fbpx

الطفلة اليمنيّة “علا”… مأساة العنف الأسري

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

إضافة إلى الحبس في حمام المنزل المظلم، وصل الإجرام، على حد قولها، إلى إجبار الأطفال على النوم في صالة المنزل في أشد أيام البرد من دون غطاء يقيهم قرصات البرد بعد نزع ملابسهم من أجسادهم النحيلة، حتى إنّ الأب قام بزرع مسمار حديدي في قدم الطفلة عُلا.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

في ذهن الأطفال أنّ المنزل هو المكان الآمن، والأسرة هي حصنهم الحصين؛ إلا أنّ ذلك لم يكن حال الطفلة عُلا عبده محمد ثابت، المنحدرة من مديرية عُتمة، محافظة ذمار (جنوب العاصمة صنعاء)، ذات العشر سنوات، التي ملأت قصتها كل اليمن بعد ظهورها في مقطع فيديو تستغيث العالم إنقاذها.

فقد طاولها الأذى من مأمنها، بعد تعرضها لما يمكن وصفه ببطش أبيها وزوجته، وتعنيف زوجها، إذ كان لها مع إخوتها الثلاثة: علاء (خمس سنوات)، وعادل (عام ونصف)، إضافة إلى طفلة حديثة الولادة غادرت الحياة بعد شهرٍ ونصف الشهر من ولادتها بعد وفاة والدتها في العام 2016؛ نتيجة عسر في الولادة- تعريف آخر للأسرة، فالمنزل هو السجن الكبير، والأب مع زوجته هما الجلاد.

تتحدث عمة الأطفال (خ.غ) التي تعد شاهدة عيان على تفاصيل تعنيف الأطفال بعد وفاة والدتهم لـ”خيوط”، إن الأطفال تعرضوا للتعذيب المستمر من والدهم وزوجته؛ ورغم محاولاتها الكثيرة منع ذلك، كانت هي أيضاً تتعرض للضرب بسبب موقفها المعارض. 

وتؤكد أنّ الأب وزوجته استخدما في تعذيب الطفلة وإخوتها أنواعاً مختلفة من الآلام، مثل: الكي بالنار، الضرب بأسلاك الكهرباء، العصي الخشبية والحديدية، الشد بأسفل أقدامهم إلى سطح المنزل، و”السلط” بالماء الساخن.

إضافة إلى الحبس في حمام المنزل المظلم، وصل الإجرام، على حد قولها، إلى إجبار الأطفال على النوم في صالة المنزل في أشد أيام البرد من دون غطاء يقيهم قرصات البرد بعد نزع ملابسهم من أجسادهم النحيلة، حتى إنّ الأب قام بزرع مسمار حديدي في قدم الطفلة عُلا.

حصلت “خيوط” على نسخة من التقرير الطبي الخاص بالطفلة عُلا، الصادر من مستشفى الثلايا العام بمنطقة الجبين مركز محافظة ريمة (غرب اليمن)، والذي يكشف عن تعرّض الطفلة لفقدان البصر في العين اليسرى، وكسور في المرفق الأيسر، وندبات سكين في الكف الأيسر، بالإضافة إلى (131) ندبة في أماكن مختلفة من جسدها، مع التصاق في الجهاز التناسلي، وتوسع فتحة الشرج عن الفتحة الطبيعية مع وجود تشققات في الفتحة، موضحاً أن سبب كل الندبات ناتج من حروق.

وقد ظهرت الطفلة عُلا للمرة الأولى عبر فيديو مصوّر تناقله ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث فيه مُطأطئة الرأس، يملؤها القهر، مكابرة على ألمها، تفضحها كلماتها، تقول: “كانت عمتي تقوم بتسخين السكين على النار وتحرق كفيَّ ومناطق متفرقة من جسمي، كما تقوم بضربي في رأسي وتعض أذني”.

وأظهر التصوير وجود آثار كدمات وضربات على رأس الطفلة، متهمة والدها بضربها عرض الحائط برأسها؛ لأسباب تعود الى عدم قدرتها على ممارسة الأعمال الشاقة بناء على أمر زوجة أبيها.

“كانت عمتي تقوم بتسخين السكين على النار وتحرق كفيَّ ومناطق متفرقة من جسمي، كما تقوم بضربي في رأسي وتعض أذني”.

