fbpx

“متاهة الهروب”…داخل “مخازن” وشبكات تهريب السوريين إلى أوروبا عبر ليبيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

من يقف خلف إرسال قارب المهاجرين الذي غرق قرب جزيرة بيلوس اليونانية في حزيران/ يونيو الماضي؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

علي الإبراهيم، إيمان الشربيني، محمد بسيكي، يارا حلبي (سراج)، سارا كريتا، مود جوليان (لايت هاوس ريبورتس)، مهند النجار (دير شبيغل). 

عملت  الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” SIRAJ مع “لايتهاوس ريبورتس” Lighthouse Reports وريبورترز يونايتد Reporters United و دير شبيغل DER SPIEGEL وإل باييس El Pais ضمن فريق صحافي عابر للحدود، لتحديد شبكة التهريب التي تقف خلف حادثة القارب المميتة وكيفية عملها، باستخدام منهجية توظيف شبكة العلاقات القائمة بين الناجين من غرق القارب وذويهم، كما أجرينا مقابلات مع مهاجرين مروا على مراكز الاحتجاز الليبية وآخرين لا يزالون يقبعون داخلها ينتظرون ركوب البحر، وتمت مقاطعة المعلومات الواردة في الشهادات، وحللنا أدلة بصرية، وتحدثنا مع مصادر من ليبيا.  نُشر التحقيق  باللغات الإنكليزية والإسبانية والألمانية واليونانية، والعربية على “درج” و”سراج”.  يُذكر أن أحمد حاج حمدو ومنال الحسن شاركا في إعداد التحقيق، كما تم تغيير أسماء الناجين والشهود لأسباب أمنية وبناء على طلبهم. 

فور وصوله إلى مدينة طبرق في شرق ليبيا، وجد أحمد (32 عاماً) نفسه محاصراً بين أيدي شبكة لتهريب البشر (Human Trafficking). تم نقله إلى مخزن يُستخدم كمركز لتجميع المهاجرين واللاجئين، والذي يعد واحداً من سلسلة مخازن في المدينة. تقع طبرق على ساحل البحر الأبيض المتوسط  (1300 كيلومتر شرقاً من العاصمة الليبية طرابلس)، وتُعتبر وجهة للسوريين والأشخاص الذين يسعون للوصول إلى أوروبا عبر ليبيا.

وصل أحمد إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي شرق ليبيا بمساعدة وسيط سوري من محافظة درعا جنوب سوريا، يدعى أبو يوسف،  ومعه 62 شخصاً في نهاية 2022. تم ترتيب نقل أحمد ومن معه إلى ليبيا بعد الحصول على الموافقات الأمنية اللازمة من السلطات الليبية، وحجز تذاكر الطيران جواً انطلاقاً من مطار بيروت ودمشق، مقابل 1700 دولار أميركي (15.5 مليون ليرة سورية) للشخص.

داخل جدران المخازن المظلمة، تعامل أحمد مع واقع “مروع” كما يقول. ويضيف، “لقد تحول المخزن، الذي كان يستخدم لتخزين البضائع وكسكنٍ للحيوانات، إلى سجن للمهاجرين واللاجئين”.

يوجد في ليبيا أكثر من 670 ألف مهاجر ينحدرون من أكثر من 41 جنسية مختلفة، بينهم سوريون.  ومنذ عام 2021، يشهد عدد المهاجرين في ليبيا ارتفاعاً مستمراً. فيما توثق الأمم المتحدة الكثير من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والاختفاء القسري في ليبيا، بما في ذلك حالات القتل خارج نطاق القضاء. في حين وصل عدد الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى البر الأوروبي (اليونان وإيطاليا) منذ بداية 2023، إلى 94,138 شخصاً حتى تاريخ 11 حزيران الماضي. 

إحصائية لعدد الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى البر الأوروبي، الأمم المتحدة.

