fbpx

“مشكلة” النمو السكاني في العراق…نساء ضحيّة قصور التشريع والسطوة الدينيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التوسع في الإنجاب، على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات ذلك على المجتمع، مفهوم سائد في العراق ذي الطابع القبلي في الكثير من أجزائه، يضاف إليه سوء فهم للنص الديني، والضحية في النهاية، المرأة .

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تمضي أمينة محمد (52 سنة) من منطقة الشعب في بغداد، معظم فترات اليوم في رعاية أحفادها الصغار، مستندة إلى خبرة أمومة قوامها تسعة أولاد، من تجربتَي زواج. تقول أمينة إنها غير نادمة لكثرتهم، وتشير إلى السماء “إنهم رزقٌ من الله”.

تلفّ بمهارة طفلاً رضيعاً بالقِماط، ثم تهزّ مهده الخشبي في غرفة تضجّ بالأطفال، وتدندن بأغنية عراقية قديمة، ينفجر الرضيع بالبُكاء، تقرّب وجهها، ثم تضع ظاهر كفها على جبينه: “إنه جائع ومريض”، تقول ذلك بصوت عالٍ لتُسمع أم الرضيع، زوجة ابنها الأكبر التي تستجيب لحماتها، فتنسحب أمينة لتتكئ بظهرها على جدار قريب، وتمد يدها خلال ذلك وتلتقط صبياً في عامه الثاني وتضعه في حجرها وتقول: “كان يزورنا موظفو منظمة إنسانية ويوفرون لنا الحليب والملابس المستعملة وأحياناً بعض المال”.

تضع يداً على بطنها: “أنجبت من زواجي الأول، أربعة، ثلاثة منهم صبيان، وبنت واحدة. زوجي الأول مات وهم صغار، فتزوجت شقيقه وأنجبت خمسة آخرين، بنتان وثلاثة صبيان، بينهم توأمان”. أكبر أبنائها يبلغ 19 عاماً، ويقطن معها في المنزل الصغير ذاته ذي الغرفتين، مع زوجته وأطفاله الثلاثة، فضلاً عن شقيقيه الأصغر، أحدهما متزوج ولديه طفلان، واثنتين من أخواتهم غير الشقيقات. 

تقول أمينة بصوت شاكٍ: “ثلاثٌ من البنات متزوجات ومنازلهن قريبة من هنا، وأنا أهتم بصغارهن كذلك، ، وكلنا نعاني من الفقر”، وذكرت أنها تنتظر المناسبات الدينية لكي تحصل من المواكب الحسينية على طعام فيه لحوم، وإلا فهي وأبناؤها لا يقدرون على شرائها.

وعن التحاق أحفادها بالمدارس، تقول: “وهل ذهب أبنائي الى المدارس أصلًا لكي يذهبوا هم؟ كيف سنوفر لهم الأحذية والملابس والدفاتر، وغيرها من المصاريف، أي واحد يبلغ خمساً أو ست سنوات يتّجه الى العمل، جمع العلب الغازية الفارغة، أو أي شيء للمعيشة”. 

هي تصر على أن الإنجاب المستمر لا دخل له بالوضع الاقتصادي، إذ تعتقد أن زيادة المال أو نقصانه أمر يحدده الله، وأن المرأة التي تتناول أدوية منع الحمل آثمة: “سمعت السادة في التلفزيون يقولون الموانع حرام، وإن المذهب بحاجة إلى كثير من الناس لنصرته”. وتستدرك: نحن شيعة آل البيت وعلينا السمع والطاعة!”. 

التوسع في الإنجاب، على الرغم من سوء الأوضاع الاقتصادية، وتداعيات ذلك على المجتمع، مفهوم سائد في العراق ذي الطابع القبلي في الكثير من أجزائه، يضاف إليه سوء فهم للنص الديني، إذ تعتقد شريحة واسعة بأن الله يحثّ على زيادة النسل، وتحديده يعني بالنسبة إليهم خروجاً عن طاعة الله. 

ارتفاع معدلات النمو السكاني

وفقاً لبيان صدر عن وزارة التخطيط في تموز/ يوليو 2023، فإن أعداد العراقيين بلغت  43 مليوناً و224 ألف نسمة، بنسبة نمو سكاني تبلغ 2.5 في المئة سنوياً، ويتركز حوالى 50 في المئة من السكان في محافظات (بغداد – نينوى – البصرة – ذي قار)، ويشكل سكان المدن (الحضر) 70 في المئة مقابل 30 في المئة نسبة سكان الريف.  

