fbpx

امرأة تحمل الفواكه وشيخ يوزّع القهوة…. قراءة في  صور من احتجاجات السويداء

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

المدينة التي أجبرت سكانها على اتخاذ تدابير حماية فردية، اختبرت جرأة من نوع آخر، وصار الغناء والرقص والاحتجاج ليلاً أمراً آمناً، وهو ما لم يكن متاحاً سابقاً أو مختبراً في الأصل، من هذه النقطة تكشف إنجازات الاحتجاجات، التي لم يُخطط لها فعلياً بل ظهرت كحاجة تلقائية ومطلب ملحّ.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

دخلت احتجاجات السويداء شهرها الثاني،  الاحتجاجات التي بدأت رفضاً للأوضاع المعيشية المتردية  تحوّلت إلى مطالب سياسية بسقف عال، دعمتها مشيخة العقل، أعلى سلطة دينية في الطائفة في المدينة، ما منح الناس شعوراً بالشرعية ربما لم يختبروه في الاحتجاجات السابقة، التي لم تَطُل ولم يمنحها “المشايخ دعمهم”، فتظاهرات عام 2021 استمرت بضعة أيام فقط ثم توقفت.

حمل هذا الشهر غنى إنسانياً وسياسياً لم يختبره أبناء المحافظة البعيدة سابقاً، هم الذين عاشوا تحت سطوة حزب البعث المترسخ في المدينة أكثر من أي مدينة أخرى، والفقر وانتشار عصابات الخطف مقابل الفدية والمخدرات التي كانت للنظام بالطبع اليد الطولى فيها كطريقة للتحكّم بالمدينة من دون تدخلٍ عسكري.

ماذا نعرف عن احتجاجات السويداء؟

سكان المدينة لطالما ترددوا في الخروج من بيوتهم بعد “مغيب الشمس” بسبب الانفلات الأمني الحاد وانتشار العصابات والسرقات، ما جعل وجه المدينة كئيباً، رافق ذلك انسحاب الناس من الفضاء العام وانتشار الفقر الذي صبغ المدينة بطابع المكان المهجور والمعزول. لكن فجأة ومع الاحتجاجات انتقل الناس ذاتهم، مِمَن كانوا يجبرون أبناءهم على العودة قبل مغيب الشمس إلى المنازل، إلى مستوى آخر من القوة.

المدينة التي أجبرت سكانها على اتخاذ تدابير حماية فردية، اختبرت جرأة من نوع آخر، وصار الغناء والرقص والاحتجاج ليلاً أمراً آمناً، وهو ما لم يكن متاحاً سابقاً أو مختبراً في الأصل، من هذه النقطة تكشف إنجازات الاحتجاجات، التي لم يُخطط لها فعلياً بل ظهرت كحاجة تلقائية ومطلب ملحّ.

أكثر ما يتميز به حراك السويداء هو الحضور النسائي اللافت، ليس كمشاركات وحسب بل كقائدات لهذا الحراك. وقد انتشرت فيديوات مصورة لكثيرات من النساء اللاتي بتن أشبه بالأيقونات، وامتلاك أي حراك أيقونة خاصة به يعني بداية ترسيخه وامتلاكه جذوراً قويّة. لكن حضور النساء في السويداء لا يعني أنهن يعشن أفضل من غيرهن في سوريا، فمعاناة النساء هي واحدة على امتداد جميع المحافظات، وما يتغير هو درجة الحرية الظاهرية فقط، كالحق في التعليم والعمل، إذ ما زالت النساء في السويداء يتعرضن للظلم والقتل ذاته الذي تتعرض له النساء على امتداد الجغرافيا السورية.