خلال فترة بقائه في المخزن، أصبحت أيام أحمد تمر بروتين “ممل” يتكرر، يعيش في الحجز ويتملّكه الخوف. كان المخزن مزدحماً بالناس من جنسيات مختلفة بين المحتجزين نساء وأطفال، “كان هناك مهاجرون مصريون وسودانيون وباكستانيون وسوريون، تقاطعت طرقهم في هذا المكان (مخزن الاحتجاز)” يقول لفريق التحقيق.

لحسن حظ أحمد، كان من بين الناجين من حادثة غرق مركب الجرافة الذي كان على متنه حوالى 750 شخصاً من ليبيا وغرق في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة بيلوس اليونانية في 14 حزيران الماضي، وكنا قد تناولناه في تحقيقنا الاستقصائي السابق بعنوان “الطريق إلى كالاماتا: من حاول إنقاذنا من الغرق هو من أغرقنا”.

أذن الشاب العشريني لفريق التحقيق بإجراء مقابلة معه مرتين، الأولى فور نجاته من الغرق من حادثة المركب ووصوله إلى مدينة كالاماتا (مخيم ما لاكاسا)، والثانية بتاريخ 12 تموز/يوليو الحالي في اليونان. 

شكّلت شهادة أحمد وشهادات الناجين الآخرين دافعاً لفريق التحقيق لتتبّع رحلات اللاجئين من سوريا إلى ليبيا عبر بلدان الجوار مثل لبنان وتركيا والأردن، ومسارات شبكات التهريب والإتجار بالبشر عبر الحدود بالاعتماد على الأدلة على لسان الشهود الناجين والوثائق التي حصل عليها فريق التحقيق لفهم كيفية عمل هذه الشبكات المنظمة وعلاقتها مع المجموعات العسكرية التي تسيطر على ليبيا. 

اتهام الضحايا 

عقب غرق القارب الذي يقل 750 مهاجراً قبالة شبه جزيرة بيلوس اليونانية في 14 حزيران الماضي، أطلقت المحكمة البحرية اليونانية تحقيقاً أولياً حول استجابة خفر السواحل للحادث. بعدها، اعتُقل تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية في قضية أخرى كانوا من الناجين، ووُجهت إليهم تهمة الإتجار غير الشرعي بالأجانب والقتل غير العمد. 

المركب الذي كان يحمل نحو 750 شخصاً وغرق في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة بيلوس اليونانية في 14 حزيران الماضي.

يقول ذوو المصريين المحتجزين إنهم ركاب على متن القارب وإنهم مهاجرون، إذ قدمت ثلاث أسر من أصل تسع لمعدّي التحقيق، أدلة على أن أبناءهم دفعوا ثمن رحلتهم للمهربين.

في المقابل، يقبع المهربون ومسيّرو الرحلات في القوارب على البر الليبي، وفق ما وجد فريق التحقيق من خلال محادثة أجراها مع المهرب نفسه. ما شكل لفريق التحقيق حافزاً للمضي قدماً لكشف هذه الشبكات وكيف تعمل ومن يقف خلف هذه الرحلة المميتة.  

تواصل معدو التحقيق مع أحد المهربين الذين رتبوا سفر أحد المصريين واتّهموا من قبل السلطات اليونانية بالإتجار بالبشر بعد وصوله كناجٍ، وطرحوا عليه مجموعة استفسارات وأسئلة كشخص ينوي السفر بالقارب، وطلبوا منه معلومات عن مسار الرحلة وموعدها وكلفتها. 

لقطة شاشة لنص المحادثة مع المهرب من قبل فريق التحقيق. المصدر: وحدة سراج.

تمكّن فريق التحقيق من رصد فيديو نشره المهرب على صفحته في “فيسبوك” في 13 حزيران الماضي، إذ كان يصور طريقاً في شارع رئيسي من دون أن يحدد مكان الفيديو. كان هذا بمثابة دليل على نشاطه ووجوده في مكان ما في ليبيا، ولاحقاً تبين لفريق الصحافيين وبعد التحقق من الفيديو، أنه كان يصور أحد الشوارع في طبرق.  