مصير مجهول 

“الأيادي الآمنة” في أسرة عُلا لم تكتفِ بممارسة العنف بحق صغارها، بل قامت أيضاً بإخفاء جزءٍ من عصافيرها الصغيرة عن أنظار المجتمع، فالطفلان عَلاء الذي يبلغ اليوم 13 عاماً، وعادل ذو العشرة أعوام، مصيرهما مجهول. 

تقول عمة الأطفال التي تمكّنت “خيوط”، عبر معد التحقيق من الوصول إليها؛ كونها شاهداً مباشراً على جرائم تعذيب الأطفال، والتي تختفي عن الأنظار خوفاً من أخيها وزوجها الذي أجبرت على الزواج به وفق قولها، إنّ عَلاء وعادل كانا يلاقيان مصيراً مشابهاً لمصير عُلا في التعذيب الذي يرقى إلى الشروع بالقتل، من قبل الأب وزوجته. 

عادت الطفلة عُلا إلى قرية بني العامري، ولكنها أصبحت زوجةً للمدعو محمد عبدالجليل العامري، وفيما فتيات العالم يتجهن كل صبيحة إلى فصول الدراسة، كانت عُلا تغادر عشها كعصفورة مخذولة الأسرة، إلى فصول من المعاناة في منزل زواجها المبكر الذي لا يقوى عليه جسدها الذاوي.

تؤكد العمة (خ. غ) لـ”خيوط”، أنها شاهدت عادل للمرة الأخيرة مقيدًا بسلسة حديدية في بدروم المنزل، على خلفية رفع شكوى بأبيه وزوجته في قسم شرطة في شعوب بأمانة العاصمة صنعاء، حيث تسكن الأسرة، وعلى خلفية الشكوى استدعيا الأب وزوجته إلا أنهما أنكرا مضمون الشكوى، ولعدم توافر الأدلة الكافية تم الإفراج عنهم. 

في هذا التحقيق، حاولنا التواصل مع إدارة قسم شرطة منطقة شعوب في صنعاء، حول قضية الطفل عادل، إلّا أننا لم نتلقَّ أي إجابات عن أسئلتنا حتى تاريخ نشر هذا التحقيق. 

بالنسبة الى عَلاء، توضح العمة عدم معرفة مكانه، إذ تقول: “عندما سألت عنه قِيل إنّه قُتِل في الحرب، وهو ما أكّدته الطفلة عُلا في حديثها لـ”خيوط”، إذ قالت إنها شاهدت أخويها للمرة الأخيرة قبل عامين، قبل أن يسلمها والدها لزوج عمتها الكبرى المدعو عبدالغني العامري، ولا تعلم مصيرهما حتى الآن.

يرفض الأب الإفصاح عن مكان طفليه، فيما تتضارب آراء من استطعنا الوصول إليهم للحديث عن مصير الطفلين، فمنهم من يتهم الأب بقتلهما، وآخر يقول إنه يخفيهما في مكان مجهول، فيما لا تزال نيابة شمال صنعاء تجمع الأوليات حتى تشرع في محاكمة المتهمين في قضية الطفلة عُلا.

بعد رفض والد الأطفال الإفصاح عن مصيرهم، أطلق ميثاق الحيدري (وهو الشخص المعني بالطفلة بعدما تسلمها بوكالة من محكمة الجبين، ونقلها إلى منزله في صنعاء لاستكمال المحاكمة) مناشدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن الأطفال المفقودين، متوعداً بمكافأة مالية لمن يدلي له بتفاصيل قد توصله إليهم.

موقف القانون 

تشرح الناشطة الحقوقية صفاء مراد لـ”خيوط”، أنّ موقف القانون سلبيّ للغاية تجاه العنف ضد الأبناء. فقد أتاح للآباء ممارسة الاعتداء الجسدي والنفسي بحجة التأديب، وما نصت عليه المادة 146 من قانون الطفل اليمني، في إحدى فقراتها متناقضٌ بين الحماية والأذى.

بحسب القانون الذي عاينته “خيوط”، فإنّ على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والمجلس الأعلى للطفولة، حماية الأطفال من سوء المعاملة وتعرضهم للتعذيب البدني والنفسي، وتقديم من يعرضون الطفل لمثل هذه الأعمال إلى القضاء، مع مراعاة الحق الشرعي والقانوني للأبوين في تأديب أبنائهم.

فيما تنص المادة 144 من القانون على أن تتخذ الدولة الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معانـاة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، كأطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغلين اجتماعيّاً.

