fbpx

الرجل الذي لقّن كلبه درساً

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

صديقتي وفي أثناء جلسات المحكمة في محاولتها الحصول على الطلاق أخبرت القضاة أن زوجها ضربها. سألها القاضي إذا كان ضرباً مبرحاً فأجابت: لا. سألها فكم مرة تكرّر الأمر؟ أجابت خمس مرات. فقال لها: خمس مرات فقط؟ ورفع القاضي الجلسة وأجلها بضعة شهور أخرى. على أمل أن تعيد النظر في أسبابها التافهة للانفصال.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

كان يروي بطولاته وهو يبتسم بطرف فمه.

“لقد هجم عليّ بارود (اسم الكلب) ومزق البنطال. فخلعت حزامي وحاصرته في زاوية الغرفة وجلدته بالحزام حتى شفي غليلي منه وشعرت بأنه فهم ما أريد”.

إنه رب عائلة محترم. يعمل ويكسب عيشه بالحلال. يقوم بواجباته الدينية بكل إيمان وورع. أمه راضية عنه وأولاده يعتبرونه مثالهم الأعلى في كل شيء. باختصار هو نموذج المواطن الصالح فكيف يضرب حيواناً لا يعرف كيف يعبر عن نفسه إلاّ بالعضّ؟ يقول المثل: إذا عضّك الكلب فهل تلحق به وتعضّه؟ كناية عن الترّفع عن التعامل مع مخلوق لا يمتلك وسيلة ليحيا سوى أنيابه. 

تبتسم زوجته وأمه بإعجاب حقيقي. السيدتان تعتبرانه سندهما في المواقف الصعبة وحتى السهلة. الرجل أدامه الله دعامة البيت وإساءاته البسيطة لا تؤخذ في الاعتبار ما دام يقوم بواجباته تجاه أسرته.

 غضبه الجامح، صراخه بكلمات جارحة أمام الأولاد، عدم اعترافه بحق زوجته في الترويح عن نفسها. استخدام يديه بالضرب داخل المنزل… تصرفات لا تعيبه. وخصوصاً إذا كان الضرب للتأديب وليس “ضرباً مبرحاً”.

صديقتي وفي أثناء جلسات المحكمة في محاولتها الحصول على الطلاق أخبرت القضاة أن زوجها ضربها. سألها القاضي إذا كان ضرباً مبرحاً فأجابت: لا. سألها فكم مرة تكرّر الأمر؟ أجابت خمس مرات. فقال لها: خمس مرات فقط؟ ورفع القاضي الجلسة وأجلها بضعة شهور أخرى. على أمل أن تعيد النظر في أسبابها التافهة للانفصال. فخمس مرات بنظره غير كافية لطلب الطلاق أو أن الضرب لم يكن “مبرحاً” بما فيه الكفاية، ولم يخالف أحكام الآية 34 من سورة النساء.

´”… واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن…”.

ما هي هذه التوليفة الأخلاقية التي تجعلنا مجتمعاً يستعمل أطرافه في إيذاء من حوله بنيّة الإصلاح؟ هل فطرنا على ذلك؟

عندما يصبح تسلط القوي على الضعيف عرفاً لا غبار عليه في المجتمع، وتطبيق توصيات مضى عليها عشرات القرون جزءاً من أحكام القانون العادل، عند ذلك يجب ألاّ نستغرب ما وصل إليه الحال في بلادنا.

نتكلم بما يجود به تراثنا الحضاري العظيم من حكم، ونتبعها حرفياً، كأنّها تعليمات مقدّسة. حتى الأمثال الشعبية تعتبر مراجع مهمة في طريقتنا بالتعامل في ما بيننا. 

فالمرأة : “متل السجادة كل فترة بدّا نفض”. 

*نفض: ضرب بالعصا لإزالة الغبار*.

نصحو على أخبار تعنيف أطفال لم يبلغوا سنة من عمرهم في عقر روضاتهم لنجد أن معظم الشعب يوجه الاتّهام إلى أمهاتهم لتركهم في رعاية غرباء. وكأنّ المجتمع المحافظ جدّاً يتشّفى بمصاب المارقات اللاتي خرجن للعمل, ويعيد ترتيب أولوياته.

عصر “الحريم والحرمات” ما زال قائماً بكل أسسه وأركانه. نحن نضحك من أنفسنا حين نتخيّل أنّنا نعيش في القرن الحادي والعشرين، وأن هيمنة الذكاء الاصطناعي سوف تفسد مستقبل أولادنا. ما زالت أمامنا أشواط لم نقطعها على طريق الإنسانية. هذه الأشواط التي يمكن تجاوزها ببساطة إذا كان منطق تفكيرنا سليماً.

الرجل الذي يستعمل يديه ينتقم من “رعيّته” في الداخل لأنه يضمن عدم مقدرتهم على الاعتراض لكنّه يجبن عن رفع صوته خارج حدود بيته. 

يتبع قوانين يعلم أنّها لا تطّبق على غيره، يدفع الرشاوي لأشخاص يعلم أنهم فاسدون، ينتخب ممثلين عنه يعلم أنهم سارقون ويوزع ابتساماته على حرّاس أكشاك المسؤولين وجنود الحواجز ويمعن النظر في نساء الآخرين الذين لا يعرفون كيف يحمون “حريمهم” من أعين الغرباء.

والنساء مستكينات لعبوديتهن اللذيذة، يحرسن قوانين “الحرملك” ويحافظن عليها وينقلنها من جيل إلى جيل بكل إخلاص وقناعة.

هذه باختصار حكاية الرجل الذي لقّن كلبه درساً. وهي حكاية مكررة لكثير من الرجال. ليست سرّاً بل هي نمط حياة نجده في كل مكان. نمط رضي عنه الجميع، ومهما ساءت الظروف أو عصفت الحروب، لا أحد يشكّك به. حتى وصلنا إلى مرحلة الخراب الأخير وبقيت أسبابه مختبئة في نمط حياتنا السرّي المقدّس الذي لا يقبل التطوير.  

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.