بث مباشر في 13 حزيران الماضي، يسير المهرب ويصور في طبرق حيث تم تحديد الموقع الجغرافي للفيديو في شارع رئيسي في شمال غربي المدينة.

فريق التحقيق حدد الموقع الجغرافي (Geolocation) للمهرب في مدينة طبرق. المصدر: وحدة سراج.

في ردها على أسئلة فريق التحقيق حول المتهمين وإمكان بقائهم تحت الاعتقال، وكذلك عن عدد الناجين الذين تم استجوابهم للإحاطة بالحادثة، قالت وزارة الشؤون البحرية وسياسة الجزر اليونانية، في معرض ردها، إنها لا تستطيع الإجابة عن الأسئلة لأنها تشكل جزءاً من التحقيق الجنائي الذي يتّسم بالسرية المطلقة، وفقًا لإرشادات مكتب النيابة العامة للمحكمة العليا. وتتم الإجراءات وفقاً لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

بدورها، أوضحت المفوضية الأوروبية أنها غير مكلّفة بإجراء تحقيقات في هذه القضية. وقال المتحدث باسم المفوضية عبر البريد الإلكتروني الموجه الى فريق التحقيق: “المفوضية الأوروبية ليست مكلفة بإجراء تحقيقات أو إثبات الحقائق بشكل قاطع في هذه القضية”.

فيما لم ترد حكومتا مالطا وإيطاليا على أسئلة فريق التحقيق.

طرق السوريين إلى ليبيا؟

كفرد من مجموعة تضم المئات، معظمهم من مصر وسوريا وباكستان، بقي أحمد سبعة أشهر محتجزاً في المخزن ينتظر دوره. 

يقول أحمد: “كان المبلغ المتفق عليه 4500 دولار للشخص الواحد (يُدفع للمهرب)، ويُدفع المبلغ بعد وصولنا إلى إيطاليا خلال أسبوع، ولكن عندما وصلنا إلى ليبيا تفاجأنا بسوء الوضع، وبدأت عملية الاحتجاز والاستغلال المادي“.

يضيف: “لقد احتجزوني سبعة أشهر في مخازن عبارة عن سجن، يسيطر عليها حراس يحملون أسلحة ويتعاطون المخدرات، يمنعون إصدار أي صوت، ويهينون الناس بشتى الطرق، شتم بأبشع الألفاظ، وأذى جسدي وتعذيب في بعض الأحيان للمهاجرين من  الجنسيات المصرية والسودانية والباكستانية”، ويتابع، “كان الطعام غاية في السوء، وكانوا (الحراس) يأخذون أضعاف ثمنه”.

بحسب معلومات ووثائق حصل عليها فريق التحقيق من مهاجرين سلكوا طريق ليبيا، يدخل السوريون الأراضي الليبية بموافقة أمنية، وتشير الشهادات التي قدمها المهاجرون إلى حقائق متشابهة حول عمليات العنف “الشديد” الذي يتعرضون له. 

يبدأ هذا العنف عادةً عند دخولهم إلى ليبيا، حيث يشارك المهربون في تلك العمليات، ويتم نقلهم  إلى مراكز احتجاز “مخازن”، من دون تمكينهم من حق المراجعة القضائية. توثق منظمات حقوقية ليبية عدة، من بينها منظمة التضامن لحقوق الإنسان، حقيقة تهريب المهاجرين، واستعبادهم، وتعرضهم للعمل القسري، واحتجازهم في سجون سرية، وابتزازهم. وتشير تلك المنظمات إلى أن هذه الأنشطة تولد عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ما يشجع على استمرار ارتكاب انتهاكات حقوق المهاجرين.

“البحر من أمامنا”…

تحولت رحلة البحث عن اللجوء للشاب العشريني عادل (22 عاماً)، إلى مأساة مستمرة بعدما غادر لبنان بعد عشر سنوات من الانتظار. رغبة عادل في إيجاد طريق آمن للوصول إلى أوروبا، وجدت عراقيل تتجاوز توفير تأشيرات الدخول. 

