fbpx

اقفال مقهى “تشايز” في بيروت…
حيث جلس محمود درويش مقابل نُصُب بشير الجميّل وقال “جميل هذا المكان”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قال درويش واقفاً ليصافح رجلاً يعرفه جيداً وهرع لمعانقته حين رآه : “جميلٌ هذا المكان. نجلس في ظل نصب بشير الجميّل. من كان ليقول؟ تعرف، لم يعد لديّ في داخلي شيء ضده”. كان ذلك في 2007 على الأرجح. سنة قبل رحيل درويش إثر جراحة في الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أطفأ مقهى “التشايز” أنواره في ساحة ساسين منذ عدة أيام، آخر العاملين أخلى “الترّاس” من الكراسي وترك الطاولات شواهد على زمن انقضى. للعابر أن يتوقف لحظة، لنظرة أسف، وللواصل إلى موعد أن يتصل لتغيير مكان لقاء.

انطفأ المقهى والمطعم على مهل. بعض روّاده بعدما تشظّت البلاد كانوا في ظنّ بأنهم يجلسون في وسط لبنان، بل في وسط العالم.  انطفأ المكان ببطء على غرار دولة لبنان التي أصيبت إصابة قاتلة في 13 نيسان 1975، فوُضعت في العناية المركّزة وطال احتضارها. خُيّل مرتين إلى الشعب اللبنانيّ أن البلاد تستعيد عافيتها وستغادر غرفة الإنعاش، لكنها انتكست بعد كل محاولة إنقاذ. وحين حلّ عهد ميشال عون، تعاون الأخير مع “حزب الله” على إطفاء الآلات وسحب أنابيب التنفس، هنا كانت النهاية، “أعطتكم عمرها”، يقولون في القرى، الطويل عمرها بمقياس البشر. مئة سنة.

و”التشايز”، ساحة ساسين، مثل لبنان مكان عاطفي، لكن ليس بالعاطفة وحدها يحيا الإنسان. توقف مستثمره منذ سنتين وأكثر عن دفع أي ليرة ليؤمّن بقاءه مفتوحاً، فتولّى بعض الزبائن المُدمنين القعود فيه، لا سيما عند الصباح، دفع فواتير الكهرباء وأثمان البنّ والعصائر. لا بل قدّم أحدهم ماكينتي قهوة وإسبرسّو ومشتقاتهما ليؤمّن الموظفون الثلاثة المتبقون الحد الأدنى من طلبات الزبائن، وساعدوهم مالياً ليواظبوا على عملهم بالرغم من توقف المستثمر عن دفع رواتبهم منذ نحو سنتين، ليعرض دفعها مرة واحدة بعد قراره الإقفال، وبالطبع على أساس دولار 1500 ليرة. لم يقبلوا وفضلوا الذهاب إلى القضاء.  
‘أسوأ ما قد يصيب الإنسان أن يموت حياً”، كتب إميل سيوران.

“التشايز” افتتح بعد “حرب السنتين” مباشرة عام 1977 في طبقتين يصل بينهما درج، تعلوه خمس طبقات سكنية في مبنى بات إلى ترميم وتجديد، ويتمسك به صاحبه حسين خطار. استأجر باتسي نادر ورشيد جريصاتي المكان واستحصلا على رخصة مقهى ومطعم وجهّزاه على نحو حديث فتحوّل ملقى أناس من كل الفئات والطبقات مع لمسة بورجوازية. قبله لم يكن في “بيروت الشرقية” تلك الأيام مطعم ومقهى عصريان بمتناول العامّة. كان “أو فيو كارتييه” قرب وزارة الخارجية عند نزلة العكاوي، وبعض مطاعم وأندية خاصة مقفلة لعليّة القوم، في شارع سرسق ومحيط جامعة القديس يوسف -شارع هوفلان. المأكولات فيها فرنسية، والأحاديث، مع استثناءات بالإنكليزية، حتى أقبل عليها أثرياء الحرب الجدد. وبالطبع لم يكن في الأشرفية مجمّع “أب ث” بمطاعمه ومقاهيه الحديثة قبل سنة 2003.

في ساحة ساسين، التي أخفقت محاولة تسميتها “ساحة شهداء الكتائب”، كان قبل التشايز “مطعم واكيم”، خلفه على بعد حوالي مئتي متر نزولاً نحو كرم الزيتون، وكان شبه وحيد في المحلة، وقد دُمّر قبل سنوات، والمقاهي الباقية كانت موزعة في بعض الأحياء الشعبية، من غرفة أو غرفتين، تُستخدم واجهة لممارسة القُمار وتفتح فيها ستائر خضراء لحجب الأنظار ولفتها في آن واحد إلى ما يجري في داخلها. وفي منطقة أبعد كان “مقهى الجميزة” الذي بقي مفتوحاً خلال الحرب واقتصر زبائنه على عدد من كبار السن، ومطعم “لو شيف” في الجميزة الذي انتقل من أيدي جيل الآباء إلى جيل الأبناء. 

