fbpx

منع سارة زكريا في مصر والأردن…الفن وجمهوره تغيّرا والرقيب على حاله

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

ردود أفعال مستهلكي الفن الشعبي اليوم تبدلت، فالداعمون لا يدافعون عنه أو عن خياراتهم دفاعاً نقدياً. فمعظم محبي السواس وزكريا كان موقفهم السخرية ببساطة. وبمعنى آخر هم يدركون تماماً أن هذا الفن رديء، بخاصة على مستوى المضمون لكنهم مستمتعون به.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

خرجت نقابة الفنانين المصرية أخيراً بقرار منع سارة زكريا من الغناء في مصر مع تغريم متعهد حفلتها بنحو ثلاثة آلاف دولار. أتى ذلك بعد تسريب مقاطع من حفل لها أقيم في الساحل الشمالي تخاطب فيه الجمهور بالقول: “هو الل هنا بيضرب برشام!!”. فتحت النقابة تحقيقاً حول الموضوع، وبررت قرارها بأن سارة لم تحترم قواعد الحشمة والمعايير الأخلاقية في مصر. وبعد ذلك، خرجت نقابة الفنانين في الأردن بتصريح يمنع المغنية من إقامة حفلات داخل الأردن، معتمدةً على قوانين دستورية لتبرير قرارها. 

تضامنت نقابة الفنانين السوريين مع النقابة المصرية وقلقها حيال الموضوع. هذا الاعتراض الكلاسيكي من النقاية السورية يعيدنا إلى قرارها قبل عام حين منعت كلاً من سارة زكريا وريم السواس من إقامة حفلات على الأراضي السورية. هذا الصراع المكرر الاعتيادي بين الرقابة الرسمية والفن الشعبي أصبح كاريكاتورياً ومادة للإضحاك. وهنا تظهر مجموعة من الأسئلة، تلك التي تختلف عن تلك التي طرحت في بداية الألفيّة، حين رُسخت هيفاء وهبة وألين خلف ونانسي عجرم، اللاتي اتُّهمن بالإباحيّة، وإرضاء “ذوق الخليج”، وتقديم نموذج فائق للمرأة الغاوية، الصفات التي لا تنطبق على المغنيات الشعبيات اللاتي يتصدرن الساحة الآن.

نسأل، ألا تزال لحراس البوابات (الرقابة الرسمية) سلطة على المنتج الفني؟ وهل بات الفن الشعبي مستساغاً أكثر مع تغير الذوق الجمالي للمتلقين؟ وهل لا تزال هناك مستويات من التذوق الجمالي بين مبتذل ورفيع؟ و هل المؤسسة الرسمية تمثل الفن الرفيع؟ ولماذا كل هذه السخرية؟

البلاهة  جزء من المتعة

لم يعد بالإمكان اعتبار السوق القاعدة التي يبنى عليها الفن الشعبي والسبب الأساس لانتشار سلعة فنية. إذ إن معظم المواد الفنية “الشعبيّة” لا تتم رعايتها من شركات إنتاجية سوى في وقت لاحق لانتشارها. ولم يعد الفنان بحاجة الى مؤسسات تسوق له عمله سواء كانت رسمية أو خاصة. وهذا غيّر بدوره الاعتراض الأساس على الفن الشعبي. إن مقولة السوق انتصر على الفن في النهاية لم تعد مهمة بل لم تعد منطقية. بالتأكيد السوق انتصر على كل شيء، لكنه تغيّر والفن أيضاً وكذلك المتلقون.

ردود أفعال مستهلكي الفن الشعبي اليوم تبدلت، فالداعمون لا يدافعون عنه أو عن خياراتهم دفاعاً نقدياً. فمعظم محبي السواس وزكريا كان موقفهم السخرية ببساطة. وبمعنى آخر هم يدركون تماماً أن هذا الفن رديء، بخاصة على مستوى المضمون لكنهم مستمتعون به. هو جميل لأنه ممتع ويتسق ذلك مع تعريف (يير بورديو الجمالية الشعبية باعتبارها “الاعتراف بالمتعة فقط”، بخاصة أن المتعة تم تحييدها بشكل كبير ضمن العناصر الضرورية لصناعة الفن الذي يسمى بالنخبوي. وهذه السخرية من المعجبين تم تأسيسها عبر التعليق كـ”نوع من أنواع الخطاب”.