ويتوقع المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أن تصل أعداد العراقيين إلى 50 مليوناً بين سنتي 2025 و2030.

 ومع إقراره بأن العراق يشهد زيادة سنوية في أعداد سكانه، إلا أن الهنداوي ينفي وجود “تضخم أو انفجار سكاني يستدعي سن تشريعات لتحديد النسل”.  ويشير إلى أن الوزارة وضعت “وثيقة الوطنية للسياسات السكانية”، وهي توجيهات غير ملزمة مكونة من مسارين:  

“أولها، تقليل أعداد الولادات، والثاني، المباعدة بين ولادة وأخرى، وبالتالي يضمن لنا تحديد الأسرة والحفاظ على صحتها”، ويؤكد أن قطف ثمار ما جاء في الوثيقة يتطلب حملات توعوية وتثقيف.  

وعن تداعيات الزيادات السكانية، لا يخفي الهنداوي أثرها على واقع البلاد الاقتصادي، ويقول: “العراق عاش خلال العقدين الأخيرين في ظل تدهور أمني وسياسي، ساهما في ارتفاع مستويات البطالة التي وصلت الى 16.5 في المئة وفق آخر مسح نفذه الجهاز المركزي للإحصاء، كما أن نسبة الفقر بلغت 21 في المئة”.

وبدلاً من تحديد النسل، يرى الهنداوي أن أحد الحلول الناجحة يكمن في وضع خطط مستقبلية ومستدامة تستهدف خفض نسبة البطالة، من خلال تشجيع ودعم القطاع الخاص ومنحه شراكة حقيقية مع القطاع العام، لخلق فرص العمل المطلوبة.

فضلاً عن زيادة الإنفاق لدعم المشاريع الاستثمارية الحكومية، واستقطاب الشركات العالمية، وبالتالي تكون هناك فرص لتشغيل أيادٍ عاملة ووظائف في شتى التخصصات، بدلاً من التوظيف الحكومي، كون العراق “يعاني من تضخم في الجسد الحكومي، بمعنى وجود عدد كبير من الموظفين الحكوميين”. ويعول الهنداوي في نجاح ذلك على نسبة الشباب المرتفعة في المجتمع العراقي والبالغة 60 في المئة، ويقول إنها: “هبة كبيرة ينبغي استثمارها”.      

 مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، أكد عبر مديره نستور أوموهانجي، أن الكثافة السكانية تزداد بسرعة في العراق مقارنة بالدول المجاورة، جاء ذلك في كلمه ألقاها يوم 26 تموز/يوليو 2023 خلال المؤتمر السنوي الذي أقامته وزارة التخطيط بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والجمعية العراقية للعلوم الإحصائية في بغداد لمناسبة اليوم العالمي للسكان.

ووصف أوموهانجي الزيادة السكانية بأنها ظاهرة جيدة وإيجابية”، لكن يجب أن تكون سياسات البيانات السكانية المستخدمة صحيحة وحديثة لمعرفة نسبة السكان وتأثيرهم على البيئة”، وشدد على ضرورة “الاعتراف بأن الاستثمار الرئيس للسكان هو التحول الى الحياة السليمة”.

د. نبيل جعفر المرسومي، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة، يربط زيادة الإنجاب في العراق بانخفاض مستوى الوعي الثقافي في المجتمع، الذي “يميل فيه ذوو المداخيل المحدودة والفقراء الى زيادة الإنجاب على الرغم من الافتقار الى الضمانين المعيشي والصحي، بينما المناطق التي تتمتع بالرخاء الاقتصادي تميل الى صغر العائلة وتحديد أفرادها لضمان الرفاهية ورغد العيش أو في الأقل كفايته”. 

كذلك، يرى أن الجانب الديني يؤثر كثيراً في قرارات عدد كبير من العراقيين، عبر رجال دين يخاطبونهم من خلال المنابر، فيتم اتباع ما يقولونه من دون تفكير: “هؤلاء، المنابر هي من ترسم لهم حياتهم وطريقة تفكيرهم، فتحثهم على التكاثر من دون تخطيط، بادعاء أن الأرزاق مضمونة سلفاً، من دون أن تبين لهم كيف للفقراء مثلاً أن يجنوا الأموال من دون عمل أو رأس مال !؟”. 

