fbpx

رواية “فيكتوريا”… طبقات التمييز ضد فتاة قبطيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تبدو فيكتوريا كأنها تستشرف المستقبل وتصرف النظر عن ملاحم ميدان التحرير التي وقعت في ثورة يناير، التي ستنتهي لاحقاً بالفشل، وترى أن الحرية في مكان آخر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحكي الكاتبة كارولين كامل، في روايتها الأولى قصة “فكتوريا”، فتاة مسيحية، من دلتا مصر، من أسرة متوسطة أو تحت المتوسطة، تختبر مصاعب شخصية وعامة، تتعلق بفقدان الأم والتمييز الديني، والتحرش الجنسي.  تروي فيكتوريا التمييز المتغلغل في حياتها بخفة طفولية رغم الحزن الواضح.

إذا قسّمنا التمييز إلى دوائر، سنجد أن هناك أكثر من دائرة تمييز تتقاطع لتشكل هوية فيكتوريا، فهناك تمييز جنسي ضدها كفتاة ريفية تعيش في الأقاليم بعيداً عن القاهرة، في بلد شديد المركزية، حيث سكان القاهرة هم الأكثر حظاً، فكل فرص العمل والنشاطات الثقافية والفنية تقع حصراً في القاهرة، وتمييز ديني لأنها مسيحية، إذ تتّهمها زميلاتها  في المدرسة بعدم الاستحمام، على رغم قسمها لهن وهي تبكي بأنها تستحمّ مثلهن، في واحدة من الأساطير الغريبة المنتشرة عن المسيحيين في مصر.

لا أحد يعرف كيف بدأت هذه الأساطير، لكننا متأكدون من أن ما غذاها هي الخطابات الطائفية التي تجعل البعض يتحسسون من الأكل في بيوت المسيحيين، وتفرض سياجاً عليهم داخل المجتمع على رغم المبالغة الدائمة في إظهار عدم التمييز ضدهم.

يمكن النظر إلى قصة فكتوريا بعدسة  تقاطعية، بمعنى أن الفتاة القبطية تعاني من تمييز داخل تمييز، أو تمييز مُركب. والتقاطعية أو تقاطع أشكال التمييز، هي نظرية خرجت أساساً من النسويات السود في عام 1989 اللواتي شعرن أنهن غير ممثلات داخل النسوية البيضاء، فهن يعانين تمييزاً عرقياً، إلى جانب التمييز الجنسي، لكن النظرية أصبحت تُستخدم لتحليل أبعد من فكرة العرق، وهو تحليل تداخل الهويات مع الدين والطبقية والميول الجنسية وغيرها من أشكال التمييز. 

في طفولة فيكتوريا الوحيدة في مدرسة تابعة للجمعية الشرعية، كان ينفر منها زملاؤها، وكان الطلاب يرشقون الكنيسة في طريقهم إلى المدرسة قائلين: “الكنيسة ولعت والقسيس مات، يلا يا حبايب وزعوا الشربات”. وبينما يمضي زملاؤها/زميلاتها المسلمون/ات أياماً مبتهجين/ات في العيد، تحتفل هي لعدد من الساعات فقط قبل أن تعود إلى المدرسة. 

تعرضت فيكتوريا للاضطهاد قبل أن تعرف معنى كلمة اضطهاد، ستعرف الطفلة بعد ذلك من أبيها مُسمى ما تتعرض له، هذه الكلمة التي كانت تسمعها في الكنيسة عما تعرض له المسيحيون من الوثنيين، ولا تعلم أن المسلمين يفعلون الأمر ذاته.

 تسأل فيكتوريا أسئلة طفولية عن كل شيء، عن الموت، وتتعجب كيف نعرفه؟ وما الفرق بينه وبين النوم العادي، ولماذا لا تستمتع بأجازة العيد كاملة مثل المسلمين؟ ولماذا يجب أن تحب الله أكثر من أمها وأبيها على الرغم من أنه يعذب أمها بالمرض؟ وتخاف أن تتوه دعواتها مع دعوات العالم الذين يدعون المسيح. 

“آلمتني رؤية الخنازير وهي تعاني رهبة ما قبل موت مؤلم بطيء مهانة ومحاصرة في أجواء احتفالية وتكبيرات”.