يواجه الشاب السوري تحديات في العودة إلى سوريا، فهو مطلوب من النظام السوري وسيواجه الاعتقال إذا عاد. ويعتبر لبنان أيضاً خياراً غير ممكن للشاب، إذ إنه لم يعد مرحباً بعودته إلى البلاد حتى لو أراد ذلك، بسبب وضعه كلاجئ سابق فيها. أما في ليبيا، فهو يعاني من “وضع سيئ للغاية” كما يقول. يعيش عادل حالياً في مزرعة تديرها شبكة المهربين، ويشارك حوالى 50 شاباً سورياً الوضع نفسه. 

رتب فريق التحقيق مقابلة مع الشاب الذي يقيم في منطقة نتحفظ عن ذكرها للحفاظ على أمنه – إذ قال: “لا أستطيع الخروج من المزرعة التي أعيش فيها… أشعر أننا لسنا بشراً في ليبيا، بل مجرد أموال يمكن الاستيلاء عليها”. ويضيف: “سنعبر البحر حتى لو كان الموت مصيرنا، فهو أهون علينا من البقاء هنا في هذه المعتقلات”.

توجد أيضاً مزرعة أخرى تستضيف حوالى 60 عائلة سورية. تماماً كباقي المهاجرين، ينتظر الشاب الفرصة لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا، لأنه “لم يعد يهتم بأي شيء آخر” كما يقول.

من رحلة اللجوء إلى الاعتقال!

رحلة اللجوء تتحول إلى رحلة محفوفة بالمخاطر تنتهي بالاعتقال. إذ تنتشر معظم المخازن التي تحدث عنها المهاجرون في أطراف مدينة طبرق وبنغازي. ظروف الاعتقال في السجن سيئة ويعاني المعتقلون من سوء التغذية وعدم توافر مياه الشرب، بالإضافة الى انتشار أمراض جلدية معدية مثل مرض الجرب.

يقول الطبيب الألماني كريستوف هي، والذي أمضى في عمله أربعة أشهر كمنسق فريق من ستة أشخاص يقوم بمشروع طبي لمنظمة “أطباء بلا حدود”، إنه بين أيلول/ سبتمبر وأيار/ مايو الماضيين، لقي 22 طالب لجوء حتفهم، على الأرجح نتيجة إصابتهم بالسل.

لكل شبكة من المهربين مجموعة من المخازن التي تسيطر عليها وتحتفظ فيها بالمهاجرين قبل انطلاقهم إلى البحر. وكل مخزن مزود بآليات مراقبة، كما تنتشر أمامها سيارة عسكرية وعناصر بلباسهم الرسمي، يحرسونها ويحرصون على عدم اقتراب أي كان منها. 

وحسب شهادات من التقينا بهم، فقد كانت الحياة داخل المخازن مليئة بالعنف، وهو ما يتقاطع مع تقرير لبعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، صدر في 27 آذار/ مارس 2023، يؤكد تعرض المحتجزين بانتظام للتعذيب والسجن الانفرادي، ومنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي والتواصل مع أفراد الأسرة، وحرمانهم من المياه، والطعام، والمراحيض، والمرافق الصحية، والإنارة، والتمرين، والرعاية الطبية، والاستشارة القانونية.

من السماسرة السوريين الى المهربين الليبيين!

في أواخر عام 2022، قرر الشاب السوري كريم مغادرة سوريا والسعي الى حياة أفضل في أوروبا. بعد العمل في مصر لفترة من الوقت، قرر السفر إلى ليبيا والانتقال إلى مدينة بنغازي كوجهة محتملة للوصول إلى أوروبا.