حضور النساء في احتجاجات السويداء يشير إلى رغبة حقيقية في التغيير والحرية، فكيف يمكن أن نصبو الى حرية لا نساء فيها ولم تحصل الفتيات على حقوقهن المدنية والسياسية بعد؟! لذا يجب فهم طبيعة حراك النساء في السويداء، فهن خرجن ليس لأنهن حصلن على حريتهن الكاملة بل لأنهن يردنها ويحتجنها. لكن المهم في ذلك كله، أن مشاركة النساء اللافتة في السويداء، رفعت معيار الاحتجاجات من جديد، وذكرت الناس بأهمية وجود النساء والفتيات فيها، والتي غبنا عنها بعد اشتداد العنف ضد الثوّار والثائرات عام 2011. 

حمل هذا الشهر غنى إنسانياً وسياسياً لم يختبره أبناء المحافظة البعيدة سابقاً، هم الذين عاشوا تحت سطوة حزب البعث المترسخ في المدينة أكثر من أي مدينة أخرى

لحظات إنسانية تقود الاحتجاجات

تمكن المحتجون في ساحة الكرامة من خلق طرق جديدة للاحتجاج، وابتكار وسائل تثير الانتباه، فالمرأة التي حملت وعاء الفواكه، التي تزرع في الجبل، ووزعتها على المحتجين، كانت أشبه بلحظة تذكّر الجميع بأن الاحتجاجات هي أقرب ما يكون إلينا، بخاصة بعد تمكن النظام من خلق حالة من الهلع داخل نفوس السوريين لمجرد ذكر اسم تظاهرة أو احتجاج. تبدو السيدة التي حملت الفاكهة بلباسها وابتسامتها كما لو أنها خرجت من منزل كل واحد فينا، تشبه أمهاتنا وأخواتنا، إذاً هي منّا وتعيش معنا، والاحتجاجات ليست مخيفة حين يكون وجهها مألوفاً، وهذا أكثر ما يميز احتجاجات السويداء، إذ جعلها متماهية مع المكان، وجوه سكانه، ثقافتهم ولكنتهم.

ينطبق الأمر ذاته على الشيخ العجوز الذي يحمل إبريق القهوة العربية ويوزع القهوة على المحتجين، فالقهوة العربية تمثل جزءاً أساسياً من حسن الضيافة في السويداء، وهي أول ما يقابل به الزائر وآخر ما يودّع به قبل انتهاء الزيارة. وتمتلك الكثير من العائلات في السويداء الأدوات التقليدية لصنع القهوة كالمهباج والمنقل لتحميص القهوة.

 تراجع استخدام هذه الأدوات مع الانهيار الاقتصادي، إلا أن العجوز لم ينسَ إحضار إبريق القهوة، لتمتد الذاكرة رغماً عن الحرب والانهيار الاقتصادي، مختصرةً المشهد الكامل لثقافة المدينة واستيعابها التغيير، فالماضي جزء من تغيير المستقبل ويُرحبْ به بفنجان قهوة عربية.

استفاد سكان  المدينة من الاحتجاجات التي بدأت منذ 2011 لتطوير آلياتهم وطرق احتجاجهم، حتى اللافتات التي تحمل مطالب المحتجين، كانت مثيرة للاهتمام بشكل خاص، وتلامس الواقع المعيشي بدقة، في إشارة الى فردانية باتت أكثر حضوراً، ضمن بلد “اشتراكي”، يغرق سكانه بمصطلحات النظام الرنانة كالوطنية والانتماء والدولة من دون أن يصدقوا هذه المصطلحات. 

المحتجون اليوم يصنعون لافتاتهم الخاصة وطرق احتجاج تعود إليهم وحدهم، إذ حمل طفل لافتة احتجاجية تحمل عبارة: “ليش غليتوا الشيبس؟”، لتظهر الحاجة الملحة الى فهم التنوع الواسع في سوريا، الذي يبدأ مع طفل يريد كيس الشيبس وصولاً إلى طوائف وقوميات تعاني من التهميش المتعمد من قبل النظام.

