fbpx

قراءة في مستقبل المدينة العمراني… ما الذي ينتظر القاهرة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المشكلة في ما يجري فعلاً، هي غياب المعلومات، يندر أن تعرف ماذا يجري بالضبط. أي المقابر ستزال؟ وأيها سيبقى؟ ما الفرق بين الأثر المسجل ذي الحصانة الظاهرية والأثر غير المسجل المستباح؟ والمنطقة العادية؟ ولماذا تحديداً تلك المنطقة؟ وعلى جانب آخر، يسأل أحدهم أين حق الأموات في حياة أخرى مطمئنة؟ وكيف سيتغير شكل المدينة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تأخذ المفارقة موضعها حين ترى شواهد القبور التي حُفرت لتخلّد أسماء أصحابها بعد موتهم، وقد دُهست بعجلات البلدوزر فأصبحت والأرض سواء.

في كتابه “بطن البقرة”، يتحدث خيري شلبي عن تجربته التي عاشها إثر عمليات الهدم في قرافة المماليك: “قُدر لي أن أشهد تجربة لا أنساها ما حييت؛ تلك هي عملية إنشاء طريق الأوتوستراد، فكانت البلدوزرات تشقّ قلب المقابر في قسوة جهنمية بشعة، بمحاريث تغوص في قلب التربة فترمي بعظام الموتى على الجانبين، لكي يجيء وابور الزلط فيدوس الأرض، يبططها ليعبدها”.

في القاهرة القديمة ناحية السيدة عيشة الميدان المكتظ والممتلئ دائماً بالناس والحياة وشتى أنواع المنتجات والبضائع القديمة والحديثة، توجد على أطرافه ثورة عمرانية هائلة، تغير سريع ورتم خاطف، لا تكاد تلمح تغيراً إلا ويليه آخر، وإذا فاتتك زيارة المنطقة لثلاثة أيام متتالية، ستتفاجأ في اليوم الرابع بكم هائل من التغيير في المكان. هدم وإنشاء في آن واحد، وقبة كانت قائمة هنا مرتفعة عنان السماء استوى هلالها مع الأرض فلا تكاد تلحظه، ومأذنة قديمة عفى عليها الزمن فُككت واختفت من المشهد بحجة إعادة إنشائها في مكان أكثر ملاءمة، وتنقّل مستمر لأسر عاشت في المكان لسنوات طويلة نحو مجهول لا يعلمون عنه شيئاً.

ما الذي يجري بالضبط؟

إن المشكلة في ما يجري فعلاً، هي غياب المعلومات، يندر أن تعرف ماذا يجري بالضبط. أي المقابر ستزال؟ وأيها سيبقى؟ ما الفرق بين الأثر المسجل ذي الحصانة الظاهرية والأثر غير المسجل المستباح؟ والمنطقة العادية؟ ولماذا تحديداً تلك المنطقة؟ وعلى جانب آخر، يسأل أحدهم أين حق الأموات في حياة أخرى مطمئنة؟

وعلى بساطة تلك الأسئلة وخفّتها، إلا أن الإجابة عنها في القاهرة شاقّة وثقيلة. تحمل القاهرة بين دفّتيها ما أطلق عليه اسم القرافة، نسبة إلى بني قرافة، وهي القبيلة العربية التي سكنت تلك المنطقة عند دخول العرب إلى مصر، وبهذا أطلق عليها اسم القرافة، وهو اسم معبر عن المقابر في القاهرة وحدها من دون مدن مصر والعالم، لكن القرافات تتنوّع، فهناك قرافة ترب الغفير وقرافة المماليك، وتقعان على يسار شارع صلاح سالم المتّجه إلى القلعة.

وهناك قرافة جلال الدين السيوطي الواقعة جنوب القلعة نسبة إلى ضريح الشيخ جلال الدين السيوطي القائم هناك، وهناك قرافة الإمامين أو قرافة الإمام الشافعي التي تلتف من حوله، وهناك قرافة السيدة نفيسة وقرافة البساتين وقرافة الإباجية، تلك المقابر ذات علامات ودلالات واضحة، ترتبط بالناس بمفهوم أو بآخر.