اتصل كريم بشخص سوري يعيش في مصر، واتفق معه على ترتيب تأشيرة دخول (موافقة أمنية) إلى ليبيا عبر بنغازي. وتم الاتفاق على دفع مبلغ مقدم قدره 200 دولار أميركي (2,3 مليون ليرة) ومبلغ ألف دولار (11,5 مليون ليرة سورية) عند الوصول إلى بنغازي، والذي يشمل تكلفة تذكرة الطائرة. وفي شباط/ فبراير الماضي، غادر كريم مصر ووصل إلى بنغازي.

وصف ثلاثة ناجين كيف سهل مسؤولو الهجرة سفرهم إلى ليبيا عند وصولهم الى المطار.  وقال أحد الناجين الذين التقينا بهم، إن شخصاً أخذ جواز سفره فور وصوله الى المطار وذهب إلى مكتب الهجرة وقام بالختم (ختم دخول ليبيا) وأخرجهم من المطار. 

عمل كريم في بنغازي لمدة شهر، وخلال عمله هناك، التقى شخصاً سورياً آخر يخطط للهجرة إلى أوروبا عبر إيطاليا. وأخبره عن رجل سوري يمتلك علاقات قوية مع المهربين في ليبيا.  قرر كريم وصديقه الانضمام إلى الرجل السوري ودفع مبلغ 4500 دولار (51,7 مليون ليرة سورية) لتنظيم رحلتهم إلى إيطاليا.

يعمل هذا السمسار السوري مع شبكة مهربين، وكان قد وصل إلى ليبيا قبل عامين بنيّة الهروب إلى أوروبا. ولكنه قابل رجلاً ليبياً  يُدعى محمد، عرض عليه البقاء والعمل لديه لإقناع المزيد من السوريين بالقدوم إلى ليبيا. وهكذا قرر الرجل السوري البقاء في ليبيا والعمل مع المهربين هناك، حيث أصبح جزءاً من الشبكة.

أمضى كريم وصديقه أكثر من شهرين في منزل الرجل السوري في انتظار الرحلة مع خمسة أشخاص آخرين. 

كان محمد يوفر الحماية للرجل السوري ويدير الأمور المهمة المتعلقة بتهريب الأشخاص، وكانت الشقق الأخرى مليئة بالمهاجرين كما يقولون، حيث كان هناك أكثر من 40 شخصاً في كل شقة. 

يقول كريم:” كان محمد أ يخبرنا دائماً أن الرحلة ستتم على متن قارب آمن جداً يُحضره ابن عمه من مصر”. ووصف القارب بأنه كبير الحجم، وسيكون هناك حوالى 300 مهاجر فقط على متنه. ويضيف: “كان محمد يفتخر دائماً بابن عمه الآخر الذي يحمل الاسم نفسه، والذي يعمل في الحكومة الليبية”.

قارب فارغ ركنه مهربون على الشاطئ قرب طبرق عثرت عليه السلطات الليبية – حصري 

ترتيب رحلة الموت 

تتورط مجموعات مسلحة في شرق ليبيا في تهريب المهاجرين وعمليات صد وإرجاع للمهاجرين في مياه الاتحاد الأوروبي. وقد تم تنفيذ عمليتي سحب وإرجاع على الأقل بواسطة ميليشيا تُدعى طارق بن زياد، التي يسيطر عليها نجل حفتر، في المياه المالطية.

تم تنفيذ حادثتي اعتراض، واحدة في أيار والأخرى في تموز من هذا العام. أربعة أشخاص فقدوا حياتهم في حادث غرق القارب بالقرب من جزيرة بيلوس اليونانية، وكانوا على متن القارب في رحلة سابقة تم اعتراضها في 25 أيار الماضي، وفقاً لأفراد الأسرة.

قال والد أحد الضحايا السوريين الذين فقدوا حياتهم على متن القارب، إن ابنه كان في رحلة سابقة في القارب تم اعتراضها في المياه الدولية، وعاد إلى مالطا في 25 أيار. وأكد أن غالبية من كانوا على متن السفينة خلال تلك الرحلة، والذين أجبروا على العودة من مالطا ، قرروا القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر مرة أخرى، واستقلوا القارب من طبرق.