تؤكّد مراد أنّ ضعف القانون اليمني “لم يقف عند التعنيف والأذى الجسدي والنفسي، بل بلغ حد التساهل مع مرتكبي جريمة القتل، إذ إنّ المادة 233 والمادة 59 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، اعتبرت الأبناء فروعاً. وفي حال تم قتلهم من قبل آبائهم، فإنه لا يصلح القصاص من الآباء؛ لكونهم الأصل، وجعلت الدية والحبس لثلاث سنوات هما المقابل، محذرة من توريث العنف للأطفال، والذي سيكون وسيلتهم عندما يؤسسون حياتهم الخاصة في المستقبل.

طفولة مسلوبة 

في شهر حزيران/ يونيو 2022، كانت عُلا على موعد مع رحلة أخرى من التعذيب، عندما غادرت منزل والدها الواقع في منطقة شعوب بالعاصمة صنعاء، برفقة المدعو عبدالغني حسين العامري الذي أسكنها منزله الواقع بمنطقة بني عامر- مديرية مزهر، بمحافظة ريمة (غرب اليمن)، وهو على صلة قرابة كونه متزوجاً أخت والدها.

تقول عُلا ذات العشر سنوات، بعدما أصبحت في منزل زوج عمتها، لـ”خيوط”: “لقد كنتُ في منزل والدي الطفلةَ “النجسة”، وفي منزل زوج عمتي الطفلة “الجارية”، أجلب الماء من بئر القرية، وأنام في سطح المنزل أتجرع ويلات البرد القارس، ولسعات البعوض، وأستمع الى الكلمات النابية، وأتحمل الأعمال الشاقة رغم صغر سني”. 

تتابع الطفلة بملامح ذابلة، وعيون تسكب الدمع، ونبرات صوتٍ متقطعة يعلوها الخوف: “في منزل زوج عمتي تعرضت للضرب، بكل أنواع الأدوات الخشبية والحديدية، والكي بالنار، والتعمد في معاملتي معاملة مفزعة، حتى إن عمي وصل به التوحش في تعذيبي إلى محاولة إغراقي في بركة القرية للتخلص مني، وتؤكد أنّ هذه الأنواع من التعذيب لا تختلف عما تعرضت له في منزل والدها. 

“لا أستطيع إكمال المقابلة”؛ بنفس متقطع تقولها عُلا، بعد مرور أكثر من شهر على هروبها من منزل زوجها، لتعاود الحديث بعد لحظات من الصمت: “ربما نكمل المقابلة غداً لأني أشعر بالتعب؛ أشعر أن كل الآلام عادت إلي”.

من العذاب إلى الزواج 

عندما شعر المدعو عبد الغني العامري بكشف أمره، وتعرضه للمساءلة القانونية، مع تزايد لوم المجتمع على معاملته للطفلة، غادر منزله في ريمة في 2 أيلول/ سبتمبر 2022، برفقة ابن عمه محمد عبدالجليل العامري ومعهم الطفلة عُلا نحو صنعاء، وما هي إلا أيام قليلة حتى عاد عبد الغني العامري من صنعاء، براية الانتصار، حسب ظنه، وقد أصبحت الطفلة زوجة ابن عمه الخمسيني (محمد العامري)، حسب ما ذكره (س.ك) لـ”خيوط”، وهو أحد أبناء منطقة بني العامري الواقعة في محافظة ريمة غرب اليمن. 

في هذا الصدد، يتحدث محمد إسماعيل الأبارة لـ”خيوط”، وهو أحد المتطوعين في متابعة قضية عُلا في المحكمة، لقد عُقد قِران الطفلة ذات العشر سنوات في صنعاء برجلٍ يكبرها بنحو 37 عاماً، بمبلغ من المال لا يتجاوز 200 ألف ريال يمني (385 دولاراً أميركيّاً بسعر الصرف في صنعاء- نحو 170 دولاراً في عدن) على شريطة تقاسم المبلغ بين والد الطفلة، وعمها (زوج عمتها) المدعو (عبدالغني العامري) بالتساوي.

وبحضور شاهدَي زور، في مجلس أمينٍ غير شرعي يدعى أكرم حمود علي الذروان، والذي سعى -والحديث للأبارة- الى التحايل بعمر الطفلة ليحرر عمرها (19) عاماً في وثيقة العقد، وتملص من تعميد الوثيقة في المحكمة المختصة خشية كشف سر جرمه.