ويتعلق الناس بقباب وأضرحة فيها من دون قباب، فأصبحت متلازمة لهم وعلامة على تعلّقهم بها، ففضلوا أن يُدفنوا بجانب محبيهم وأوليائهم، ولم يكن الأمر مقتصراً على العامة فحسب، بل فضلت الطبقة الأرستقراطية في مصر إبان القرن التاسع عشر والقرن العشرين، أن تقيم أحواشها في كل مكان هنا، وسعيد الحظ من يظفر بمكان بجانب ولي مشهور كالشافعي أو الليث بن سعد، أو بسليلة بيت النبوة السيدة نفيسة. 

بدأت قصة الهدم في الجمهورية الجديدة سنة 2020، عندما هُدمت مقابر ترب الغفير الكائنة على طريق صلاح سالم ناحية الدراسة، لإتمام مشروع محور الفردوس الذي يهدف الى ربط منطقة القاهرة القديمة بالقاهرة الجديدة. لكن المشكلة التي اعترض عليها الكثيرون هي أن تلك المنطقة تقع ضمن حيز نطاق مقابر المماليك الشمالية، وهي منطقة ثرية بالخانقاوات والقباب المملوكية التي بناها سلاطين القاهرة منذ ما يزيد عن سبعمائة عام. وبالفعل، تحفل تلك المنطقة بتاريخ ثري من العمارة والفنون.

وتكفيك لمحة واحدة وأنت تمر في طريق صلاح سالم لتعي معنى تلك الجملة، ولا يكفي المنطقة شهر متواصل لتستكشف فيه تاريخها كله. المهم، بدأت أعمال الهدم تنال من المقابر الحديثة فقط، كما تؤكد الحكومة، بهدف المنفعة العامة، والحديث هنا في القاهرة معناه ما مرت عليه 100 عام فقط، كانت سنون البلدوزر أقوى من ألسنة المعترضين، فدهست مقابر وأحواشاً بنيت في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ليؤسس بذلك محور الفردوس السريع.

ومذاك، ولا تهدأ القاهرة على أي حال، محور هناك وكوبري هنالك. رأت الدولة أن مسألة تطوير منطقة بحيرة عين الصيرة تستوجب القضاء تماماً على أي وجود للمقابر حولها، والإبقاء على الآثار المسجلة في عداد وسجلات وزارة السياحة والآثار، لا لحرمة الأموات فيها، لكن حتى مناطق لجذب السياح الذين يأتون إلى متحف الحضارة. تم عمل محور متحف الحضارة، الذي أزال في طريقه مئات المقابر في قرافة الإمام الشافعي ناحية بحيرة عين الصيرة، ونقل أثر مشهد آل طباطبا، الأثر الإخشيدي الوحيد الباقي في القاهرة.

امتدّ المحور لكنه لا يكتمل إلا بإيصاله الى طريق الأوتوستراد، فتم إنشاء كوبري متحف الحضارة الذي يمتد من منطقة الفسطاط وصولاً إلى كوبري الإباجية، الامتداد الطولي لطريق النصر، ما أزاح في طريقه عدداً كبيراً من المقابر الأهلية والتراثية كذلك. ناحية المقطم، تم إنشاء كوبري الإباجية الذي يفصل بين مقابر الإباجية والبساتين والإمام الشافعي، ثم أُنشئ منه محور ياسر رزق الذي يخترق مقابر الإباجية في قلبها ليمر فوق مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين.