تنشأ علاقة صداقة متينة بين القارئ/ة وبطلة الرواية، عندما نطّلع على خفايا الفتاة التي لم تخبر بها أحداً، فتقول إنها لا تحب الأكل الصيامي، وترتعب من رؤية “سنيّ” في الشارع يرتدي جلباباً قصيراً ويطلق لحيته، لأن أمها تخبرها بأن أمثاله يرشون المسيحيات بالكلور، وعن أبيها الذي يرى البابا شنودة والشعراوي وجهين لعملة واحدة. 

تدور الرواية حول فترة ما قبل ثورة كانون الثاني/ يناير، حيث الفواجع المستمرة التي شكلت ذاكرة الألم لدينا، هذه الحوادث التي حصدت حياة العشرات والمئات من المصريين، وتمر ذكراها كطيف غائم مثل حادث احتراق قطار الصعيد كلما استقل أحدنا القطار. وفي فترة ما قبل انحسار تيار الإسلام السياسي، كانت فاجعة أخرى ذات بعد طائفي، حين قررت الحكومة المصرية في عام 2009 إعدام قطعان الخنازير في مصر، بعد انتشار انفلونزا الخنازير، وذلك من دون ضرورة صحية، وكان معظم مربي الخنازير من المسيحيين، ومن المعروف أن الخنزير ليس الحيوان المفضّل للمسلمين، الأمر الذي اعتبره البعض شبه انتصار وتشفٍّ في المسيحيين. 

تقول فيكتوريا: “آلمتني رؤية الخنازير وهي تعاني رهبة ما قبل موت مؤلم بطيء مهانة ومحاصرة في أجواء احتفالية وتكبيرات”. بالإضافة الى حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، التي حدثت في ليلة عيد الميلاد، تلك الليلة التي بكت فيها فيكتوريا كما لم تبكِ من قبل.

على رغم اختلاف درجة التمييز، هناك ما يجمع فكتوريا مع كل الفتيات؛ عندما تحكي الفتاة عن أول مرة تأتيها الدورة الشهرية، والقلق والاضطراب اللذين أصيبت بهما، وإحساسها بالفزع من رؤية الدماء، وحينما تخبرها أمها بصرامة بأن شرف العائلة أصبح الآن بين فخذيها بينما هي ترتعد من التجربة التي تخوضها للمرة الأولى، وفي تلمّسها التجارب البسيطة مثل تهذيب حواجبها، أو نزع شعر جسدها. وكفتاة من الأقاليم تطلق على القاهرة اسم “مصر”، تذهب إلى تلك المدينة القاسية المزدحمة للدراسة، وتترك بلدتها الصغيرة وهي متشبّثة بذراع أبيها، لا تعرف ما الذي سينتظرها في هذه المدينة الطاحنة.

كان الخوف حاضراً على الدوام في خلفية المشهد في حياة فيكتوريا، خوف من فقدان أمها، وخوف تغذيه الأخيرة من خلال ترديد كلام أبيها المتذمر، الذي يخبرها بزيف التاريخ الذي تدرسه، فالفتح العربي ما هو إلا غزو، ومن حكاياته عن تغيّر مصر وعن السادات الذي فتح بلاعة الإسلاميين، وعن الوهابية وعن البلاد التي لا تعتبر الإجازة إلا يوماً واحداً هو يوم العيد.

يقول والد فيكتوريا في الرواية: “لكن كله شغل حتى حد الخوص وخميس العهد، حاجة تسد النفس”، الأب ذاته يخاف على زوجته وابنته من مجرد الخروج من المنزل بسبب حوادث القتل الطائفية. هذا الخوف العام والشخصي تستحضره فكتوريا وتستجمع قواها لتصرخ في وجه المكرسة المشرفة على سكن المغتربات في القاهرة، التي تمنعها من ارتداء ملابس مريحة في السكن ومن الضحك بصوت عالٍ، وهي التي خرجت للتو من الشرنقة الى سماء أوسع. 

تبدو فيكتوريا كأنها تستشرف المستقبل وتصرف النظر عن ملاحم ميدان التحرير التي وقعت في ثورة يناير، التي ستنتهي لاحقاً بالفشل، وترى أن الحرية في مكان آخر.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.