يعتقد المرسومي بأن على العراق توفير نصف مليون فرصة عمل سنوياً في الأقل في القطاعين العام والخاص، “للحفاظ على التوازن وتفادي مشكلة ارتفاع نسبة البطالة، وغيرها من المشاكل المتعلقة بالتضخم السكاني، ويمكن في تلك الحالة استثمار المشكلة لأن العراق يتمتع بموقع جغرافي مهم ويمكن أن تزدهر فيه الزراعة والصناعة”.

التوعية الأسرية والفشل في تحديد النسل

الحقوقي باسم غنام، يتهم الدول العربية ومن ضمنها العراق، بالفشل في تحديد النسل، بسبب الافتقار إلى منظومة قانونية صارمة، وعدم وجود إرادة سياسية لتشريعها، على حد تعبيره. ويقارن غنام، بين الدول الأوروبية ومثيلاتها العربية: “الأولى تحافظ على اقتصادها وتتقدم باستمرار، أما الثانية فتشهد تراجعاً في مختلف المستويات، باستثناء أعداد السكان!”.

ويتفق مع المتحدث باسم وزارة التخطيط، في أن التوعية الأسرية هي الحل الوحيد بسبب الأعراف والتقاليد المنتشرة في البلاد، والتي يفتخر المرء “بموجبها بأعداد عشيرته أو أفراد عائلته، وزيادة الإنجاب تعني مكانة مرموقة للعشيرة أو العائلة، وهكذا”.

الباحث مروان يحيى، يقول: “مستحيل أن يقوم أي من البلدان العربية وخصوصاً العراق الذي تمسك زمام السلطة فيه أحزاب دينية، بوضع قوانين تحدد النسل، لأنها تخالف الشريعة الإسلامية، وهي المصدر الرئيس لقوانينها”.

ولفت إلى أن الزيادة الكبيرة في أعداد السكان لا تواكبها خطط تنموية، لذا فهنالك دوماً “نقصٌ في البنى التحتية التعليمية والصحية، وتردّ في نطاق الخدمات وارتفاع في مستويات البطالة والجريمة، وتفشّ للفقر والأمراض وأزمات سكن وغيرها من الآفات الاجتماعية”.

“على العراق توفير نصف مليون فرصة عمل سنوياً على الأقل في القطاعين العام والخاص، للحفاظ على التوازن، وتفادي مشكلة ارتفاع نسبة البطالة، وغيرها من المشاكل المتعلقة بالتضخم السكانيّ”
د.نبيل جعفر المرسوميّ، أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة

المهندسة والناشطة الإغاثية شيماء بهزاد، تعمل في مجال مساعدة الفئات الأشد فقراً في بغداد، تروي كيف أنها حين تزور مناطق عشوائية، تجد أن عائلات عدة تعيش سوية في منزل واحدِ صغير، “ومع ذلك لا تتوقف عن الإنجاب، بل وبعض النساء هناك يعتقدن أن التي تنجب أقل من خمسة أطفال تعاني من مشكلة ما!”.

وتقول باستغراب شديد: “أسأل بعضهن كم مضى على زواجك، فيقلن ست أو خمس سنوات. وأكتشف أن لديهن خمسة أو ستة أطفال وقد يكن حوامل، لقد تحدثت إلى سيدة قالت إنها أنجبت 12 مرة، وإنها حامل للمرة 13 مع زوجة أحد أبنائها، هذا كله وهي لم تتجاوز بعد الـ 43 سنة، إنه أمر جنوني”. 

وتسجل ملاحظاتها عن العائلات الفقيرة كبيرة العدد: “الأطفال بثياب رثة، ولا ينتعلون أحذية، ولا يذهبون الى المدارس أو لا يفعلون ذلك بانتظام، لا يتغذون جيداً، ولا يتلقون رعاية صحية كافية، ويجبرون على العمل في كثير من الأحيان من ذويهم”. 

وتحذر شيماء من إهمال المناطق العشوائية التي تتّسع حسب قولها، يوماً بعد آخر في كل المدن العراقية، ودعت الحكومة المركزية إلى إنشاء مدارس ومراكز صحية فيها وتوفير فرص العمل لمن فيها، “وإلا فإنها ستتحول إلى بؤر للجريمة المنظمة، بسبب الجهل المنتشر فيها وغيره من الأمراض المجتمعية نتيجة للفقر”.

حمل عن طريق الخطأ!

