fbpx

الأردن:  قانون الجرائم الإلكترونيّة… مخاوف من انتقال  الـ “فضفضة” إلى معارضة الخارج 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يرى منتقدو القانون أنه جاء، بتعابيره الملتبسة، ليحصّن السلطتين التنفيذية والتشريعية بالمطلق بعد عام ونصف العام على تمرير وجبة ثالثة من تعديلات دستورية كدّست الصلاحيات في يد رأس الدولة المعفي من التبعة دستورياً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

رغم الاحتجاجات الداخلية وانتقادات خارجية وازنة، أقرّ الأردن قانون جرائم إلكترونية متشدّداً بغرامات تفوق تلك التي تُفرض على جرائم الإتجار بالمخدرات والبشر، مقترنة بحبس أثناء المحاكمة.

مرّ هذا القانون المعدّل لقانون قاسٍ آخر صدر عام 2015 “بصفة الاستعجال” عبر مراحله الدستورية، من مجلس النواب (المنتخب) والأعيان (مجلس الملك) قبل مهره بإرادة ملكية. 

يأتي ذلك قبل عام على انتخابات برلمانية “حزبية” ووسط جدال واسع بين حق الإعلام والمنصّات الرقمية في النقد وكشف قضايا فساد وبين محاولات تحصين جميع أطراف السلطة ضد ما يعتبرونه ممارسات “اغتيال الشخصية” و “الذم والقدح”. 

يرى منتقدو القانون أنه جاء، بتعابيره الملتبسة، ليحصّن السلطتين التنفيذية والتشريعية بالمطلق بعد عام ونصف العام على تمرير وجبة ثالثة من تعديلات دستورية كدّست الصلاحيات في يد رأس الدولة المعفي من التبعة دستورياً. وهكذا يغدو “السيستم” ورموزه خطاً أحمر، وفي حراسة دائمة من نقد المواطنين ومساءلتهم، بحسب وصف الكاتب باسل الرفايعة. 

يؤكد الرفايعة أن القانون معجون بتعابير فضفاضة قد تسمح باستغلالها لملاحقة وإدانة الناشطين والصحافيين ومطلق كل رأي آخر. كما ينبّه إلى احتمالات ترحيل “فضفضة” جيش المقهورين، من المنابر الإعلامية والصفحات الشخصية إلى صناديق رسائل معارضين وناشطين في الخارج، لن تطاولهم يد القانون بحال من الأحوال. كما ستدفع الشعب الى خلق “لغة مضادة” قوامها الرموز والأسماء المستعارة، وفق تعبيره، خصوصاً “بحارة” الفضاء الرقمي.

رغم الاحتجاجات الداخلية وانتقادات خارجية وازنة، أقرّ الأردن قانون جرائم إلكترونية متشدّداً بغرامات تفوق تلك التي تُفرض على جرائم الإتجار بالمخدرات والبشر، مقترنة بحبس أثناء المحاكمة.

تبادل أدوار غرفتي التشريع 

لم يكن مفاجئاً العبور السلس للقانون من بوابة برلمان نجح أعضاؤه بتصويت 1.3 مليون أردني من بين 4.6 مليون يحق لهم التصويت، وبنسبة لم تتخطّ حاجز الـ 30 في المئة. 

لكن المفاجأة كانت بارتفاع سقف النقاش في مجلس الأعيان – الغرفة التشريعية الثانية بعد مجلس النواب- وانحياز ثلة من أعضائه الى صوت الناس، قبل أن يعيد القانون للنواب بعد تعديل ثلاث من مواده، بمنحها خيار الغرامة والحبس للقضاء أو بكلتا العقوبتين، وخفض غراماته المالية على جرم اغتيال الشخصية من 50 ألف دينار (70 ألف دولار) إلى 20 ألف دينار (29 ألف دولار) في حدها الأعلى، في بلد لا يتخطّى فيه الحد الأدنى للدخل الفردي 260 ديناراً  (350 دولاراً أميركياً شهرياً). 

فاتّحاد تسعة أعضاء بارزين في مجلس “الملك” في موقفهم ضد تشديد القانون، كان برأي رجل دولة من وزن الدكتور مروان المعشر، وزير الخارجية الأسبق، تطوراً غير مسبوق في تاريخ المملكة. وتمنّى المعشر في حواره مع “درج” لو أن الحكومة تريثت في صياغته وأعادت فتح الحوار حوله، لتعديله بما يخدم أهدافها منه من دون أن تقع في شبهة التعرض للحريات المكفولة بالدستور.