لاحقاً في الثمانينيات سيفتح ويقفل عدد من المقاهي الحديثة حول ساحة ساسين، أشهرها “بيفرلي” في مبنى ضم سابقاً تلفزيون “آي سي إن” و”نداء الوطن” لصاحبهما هنري صفير الذي تبادل الشتائم ذات يوم من شباك إلى شباك مع جاره في البناية المقابلة وزير الإعلام آنذاك ميشال سماحة.

والحال أن موقع “التشايز” الاستراتيجي كان نعمة عليه ونقمة. ففي ساحة ساسين، أعلى نقطة في الأشرفية، تتقاطع طرق رئيسية في كل الاتجاهات، جنوباً نحو السوديكو ورأس النبع، شرقاً نحو العدلية والحازمية، غرباً نحو الجميزة أو جسر فؤاد شهاب، شمالاً نحو الدكوانة، عدا عن طرق فرعية في أحياء متعددة. بقعة أخذت جزءاً من موقع “وسط البلد” في “الشرقيّة” سابقاً،  على غرار ما حصل في أحياء وساحات تضخمت وازدهرت بفعل الحرب التي ما عادت تنتهي، كشارع مار الياس في “الغربية”.

لحيويّة تلك الساحة اختارتها القوات السورية العاملة ضمن “قوات الردع العربية” لإقامة حواجز وتثبيت مواقع لها في محيطها، خصوصاً برج رزق ومنطقة كنيسة السيدة، كما اختارها بشير الجميّل ورفاقه للانطلاق في المواجهات الهائلة التي سُمّيت “حرب المئة يوم” عام 1978.

أطفأ مقهى “التشايز” أنواره في ساحة ساسين منذ عدة أيام، آخر العاملين أخلى “الترّاس” من الكراسي وترك الطاولات شواهد على زمن انقضى. للعابر أن يتوقف لحظة، لنظرة أسف، وللواصل إلى موعد أن يتصل لتغيير مكان لقاء.

كان الاصطدام بالقوات الخاصة السورية جنوناً في عزّ قوة نظام حافظ الأسد. لكنّ بشيراً كان مجنوناً. أما والده بيار الجميّل فاضطر مرة للتوجه شخصياً إلى ساحة ساسين، لإجبار مسلّحي حزبه، بالتهديد والوعيد على السماح بمرور شاحنة طعام إلى جنود القوات الخاصة السورية، الذين أرهقهم الحصار ومناوشات الميليشيا. كان مؤسس الكتائب حريصاً على إنجاح محاولة الرئيس الياس سركيس الإنقاذية، كما على “التفاهم” ما بين “الجبهة اللبنانية” وحافظ الأسد، الذي سمح بانتشار الجيش السوري في الأشرفية وسواها من مناطق “الشرقية”. 

إلا أن العلاقة بين الجيش السوري والشبان الذين أخفوا أسلحتهم موقتاً في الأشرفية بقيت مثل النار والبارود. وبعد حادثة اعتقال بشير الجميّل لوقت قصير عند حاجز بين “التشايز” والمبنى الحالي لإذاعة “صوت لبنان” الحالي، تدهورت الأمور إلى معارك اقتحامات متبادلة، خصوصاً في النزلة المقابلة للتشايز عند صيدلية بارتي التي قضى صاحبها ميشال بارتي تحت السلاح. وانتهت المعارك بعد سقوط عدد كبير من الضحايا بانسحاب الجيش السوري من الأشرفية، وبدء صعود نجم بشير جدياً،  حتى اغتياله رئيساً منتخباً للجمهورية في مقره ببيت كتائب الأشرفية، والذي يبعد دقائق قليلة مشياً عن “التشايز”.

بعد شهرين، في تشرين الثاني 1982، أقيم نُصُب بشير ورفاقه في الساحة. صمّمته مجموعة مهندسين إيطاليين مستوحية أعمال الفنان النيويوركي أندي وارهول (1928-1987) الذي يُعدّ أبرز ممثلي البوب آرت. بعد 15 سنة  في 1997 سيمتدّ “التشايز” إلى “ترّاس” على رصيف الساحة الواسع قرب النُصُب أخذ يجذب إليه الروّاد من كل الفئات والانشغالات: عشّاق وعاشقات، أصدقاء وصديقات، زملاء عمل، تجار وصحافيون وسياسيون وأدباء وأساتذة جامعات وطلاب وأطباء وضباط متقاعدون ومحامون يعقدون صفقات وعقوداً، وزبائن من دون مهنة محددة، إلى مثقفين وفنانين أشكال ألوان. أحياناً كثيرة تكون الطاولات مشغولة كلها لاسيما عندما يكون طقس المدينة ناعماً.  وكان التشايز يفتح ليلاً نهاراً والخدمة ممتازة قبل أن تتقهقر بفعل سوء إدارة بدءاً من 2014  .

