fbpx

“الوحش”… تعليمات عن اللياقة الإباحيّة وبِرّ الوالدين

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

فجأة، ظهر “الوحش” على المنصات البورنوغرافيّة، وعنوان أول تسجيل له بالانجليزيّة هو “مجنون عربي ينيك جارته”. من هذا المجنون ؟. “الوحش” شابٌ من خلفية تونسيّة، نكتشف ذلك بسبب تكرار كلمة “الزبّي” على لسانه، ترنّ بين كل كلمة وأخرى، تتخللها الإنكليزية والفرنسيّة اللتان يتقنهما.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يُقدّم  “الوحش” نموذجاً خاصاً للرجولة في المخيال الجنسي الشعبي. هو نجم إباحي يقيم في أوروبا حسب قوله، في الوقت ذاته هو “متحدث تشجيعي”، ذو حساب على “إنستغرام” و”تيك توك”. للوهلة الأولى، يبدو ‘الوحش” مُفرطاً في ذكوريته، يُخاطب الرجال رافعاً شعار “نحبك وحش”، ويهيمن على تحديقة الكاميرا.

أفلام هاوية وأداء مُتقن

يمكن أن تصنَّف “أفلام” الوحش ضمن فئة الهواة، يُسجل من منزله ربما، من غرفة النوم، والمطبخ، والحمّام، نحن أمام أداء لا يقارن بذاك الذي يقدمه النجم الإباحي السوريّ أنطونيو سليمان، الذي يميل الى الاستعراضيّة أكثر من نوعية الأداء، علماً أنه يعمل مع شركة إنتاج ونجمات إباحيات محترفات، و هذا هو اللافت في تجربة  “الوحش”، إذ يعمل مع هواة ربما، لا يخفي وجه أحد، يستعرض جسده ونفسه، مؤكداً قدرته على الإشباع، تلك التي لا أثر فيها “للشريكة” ، هي تظهر كغرض يمارس معه الجنس، من دون أن نعرف اسمها، أو حتى نسمع صوتها،  نحن أمام تحديقة ذكوريّة بامتياز، لكنها جزء من صناعة البورنو نفسه، وفي حالة الوحش، هو “البطل”، شريكته مجرد جزء من “الديكور”.

صفحة الوحش على بورن هاب موثّقة، اختفت لبضعة أيام ثم عادت، أي أنها مطابقة لشروط النشر الجديدة على المنصات الإباحيّة، ما يعني  أن أفلامه ليست مُسربةً بل قائمة على “التراضي”، خصوصاً أنه يخاطب الكاميرا ومن معه، ندرك أننا أمام فيلم وأداء، أي بصورة ما، نحن أمام أداء بورنوغرافي لا يراهن على الفضيحة.

من هم “وحوش” المستقبل؟

من يخاطب الوحش؟ من هو جمهوره؟، الإجابة عن هذا السؤال صعبة، خصوصاً أننا لا نعرف المشتركين، لكن الواضح أنه يخاطب أقرانه، مهاجرين أم مقيمين في بلدانهم، يستعرض أمامهم قدرته، بعكس أنطونيو سليمان، الذي يوضح في تسجيلاته أحياناً أنه يخاطب “الخليج” إلى حد أنه يقلّد اللهجة بابتذال، ويعمل على حكايات عن شيخ يريد أن يطرد جنيّاً بباهه، زوجة محجبة وحيدة، يأتي هو لـ”تسليتها”، سليمان يركز على استخدام العربيّة،  واستخدام الإنكليزية مع الممثلة وظيفي، أكثر منه إباحي.

تسجيلات “الوحش” التحفيزية  تكشف وجهه الآخر، والمعايير التي يضعها لـ”الرجل” الذي يريده أن يكون وحشاً، تدعو إلى الرياضة، والتركيز على الجسد، والطعام الصحيّ، يطلب من كل رجل  أن يقف أمام المرآة ويقول لنفسه كل صباح: “أنا وحش يا زبّي وباش بنيكلهم أمهم، لا بد من الانضباط…”. 

 لا نعلم من “هم” الذين يقصدهم هنا، ربما يقصد الضُعفاء، الهزيلين، أصحاب الإرادة المحطمة، المتكاسلين طوال النهار على الكراسي، بُدلاء الوحش الذين أثقلتهم البورنوغرافيا وشلّ الـ”إنستغرام” أصابعهم.