ثلاثة أعضاء من التسعة آثروا ألا يزيدوا لـ “درج” حول رأيهم في القانون وتبعاته بعد دخوله حيز التنفيذ، مكتفين بما قالوه تحت قبة البرلمان، باستثناء الدكتور مصطفى الحمارنة، الذي رأى – خلال اتصال قصير معه قبل توشيح القانون بالإرادة الملكية – أنه “ضم ثغرات كبيرة كان يمكن معالجتها (إلا) بحوارٍ عميق يستَمزج مقترحات وبدائل مؤسسات المجتمع المدني” – التي انضمت إلى المروحة المعترضة على القانون – لتحقيق غاية ضبط الفضاء العام من دون المساس بالحريات العامة وتأزيم الأوضاع. فالديمقراطيّات تستند إلى توافقات تؤسس لحال من الاستقرار السياسي، وهذا لم يحصل أثناء تمرير القانون، بحسب شرح د. الحمارنة لـ “درج”.

عصا استباقيّة في قضايا معارضين 

رحلة دسترة القانون بين غرفتي التشريع، تزامنت مع سجال حاد خاضه مؤيدوه والمعترضون عليه. تداخل السجال مع حملة إلكترونية تتضامن مع الكاتب الساخر أحمد حسن الزعبي، بعد قرار قضائي بحبسه سنة على خلفية منشور “فيسبوكي”، وتندد باعتقال كل من عضو حزب الشراكة والإنقاذ خالد المجالي والدكتور الأكاديمي إبراهيم المنسي. 

بالتوازي، واجه الكاتب الصحافي عمر كلّاب ومؤسِّسة “أريج” للصحافة الاستقصائية الصحافية رنا الصباغ، هجومين منفصلين ومختلفين، من حيث الدوافع وردّة الفعل تجاهَهما. 

ففي حوار متلفز، تطرّق الكاتب كلّاب الى ذكر رمزين إسلاميين ينتَميان الى عشيرَتين، وهو ما أزعج أبنائَهما – رغم تأكيده أنه لم يقصد الإساءة. ولوّحت العشيرتان بمقاضاته، فانبرى ثلة من الكتاب والصحافيين لـ “تهدئة النفوس” والدفاع عن حق زميلهم في التعبير، قبل أن يطوى الخلاف بجاهة عشائرية واعتذار كلاّب. 

في المقابل، تعرضت الصحافية الصباغ لاتهامات غير مسبوقة على خلفية تقرير صحافي، سردت فيه تفاصيل غير معلنة عن لقاء وزير الخارجية أيمن الصفدي بسُفراء أجانب أظهروا قلقهم حيال القانون. باستثناء الصحافي ماجد القرعان، لم يكتب أحد من الزملاء حرفاً للدفاع عن حقّها في التعبير.

وعشية مصادقة الملك على القانون، تحوّل السجال الرقمي حولَه إلى حالة استقواء وشماتة أظهرتها بعض التعليقات المؤيدة للقانون ضد معارضيه.

الرواية الرسمية ظلّت تحوم في سياق تبريرها القانون، حول أهداف حماية ثلاثية “العرش والجيش والشعب” ومسار الإصلاح السياسي والاقتصادي في البلاد. وهذه أسباب غير جوهرية بحسب آراء استمتع إليها “درج”.

وذلك لأن لثنائية العرش والجيش في قلوب الأردنيين، مكانة رمزية يتحاشَون مسّها برقابة ذاتية منهم لارتباط هاتين المؤسستين بـ “هيبة الدولة وأمنها”.

تآكل المنطقة العازلة 

حتى بعد إقرار تعديلات دستورية قلّصت مسافة الأمان العازلة بين القصر والناس، ظل صدى نقدهم يرتد ضمن حدود المساحة الفاصلة بين الدوار الرابع والعبدلي. لكنهم استثمروا بذكاء، المسافة الجديدة التي تفصلهم عن الملك، للتواصل معه مباشرة عبر منصات رقمية، تحولت اليوم إلى مشاريع أفخاخ على شكل ديون وسجون. فصاروا يسألونه ويشكون إليه ويطلبون منه ويقترحون عليه من دون وسطاء مرتجفين.

كذلك، مثّل استجرار الحكومة مسألة حماية مسار الإصلاح كذريعة لتمرير القانون، ضربة أخرى لمحاولات “تصفية النيّات” حول دوافع إقراره.

فالقانون برأي د. مروان المعشر، يلقي بظلال كثيفة من الشك حيال عملية تحديث سياسي يفترض أن يَنفتح أمامها ولأجلها الفضاء العام، بما يخدم توجهات الدولة الأردنية نحو التحديث السياسي.