إلى أي مستقبل تسير القاهرة؟

تظهر خرائط المشروع المزمعة إقامته في تلك المنطقة، أن ميدان السيدة عائشة سيتحول إلى ميدان أوسع مما هو عليه الآن، إذ ستزال حديقة ميدان السيدة عائشة على سبيل المثال، فيما ستزال منطقة عرب اليسار تماماً -وهو ما يتم العمل عليه الآن- بالإضافة إلى نقل الآثار المملوكية القائمة بقرافة جلال الدين السيوطي إلى الخلف، فضلاً عن إزالة كوبري السيدة عائشة تماماً.

ستتفرع من الميدان ستة طرق، أربعة منها قائمة بالفعل، أما الاثنان الآخران، فسيكونا طريقاً من خلف مسجد السيدة عائشة حتى مسجد السيدة نفيسة، مخترقاً بذلك خط المقابر كله الذي يقع في طريقه، حيث  مقبرة علي باشا مبارك على سبيل المثال. وصولاً إلى مسجد السيدة نفيسة الذي سيتحول بطبيعة الحال إلى ميدان على شكل بيضاوي أوسع من ذلك القائم الآن، إذ ستزال كل المقابر التي تلتف حول مسجد السيدة نفيسة، فيما سيتفرع منه أيضاً طريقان آخران، قائمان بالفعل لكنهما سيوسّعان، وبالتالي ستزال كمية ليست قليلة من المقابر على جانبي الطريق. ستتصل تلك الطرق بطريق سور مجرى العيون ثم بعد ذلك بمحور الحضارة الذي يخدم المنطقة الجديدة التي تعمل على إنشائها الدولة الآن حول بحيرة عين الصيرة.

أما الطريق الثاني، فسيكون في الجزء الأمامي من منطقة قرافة جلال الدين السيوطي وصولاً إلى كوبري الإباجية، حيث ستكون نقطة الالتقاء في منطقة البساتين كارثية على الأحوال هنالك، لأنها ستتسبب في إزالة عدد كبير جداً من المقابر بسبب أربعة دورانات كاملة في تلك المنطقة.

أما داخل مقابر الإمام الشافعي نفسها، فبناءً على زيارة “درج” للمنطقة وتتبع العلامات التي وُضعت على الأحواش والمقابر بغرض إزالتها، فسيتم إنشاء طريق يخترق المقابر في منتصف شارع القادرية تقريباً ليربط طريق صلاح سالم الممتد من ميدان السيدة عائشة بكوبري الإباجية الممتد من طريق الأتوستراد. تلك العملية أقل ما يقال عنها إنها انتهاك لنسيج القاهرة العمراني الذي كان لحمة واحدة ونسيجاً واحداً، لأنها ستتسبب في عزل كلي لبعض المناطق عن الأخرى من دون مراعاة الشوارع التي تربطها ببعضها البعض.

أين المشكلة؟

التعامل القاصر مع المناطق الأثرية في القاهرة كوحدات معمارية مستقلة، ينظر إليها بعين واحدة أو نظرة محددة من دون مراعاة نسيجها العمراني، هو سبب المشكلة الأبرز. لقد خُلقت القاهرة بنسيج واحد ولحمة معمارية واحدة، والقرافة جزء لا يتجزأ من هذا النسيج وتلك اللحمة، فهي امتداد المدينة الطبيعي ومتنفّسها. وظلت القرافة في تاريخها فسحة للناس ومنطقة تنزّههم، فضلاً عن كونها مكاناً لإقامة مئات الأسر التي تعمل في صيانة الأحواش ورعايتها ودفن الأموات، ما يجعل من إقامة شبكة طرق ومحاور في تلك الطريقة، تمزيقاً لتلك الحالة التي عاشت عليها القرافة منذ سنوات طويلة.

ارتبطت القرافة بسلوكيات معينة وطقوس مارسها المصريون على مدار أكثر من ألف عام، فمثلاً اعتاد أهل القرافة على ما أطلق عليه مسار الزيارة، الذي بمفهومه القرافي إن جاز التعبير، هو زيارة عدد معين من الأئمة والأولياء في مسار معين، يبدأ من مسجد السيدة زينب وصولاً إلى آخر نقطة في القرافة عند الإمام الليث بن سعد، يمر بذلك على السيدة نفيسة ثم إلى الإمام الشافعي ثم إلى الليث بن سعد آخذاً في طريقه عدداً كبيراً من الأولياء والأئمة. ولقد أُلفت في ذلك عشرات الكتب سميت بكتب الزيارات، تشرح المواقع وتحددها بعناية في قرافة القاهرة العامرة.  

