fbpx

“أعمال خرائية”… سخرية مصريّة من ذوق العسكر

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صفحة “أعمال خرائية” التي ظهرت على “فيسبوك” أشبه بطوق نجاة، لأنها توثق ما يحدث في عهد الدولة الجديدة في مصر، وما سبقه من عهود، من خلال تكنيك شديد البساطة والإيجاز والفعالية، توثيق صور الخراب والقبح وتدني الذوق الرسميّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“شكرا لأنكم بعتولنا عمل خرائي”، بهذه الرسالة الآلية تستقبل صفحة “أعمال خرائية“، على ماسنجر مشاركات المصريين من مختلف محافظات مصر.

تعرف الصفحة التي بدأت ساخرة قبل أن تتحول إلى وفق أحد المتابعين إلى “صفحة لرصد ظاهرة المصممين الخرا اللي مسودين عيشتنا وعيشة اللي جابونا”.

مع ازدياد وتيرة القبح المعماري والتماثيل المشوهة للشخصيات المشهورة في مصر، وتصميم الميادين السيئة والاستيلاء على الحدائق العامة، وإفسادها بحجة التطوير، بل والاعتماد على مصممين بلا خبرة لتولي تصميم مشاريع قومية، كجدارية محطة مترو الأنفاق، كغادة والي المتهمة بانتحال أعمالها من فنان روسي، ترتفع أيضاً وتيرة صراخ المثقفين والمهتمين بالحس الجمالي، لكن من دون جدوى،  فقافلة القبح العمراني تسير، وعلينا جميعاً الاستسلام وهو ما حدث ربما، إذ أدركنا جميعاً غياب التأثير.

يمكن وصف صفحة “أعمال خرائية” التي ظهرت على “فيسبوك” بطوق نجاة، لأنها توثق ما يحدث في عهد الدولة الجديدة، وما سبقه من عهود، من خلال تكنيك شديد البساطة والإيجاز والفعالية، توثيق صور الخراب والقبح وتدني الذوق والاستيلاء على المساحات الخضراء مع تعليقات ساخرة: ذوق لواءات… خرائيات وطنية هندسية جداً… شردني شكراً… عميان وطنيون.

صوت ساخر بوجه القبح

لاقت الصفحة تفاعلاً كبيراً بين المصريين، ووصل عدد متابعيها إلى 180 ألفاً، وتحول المجهود الشخصي للجندي المجهول وراء الصفحة، من التركيز على القاهرة في البداية إلى بقية المحافظات المصريّة، التي يرسل قاطنوها صور “التحف المعمارية” بصورة شبه يوميّة.

تحولت الصفحة برأي كثر من المتابعين إلى واحدة من أهم الصفحات على “فيسبوك”، وتقارن بصفحتين مهمّتين تحاولان لعب دور في استعادة حيز “الرأي العام” المستولى عليه من قبل السلطات. الصحفة الأولى هي “الموقف المصري”، التي تناقش وتحلل من خلال لغة بسيطة وعامية، الأحداث الجارية وتحاول أن تبلور موقفاً سياسياً في ظل غياب دور فاعل للأحزاب وغياب الحياة السياسية نفسها.

الصفحة الثانية هي “صفحة ما تصدقش”، المتخصصة في كشف الأخبار والمعلومات المضللة، وسط طوفان من إعلام تسيطر عليه جهة واحدة. وكان للصحفي الراحل محمد أبو الغيط دوراً في تأسيس هذه الصفحة، إذ أشرف على تدريب فريق عملها.

تعني تلك الصفحات التي وجدت سبيلها في العالم الافتراضي على الأقل، أن الجثة ما زالت تنبض، ولم تطبّع بالكامل سواء مع قبح السياسة أو الإعلام المؤدلج أو العمران المسيء لجمالية المناطق.

عام 2015، فوجئنا بصورة قبيحة لتمثال الملكة نفرتيتي، وضعها مسؤولو محافظة المنيا بمدخل مدينة سمالوط، التمثال الذي أزيل بعد ستة أشهر بعد حملة سخرية واستهجان على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يكن سوى البداية لسلسلة أخرى من التماثيل القبيحة، كتماثيل غزت الميادين في المحافظات، بينها تماثيل لمحمد عبد الوهاب في ميدان باب الشعرية، وعباس العقاد في أسوان، وتمثال أحمد عرابي في ميدان رئيسي بمحافظة الشرقية، والذي تم طلاء الجزء العلوي منه بالأخضر مع جلوسه على حصان يشبه الحمار باللون الأبيض.

لم تفلت أم كلثوم ورفاعة الطهطاوي ومصطفى كامل، وبلغت الذروة بتمثال مصر تنهض، وكل تلك الأعمال أتت بمعالجات ركيكة، ضعيفة ومشوهة، مدهونة بألوان زاهية بغرض التجميل، وبمباركة رسمية من المحافظين أو مسؤولي الأحياء.