 يعتبر هذا التعليق من أسس المشاهدة الساخرة، ويهدف بالأساس إلى الهيمنة على الموضوع وإنشاء علاقة فوقية مع المادة الفنية. إذ إن المتلقي يعترف بمتعة عمل السواس الفني رغم رداءته. وبمعنى آخر القول بأنه “مُسلٍّ لأنه رديء”، “إنه غبي لكنه غير ممل” بهدف تأسيس موقف ساخر ضروري جداً للاستمتاع. المهم أن أكون على دراية بتفاهة الموضوع، ويعني ذلك أن أتمتع من دون وخز ضمير. 

اندفع كثر من ذوي التعليم العالي والمدربين فنياً إلى طرف السواس وزكريا ضد نقابة الفنانين لسبب واضح، وهو أن المؤسسة الرسمية لم تعد الحاضن للثقافة النخبوية، بل هي مؤسسة بيروقراطية كاريكاتورية متخلفة عن التاريخ. وأصبح الموقف الشعبي أشد جاذبية للمثقفين لأن الأيديولوجيا الرسمية باتت أشد صرامة وأكثر سوريالية، وكأن الأغنية أعطت وهماً بالتمرد على المؤسسة. وهنا أتت الرقابة كمكافأة لهذا الفن.

خرجت نقابة الفنانين المصرية أخيراً بقرار منع سارة زكريا من الغناء في مصر مع تغريم متعهد حفلتها بنحو ثلاثة آلاف دولار.

الفن الشعبي هو الاستهزاء 

أي محاولة لتوصيف أغاني سارة زكريا و”أصدقائها” ستبدأ من كلمة الفن الشعبي أو الجماهيري. ذاك الذي ينتهي دائماً بأفق مسدود بتعبير توني بينيت، فكل تعريف يمتلك منطلقاً أيديولوجياً، لكنها جميع التعاريف تتفق على أن الثقافة الشعبية تحظى بإعجاب بالغ من الناس، ثقافة يتم استهلاكها ببلاهة من دون تمحيص حسب المثاليين، أو هي ثقافة الطبقة العاملة القادمة من الشعب، أو ما يزيد بعد تحديد ما هو “الفن الأصيل”.

تشترك هذه التعاريف كلها بأنها تنطلق من مبدأين رئيسيين هما السوق والسلطة. فالثقافة النخبوية غير معنية بالسوق بعكس الشعبية، وأيضاً فإن السلطة حاضنة للفنون المشرعنة المعترف بها وتقصي أي فن خارج منظومتها. وأظن أن هذين المبدأين يسقطان في تجربة ذكريا والسواس.

 السوق لم يعد متحكماً في الإنتاج الثقافي بالطريقة التقليدية باعتباره البنية التحتية للفنون، أما المؤسسة الرسمية فهي ليست الحاضنة للفنون النبيلة أو النخبوية وتعنيها الأدلجة السياسية في المقام الأول بأبسط صوره، وبالفعل فإن فنانين كما عائلة الديك وغيرهم من نجوم الفن الشعبي تم احتضانهم من السلطة لاعتبارات سياسية واضحة جداً. ونحن لسنا في بلدان تقوم على احتكار الفن وفصله عن الحياة اليومية، بل العكس تحاول شراء أي فن يومي وزج خبرتها العسكرية فيه وبأبسط الصور الممكنة. 

أميل إلى تحديد الثقافة الشعبية بتعريف ريشارد مالتبي بأنها “النزعة للهروب من ذواتنا اليوتيوبية”، وهذا ما يفسر بشكل كبير مبدأ التعليق الساخر كاستجابة لهذه الفنون. وببساطة فالفنون الشعبية ملتصقة باليوميات وتعبر عن اللغة والنشاطات اليومية بشكل مباشر، وهذا يظهر بشكل كبير في تيارين أساسيين يتسيدان المشهد الموسيقي هما: الراب العربي والفن الشعبي الاحتفالي. 