لقد انقطع هذا الحبل الذي ربط القرافة جميعها، فلم يعد يصلح هذا الآن، قديماً قطع شارع صلاح سالم قرافة السيدة نفيسة بقرافة الإمام الشافعي. فباتت قرافتين مع كونهما قديماً قرافة واحدة وطبيعة عمرانية واحدة كذلك.

أما الآن، فلقد تسبب محور الحضارة في عزلة أخرى، إذ انطوى الإمام الليث بن سعد وانعزل عن الإمام الآخر (الشافعي)، وهنا مفارقة أخرى، فقرافة الإمامين لم تعد  كما السابق، بل أصبح كل إمام منهما منعزلاً عن الآخر بفعل هذا الكوبري الذي اخترق المنطقة التي تتصدر ضريح الليث بن سعد، فعزله عن الشافعي. وبطبيعة الحال، لم يعد هنالك مسار معين يسلكه الناس. فضلاً عن موقع الكوبري من ضريح الليث الذي جُعل مبنى هامشياً لا يلحظ بسبب ارتفاع الكوبري.

هل توجد حلول غير الطرق؟

في خمسينات القرن الماضي، بدأت الولايات المتحدة الأميركية بإنشاء شبكة طرق طويلة وممتدة داخل مدنها الرئيسية، بغرض فك الزحمة المرورية التي تأثرت بها تلك المدن. وفي الثمانينات، لوحظت في مدن مثل بوسطن، تلك المشكلة الرئيسية، وهي أن الطرق لا تجدي نفعاً في حل أزمة مرورية، بل ستزيد من استخدام الناس السيارات، وبطبيعة الحال ستتعقد العملية أكثر وأكثر بسبب الزيادة في استخدام المركبات. فكان الحل في الاعتماد على النقل العام ودعمه وتطويره بشكل يجعل من التنقل في المدينة أكثر ديمومة وفعالية، فبدأت المدن مذاك في إزالة هذا العدد الضخم من الكباري والطرق واستبدالها بطرق صالحة للنقل العام. وهو ما تحتاجه القاهرة فعلاً، إذ إن السياسة المرورية فيها معقدة جداً، بخاصة في النقل العام.

يطرح الباحث في العمران عمرو عصام مشروعاً آخر كحل بديل لتلك الطرق والكباري التي لا جدوى من إنشائها، ولا تحل المشكلة بشكل فعال، وهو إنشاء خط ترام داخل القاهرة التاريخية كبديل لشبكة الطرق والكباري فيها، ويعزز المشروع من فكرة الحفاظ على اللحمة العمرانية في القاهرة التاريخية فضلاً عن حل حقيقي وملموس لمشكلة التكدّس المروري والزحمة.

يسعى العالم والدراسات الأكاديمية الآن، الى تقديم حلول فعالة وأكثر استمرارية وديمومة في حل مشكلة المرور في المدن، عن طريق دعم النقل العام، وتشجيع المشي وركوب الدراجات، بدلاً من تعزيز فكرة التنقل الخاص. في القاهرة مثلاً، تعتمد الدولة على 2 في المئة فقط من أتوبيسات النقل العام، فيما تعتمد بنسبة 14 في المئة على الميكروباصات الخاصة التي عملت الدولة على تعزيزها منذ سبعينات القرن الماضي، لتعوّض حالة النقص في وسائل النقل العامة، تلك النسبة ضئيلة جداً ولا تكفي لحل مشاكل مرورية.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 16.05.2024

“مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع "مفاتيح دبي" بالتعاون مع مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد" OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.