ذوق السلطة الخرائي

على رغم أن معظم تلك التماثيل أزيلت، إلا أنها كانت إرهاصة بما يحدث في مصر عموماً، فالقبح صار الهوية في كل شيء كما حدث في حدائق المنتزه والميريلاند والتوسع في بناء الكباري، لذا لم يكن غريباً أن تكون صورة بروفايل مصمم الصفحة، هي صورة تمثال نفرتيتي المشوه، كعنوان للمرحلة كلها.

يغيب التحليل عن معظم منشورات الصفحة وكذلك المناشدات الثقافية التقليدية بتبني حلول جمالية أفضل، لكن هذا النقص ربما قد يكون سر فعالية الصفحة، يقارنها أحد المتابعين بصفحة Culture Critic وهي “حركة شعبية جمالية تنتقد الفتك بجمال المعمار، وتنتقد استبدال الجمعيات العربية بالمعمار الفظ الذي يركز على الشكل الخارجي للمباني من دون الاهتمام بالوظيفة أو الجمالية، أما صفحة “أعمال خرائية”، فتوثّق القبح المعماري في الشوارع العربية. إنّها تظهر نقداً تراثياً، ولكن غير أصولي في الجماليات، وربما هذا كل ما نحتاجه من أجل تسليط الضوء بشكل فعال على تشويه الهوية البصرية للمدينة.

بدأت صفحة “أعمال خرائيّة” كمساحة ساخرة ثم تحولت إلى “صفحة لرصد ظاهرة المصممين الخرا اللي مسودين عيشتنا وعيشة اللي جابونا”.

يقول صاحب الصفحة على حسابه، حاول “درج” التواصل معه، لكنه فضل عدم الاستجابة/ أن دافعه الأساسي لإنشاء الصفحة كان شخصياً “بسبب زحمة التحويلة اللي ما بين مترو العتبة والعباسية الخرائية اللي كنت بضطر اعدي عليها يومياً، فكرة الصفحة جاتلي وأنا مزنوق وسط عرق المواطنين الكادحين فيها”.

الصفحة موجودة على “فيسبوك” منذ أكثر من 6 أعوام، لكنها لم تلق رواجاً إلا في الآونة الأخيرة، ربما بسبب فتح باب المشاركات الشعبية بشكل واسع، فانتقلت الصفحة لاستقبال مشاركات تتخطى التركيز على القاهرة لترصد القبح في مختلف محافظات مصر، لكن الأفضل حدث بعد ذلك باستقبال مساهمات متعددة من دول عربية مختلفة.

واجهة الفساد وسوء التخطيط

في كتابه “العمران والسياسة”، يصف مأمون فندي هذا النوع من العمران بعمران الكذب والواجهات البراقة التي تُخفي المشكلات، ويرى أنها عمارات القفز على المشكلات التي تُمثلها ظاهرة تكاثر “الكباري” أو الجسور العلوية للسيارات في القاهرة.

يعدّ فندي التوسع في إنشاء الكباري تعبيراً عن ثقافة متأصلة في الإدارة المصرية، تفضل القفز فوق المشكلات عوضاً عن حلها. ويعد ما يحصل إقراراً بأن «القاهرة اللي تحت الجسر» غير قابلة للإصلاح هي ما يعبر عنه الكوبري أي الجسر.

لا يمكن رد القبح المعماري وتدني الذوق إلى عهد نظام واحد، بل هو حصيلة أنظمة متعاقبة، جمعت بين رؤى الديكتاتور وعقلية المقاول على حساب المعماري، الذي يتفاوض مع كليهما، كما يرى الكاتب نبيل عبد الفتاح في مقاله: متاهة القبح في مصر، عقل المقاول وعقل المعماري.

في أحد منشورات صفحة “أعمال خرائية” الأخيرة، كان التعليق على تطوير جزيرة الوراق: “لسه شايف مخططات الشركة الإماراتية لجزيرة الوراق. ببساطة هنشرد سكان الجزيرة الملاك الحقيقيين ليها واللي بيزرعوا وينتجوا ويأكلونا ونحط مكانهم مستعمرة أبراج تزود الكثافة السكانية في المنطقة وتضيق الطرق وتزحمها تاني علينا ونهدر فيها المال العام في أنشطة خدمية واقتصاد ريعي بعد ما كان عندنا ناس منتجة.ولو حد اخد باله إنها ممارسات جيوش احتلال هنقوله اخرس يا كلب يا خاين يا عميل، دول ناس عشوائيين ودي أراضي الدولة واحنا رايحين نطورهم”.