الكاتب والصحافي سمير قصير لم يكن من روّاد المقاهي لكنه كان يقيم قريباً من الساحة بعد “نزلة بارتي”، وقبل اغتياله بأيام رسم على اللوح لطلابه في اختصاص العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف مثلثاً سمّاه “مثلث الاغتيال”، يمتد من برج المرّ إلى ساحة ساسين  في الأشرفية إلى نزلة وزارة الخارجية. استند إلى وقوع مجموعة جرائم اغتيال سياسية بطريقة التفجير في تلك البقعة، مرجحاً وجود خلايا خلّفها وراءه جيش النظام السوري ولا تزال قادرة على التحرك. وما لبث أن اغتيل سمير قصير نفسه، بعبوة انفجرت فور إدارة محرك سيارته الألفا روميو، صباح 2  حزيران 2005، وسط “مثلث القتل” الذي رسمه على اللوح.

كان “التشايز” المقهى المفضل للشاعر أنسي الحاج ولكن بعد منتصف الليل، ويبعد دقيقة مشياً عن منزله. وكان، مثل الياس الخوري زميله وخَلَفه في رئاسة تحرير “الملحق الثقافي”، يُجالس غالباً صديقاً أو صديقة واحدة.
أذكر حزن أنسي الشديد، جالساً إلى طاولته المفضلة، على سمير قصير ليل اغتياله، شعوره بالذنب، لأنه هو الذي اقترح اسمه على غسان تويني، وأقنعه بأن يكتب مقالة افتتاحية على الصفحة الأولى لجريدة “النهار” كل يوم جمعة. هل قتلوه بسبب تلك الافتتاحيات؟ اقترح أيضاً زياد الرحباني ولم يمشِ الحال.

عندما اغتيل جبران تويني يوم 12 كانون الأول 2005 اتصل أنسي الحاج قائلاً “لاقيني” وبقينا ساهرين في التشايز حتى الثالثة والنصف فجراً. ولكم كان متأثراً وقلقاً على “النهار”!

وذات يوم وصلت إلى المقهى وكان جالساً محمود درويش والناشر رياض نجيب الريّس. كنت أعرف الريّس فسلمت عليهما وجلست إلى طاولة مجاورة بانتظار صديق. قال درويش واقفاً ليصافح رجلاً يعرفه جيداً وهرع لمعانقته حين رآه : “جميلٌ هذا المكان. نجلس في ظل نصب بشير الجميّل. من كان ليقول؟ تعرف، لم يعد لديّ في داخلي شيء ضده”. كان ذلك في 2007 على الأرجح. سنة قبل رحيل درويش إثر جراحة في الولايات المتحدة.

وقبل أشهر توقف فجأة أمام التشايز الوزير السابق ميشال سماحة، كان يحمل حقيبة جلدية تشبه بيت مسدس كبير، وخلفه رجل يبدو كرجل أمن بثياب مدنية. وكان خرج من السجن بعدما أمضى فيه 10 سنوات من 2012 إلى 2022 . اكتشاف دوره في تفجيرات طرابلس أودى بوسام الحسن في 19 تشرين الأول 2012 داخل “مثلث الاغتيال” الذي رسمه سمير قصير، على بعد عشرات الأمتار فقط من ساحة ساسين. وكانت الاغتيالات توقفت بناءً على تعهّد من المعنيّين بها في “مؤتمر الدوحة” بعد 7 أيار 2008. وخُرق التعهد مرة ثانية باغتيال محمد شطح في 27 كانون الأول 2013، ولقمان سليم في 3 شباط 2021.0
وكان احتضار التشايز طويلاً . في 2014 اشترى استثماره نائب عوني آنذاك عن كسروان شغله الأساسي الكسارات، واشترى معه 13 مطعماً في بيروت والمتن وكسروان وجبيل وطرابلس وأقفلها كلها. لكن لماذا يشتري رجل أعمال 13 مؤسسة ويقفلها؟

الموظفون الذين كانوا يدخلون كراسي الترّاس إلى المطعم أخبروني أن التشايز سوف يعود بعد شهرين ثلاثة بإدارة مستثمرين جدد. إذاً ليس وداعاً بل إلى لقاء. 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 16.05.2024

“مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع "مفاتيح دبي" بالتعاون مع مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد" OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.