fbpx

فيدرالية “المايوه”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المايوه حرك الشارع الصامت، فتح أفواه الرجال على مداها من أجل توجيه حياة النساء، في بلد منهار، منهك، قرب شاطئ ملوّث وغير صالح للسباحة في الأساس.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

الحرب التي أشعلها “المايوه” أو لباس البحر في الأيام الأخيرة في لبنان، على خلفية طرد سيدة من شاطئ صيدا بسبب “المايوه”، ليس سوى تذكير آخر بأن أجساد النساء عموماً أبعد ما يكون عن الحرية الشخصية والعامة التي يتغنى بها الدستور اللبناني. أجسادنا “الحرة” ما زالت في الواقع رهينة الانتهاكات والإهانات، والتي تأتي برعايات متعددة، دينية، اجتماعية، ورسمية في بعض الأحيان. هكذا تماماً ما زالت أجسادنا تُعامل كملكية خاصة لرجال العائلة ورجال الدين ورجال السلطة، يقررون من أين نتنفس وكيف نعيش، وفي أي مدينة يحق الآن ارتداء ثياب السباحة وأين علينا أن نحتشم وأن نختفي.

في أحد الفيديوات، أطلت صبية تقول إنها من صيدا لتعطينا درساً بأن لكل مكان لباسه وقانونه، وبالتالي علينا مراعاة مشاعر الآخرين حتى لا يضطروا إلى غض البصر! وهو خطاب اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بات الجميع واعظين وواعظات في قيم الأسرة والمجتمع ودرء الفساد والمفسدات (مرتديات المايوه الفاحشات المتعريات).

إنها النظرية التي يُطلَب على أساسها من النساء حصراً الانسحاب من الفضاء العام لمصلحة الآخرين الذكور، والاضمحلال حد الاختفاء نصرةً لاستمرار الذكورية والبطريركية السائدتين ولتأمين الراحة الدائمة لأهل “القيم” و”الإيمان”، ويصنّف “مايوه” النساء خطيئة و”تعرياً”، فيما تزويج القاصرات وضرب الزوجات مجرد انتهاكات أخرى مسموحة ومتاحة وعادية.

قد يسأل سائل، ما دخل المايوه بتزويج القاصرات أو العنف ضد النساء؟ إنها منظومة واحدة في الواقع، فمن يستغفر الله لدى رؤية امرأة بثياب السباحة، هو نفسه لا يرف له جفن حين يسمع عن طفلة أصبحت أماً في الخامسة عشرة، وعن امرأة قُتلت من كثرة الضرب. مشاعر من علينا مراعاتها تحديداً؟ مشاعر رجال الدين “منجزي” معاملات الطلاق التي تنتهي بسحب الحضانة من الأمهات؟

ما تبقى من شواطئ عامة، يتولى رجال السلطة والدين والمجتمع المحلي  فرض قوانينهم الخاصة عليه وتحديداً على النساء، لأنهن الحلقة الأضعف في مطلق الأحوال.

في الواقع، رجل الدين الذي يخشى خطر المايوه هو نفسه يسحب الحضانة من قلب الأمهات في المحاكم الشرعية، من دون أي خوف أو قلق على مشاعرهن أو مشاعر الأطفال، ومن دون أي اكتراث لما يعنيه ذلك من انتهاك للقيم الإنسانية البدهية، كحرمان أم من طفلها وإبعاد طفل من أمه.

ماذا يعني أن نقاتل من أجل المايوه و”البوركيني” في صيدا أو في أي مدينة لبنانية أخرى؟ يعني أننا ندافع عن حقنا في أن نكون موجودات وأن نمشي وأن نتنفس كما نشاء وأن تكون أجسادنا مصانة وملكنا وحدنا.

القضية أبعد من مايوه بكثير. إنها قضية كل امرأة لا تستطيع أصلاً أن تنزل إلى شاطئ مدينتها، لأن الرقابة العائلية ستلاحقها، وقد تلجأ إلى بحر بعيد في بلد آخر أو مدينة أخرى، حتى تسبح وترى الشمس. إنها قضية كل امرأة يُفرض عليها حجابها، ويصدر فرمان رسمي وصارم منذ ولادتها، بماذا سترتدي وكيف ستعيش ومن ستقابل ومن ستتزوج وكيف ستربي أولادها. فرض الحجاب ومنع المايوه وجهان لعملة واحدة.

انتشر يوم أمس إعلان ترويجي لمدينة صيدا برعاية وزارة السياحة وطيران الشرق الأوسط يعود إلى عام 1970، يبدو فيه شاب وصبية بثياب السباحة، يتعانقان قرب بحر صيدا. إنها صورة عن الحب والحرية، يريد كثيرون قتلها الآن في عودة إلى ما قبل عام 1970، وإلى ما قبل الحرب وقبل الأزمة وقبل التكنولوجيا وقبل الانترنت…

معظم الشواطئ العامة في لبنان تحوّلت إلى منتجعات لها قوانينها الخاصة التي غالباً ما تتناول لباس النساء تحديداً، كمنع البوركيني في بعض الأماكن وحظر المايوه في أماكن أخرى، إضافة إلى تكلفتها العالية ما يجعلها بعيدة المنال بالنسبة إلى فئات اجتماعية كثيرة.

وما تبقى من شواطئ عامة، يتولى رجال السلطة والدين والمجتمع المحلي  فرض قوانينهم الخاصة عليه وتحديداً على النساء، لأنهن الحلقة الأضعف في مطلق الأحوال.

فيدرالية المايوه يتولى فرضها ذكور المناطق، يسمحون بالمايوه في البترون ويمنعونه في صيدا، يسمحون بـ”البوركيني” أو الحجاب في صور ولكن ليس في جبيل وفي منتجعات تصنّف نفسها “راقية” في أماكن أخرى في طرابلس وسواها. فيديرالية تمتدّ أيضاً إلى عاملات المنازل المهاجرات اللواتي يتعرضن لعنصرية عجيبة في بعض المنتجعات إذ يُمنعن من النزول إلى الماء أو من الدخول أصلاً.

صف طويل من المؤمنين سجدوا على شاطئ صيدا للصلاة واستغفار الله ضد لابسات “المايوه”، وضد تحرك دفاعاً عن ميسا حنوني التي تعرضت لهجوم صاعق لأنها ارتدت ثياب السباحة على شاطئ صيدا… كل ما حدث لنا لم يستدعِ هذه الهجمة وهذه الشجاعة والحماسة في الانفعال، إلا أن المايوه حرك الشارع الصامت، فتح أفواه الرجال على مداها من أجل توجيه حياة النساء، في بلد منهار، منهك، قرب شاطئ ملوّث وغير صالح للسباحة في الأساس.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.