توظيف الدين

يُذكر أنه في العام 2010، أثارت ظاهرة زواج القاصرات في اليمن جدلاً في الأوساط الشعبية، وفي البرلمان اليمني، بين مؤيد ومعارض؛ إذ انبرى بعض أعضاء مجلس النواب للمطالبة بإقرار قانون يحدد سنّ الزواج بثمانية عشر عاماً، مقابل رأي آخر يعدّ القانون في حال إقراره “مخالفةً “للشريعة الإسلامية” وتعدياً على حريات الناس. 

فيما لم يحدد قانون الأحوال الشخصية المعدّل لدولة الوحدة في العام 1999 سِنَّ الزواج، رغم تحديد قانون الأحوال الشخصية في جنوب اليمن قبل وحدة الشطرين (أيار/ مايو 1990) سن الزواج بستة عشر عاماً، وفي شمال البلاد بخمسة عشر عاماً.

الهروب وسيلة النجاة 

عادت الطفلة عُلا إلى قرية بني العامري، لكنها أصبحت زوجةً للمدعو محمد عبدالجليل العامري. وفيما فتيات العالم يتجهن كل صبيحة إلى فصول الدراسة، كانت عُلا تغادر عشها كعصفورة مخذولة الأسرة، إلى فصول من المعاناة في منزل زواجها المبكر الذي لا يقوى عليه جسدها الذاوي، هرباً من رمضاء العذاب، إلى نار المسؤولية المبكرة، وجحيم من المعاناة مع زوجها، تصارع ويلات الظلم، وتقاوم تهديدات زوجها لها بالقتل باستمرار، على حد قولها. 

تسعة أشهر كاملة حبست الطفلة عُلا معاناتها مع زوجها، حتى أرشدتها الزوجة الأولى لزوجها (محمد عبدالجيل العامري) الى الهروب من المنزل والنجاة بما تبقى لديها من قوة شبه معدومة، وبمساعدة رجلٍ من القرية وزوجته -اللذين استطعنا في هذا التحقيق الوصول إليهما إلا أنهما يرفضان ذكر اسميهما- أوصلا الطفلة إلى منزل الحاج أحمد سعد حسين العقيلي، أحد أبناء القرية المجاورة لقرية الزوج (بني العامري).

يقول العقيلي لـ”خيوط”: “طرقت الطفلة بابي في ساعة متأخرة من الليل تستغيث العون، وتطلب الحماية، يظهر على جسدها الكثير من آثار الحروق والكدمات، وتقول إن والدها وزوجها بالإضافة إلى زوج عمتها قد أمعنوا في تعذيبها”. 

يتابع: “أبلغت جهات الاختصاص حينها لتوفير الحماية لطفلة هاربة من منزل زوجها، وعذاب أسرتها، والتي باشرت بالتحفظ على الطفلة، والبت في القضية في نيابة الجبين مركز المحافظة”.

الجناة في قبضة العدالة

يقول المحامي وضاح قطيش، المتطوع في متابعة قضية الطفلة عُلا، لـ”خيوط”، إنّ الأب والزوج، مع أحد شاهدي عقد الزواج، تم ضبطهم، وإيداعهم سجن البحث الجنائي في الجبين، ليتم إرسالهم بعد أسبوع من التحقيق إلى نيابة الجبين والتحقيق معهم تمهيداً لمحاكمتهم، مؤكداً صدور أوامر قهرية بحق زوجة الأب، وزوج عمة الطفلة، والأمين الشرعي، والشاهد الآخر.

انعزال القرى الريفية عن وسائل الإعلام وغياب الوعي المجتمعي بالقانون وتشتت الخطاب الديني في المناطق الريفية، جعلها بيئة خصبة لزواج القاصرات وتعدد حالات العنف الأسري تجاه الأطفال.

يتابع قطيش: “طالبت بنقل القضية إلى العاصمة صنعاء لاستكمال محاكمة الجناة”، مؤكداً صدور قرار من رئيس محكمة الاستئناف بمحافظة ريمة بنقل القضية إلى نيابة شمال الأمانة، كون الاعتداء الأكبر الذي حصل للطفلة كان في صنعاء من قبل أبيها وزوجته وآخرين، وهنا يكون الاختصاص المكاني.

وتقدر منظمة اليونيسف أنّ أكثر من 4 ملايين طفل من جميع فئات المجتمع تزوجوا قسراً في اليمن عام 2021. وتصف اليونيسف أي زواج قبل عمر الـ18 عاماً بأنه انتهاك لحقوق الإنسان.