عبارة شائعة، تسمع في العراق بكثرة، تشير بها الزوجة إلى أنها حملت من دون رغبة منها وزوجها في ذلك. وقد يعني ذلك احتمالات عدة، منها عدم توخي الرجل الحذر باستخدام واقِ ذكري أو أن حبوب منع الحمل لم تأت بنتيجة، وغيرها من الأمور التي أدت إلى حصول الحمل. 

يقول ذلك، مسلط حمادي، وهو باحث اجتماعي من بغداد، لافتاً إلى أن القانون العراقي، والشريعة الإسلامية التي يعتنقها معظم العراقيين، “يمنعان الإجهاض، لذا فلا يكون أمام المرأة سوى إنجاب الطفل”.

“لكن قبل ذلك”، يعود مسلط للقول، ويتابع: “الكثير من الأزواج، يجهلون أصلاً كيف يستخدمون موانع الحمل، ولا يستشيرون المتخصصين أو حتى الأقرباء الأكثر خبرة”.

ويرى الباحث أن فكرة “كثرة العدد تعني القوة” كان معمولاً بها في أزمنة غابرة، لأن القبائل والجيوش كانت تحتاج إلى التحشيد لإبراز قوتها، وفي أوقات السلم كانت الأيدي الكثيرة في الأسرة الواحدة ضرورية للزراعة ورعي المواشي. أما في العصر الحديث، فكلما زاد أفراد الأسرة كلما قلت فرصهم في الحصول على تعليم وصحة جيدين، ويصبحون عبئاً على كاهل المجتمع”. 

 مينا سالم (40 سنة) من بابل، قالت بأنها وزوجها كانا يفكران بثلاثة أبناء كحد أقصى، لكن بسبب فشل موانع الحمل، أصبح عددهم ستة!، تدخل في نوبة ضحك قبل أن تضيف وهي تفرج عن أصابع يديها: “وقد يصبحون عشرة!”.

تعمل مينا في صالون حلاقة نسائي، وتعرض ملابس للبيع على حساب خاص بها في “فيسبوك”، وزوجها سائق سيارة أجرة. “لكننا بالكاد نستطيع أن نؤمن المال لمعيشتنا، ونفقات المدارس، لأننا نريد أن يحصلوا على شهادات حُرمنا أنا وزوجي منها”.  

الطبيبة النسائية المتخصصة مها الصكبان، مديرة مستشفى الديوانية سابقاً، تذكر أن قول بعض النساء إن “الحمل عن طريق الخطأ سببه الجهل المتوارث بعدم معرفة كيفية استخدام موانع الحمل، فنسيان استخدامه ليوم واحد مع عملية الجماع ستكون نتيجته حملاً في كثير من الأحيان”. 

وتؤكد الحاجة إلى تثقيف النساء من خلال دورات تدريبية توضح لهن مخاطر الإنجاب المتكرر بالإضافة الى خطره على القاصرات، وتلفت إلى أن المستشفيات لا تجري عمليات الإجهاض لأنها غير قانونية، باستثناء بعض الحالات “إذا كان الجنين يهدد حياة الأم، وشرط الإجهاض في المستشفى هو موافقة الزوج أولاً وكتاب موافقة من رجل دين” ثم تستدرك:” في غالبية الحالات، لا تحصل موافقة الزوج حتى وإن هدد الجنين حياة الأم” تقول الطبيبة بأسف. 

وتلفت الطبيبة مها، إلى أن لكثرة الإنجاب أضراراً نفسية وجسدية تصيب الأم، وتقول بالنسبة الى الأضرار الجسدية: “تكون الأم عرضة لمخاطر الوفاة والشيخوخة المبكرة إذا أنجبت أربعة أطفال، وتزداد هذه المخاطر إذا أنجبت أكثر، إذ تكون عرضة للنزيف الحاد، وسكري الحمل، فضلاً عن الأمراض التي تصيب الجهاز التناسلي مثل توسع المهبل، وزيادة فرص الإصابة بهبوط الرحم، وتعرضها للأنيميا، ما يجعلها تشعر بالضعف والتعب وضيق النفس والعصبية وهشاشة العظام والأظافر، واحتمالات زيادة السمنة والإصابة بمرض السكري وآلام الظهر وترهل عضلات البطن”.

أما في ما يتعلق بالأضرار النفسية، فتختصرها بـ”الكأبة وتغيير الملامح ووضوح علامات الشيخوخة بوقت مبكر”.

ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة في 30 آذار/ مارس2022، ذكرت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة ناتاليا كانيم، “يمثل العدد المذهل لحالات الحمل غير المقصود إخفاقاً عالمياً في دعم حقوق الإنسان الأساسية للنساء والفتيات، وبالنسبة الى النساء المتضررات، فإن خيار الإنجاب الأكثر تغييراً في الحياة – سواء حملن أم لا – لم يعد خياراً على الإطلاق. ويمكن المجتمعات ضمان أن تكون الأمومة رغبةً وليست أمرا حتمياً، وذلك من خلال وضع سلطة اتخاذ هذا القرار الأساسي مباشرةً في أيدي النساء والفتيات”.

وجاء في التقرير ذاته أن 257 مليون امرأة ممن يرغبن في تجنب الحمل لا يستخدمن وسائل منع الحمل الآمنة والحديثة، كما أن ما يقرب من ربع النساء غير قادرات على رفض العلاقة الحميمية. 

“لا يعتبر الحمل غير المقصود بالضرورة عجزاً شخصياً وقد يكون مرده الافتقار إلى الاستقلالية التي يسمح بها المجتمع أو القيمة التي تولَى لحياة المرأة.” يقول المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية، الدكتور لؤي شبانه، “العادات والأعراف الضارة والعنف الجنسي والإكراه الإنجابي وإصدار أحكام مسبقة أو الوصم أثناء تقديم الخدمات الصحية والفقر وتعثر التنمية الاقتصادية وأوجه عدم المساواة بين الجنسين… كلها عوامل تعكس الضغط الذي تضعه المجتمعات على النساء والفتيات ليصبحن أمهات”.

وهنالك من ينسب ارتفاع معدلات الحمل غير المخطط له، إلى الأزمات. ومن بين هؤلاء، د. ماجد علي، وهو باحث اجتماعي، إذ يقول إن الأزمات الكبيرة التي تجبر الناس على ملازمة منازلهم قد تكون من العوامل المهيأة لحدوث حالات حمل غير مقصودة. 

وكمثال على ذلك، يقول: “قرارات الحكومة بحظر التجوال خلال أزمة فيروس كورونا بسبب ارتفاع معدلات الإصابة به، أدت إلى حدوث الكثير من تلك الحالات، هذا فضلاً عن ارتفاع معدلات العنف المنزلي والطلاق وغيرها من المشاكل بسبب اضطرار الرجال الى البقاء في المنازل”.

وقد تكون للحمل غير المقصود عواقب وخيمة، بينها، بحسب د. ماجد: “قد يتخلى الأبوان عن تربية الطفل لعدم التمكن من إعالته بسبب الفقر، وفي حالات العلاقات غير الشرعية يتم التخلص منه بإلقائه في الشارع ليصبح لقيطاً، ونسمع بين حين وآخر بالعثور على طفل مرمي في مكان عام، أو  بأن أحد الأبوين يعرض طفله للبيع!”.

القانون يحظر الإجهاض

الخبير القانوني والمحلل السياسي صفاء اللامي، يؤكد أن القانون العراقي لا يبرر للأم عدم قدرتها على تربية أطفالها أو أنها في حالة صحية غير جيدة، إذ يفرض عليها عقوبات في حالة إجهاض نفسها، فضلاً عن كل من يقدم لها المساعدة في ذلك، إلا في حدود ضيقة جداً، تتعلق بغسل العار. 

وتنص المادة 417 من قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969، على عقوبات لمن تجهض نفسها ومن يساعد على إجهاض امرأة، ويخفف الحكم في حالة “إجهاض المرأة نفسها اتقاء للعار” في حال كان الحمل إثر سفاح القربى.

وترى طبيبة الصحة النفسية إخلاص جاسم جبرين، مديرة مؤسسة “ألق الندى للتنمية البشرية”، أن زيادة الإنجاب مثلت في السنوات الأخيرة مشكلة أساسية عانى منها المجتمع العراقي، وتقول: “قرار زيادة في  العائلة، يعني بالضرورة زيادة الإنفاق لتلبية احتياجات الأطفال، وزيادة في الإنجاب من دون تخطيط مسبق ستشكل تجاوزاً على ميزانية العائلة، وقد تكون نتائجها وخيمة على الصعيد الصحي والغذائي في حال كان الدخل محدوداً”. 

لتدارك الحمل غير المقصود، وتبعاته على العائلة، تحاول بعض الأمهات إيجاد سبيل لإجهاض حملهن، ووفقاً للطبيبة إخلاص، هو أمر غير مسموح به في المستشفيات، لذا تعمد كثيرات من الأمهات الى فعل ذلك خارج نطاق المستشفيات، عبر قابلات وممرضات ماهرات.

