14 آذار) من جهة، ووضع خارطة جدّية للحصول على المكتسبات الاقتصادية والسياسية (التي كانت غائبة في 17 تشرين). هذا “التعايش بين الانتفاضات” قد يسمح لنا بالدخول في المعادلة التفاوضيّة، كي لا نبقى في الهامش كما كنّا منذ عام 2005.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.