fbpx

زيادة أسعار السجائر في مصر… التضخّم يهدّد “اقتصاد المساجين”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“السجائر مهمة جداً، هي العملة الرسمية داخل السجن، كل شيء يعتمد عليها، فالشراء من مقصف العنبر يتم  بالسجائر، كذلك شراء مستلزمات العناية الشخصية، فكل ما يحتاجه ابني في السجن يعتمد على السجائر التي يجمعها المساجين في العنبر لـ “النبطشي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

استطاعت مايسة الصاوي اقتناص 4 كرتونات من السجائر بسعر 550 جنيهاً للواحدة، قبل الذهاب إلي سجن وادي النطرون حيث يقضي ابنها عقوبة جنائية بالسجن 15 عاماً.

قبل أسبوع واحد من رحلة  مايسة، استمعت بالمصادفة إلى تصريحات  هاني أمان، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة الشرقية للدخان، الذي أعلن عن انفراجة قريبة لأزمة السجائر بعدما وصل سعر العلبة آنذاك إلى 40 جنيها مصرياً، على رغم أن سعرها الرسمي هو 24 جنيهاً فقط.

توقعت قبل رحلتها أن يكون سعر علبة السجائر قد انخفض، ولو بشكل بسيط، لكنها صُدمت حين اكتشفت أن سعر العلبة الواحدة وصل إلى 60 جنيهاً، بينما يتراوح  سعر الكرتونة (10 علب) بين 550 و585 جنيهاً لدى تجار الجملة.

تستغرب مايسة حين تجلس بين نساء يتحدثن عن أزمة السجائر كأنها أزمة غير مهمة، وعلى المدخن أن يتحمل ضريبة إدمان التدخين، فيما تعتمد حياة ابنها بالكامل على مقدار السجائر التي تستطيع الحصول عليها وتمريرها له الى داخل السجن، باعتبارها العملة الرسمية لكل شيء.

تقول مايسة في تصريحاتها لـ”درج”: “السجائر مهمة جداً، هي العملة الرسمية داخل السجن، كل شيء يعتمد عليها، فالشراء من مقصف العنبر يتم  بالسجائر، كذلك شراء مستلزمات العناية الشخصية، فكل ما يحتاجه ابني في السجن يعتمد على السجائر التي يجمعها المساجين في العنبر لـ “النبطشي” – وهو مسجون آخر مهمته حفظ النظام داخل العنبر- ويتقاسم النبطشي السجائر مع السجان الموكل بحراسة العنبر، ومن دون هذه الرشوة المنتظمة تصبح حياة ابني جحيماً”.

بحسب مايسة، كانت زيارة ابنها قبل أزمة السجائر الأخيرة، تكلف نحو 5 آلاف جنيه، وتضم الكثير من المعلبات والمخبوزات والأدوية. لكن الحصة الأكبر كانت للسجائر، وحالياً زادت كلفة الزيارة عن 9 آلاف جنيه شهرياً، وترتفع في كل زيارة شهرية.

شهدت مايسة ثلاث مراحل من القوانين المنظِّمة لإدخال السجائر الى السجن. المرحلة الأولى قبل قيام المقصف الخاص بالسجن ببيع السجائر، إذ كان يحق لها إدخال كمية غير محدودة من السجائر. ثم المرحلة الثانية، وهي قيام مقصف السجن ببيع السجائر، فأصبح يحق لمايسة إدخال خرطوشتين من السجائر فقط، وشراء الكمية التي تريدها من داخل السجن. أما حالياً، فيشتري ابنها السجائر من السجانين في مقابل مبلغ ترسله هي لهم عبر المحافظ الإلكترونية، لأن مقصف السجن لا يسمح بإدخال سوى 4 خراطيش بعد توقفه عن بيع السجائر.

بحسب قانون تنظيم السجون، يحق لذوي المسجون الرجل زيارته كل شهر بالنسبة الى المحكومين بالسجن المؤبد أو المشدد، والمودعين في الليمانات، أو كل 3 أسابيع للمحكومين بالحبس أو السجن مع الشغل، أو المنقولين من الليمان إلى السجن العمومي، وهو المعروف في أعراف السجون باسم “فك الحديد”، أي انتقل من سجن شديد الحراسة إلى سجن عادي بسبب حسن السير والسلوك.

 يختلف الأمر بالنسبة الى المساجين النساء، إذ لهن حق الزيارة كل 3 أسابيع مهما كانت التهمة أو مدة الحكم، بينما في حالات الحبس الاحتياطي للمتهم الحق في زيارة أسبوعية، ولا يحق للمسجون الزيارة خلال الأحد عشر يوماً الأولى من سجنه، والمعروفة باسم “الإيراد”.