يتقاطع الاثنان بنقاط عدة؛ فكلاهما متحرران من سطوة وسائل الإنتاج، وهما أكبر المستفيدين من الإنترنت ومنصات التواصل وشعبية الاتصال. وكلاهما قفزا من داخل القاعات الاحتفالية إلى السايبر، وكلاهما يستخدمان لغة نقيضة للخطاب الرسمي وملتصقة بالشارع بشكل مشابه لما فعله زياد الرحباني. فاللغة هي لغة الحياة اليومية المعاشة، والتي لنا خبرة معها وحميمية. المفردات متداولة بيننا بشكل روتيني، لكنها في المقابل غريبة عن الفنون التلفزيونية والرسمية في مجتمعاتنا، والتي تخضع لرقابة اجتماعية هائلة في المعتاد. 

تقول (لسواس) “عالي مزاجي كـ* اختك يلي ببالي”، أو “حبيت واحد واطي”. كلمات تقال بشكل يومي ومتكرر لكنها حقيقية مقارنة بالفن التلفزيوني، أو البوب العربي الذي يتميز بتكرار هائل في مفرداته على تاريخه الطويل. وعموماً، فإن كلمات ذكريا والسواس المقحمة في الأغاني التي تم أداؤها عبر سنوات ومن مغنيين كثر، هي مفردات مستخدمة بكثرة ومنذ فترة طويلة داخل الحفلات، أي داخل مكان ميلاد هذه الفنون -المقاصف الشعبية والأندية الليلية.

 انتشار هذا “الخطاب السوقي” على المستوى السايبري هو من أربك حسابات المؤسسة الرسمية، التي لا تزال تمارس الرقابة بالطرق الكلاسيكية المعتادة مع وسائل الإعلام الجماهيري. وهنا أتت المفارقة، إذ يبدو الفعل الرقابي مضحكاً وأبله في العالم السايبري اليوم، كما أن منع حفلات ريم السواس يبدو غريباً باعتبار إقامة حفلات مشابهة بكثرة داخل المقاصف في سوريا ويومياً، لكن الجديد هو انتقال هذا الفن من أماكن احتفالية لرواد محددين إلى مجتمع السايبر. 

السلطة تمنح قدراً من الحرية للحفلات داخل المقاصف أو الحفلات الخاصة من دون وجود قوانين تتعلق بذلك. فقط اتفاق ضمني يسمح بتمرير الحفلات من دون ترخيص مع علم السلطة بها. جزء من الرقابة يكون مضمراً، وهناك اتفاق ضمني واضح أنه متى أرادت الرقابة أن توقف احتفال معين لها الحق في ذلك؛ أما في الحالة الجماهيرية الشعبية تصبح الرقابة مكشوفة أمام الجماهير، ومن هنا أصدرت النقابات قرارها الذي يبدو أنه صادر عن مؤسسة تعيش في حقبة الخمسينات، إذ إن اللغة المستخدمة هي لغة قضائية وتشريعية من المضحك استخدامها مع هذا الفن، فالجدية في إصدار قرار بمنع فن متاح هي دائماً أمر مجنون بالكامل. 

في المقابل، فإن رد الفنانات كان منطقياً وبسيطاً، فالسواس مثلاً  ذهبت للنقابة كإجراء روتيني ولم يصدر منها أي دفاع أو تبرير بل ابتسمت قائلة: “إنها كلمة نابية واحدة لا تظن أنها سيئة المعنى”، ويبدو هذا الموقف منطقياً في ظل وجود هذا الفن على الأراضي السورية واللبنانية منذ سنوات وبألفاظ أقسى وأعنف. بينما قالت ذكريا إنها كانت تمزح، وإن هذا النوع من اللغة مستخدم في الشارع والمسلسلات والأفلام.

الكرنفال الشعبي العابر للسلطة

لا تقتصر أغاني هذا النوع على الألفاظ النابية بل يلاحظ أنها ذات خلفية عسكرية ومحتوى عنفي، “الفشك ما بخوفنا – لو خانوا أنا رح خون”. ببساطة، هذا الفن يضفي طابع الرومانسية والاحتفال على العنف اليومي. هذا الفن ممتد إلى تراث بدأته عائلة الديك مروراً بكثير من الفنانين مثل سارية ووديع الشيخ. وهو يقوم بالأساس على إعادة إنتاج الموسيقى ذاتها تقريباً باقتباسات جديدة. 