بعد العبور الآمن للربيع العربي بنسخته الأردنية، رسم الملك ملامح رؤيته للمستقبل السياسي، وحدّد مهمات كل سلطة في سبع أوراق نقاشية. سأل باستِهلالها “كيف نتأكد أننا على الطريق الصحيح؟”، وأتبعه بالإجابة: “سنتمكن خلال السنوات التي تلي الانتخابات المقبلة – انتخابات 2013-  من التأكد أننا نسير على الطريق الصحيح، طالما التزمنا بالمبادئ الديمقراطية وتحسين ممارستها”.

تعاقبت السنوات وتآكلَت على نحو سريع الولاية العامة للحكومات. تراجع مجلس النواب عن دوره التشريعي والرقابي و “صغّر أكتافه” فأصبح أعضاؤه في غالبيتهم نواب خدمات و”أرقاماً” ترجّح كفة التصويت على القرارات والقوانين لمصلحة توجهات مرجعيات سيادية باستثناء ثلّة جسورة تواجه المخرز.

تناسلت نسب الفقر والبطالة، وصارت جيوب الناس قِبلة عقل الدولة الاقتصادي. أُضعفت النقابات وتهاوى سقف الإعلام والحريات. فحجّ الشعب إلى “مناجِق” تواصل اجتماعي تنفث كل ما يخطر على البال.

“ممارسات الذم والقدح والتشويه واغتيال الشخصيات في العالم الواقعي يسمعها عدد محدود، أما في الفضاء الافتراضي فيشاهدها مليون، و”غوغل” لا يفقد الذاكرة”. من هنا جاءت الحاجة إلى قانون للجرائم الإلكترونية، رغم وجود قانونيّ العقوبات والمطبوعات والنشر، يقول الوزير الأسبق والخبير القانوني د. نوفان العجارمة لـ”درج” في سياق تأكيده أهمية القانون.

لا إصلاح من دون كلفة

لكن على الضفة المقابلة لهذه الممارسات، شكل الفضاء الرقمي رافعة لصوت غالبية مهمشة. فئة تدفع الضرائب والرسوم مقابل خدمات عامة متردّية أو خاصة مدفوعة وتشاهد على الشاشات ترف طبقة السلطة في بلاد لامست مديونيتها حاجز الـ 40 مليون دينار.

خلف هذا المشهد، تتسع فجوة الثقة بين السلطة والناس، وتعمّق الشعور بالظلم وضعف العدالة. فلا خطاب رسمي متماسك ومقنع ولا تقدم اقتصادي يلوح في الأفق فيما يتواصل تضييق الخناق على الحريات.

أمام هذا الاستعصاء، على الدولة إدراك أن الإصلاحات الحقيقية تقابلها كلف عالية، لا تزال عمّان غير مستعدة لدفعها، بحسب الكاتب والمحلل السياسي باسل الرفايعة.

وبرأي الرفايعة المقيم في الخارج، فإن للإصلاح في عقل السلطات مفهوماً “مشوهاً” لأنها لا ترى أن الحقوق أساس علاقتها بالشعب، ولا تنظر الى الدستور باعتباره عقداً اجتماعياً حاسماً في علاقتها به. كما تتصرف بعيداً من مبدأ فصل السلطات، بفهم “مشوش” لأنها تسير في اتجاهين متضادين. تبدأ عدها العكسي لانطلاق ماراثونية صوب الحياة الحزبية، وقبل بدء السباق تطلق النار على قدميها بسنّ سلسلة قوانين متشدّدة، وفق وصفه.

ومن لطف الله أن الأقدار غالباً ما تمنح من أصيبوا في أقدامهم فرصة جديدة للوقوف مرة أخرى، بشكل أفضل وأقوى.

ذلك أن الملك، وفي سياق احتواء بوادر احتقان شعبي متداخل مع قلق دولي وأممي، قرّر وضع القانون على “رادار” التطبيق لإعادة النظر فيه ومراجعة بنوده إذا استدعت الحاجة، إلى جانب توجيهه الحكومة بترميم نسيج الثقة المتهلهل بين السلطة والشارع عبر مراجعة قانون حق الحصول على المعلومة، بعد عشر سنوات على تعطيله.

يبقى من المهم والواجب وسط هذه المشاهد، الإشارة الى ملاحظة ذكية في مضمونها وتوقيتها وبكونها صالحة في كل وقت، نبه إليها قائد الجيش السابق الفريق المتقاعد محمود فريحات، عندما ذكّر الجميع بأن لا ملاذ لنا إلا هذا البلد الآمن وسط محيط ملتهب مذ هبّت عليه رياح “الخريف العربي”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.