بحسب مايسة، كانت زيارة ابنها قبل أزمة السجائر الأخيرة، تكلف نحو 5 آلاف جنيه، وتضم الكثير من المعلبات والمخبوزات والأدوية. لكن الحصة الأكبر كانت للسجائر، وحالياً زادت كلفة الزيارة عن 9 آلاف جنيه شهرياً، وترتفع في كل زيارة شهرية.

السجائر “عُملة” المساجين

“حياة المسجون بالكامل تعتمد على السجائر”، بهذه العبارة بدأ المسجون السياسي السابق مصطفى أحمد، حديثه مع “درج”، وهو حُبس احتياطياً 3 مرات في الفترة ما بين 2012 -2019، في ثلاث قضايا مختلفة. وحسب كلامه، تمثل السجائر للمسجونين وسيلة للإنفاق على أنفسهم، خصوصاً لمن لا يوجد لهم أحد خارج السجن أو لمن يعيش ذووهم ظروفاً صعبة.

عانى مصطفى كثيراً في آخر فترة حبس احتياطي أمضاها، إذ كانت والدته تعاني من المرض، ولم تكن تستطيع زيارته باستمرار، فوجد وسيلة الإنفاق على نفسه بالقيام بمهام لزملائه مثل غسيل الملابس مقابل السجائر.

يقول مصطفى في تصريحاته لـ”درج”: “في السجن نوعان من أكشاك البيع، الأول هو الكبير أو العمومي، ويشتري منه الأهل ما يريدون لأبنائهم، والثاني في العنابر ويستخدم السجائر كعملة رسمية. كما أن للسجائر استخدامات أخرى أهمها إبعاد أذى المخبرين والسجانين. فمثلاً، للسماح لنا بنصف ساعة من التريض ندفع للشرطي المسؤول سجائر، أو للسماح لنا بالزيارة من دون أن يظل المخبر ملتصقاً بنا ندفع له سجائر، وحتى للحصول على دقائق إضافية تزيد عن العشرين دقيقة التي يسمحون لنا بها عادة في الزيارة ندفع سجائر، ولكل خدمة من ذلك تسعيرة خاصة من السجائر”.

أُفرج عن مصطفى قبل أزمة السجائر الأخيرة، إلا أنه يعي بشدة كيف يمكن أن تؤثر أسعار السجائر على المسجونين، فالجزء الغالب من تكلفة الزيارة يذهب الى السجائر، وكل ما يمكن أن يشتريه المسجون موجود داخل السجن سواء من المقصف أو من زملاء يقومون بالبيع والشراء داخل السجن، وارتفاع تكلفة السجائر بهذا المعدل الهائل يعني تضاعف تكلفة الزيارة.

العمل مقابل السجائر

لم تجد وطنية محمود وسيلة للإنفاق على ابنتها المسجونة في تهمة جنائية، فتخلفت عن زيارتها لأشهر عدة قبل أن تتلقى اتصالاً هاتفياً من إحدى السجانات، تخبرها فيه أن ابنتها تريد أن ترسل إليها مبلغاً مالياً من سجنها بشكل علب سجائر، وهو الأمر الذي استغربته في البداية، قبل أن توضح لها ابنتها أنها استطاعت الحصول على مصدر رزق داخل السجن.

تقول وطنية: “في الأسابيع الأولى، لم تستطع ابنتي الحصول على أي طعام أو حتى مكان للنوم داخل السجن أو شراء ملابس داخلية ترتديها لأنها لا تحمل سجائر أو أموالاً، وذلك عقب خروجها من عنبر “الإيراد” ووضعها في عنبر بسجن القناطر. كما كانت تفكر في حياتي أنا وابنها لأنها كانت المعيل الوحيد لنا، قبل أن تخبرها سجانة بأن هناك مسجونة تحتاج إلى مسجونة أخرى تخدمها مقابل خرطوشة سجائر شهرياً، وبالفعل بدأت ابنتي العمل”.

المقابل التي حصلت عليه ابنة وطنية لم يكن يكفي سوى إعالتها وحدها، لذا فكرت في كيفية تأمين مال لأهلها، فبدأت في تقديم خدمات تصفيف الشعر للنسوة داخل السجن، واتفقت مع السجانة على أن تقوم الأخيرة ببيع علب السجائر في الخارج، وتشتري منتجات نسائية مثل الفوط الصحية والملابس الداخلية والأمشاط وغيرها، لتقوم ابنة وطنية ببيعها مقابل السجائر، وتسلمها السجانة بعدها لوطنية لبيعها للإنفاق على حفيدها.