دور المنبر الديني

يحمل البعض المنبر الديني بشقيه الشيعي والسني، مسؤولية الزيادة غير المدروسة للسكان، لأنه ووفقاً لما يقولون، يشجع على الإنجاب لزيادة الأتباع، كونه مشروعاً لزيادة الأرزاق، والتباهي بين المذاهب. 

غير أن لذلك انعكاسات سلبية على المجتمع وفقاً للمدافعة عن حقوق الإنسان سارة جاسم، من بغداد، إذ ترى أن “الكثير من الأطفال يولدون في العراق مجردين من الحقوق”. 

استنتجت ذلك من خلال زياراتها الميدانية الى الأحياء والتجمعات الفقيرة لتقديم المساعدات الإنسانية هناك، “العائلات تؤمن بأن الأطفال أبواب رزق، في حين يفتقر أطفالهم المساكين الى أبسط حقوقهم من ملبس ومأكل وعلاج”. 

د. صلاح الدين محمد قاسم النعيمي، أستاذ في قسم أصول الفقه، كلية العلوم الإسلامية/ الجامعة العراقية، يقول إن الإسلام رغب في كثرة النسل (الإنجاب ) وجعله من أهم مقاصد الزواج، ويستشهد بنص قرآني: “فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ- سورة البقرة، الآية 187”. 

ويدعم رأيه بحديث نبوي: “يقول الرسول صلى الله عليه وسلم تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة”، ويتابع موضحاً “حب الأولاد والذرية أمر مذكور في الفطر السوية المستقيمة وطلب الولد هو منهج الأنبياء، وهم أكرم الخلق ـ فقد كانوا يدعون الله سبحانه ويلحون عليه في الدعاء أن يرزقهم بالذرية الصالحة فلا ينبغي لأحد أن يزهد في هذه النعمة العظيمة التي جعلها الله زينة الحياة الدنيا”.

لكنه مع ذلك لا يمانع في استخدام حبوب منع الحمل لتنظيم النسل، وله في هذا الجانب شرطان، أولهما أن يكون بعلم الزوج “لأن تناول حبوب منع الحمل من قِبل الزوجة من دون إذن زوجها حرام، فالزوج قد يرغب في كثرة الأولاد، وهذا من حقه، فوجب على الزوجة إعلامه بذلك والاتفاق معه”.

والشرط الثاني الذي يسوقه د. صلاح الدين، هو وجود حاجة الى حبوب منع الحمل، ويقول: “إن كانت ثمة حاجة، كون المرأة يرهقها ويشق عليها إذا توالى عليها الحمل، لا سيما إذا كانت ممن يحمل سريعاً، فإنه لا حرج حينئذٍ في استعمالها بإذن الزوج أو كانت هناك مصلحة راجحة، وحاجة تقتضي ذلك ككثرة الأولاد، ومشقة التربية أو مرض الأم”.  

“وماذا لو حملت رغماً عني، والحمل يهدد حياتي؟”، تتساءل بلقيس مصطفى(معلمة)، من الكرادة في بغداد، وتضيف: “عمتي الكبرى أنجبت تسع مرات، حذرتها الطبيبة من الإنجاب مرة أخرى لأن ذلك سيقتلها، لكن زوجها وهو ملتزم دينياً، قال بأن عليها التوكل على الله، ورفض أن تتناول مانع حمل أو تضع لولباً أو يتوخى هو الحذر، وكانت النتيجة أنها حملت وتوفيت متأثرة بحملها”.

وتعود الى التساؤل: “لماذا لم يحاسب القانون زوج عمتي؟”، ثم تجيب نفسها بنفسها متهمة القانون بالذكورية والقصور: “لأن القانون العراقي ذكوري، وضعه ذكور لمراعاة مصلحة الذكور بالدرجة الأساس”. 

وتشير بلقيس التي أنجبت طفلين خلال سنوات زواجها السبع، إلى أنها وزوجها متفاهمان في مسألة اتخاذ الاحتياطات لمنع الحمل، لكن”زوجي أخبرني مرات عدة، بأنني إذا حملت، فلن يكون في وسعي الإجهاض، أياً كانت النتيجة، لأن الإجهاض قتلٌ مع سبق الإصرار والتصميم حسبما أخبره رجل دين معروف!”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.