fbpx

ماجد الكدواني… لماذا غضب كثيرون من كونه مسيحياً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ماجد عموماً يتماهى مع صورة من صور ابن البلد المصري، المتدين تديناً فطرياً شعبياً، الذي قد لا يكون ملتزماً بالعبادات أو الطقوس الدينية، لكنه يكنّ احتراماً للمؤمنين، ويحب الله، إلا أن نظرته الروحانية أشمل من حصرها في قالب معين، فرغم أنه مسيحي، فهو يعلن عن حبه للمتصوفة المسلمين، كما صرح بذلك في لقاء إذاعي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“هما ليه بيكرهونا كده يا جدع؟” سأل عماد لبيب لـ”كلاوي” ابن دينه المسيحي، فرد كلاوي باستنكار: “إنت صدقت يا عماد ولا إيه؟!”.

ما سبق هو جزء من حوار دار في فيلم “الرهينة“، بدا فيه الممثل المصري ماجد الكدواني (كلاوي) محباً لأبناء وطنه من المسلمين، مستنكراً اتهامهم بأنهم يكرهون المسيحيين.

كان كلاوي في الفيلم يداً بيد مع مصطفى في “الرهينة” لأجل مصر المستهدفة من قوى أجنبية تريد ضرب وحدتها الوطنية، وإحداث فتنة دينية فيها.

تلك الفكرة التي تبنّتها الشخصية التي جسدها الكدواني، هي تقريباً الفكرة نفسها الملتصقة به شخصياً، ويحب أن يصدرها عن نفسه، وعن ذلك يقول ماجد:

“أنا اتربيت في الكويت ووالدي كان مهندساً معمارياً، وهو من صمّم مسجد الدولة في الكويت… وحين عدت إلى مصر، وتحديداً حين كنت أريد الزواج، كان هناك شرط بأن أهاجر، فدعوت الله ألا أهاجر، وقلت: يا رب كان ممكن تخلقني بأي جنسية تانية، ولكنك خلقتني مصرياً، فيا رب لا أريد الهجرة”.

اعتزاز ماجد بمصريته يأتي بالتوازي مع كونه متديناً مسيحياً قريباً من الكنيسة، بل ويجسد أدوار الرهبان والقساوسة في عدد من الأفلام الدينية التي تنتجها الكنيسة.

ومن الأفلام التي شارك فيها ماجد من إنتاج الكنيسة الأرثوذوكسية المصرية، “المتوحد” الذي يتناول قصة حياة البابا كيرلس السادس، و”السائح” الذي يحكي قصة الراهب عبد المسيح المناهري المقاري، كما أدى دور البطولة في فيلم “ضيف من السماء” عن قصة الراهب أندراوس الصموئيلي.

لكنه برغم ذلك، يتعامل في حياته الاجتماعية وفقاً للكود الديني الشعبي السائد، الذي يلبس لباساً إسلامياً، فتجد في كلامه ترديداً لعبارات: “الحمد لله”، “أستغفر الله العظيم”، “بسم الله ما شاء الله”. وهي عبارات ليس بها جهر بعقيدة محددة، ولكن صكها عموم المسلمين، وحظيت بشعبية بينهم، فيما لا تجد شعبية بين المسيحيين الذين وجدوا مصطلحاتهم الخاصة، مثل: “نشكر ربنا”، ولا يقولون “الحمد لله” ذات الطابع الإسلامي.

ماجد عموماً يتماهى مع صورة من صور ابن البلد المصري، المتدين تديناً فطرياً شعبياً، الذي قد لا يكون ملتزماً بالعبادات أو الطقوس الدينية، لكنه يكنّ احتراماً للمؤمنين، ويحب الله، إلا أن نظرته الروحانية أشمل من حصرها في قالب معين، فرغم أنه مسيحي، فهو يعلن عن حبه للمتصوفة المسلمين، كما صرح بذلك في لقاء إذاعي.