الأمر المختلف الوحيد حالياً قياساً بالماضي هو تطور هؤلاء الفنانين. فمنذ عشر سنوات عندما كانت تبدأ شعبية الفنان بالاتساع، كان يحدث تغير في أسلوبه سواء من خلال التوزيع أو الكلمات بما يتناسب مع قوانين البث الفضائي، أما اليوم فلا يوجد انعطاف أو تغيير في مسيرة الفنان رغم اتساع جماهيريته.

الفن الشعبي الذي نتحدث عنه منشأه كرنفالي احتفالي وهو الطابع الغالب عليه. فالحفلات ذات الطابع الذكوري سبب رئيس في وجوده. إن الحياة الكرنفالية كما يصفها ميخائيل باختين هي: “تعليق ضوابط الحياة أثناء روتينها المعتاد”، ومن هذه الضوابط اللغة في المقام الأول. 

وفي الكرنفال، يتم جمع المتناقضات الطبقية والثنائيات على المستويات كافة، وهو أمر جوهري في شكل الحفلات المقامة في النوادي الليلية، وفيه بالطبع يتم الاتصال الحميم بين الأفراد. يعطي الشكل الكرنفالي لأداء هذه الأغاني نسبية مرحة مؤقتة للأشياء، وفي الكثير من حفلات لبنان على هذا المستوى الشعبي المقامة في الحانات، نلاحظ وجود الأقزام والستاند آب كوميدي وكلها ذات طابع فاحش. هذه العناصر هي الأساس لهذا الفن. وبدورها هي عنصر حاسم في تشكيل لغته والذي يشكل خروجها خارج طقسها الاحتفالي علامة استفهام بالنسبة الى الرقابة.

كيف نحكم على الفنّ الشعبي؟

كيف لنا أن نصدر حكم القيمة بأن المادة الفنية رديئة أو عظيمة؟ والإجابة عن ذلك يجب أن تبدأ بفهم ماذا يعني حكم القيمة؟

هنالك رؤيتان في مجال القيمة الفنية بعيداً عن تعددية المدارس النقدية والكيفية، فأنا أتحدث عن أحقية الحكم الفني من عدمها. الرؤية الأولى تقول بضرورة وجود حكم قيمة للأعمال الفنية. وببساطة، يمكنها القول إن أعمال شكسبير مثلاً، أفضل من نصوص المسلسلات التركية المدبلجة. وتنطلق من مفهوم الثبات النسبي لقيمة العمل الفني. وهي ذات نظرة مثالية متعالية في الفن، وتضفي هالة من القدسية على التجربة الفنية. وتدافع عن نفسها بالقول إن نفي القيمة عن العمل الفني يعني نفي وجود هدف للفن. وهي تساوي الجماليات بالأخلاق، بحيث تعتبر محاكمتها العقلية رفضاً للحدس الإنساني.

 يصبح الذوق الفني حينها هو الرضا عن الفن بلا مصلحة. ويتم رفعه عبر التدريب من خلال الممارسة. والسبب في انهيار علم الجمال في العصر الحديث أتى عبر ممارسة أيديولوجية وتغيرات في مفهوم العمل. فالثورة الصناعية هدمت المفاهيم الجمالية في تفاصيل الحياة الإنسانية اليومية، يضاف إلى ذلك تصدع التجربة الروحية، ما أدى إلى عزل الحقل الفني داخل ما يسمى استوديو الفنان. وباختفاء الفن الرفيع في اليوميات، سيقع الناس في مستنقع الفن المبتذل. ونتجت مشكلة لدى الطبقات الشعبية في تلقي الفنون لاغترابها عنها. وهذه الرؤية تنفي الصفة الفنية عن الأعمال التلفزيونية والإعلانات والبرامج، بحجة أن الذين يخلقونها لا يستهلكونها بتعبير الناقد بيتر فولر.