الوحش هو النموذج “الجدّي” للمقاربة الساخرة التي نراها في فيديوات اللبنانيّ جوزيف ، الذي يُراهن على قوة التركيز وعلم لبنان وحماية الربّ، كي يتوازن على يديه أو يرتدي بنطاله بسرعة، نموذج الرجولة الذي يقدمه الوحش قائم على معادلة بسيطة: كلّ جيداً، تمرن، لتصبح قادراً على ضرب اللحم باللحم كالوحش.

يدعو الوحش إلى برّ الوالدين، ويؤكد على أهمية الاعتناء بالأم، والسعي الى رضاها، والاحتفاء  بها كل يوم، فأمك لن تتركك مهما تركتك النساء، يقول: “اتصل بأمك، قلها أمي الغالي اموت عليكي، يا أغلى أم في الدنيا… يا أبي، يا أسطورة… يا أغلى رجل في الدنيا…”، الوالدان في فيديوات الوحش يلعبان دوراً مركزياً، فالـأم تحمل الواحد منا في “كرشها” 9 أشهر، ولا بدّ من رضاها، والعمل لأجلها، كي تفخر بابنها القادر على اقتحام العالم بعضلاته وباهه القاسّ.

المهاجر بلا سرواله

خطاب الوحش يتركنا أمام تساؤلات عدة، ترتبط باللجوء إلى الإباحيّة، كبديل عن صناعة الطعام في المهجر، في كسر للصورة النمطية التي أصبحت مرتبطة بكل من يترك وطنه نحو القارّة العجوز، خصوصاً الشباب، الطعام لذّة لـ”الآخر” وحديث مع لسانه، واستعادة لطعم الوطن المفقود. 

في الحالة الإباحيّة، اللذة حاضرة، والحديث أيضاً مع الآخر، لكنها تتطلع إلى الأمام، صيغة الغزاة هذه تذكرنا  بـ”مصطفى سعيد” بطل رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”، لكن الفرق أن الوحش حرفياً يستخدم جسده لاكتشاف الآخر علناً وأمام “الجميع”، فيما سعيد مُهاجر يطلب العلم، ذكره يستخدم للتشفّي من التاريخ الاستعماري، لا تحقيق النجاح والشهرة.

باب الإباحية الهاوية مع انتشار “أونلي فانز” وغيرها من المنصات، أصبح غواية لكسبٍ من نوع ما، وحضور جسديّ يختلف عن ذاك المرتبط بجسد المهاجر العابر للبحر، أو في المطبخ أو مخيمات اللجوء،  الجسد المهاجر هنا يبدو مفتول العضلات، نال فرصته التي لم يحصل عليها في وطنه، فاشتد وقسى، لكن التركيز على الجسد يدفعنا الى إعادة النظر في الرجولة نفسها في المهجر، والرغبة في استعراضها، فمن هو جمهور الوحش بدقة، الأوروبي؟ العربي؟ التونسي؟، من “نحن” الذي يريدنا أن نكون مثله “وحوشاً؟”.

اللافت في الظاهرة الإباحية المعاصرة أن المؤدي الواحد متعدد الأشكال، الوحش مؤثر وممثل إباحي، نُمير ممثل إباحيّ و عاشق لتصوير نفسه، أنطونيو سليمان، ممثل إباحي، وأنجز أغنية وفيديو كليباً، الأمر ذاته مع دانا العتيبي، فأثناء نشاطها أنتجت فيديوات إباحية هاوية وفيديو كليباً، أما أليانا أنجل، العراقية التي تنشط في أميركا، فإلى جانب المحتوى الإباحيّ، تنجز مقابلات مع نفسها تتحدث فيها عن صناعة البورنو، واختلافها عن الجنس، كما تتحدث في مقابلات جنسية عمّا تفضله، أشكال المحتوى متعددة لتخاطب فئات أكبر، وفي الوقت ذاته، لتسوقنا نحو الفيديو الإباحيّ سواء كان مجانياً أو مدفوعاً.

التجزيء السابق للأجساد وأشكال الأداء ودرجات العري حسب المنصة شأن مثير للاهتمام، فطبيعة العصر و الهيمنة التكنولوجية فرضته، لكنه نموذج اقتصاديّ في الوقت ذاته يحوي حبكة من نوع ما، التصوير الهاوي يكشف لنا عن مساحات نشاط جسد المهاجر المتعددة، تتكشف الطبقات مع العُري والأماكن، نتلصص على الحياة اليوميّة، ويتحول المخدع والمقهى والحمام والشارع إلى مساحة للعب أمام الكاميرا، والتحديق بتفاصيل المكان، نحن أمام “عمل” يراهن على اليومي بكلّ أشكاله حميمياً  كان أو علنياً.