وبدا ذلك أيضاً في تصريح ماجد عن أن مشهد مناجاة شخصية “إبراهيم” لله، وهو جالس في المسجد، في آخر مسلسلاته “موضوع عائلي”، كان الأقرب لقلبه في المسلسل، وهو المشهد الذي ارتجل 50 في المئة منه.

كل ما سبق لم يشفع لماجد عند جمهور من المصريين، حين علموا أنه مسيحي وليس مسلماً، بعد انتشار صور زفاف ابنه من داخل كنيسة، فتساءلوا حينها عبر السوشيال ميديا، باستنكار: هو ماجد الكدواني مسيحي؟ وبدا الأمر وكأنه صدمة لهم، وصارت ديانته “ترند” على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولكن، هل السؤال عن ديانة الفنان واستنكارها أمر طبيعي في الشارع المصري؟ كيف كان مجتمع الفن قديماً وكيف تغيّر بالدرجة التي جعلت تصنيف الفنانين حسب ديانتهم أمراً شائعاً؟ وما دور الفنانين أنفسهم والنظام الحاكم في ذلك؟.

مراحل أسلمة الفن المصري

ثمة محطات رئيسية ساهمت في تكريس الحالة الدينية بين مجتمع الفن، بدءاً من  حرب 1948، ثم تولي الرئيس أنور السادات الحكم نهاية عام 1970، ثم ظهور الدعاة الجدد في النصف الثاني من تسعينات القرن العشرين، وأخيراً قيام نظام الرئيس السيسي على أنقاض حكم جماعة الإخوان.

حتى أربعينات القرن العشرين، كان عدد الممثلين اليهود في بعض الفرق المسرحية يزيد عن عدد الممثلين المسلمين أو المسيحيين، بخاصة النساء، مثلما كان في فرقة جورج أبيض وفرقة سلامة حجازي.

وعموماً، كان عدد الممثلين اليهود في مصر وقتها يساوي أو ربما يزيد عن عدد الممثلين المسيحيين على مدار التاريخ الفني المصري، حسبما رصد أشرف غريب في كتابه “الممثلون اليهود في مصر”.

هنا، نستطيع ذكر قائمة طويلة من الفنانين اليهود المصريين الرواد، ومنهم توجو مزراحي، والسكندري المولد الذي كان من أوائل من بنوا استوديوات للسينما، إذ أسس استوديو باكوس عام 1930 قبل أن يؤسس يوسف وهبي استوديو رمسيس عام 1931، كما يرصد جان الكسان في كتابه “السينما في الوطن العربي”.

والقائمة تطول هنا، ونذكر على سبيل المثال: كيتي فوتساتي، كاميليا (ليليان ليفي كوهين)، نجوى سالم (نينات شالوم)، راقية إبراهيم (راشيل إبراهام ليفي)، ليلى مراد (ليليان إبراهيم زكي مردخاي)، وأخيها الموسيقار والممثل منير مراد.

نتحدث هنا عن اليهود، وهم الطائفة الأقل عدداً في المجتمع المصري، أما المسيحيون فقد كانوا أضعاف اليهود في مصر، وكان لكثيرين منهم وجود في الحقل الفني، من أشهرهم نجيب الريحاني، الذي يعتبره كثر أهم فنان مصري في النصف الأول من القرن العشرين.

ومن الطرائف أن الريحاني لم يكن يعرف ديانة صديقه المقرب والحميم، ومؤلف الكثير من أعماله، بديع خيري، حتى حدثت الصدفة بموت والد الأخير وذهاب الريحاني لحضور العزاء، فوجد شيخاً يقرأ القرآن.

سأل الريحاني صديقه: “هو أنت مسلم؟!” فرد عليه خيري: “أيوه”، فقال الريحاني: “كنت فاكرك مسيحي… ما قلتليش يعني قبل كده؟!”، فأجاب خيري: “لأنك ما سألتنيش قبل كده!”.