رمز آخر للاحتجاجات هو رجل مسن يُدعى هندي صياغة، والد المعتقل مهند صياغة ، خرج في الاحتجاجات وكتب على صدره “بدي ابني”. السيد هندي واحد من آلاف الآباء الذين لا يعرفون شيئاً عن أبنائهم، لا سبب اعتقال ابنه ولا الفرع المعتقل لديه ولا أي معلومة أخرى منذ أكثر من عام، ولم تتوقف محاولاته للوصول إلى أي معلومة.

 الرجل الذي وقف بين المحتجين ثم تعب وجلس على أحد الأرصفة بين الأطفال، بوجهه المتعب وعينيه المنهكتين من السؤال والبحث، يجسد أكبر مخاوف السوريين وآلامهم: “الاختفاء القسري”، رددها الوالد أكثر من مرة “من حقي أعرف وين ابني”، مختصراً معاناة آلاف العائلات، وتمكن من إيصال أكثر الرسائل الإنسانية ألماً بأبسط طريقة. لم يصنع لافتة كبيرة بل كتب على قماشة على صدره بخط اليد المرتجف “بدي ابني”. الجميع في سوريا يريدون  أبناءهم، الأمهات اللواتي أجبرن على تركهم يهاجرون والآباء الذين فقدوهم في ساحات القتال حين أجبروا على الالتحاق بالخدمة العسكرية.

هل تتغير طبيعة النظام الديكتاتوري؟

على رغم دخول الحراك شهره الثاني ومحاولة المحتجين إيصال رسائلهم بكل الطرق، إلا أن النظام يستمر في التجاهل، وكأن الآخر المُحتج غير موجود أو غير مهم. يمكن قراءة ردة فعل النظام تجاه ما يحصل في السويداء بطرق عدة، أولها تعويل النظام على ملل الناس وانسحابهم من الساحة، فيما يبدو تجاهلاً على مستوى عالٍ بينما على مستويات أقل وتحديداً الإعلام الرسمي.

عمد إعلام النظام والشبيحة إلى تمييع الحراك سواء بالادعاء بأنه يتبع لأجندات خارجية أو اتهام المحتجين بالانفصال عن الواقع ورمي سوء الحال المعيشي على العقوبات الاقتصادية، من دون ذكر المطالب السياسية للمحتجين، وهي السياسة ذاتها المتبعة مع احتجاجات 2011.

 سياسة تجاهل النظام السوري لمعارضيه مستخدمة على نطاق واسع وتشمل حتى التقارير التي تثبت انتهاكاته، فهو إما يقابلها بالنفي أو بالتجاهل كما حصل مع مجزرة التضامن التي لم يعلق عليها ولم يصدر بياناً واحداً حولها.

الرصاص الذي أطلقه عناصر حزب البعث في وجه المحتجين في السويداء، قبل نحو أسبوع، ليس مفاجئاً، وللحقيقية ينتظر المحتجون منذ اليوم اليوم الأول اللحظة التي سيقرر بها النظام مواجهتهم بالرصاص، وهو أمر تأخر لو راجعنا طريقة مواجهة النظام التظاهرات والاحتجاجات منذ 13 عاماً، حتى أصبح السؤال الأساسي بعد الاحتجاجات: لماذا لم يستخدم النظام السوري القوة ضد احتجاجات السويداء؟

وبينما يستمر المحتجون بالخروج إلى الساحات هم كذلك ينتظرون اللحظة التي قد يبدأ فيها عنف النظام، وهو تحدٍّ حقيقي أن يكون كل يوم احتمالاً لتصعيد من جانب قوات النظام، وسواء يتجنب النظام التدخل بسبب قرب موعد أول جلسات له أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الانتهاكات التي مارسها ضد السوريين، والتي أُجلت إلى 10 و11 تشرين الأول/ أكتوبر، بناء على طلب تقدّم به النظام  السوري، أو لحسابات أخرى، إلا أن هذا لا ينفي الطابع الاستبدادي والديكتاتوري له، فحتى عدم تدخله او الإصغاء الى المحتجين هو شكل من أشكال الديكتاتورية التي ترى من الناس تابعين له لا شعباً تتوجب خدمته.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.