تضيف وطنية: “هناك منافع متبادلة بين السجانات والسجينات داخل السجن، وأعتقد أن هذا يحصل أيضاً في سجون الرجال، فالسجائر على عكس بونات السجن يمكن صرفها داخل السجن وخارجه بسهولة، بينما البونات لا يمكن للسجانة صرفها سوى داخل السجن فقط”.

بحسب تقرير “للبيع في الكانتين… الافقار العمدي في السجون المصرية” للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن السلع المباعة داخل كانتين السجون المصرية تباع بأعلى من أسعارها في الخارج، لذلك يلجأ الكثير من السجناء إلى البيع غير الرسمي الذي يقوم به مساجين آخرون يستطيعون تهريب البضائع داخل السجن عبر حراس السجن أنفسهم مقابل نسبة يحصلون عليها في صورة سجائر.

فرشة  في السجن بإيجار شقة

“أشتري السجائر لابني لا ليدخنها ولكن لينام عليها”، بهذه الكلمات بدأ عبد القادر عربي – اسم مستعار- حديثه مع “درج”، مضيفاً: “ابني محبوس احتياطياً منذ عامين ونصف العام، بعد إعادة تدويره في قضية جديدة،. وفي ليلته الأولى في عنبره، لم يجد سريراً أو فراشاً ينام عليه، فحاول زملاؤه من السياسيين استيعابه بينهم على المراتب الموجودة على الأرض. ومع زيارتي الأولى، فوجئت به يشكو من ألم في ظهره كونه ينام على الأرض منذ يومين. طلب مني أن اشتري له سجائر من كانتين السجن ليؤجر مرتبة وبطانية من أحد الجنائيين”.

تسمح تعديلات قانون تنظيم السجون لسنة 2015 للمحبوسين احتياطياً الحصول على غرفة مؤثثة في مكان غير أماكن حبس غيرهم مقابل 15 جنيه يومياً، إلا أن هذه المادة غير مفعلة بسبب إضافة شرط يرتبط بـ”ما تسمح به الأماكن والمهمات داخل السجن”، وعوضاً عن تأجير الأماكن، تقوم السجون بتأجير المراتب والأغطية.

في غالبية الحالات، يتم التضييق على السجناء السياسيين، ليضطروا للاستئجار من السجناء الجنائيين مثل حالة ابن عبد القادر، الذي يؤجر المرتب والبطانية مقابل خرطوشة سجائر ارتفع سعرها من 180 جنيهاً في أول فترة حبسه إلى 600 جنيه حالياً، أي أن ابن عبد القادر يدفع في إيجار مرتبة وبطانية ما يوازي إيجار شقة في حي متوسط في القاهرة.

يضيف عبد القادر: “قبل أزمة السجائر، كنت أدفع نحو 6 آلاف جنيه في الزيارة الواحدة التي أتعمد أن تكون شهرية، في مقابل إرسال “طبلية” أو وجبات ساخنة كل أسبوع، وكان نصفها للسجائر، بينما النصف الباقي موزع بين المعلبات والعصائر والمياه، وأدوات النظافة الشخصية. لكن حالياً، أدفع 8 ألاف جنيه مقابل السجائر وحدها، حتى تكفي نفقات ابني داخل السجن، والذي تخلى عن الكثير من الخدمات التي كان يحصل عليها داخل السجن مثل الحلاقة مثلاً توفيراً للنفقات”.

في مقال قائم على تجربة شخصية، كتب الزميل محسن محمد مقالاً سابقا في “درج” يصف فيه السعي نحو السيجارة بالسعي نحو الحرية قائلاً: “إذا كان هناك شيء واحد يسيّر الحياة داخل السجن، في الليل، وفي النهار، فهو بالطبع السجائر. تعد السجائر جزءاً مهماً من اللغة والحركة داخل هذا المجتمع. لا الحركة بمعناها المجازي وحسب، والتي تصنع السهرات والحكايات الليلية وقصص المساجين المثيرة وأحاديثهم التي لا تنتهي، حول السجن والحرية والجريمة وموعد الإفراج. إنما أيضاً، تعدّ حركة حقيقية/ عضوية، تسيّر جسد السجن نحو الأمام، كما تساهم في بناء مجتمع كامل واقتصاد (سجنيّ) حقيقي يدور معظمه حول السيجارة”. 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 16.05.2024

“مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع "مفاتيح دبي" بالتعاون مع مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد" OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.