ضحية أخرى في المنزل

في هذه العائلة، قصص أخرى من الألم تحيط بجميع أفراد العائلة، فعمة الأطفال (خ.غ)، أخت والدهم، هي الضحية الأخرى في الأسرة، والتي لاقت مصيراً مشابهاً لمصير الأطفال بسبب موقفها المدافع عن الأطفال، وهو ما دفع بأخيها الى تزويجها بالمدعو (ب. م)، المنحدر من محافظة الحديدة (غرب اليمن)، الذي جاء عن طريق زوج أختها الكبرى المدعو عبدالغني العامري.

تتابع (خ.غ) حديثها لـ”خيوط”: “لم تكن حياتي الزوجية مختلفة عن حياتي في منزل أخي، فقد أصبح زوجي شريكاً في تعذيبي وضربي، بإشراف ومشاركة زوج أختي الكبرى عبدالغني العامري”.

وقد تعرضت عمة الأطفال (خ.غ) للضرب والتعذيب الشديدين من قبل العدوان الثلاثي كما تصفه، باستخدام وسائل مختلفة من الآلات الصلبة، ما تسبب لها بكسر في العمود الفقري، وشج في الجهة اليسرى من الرأس، وبعض المضاعفات الأخرى، ما دفعها إلى الهروب والاختفاء عن الأنظار في منطقة بأمانة العاصمة، متخوفة من أن تطاولها “الأيادي الآمنة”، فتقتلها أو يسومونها سوء العذاب؛ على حد تعبيرها. 

وورد في تقرير صادر عن اتحاد المرأة اليمنية، ومقره صنعاء، اطلعت عليه “خيوط”، أنه يتلقى نحو 60 مكالمة في الشهر بخصوص الأزواج المسيئين، في حين تؤكد الأمم المتحدة أنّ النساء في اليمن يتعرضن لتمييز شديد في القانون والممارسة، إذ لا يمكنهن الزواج من دون إذن ولي أمر ذكر، ولا يتمتعن بحقوق متساوية في الطلاق، أو الميراث، أو حضانة الأطفال، وشددت على أن انعدام الحماية القانونية يُعرض النساء للعنف المنزلي والجنسي.

بيئة خصبة لزواج القاصرات 

يؤكد الناشط الحقوقي كمال الشاوش، لـ”خيوط”، أن انعزال القرى الريفية عن وسائل الإعلام، وغياب الوعي المجتمعي بالقانون، وتشتت الخطاب الديني في المناطق الريفية، ذلك كله جعلها بيئة خصبة لزواج القاصرات وتعدد حالات العنف الأسري تجاه الأطفال. 

ويرى الشاوش أن تفعيل أنشطة إدارة الحالة للفتيات والأطفال والمرأة في المناطق الريفية، وتفعيل شراكة مجتمعية مع الصحافيين والإعلاميين للتوصل مع المنظمات وحماية المجتمع، كون الصحافيين يستطيعون الوصول إلى هذه القضايا بسرعة أكبر، يساهم بشكلٍ كبير في حماية الأطفال والمرأة من ظاهرتَي العنف والزواج المبكر.

بحسب تقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإنّ الفقر وانعدام الأمن من الأسباب الجذرية لتزويج الأطفال والزواج المبكر والقسري، لا سيما في المناطق الريفية وأوساط المجتمعات المحلية الأشد فقراً.

مخادعة القانون 

على رغم وجود الكثير من الثغرات في قانون الأحوال الشخصية اليمني؛ التي تجيز في بعض الأحيان تزويج من هم دون سن الثامنة عشرة، فإن هناك موادّ قانونية، وتحديداً في الفقرة 5 من المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية، نصّت على منع الإكراه على الزواج من قبل الأهل، وعاقبت من يمارس ذلك بالسجن مدة ثلاث سنوات.

يذكر المستشار القانوني مروان قحطان، لـ”خيوط”، أنّ “حالات تزويج القاصرات تتم غالباً خارج المحاكم ولا تسجل في المحكمة، فالعوائل تتهرب من الآثار القانونية للزواج تحت عمر 18 عاماً، وتلجأ إلى تسجيل عقد الزواج خارج المحكمة”.

وعندما تبلغ الفتاة سن الزواج (18 عاماً)، يتم التسجيل في المحكمة، وهذا في حد ذاته عملية تحايل على القانون وفق حديث قحطان، فالأهل الذين يُكرهون بناتهم على الزواج يتهربون من العقاب، والذين هم دون السن القانونية، يتهربون أيضاً من عقوبات انتهاك قانون الأحوال الشخصية.