وفي وجهة نظر مضادة، ينطلق بعض السوسيولوجيين والحداثويين بالرد على مفهوم القيمة الجمالية بسؤال مفاده القيمة بالنسبة الى من؟ فإن كانت الإجابة بالنسبة الى الإنسان العادي البريء هي من التعقيدات سيكون الرد أيضاً: هل هناك من هو غير منغمس في حثالة كل الفنون الشائعة في عصره؟ وبالتالي، سيكون مؤدلجاً بطريقة أو أخرى. 

القيمة الجمالية بالنسبة الى هذه الرؤية ترتبط بشخص معين في موقف معين وظرف تاريخي. وهي نسبية ولا تتسم بالثبات لأنها لا تعتمد على مجهود مادي محدد. ومهما حاولنا تبرير القيم الجمالية، سيكون هنالك تفكيك لهذه المبررات. فإذا كانت قيمة العمل الفني الخالد محددة بخيارين؛ أن يكون معقداً وينطوي على تنوع وتعدد العناصر التي تشكل غموض الحياة الإنسانية بحسب بريخت، أو أن يثبت أن البساطة هي الجوهر. فإن الرد سيكون أن تحديد البساطة والتعقيد مختلف بين متلقٍّ وآخر. 

في النهاية، يبدو الموقف الحداثوي لرفض حكم القيمة متوافقاً كثيراً مع بنية الثقافة في هذا العصر، لكن لا أظن أنه بإمكاننا ألا نحكم على الأعمال الفنية، فنحن نعيش حكم التفضيل دائماً، ويبدو الأمر أشبه بمن يقول بانهيار السرديات ولا يزال الناس يموتون باسم الطائفية. 

بإمكاننا بالفعل اتهام المجتمع  بعدم التمتع بالصحة الجمالية، لكن برأي شخصي سيبدو نوعاً من النوستالجيا. إذ يجب الإقرار بوجود مفاهيم جمالية مغايرة تماماً خلقت معها استجابات جماهيرية مغايرة. فنحن في عصر انتهت فيه التجربة الحية للفن وكذلك انتهى دور حراس البوابات، وأصبحت الخوارزميات هي جوهر الانتشار والمحرك الأساسي للتفاعلية التي لا تعني أن الانجذاب سيتجه نحو العمل الأفضل، بل نحو العمل الأكثر قابلية للبارودي وإعادة الإنتاج بنسخ مختلفة والمحاكاة بالرؤى كافة. ومع نسبة تركيز لا تتعدى الثماني ثوان للمتلقي السايبري، سيحدث بالتأكيد تغير صارخ على المادة الفنية، التي ستدخل في سباق سرعة، وهذا بدوره سيؤثر على مفهوم الإبداع وصناعته، وعلى شكل الأثر الفني. إذ لم يعد هناك فن يشبه أثره الابتلاع أو إيقاظ المتلقي لتجاربه.

الفنان والمستخدم

ربما قتلت السوشال ميديا الإبداع بمعناه التقليدي، إلا أنها أسست لديموقراطية الفن بشكل ملموس للمرة الأولى في التاريخ. ويمكن أن نستبدل كلمة فنان بكلمة مستخدم على المستوى القريب، ونحن في انتقال من تجربة فنية تعتمد على المادية إلى أخرى تعتمد على الويب. وستتم إعادة تعريف الفن مجدداً مع تغير شكل الوعي العالمي. والتغيير الذي أقوله ليس متعلقاً بثنائية شكل ومحتوى بالتأكيد، في ظل عدم قابلية الحكم على عمل فني بأنه جميل رغم اعتراضي على مضمونه. لكن الذي أقوله أنه وكما هو معتاد في الانتقالات التاريخية، فإن تقديس أشكال فنية وأدبية دون غيرها أمر ينتهي برومانسية حالمة فقط. ويجب الخروج من سؤال: هل نحافظ على ما بقي من فن أو أننا نحتاج إلى ثقافة جديدة. فذلك كله لن يغير شيئاً، فالأدوات على مر التاريخ هي من تشكلنا وليس العكس، والآن نحن في عصر الـReels واتفاقيات الخصوصية والتسريبات الجنسيّة