تشكل هذه الحكاية إشارة الى ما كانت عليه حال المجتمع المصري، أو على الأقل حال مجتمع الفنانين، إذ “لم يكن المصريون يعرفون حكاية مسلم أو مسيحي أو يهودي”، بحسب تعبير الكاتب والمؤرخ الراحل عباس الطرابيلي.

إلا أن التوترات السياسية ألقت بظلالها على المجتمع المصري، لا سيما على اليهود، بعد قرار تقسيم فلسطين عام 1947، ثم قيام إسرائيل وحرب فلسطين عام 1948، وما أعقب ذلك من ثورة عبد الناصر الذي كرس خطاباً قومياً معادياً لإسرائيل وانتشار مشاعر قومية عربية معادية لليهود، وازدادت حدةً مع العدوان الثلاثي عام 1956، فصار وضع اليهود حرجاً في مصر، خصوصاً مع استهدافهم من أجهزة أمن عبدالناصر.

نتيجة لذلك، تشرذم الفنانون اليهود، بل انتهوا تدريجياً، فمنهم من هاجر مثل توجو مزراحي الذي سافر الى إيطاليا ومات فيها عام 1986، وراقية إبراهيم التي هاجرت منذ 1954، وقيل إنها سافرت إلى إسرائيل، ومنهم من بقي في مصر وغيّر دينه مثل ليلى مراد ومنير مراد ونجمة إبراهيم، شقيقة راقية إبراهيم. وعموماً، كان تغيير الدين والاسم في هذه الفترة شائعاً ليس بين الفنانين فقط ولكن بين المثقفين اليهود عموماً. فمثلاً، نجد المفكر الشيوعي اليهودي إيزيدور سلفادور يغير اسمه إلى أحمد صادق سعد ويعلن إسلامه، رغم أنه غير معني بفكرة الدين كعقيدة، ولكن ابنته الفنانة راوية صادق قالت لـ”درج” في تصريح خاص، إنه كشيوعي لم يكن يريد أن يشعر بغربة بين الغالبية المصرية، وهو ما فعله كثر من الشيوعيين اليهود في مصر.

لم يتغير شيء في ما يخص تعامل المجتمع مع الدين في فترة الخمسينات والستينات، فلم يكن سبب كراهية اليهود دينهم، بل إسرائيل تحديداً وما كان يثار عن عمالة بعض الفنانين اليهود لها.

أما المسيحيون فكانوا كالمسلمين، مصريين يعيشون في حالة تسامح، وإن فضّل بعضهم اختيار أسماء فنية محايدة لا توحي بديانة محدّدة، فمثلاً المخرج يوسف جبرائيل شاهين، شهرته يوسف شاهين، وكذلك الفنانة نيللي آرتين كارفيان، شهرتها “نيللي”، والفنان يوسف جريس صليب، شهرته “يوسف داوود” وغيرهم.

السادات وبداية صبغ الفن بالدين

بدأ المد الديني خلال فترة السبعينات، بعدما أخذ الرئيس أنور السادات يضفي هالة دينية على نظام حكمه، فيخطب الجمعة بنفسه، ويسمي نفسه “الرئيس المؤمن”، ويجعل شعار الدولة المصرية “العلم والإيمان”.

والأخطر أنه تحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، ضد اليساريين والناصريين الذين كانوا يعارضونه بقوة، كما أدى قربه من المملكة العربية السعودية وسفر المصريين إلى العمل هناك، إلى ازدياد شعبية الدعوة إلى تديين المجتمع.

وخلال فترة حكمه، نشط دعاة في الهجوم على الفن والفنانين، وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد كشك، حتى إن من وُصف بالمعتدل كالشيخ محمد متولي الشعراوي، رُصدت له تصريحات تحرّم الفن:

وبدأ أثر ذلك يظهر في الثمانينات ثم التسعينات على مجتمع الفن نفسه، إذ بدأ بعض الفنانين في الاعتزال وعلى رأسهم شادية وشمس البارودي ونسرين وسهير البابلي وحسن يوسف ومحسن محيي الدين وغيرهم.