أثناء التحقيق في ظروف غرق سفينة “بيلوس” في 14 حزيران الماضي، وتحديد المسؤولية خلال عملية الإنقاذ في مياه البحر المتوسط، تبين أن هناك مؤشرات إلى تورط شخصية بارزة من شرق ليبيا. 

قبل انطلاق القارب في الرحلة المميتة، وقبل نقل المهاجرين ليلاً الى نقطة الانطلاق (الشاطئ)، ضرب حظر تجول ليلي في طبرق بتاريخ 4 حزيران الماضي، من قبل مديرية أمن طبرق، وحتى إشعار آخر. قال الناجون إنه تم نقلهم مع مئات الركاب إلى خليج صغير بالقرب من وادي أرزوكة Wadi Arzouka في الليل، ومن ثم صعدوا إلى القارب في الثامن من الشهر نفسه.

يبرز في عملية التهريب اسم شخص حددته ثلاثة مصادر متنوعة، أحد الناجين، ومهرب من المستوى الأدنى في هرم شبكة التهريب، وشخص ليبي من داخل البلاد، وهو محمد أ،  ويعمل في وحدة بحرية تابعة للقوات الخاصة المعروفة باسم الضفادع (frogmen). 

وأوضح أحد الناجين أن محمد أ، استغل منصبه لإصدار الرخصة التي سمحت للقارب المهاجر بالإبحار في المياه الليبية، وضمان أن خفر السواحل الليبيين حصلوا على أموال مقابل إغلاق أجهزة الرادار البحرية للسماح للسفن بالمغادرة.

لم يرد محمد أ على أسئلة فريق التحقيق التي وجهت إليه حول ما أثير حوله وحول الدور الذي لعبه في إبحار القارب ومن ثم غرقه.  

قال الخبير في الشؤون الليبية، جليل حرشاوي، إن “تجارة المهاجرين” ازدهرت في شرق ليبيا في الأشهر الثمانية عشر الماضية. وأضاف أن “حفتر لا يستطيع أن يقول إنه ليس على علم بذلك، لا يمكنه القول إنه غير متورط”.

ليبيا… هاجس الأوروبيين

في أيار الماضي، التقى خليفة حفتر برئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لبحث قضايا الهجرة ذات الصلة، وفي حزيران الماضي، قال وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي إنهم سيطلبون التعاون مع حفتر لوقف المغادرات، مغادرة القوارب. 

كما التقى وفد مالطي في الشهر نفسه مع حفتر في بنغازي لمناقشة التحديات الأمنية في المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على الهجرة غير النظامية.

وفقاً لمصدر ليبي، استثمر الاتحاد الأوروبي، بخاصة إيطاليا، في هذه الوحدات منذ 2020 وأجرى أعمال تأهيل على سفنها. ووفقاً للاتحاد الأوروبي، تم تقديم نحو 465 مليون يورو الى ليبيا لمكافحة الهجرة منذ 2015.

ويطالب سيرجيو كاريرا، وهو زميل زائر في مركز سياسات الهجرة (MPC) في إيطاليا، وزميل الأبحاث الأول ورئيس وحدة العدل والشؤون الداخلية في كلية الحقوق المدنية والسياسية، بأن يتم وضع حقوق الإنسان كشرط أساسي لتقديم التمويل. ويقول: “وفي حال وجود أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان أثناء التنفيذ، يجب تعليق تلك الأموال”.

اليوم يعيش أحمد في مخيم ما لاكاسا، الذي يقع في منطقة جبلية بمدينة كالاماتا اليونانية، ويُعتبر ثاني أكبر منشأة للاجئين والمهاجرين في اليونان. 

خلال حديثنا، يبقى أحمد صامتاً لفترة ويقول: “تلك الأيام التي عشناها في المخازن كانت تشبه الجحيم. أفضّل الغرق في البحر خمس مرات على العودة إلى تلك المخازن المظلمة”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.