صوابية “الوحش” السياسيّة

يتحلى الوحش بنوع من الصوابيّة السياسيّة رغم بذاءته، يقول للفتيات ألا يراسلنه، رغم أنه نجم إباحي، يطلب منهن ألا يهتممن بالمنتقدين في المدرسة، أولئك الذين يطلبون منهن أن ينتفن شعر إبطهن أو حلق سيقانهن، يؤكد أن هذه أجسادهن وحريتهن الشخصيّة ولا إشكالية لديه بها، والأهم، يلوم الرجل غير القادر على إشباع من يحبّ جنسياً، ناصحاً بالرياضة والأكل الصحي، لأن من يعجز عن إشباع من معه، ستتركه لغيره. والأهم، يقول بوضوح إن الأفلام الإباحية ليست حقيقية، هي أداء وتمثيل، لا يجب تصديقها.

دعوة الوحش نحو الجسد الرياضي، تنسحب على الرجال والنساء، يطلب من الفتيات أن يتمرن، على الجميع أن يكونوا” حيوانات زبابر“، إذ لا بد من القوّة، خصوصاً للرجل، والأهم، الإنتاج، إذ لا تكتفي الفتيات بكلمات الحب، على الرجل أن يعمل، أن يفتح مشروعاً تجارياً،  الوصية إذاً، رياضة، أكل نظيف، عمل و”النيك، النيك ثم النيك”.

 ألفاظ الوحش كـ”قحبة، منيكة..” وغيرها من الشتائم، تبدو جزءاً من أدائه، رغم أن معجمه تطور منذ أن نشر أول فيديواته، حيث كان هناك نوع من الهجوم على النساء، والتي “تتحدث مع 10″، لكن ما لبث هذا الخطاب أن تلاشى، موجهاً أصابع اللوم إلى من لا يشبع رهزه من يحبّ. وهنا اللافت، مُتخيل العلاقة بين رجل وأمرأة لدى الوحش، قائم على العمل والمال والرياضة ونظام الحياة الصحيّ والإشباع الجنسي، والفتاة حرّة بجسدها، تبحث عن القادر مالاً ونيكاً.

يتحرك الوحش إذاً بين عالم البورنوغرافيا الهاوية و عالم المؤثرين، خالقاً توازناً مختلفاً عن أٌقرانه، أنطونيو سليمان يهتم بالحكاية، جذب الجمهور، والأهمّ النقود، إذ يشرح في فيديواته كيفية الاشتراك في منصته من دون أن يظهر اسم المُشترك على بيان بطاقة الائتمان، فيما نُمير (nomir zammar)، أقرب إلى عارض أزياء إباحي، تسجيلاته على منصة “أونلي فانز”، قائمة على استعراض جماله وعضلاته ولياقته، مع تسجيلات استمنائية فرديّة، إذ لم يسجل إلى الآن سوى فيديو واحد مع شريكة. نحن إذاً أمام نماذج ما زالت تحاول أن تضبط أداءها، ورجولة تتحرك بين الاستعراضي، والتحفيز على الرياضة، جماليات الجسد، وتنويعات على الأداء الإباحيّ.

نكتب عن “الوحش” كصانع محتوى تحفيزيّ، كونه يختلف عن النماذج الرجولية المتعددة، التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، هو لا يتبنى ذكورة أيديولوجيّة كحالة المصري عبد الله رشدي، ولا يتقمص شخصية أندرو تايت، بل يتبنى سرديّة ترتبط بالمهاجر نوعاً ما، صحيح أننا  لا نعرف الكثير عن حياة الوحش،  لكنه يحيل دوماً إلى البلاد، ويقدم نصائح للشاب التونسيّ،  الذي أن اشتدّ العالم  وقسا يريده “حيواناً” لا مُتكاسلاً.

يمكن القول إن الرعيل الجديد من الإباحيين، مُدرك لشروط العصر وتداخل المنصات،  لصناعة محتوى قادر على الانتشار بصورة أكبر، بعيداً من عوالم منصات البورنوغرافيا القائمة على المصادفات والبحث الشخصي، ناهيك بتبني مفاهيم الصوابيّة السياسيّة، ما قد يعني أننا ربما، قد نجد أنفسنا أمام إنتاج إباحي هاوٍ، لا تُخبَّأ فيه الأوجه، بل يظهر الجسد المُشتهى بكامل تفاصيله أمامنا، من دون “عيب” سوى ما يمكن أن يوجه من انتقادات للمعجم اللغوي نفسه وطبيعة أساليب البذاءة، المرتبطة بمشكلة أكبر من البورنوغرافيا، ولا نظن أن البورنوغرافيا نفسها قادرة على حلها أو مواجهتها.