وتطوّر الأمر مع ظهور الدعاة الجدد في النصف الثاني من التسعينات ومع الألفية الجديدة، وعلى رأسهم عمرو خالد، والذين لم يطالبوا الفنانين بالاعتزال، بل بتقديم فن يتماشى مع قواعد الدين!

هذه الحالة المحافظة تملكت الوسط الفني، وترتب عليها ظهور مصطلح “السينما النظيفة” الذي يدعو إلى إنتاج أفلام بلا قبلات أو مشاهد ساخنة أو عري، ووجدنا الدين يحتل مساحة كبيرة بين الفنانين.

ونتيجة نشاط الدعوة الدينية بقوة عبر كل أنواع الإعلام، وازدياد شعبية الدعاة في نهايات حكم الرئيس حسني مبارك، بدأ الفنانون أنفسهم يمارسون رقابة دينية على أنفسهم. وظهر على بعضهم القلق والارتباك تجاه شرعية ما يقدموه، وهو ما تجسّد مثلاً في الفنانة حنان ترك، التي حاولت التمثيل بالحجاب ثم قررت الاعتزال، وكذلك في تصريحات فنانين عن عدم سماحهم لبناتهم بالتمثيل، مثل ماجد المصري، وسبقه في ذلك آخرون وعلى رأسهم عادل إمام الذي قال إنه يرفض أن تمتهن ابنته التمثيل، لأن قيمه لا تسمح بأن يُقَبِّل ممثل ابنته.

الأمثلة هنا كثيرة، لكن الأمر لم يقف عند أمور سلوكية مثل القبلات والحجاب، لكن موجة فرض التديّن وصلت حدّ أن صار هناك ممثلون أصوليون.

وبدا ذلك في تصريحات الفنان أحمد الرافعي عن اغتيال المفكر فرج فودة، إذ وصفه بـ”النافق”، وهو تعبير يُستعمل عند موت الحيوانات، إضافة إلى رفضه وصف الجماعات الدينية المسلّحة بـ”التكفيريين”. والأهم أن الرافعي لم يعتبر تصريحاته ذلة لسان، بل دافع عنها وأصرّ على موقفه منها.

وساعد على ذلك أن الدولة المصرية، ممثلةً في ذراعها الإنتاجي، الشركة المتحدة، حريصة على أن تبدو متديّنة، من خلال إقحام مشاهد بعينها في مسلسلاتها. على سبيل المثال، هاجم مسلسل “الاختيار” في بدايته الشيخ ابن تيمية، تماهياً مع الخطاب العام للدولة، باعتباره مصدراً لعقيدة الإرهابيين. لكن بعدما هاجم أنصار ابن تيمية المسلسل، أقحمت الشركة المتحدة مشهداً في حلقة لاحقة منه يدافع عن ابن تيمية، ويقول إن الإرهابيين حرّفوا فتاواه وآراءه.

الفنانون يأكلون أنفسهم

النظام المصري عموماً يسيطر على الإنتاج الفني سيطرة كاملة، وهو يميل دائماً إلى أن يظهر بصورة المتديّن، إما لتديّن الرئيس عبد الفتاح السيسي فعلياً، وهو أمر أشيع عنه مذ كان وزيراً للدفاع، أو لخشية النظام من أن يقال عنه إنه أزاح من السلطة جماعة الإخوان كرهاً في التديّن. ويبدو ذلك في تصريحات الرئيس السيسي الذي تعتلي جبهته “علامة صلاة”، والذي يحث الفنانين على أن يتقوا الله في ما يقدمونه:

كل ما سبق، كرّس للحضور الديني داخل الوسط الفني نفسه، فما بالك بعموم المجتمع الذي تمارس عليه دعاية دينية منذ نحو 50 عاماً، خلقت أجيالاً محافظة أصيبت بصدمة حين وجدت فنانها المحبوب ماجد الكدواني مسيحياً “للأسف”؟!