fbpx

حقبة جيولوجية جديدة… هل بات انهيار الأرض وشيكاً؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تشير بيانات علمية عالمية موثوقة إلى أن البشرية تمكنت في الـ 50 السنة الماضية من إضافة كميات من الطاقة إلى نظام مناخ الأرض توازي 25 مليار قنبلة نووية، ما ترك آثارا مدمرة لا فقط على الأرض والنظم البيئية ، بل على العمر الجيولوجي للأرض.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

هناك تغيرات هائلة في سطح الأرض، تغيرات يقدرها العلماء بأنها تبلغ نحو30-50% بفعل النشاط البشري. وهذا التغير أدى إلى زيادة معدل انقراض الأنواع بمقدار ألف إلى عشرة آلاف مرة في الغابات الاستوائية المطيرة. 

لكن كيف نفهم التغيرات التي حصلت خلال الألف عام الأخيرة لنصل الى ما نحن عليه اليوم؟

لو عدنا ألف عام إلى الوراء، نلاحظ بأن مجمل مساحة الأراضي المستغلة للزراعة لم تتجاوز 4 في المئة على مستوى العالم، بينما تبلغ اليوم 35 في المئة. في المقابل تصل مساحة الأراضي القاحلة 19 في المئة، والمحيطات المتجمدة لم تعد تغطي سوى 10 في المئة. 

انها صورة تشير الى تدهور كبير في نظام الأرض الأُم، والتي لم تعد تلك الأرض الغنية التي تحتل أوصافها ومزاياها النصوص الأسطورية والدينية والأدبية؛ بل هي أرض مُعَدَّلة بتربتها ونظمها البيئية وأنواعها، بما في ذلك النوع البشري. 

كانت معظم أراضي العالم عبر تاريخها الطويل، عبارة عن براري مغطاة بالغابات والمراعي والشجيرات والأنهار الجليدية، بينما تظهر بيانات عالمية اليوم حدوث انهيارات واسعة على الكوكب. 

تعرضت الأرض على مدى القرون القليلة الماضية، الى تغيرات دراماتيكية غير عادية، اذ تم تقليص الموائل البرية عن طريق تحويلها إلى أراضٍ زراعية، ما أدى الى فقدان العديد من الأنواع على الأرض وفي التربة، ناهيك بآثارها على أرشيف الأرض، أي طبقاتها الداخلية التي تحتوي على مجمل تاريخ الأرض منذ ظهور الحياة عليها على شكل البكتيريا قبل أكثر من مليار ونصف مليار سنة. 

تشكل الزراعة التهديد المباشر لـ 24,000 ألف نوع من أصل 28,000 ألف نوع مهدد بالانقراض وفق القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. ويعد التكاثر السكاني، النمو الاقتصادي، وازدياد الطلب على الغذاء والماء والطاقة من بين العوامل الرئيسية في تحويل البراري إلى أراض زراعية، عدا عن القضاء على التنوع الأحيائي لصالح الماشية. 

البشرية في كل مكان

ذهب عالم الأحياء الشهير تشارلز داروين الى المنحى ذاته حين كتب “أصل الأنواع” الذي صدرت طبعته الإنجليزية الأولى عام 1859، “حتى إن الإنسان بتكاثره البطيء قد تضاعف عدده خلال ربع قرن، وبهذا المعدل، لن يتبقى من الأرض ما يتّسع لوقوف خَلَفه فوقها، في أقل من ألف عام”. 

في الفترة ذاتها (1864) كتب الدبلوماسي والعالِم الأمريكي جورج بيركنز مارش في كتاب بعنوان “الإنسان والطبيعة”: “في حين يعتقد البعض بأن الأرض هي من صنعت الإنسان، في الواقع الإنسان هو من صنع الأرض”. وكان يقصد مارش بذلك بأن الأرض التي نعيش عليها أصبحت غير صالحة لسكانها جراء التدمير الوحشي والإفراط في استغلال مواردها ما أدى الى تعديلها وتغيير تركيبتها الجيولوجية. 

لم يكن الكاتب الأمريكي عالماً جيولوجياً، إنما أصبح كتابه “الإنسان والطبيعة” حيث تم تعديل عنوانه بعد مرور قرن على الطبعة الأولى وأصبح “الأرض كما تم تعديلها بفعل الإنسان”، مرجعاً يعود له علماء الأرض في سجالاتهم ومناظراتهم حول الضغوطات الهائلة التي تتعرض لها الأرض بفعل الإنسان. 

 تسبب النشاط البشري بتغيير سطح الأرض بنسبة تتراوح بين 30 إلى 50% ، ما أدى إلى زيادة معدل انقراض الأنواع بمقدار ألف إلى عشرة آلاف مرة في الغابات الاستوائية المطيرة.

في عام 1873 شبّه الكاهن والجيولوجي وعالم الحفريات الإيطالي أنطونيو ستوباني (1824-1891)، أنشطة الإنسان بقوة تيارات كهربائية طبيعية جديدة يمكن مقارنة قوتها وعالميتها بقوى الأرض الكبرى. تحدث ستوباني بالفعل عن حقبة الأنثروبوزويك، أي حقبة البصمة البشرية. واليوم، تسكن البشرية في كل مكان، أو زارت جميع الأماكن على وجه الأرض تقريبًا؛ حتى أنه وضع قدمه على القمر وأرسل مركبات فضائية غير مأهولة الى كوكب المريخ، ما أدى إلى تغيرات هائلة في تاريخ الأرض وأزمنتها. وقد اعترف عالم المعادن والجيولوجي الأوكراني فلادومير فيرنادسكي (1863-1945) في عام 1926 بالقوة المتزايدة للبشرية كجزء من المحيط الحيوي. وكتب في هذا السياق “الاتجاه الذي يجب أن تسير فيه عمليات التطور، أي نحو زيادة الوعي والفكر والأشكال، يكون لها تأثير أكبر وأكبر على محيطها”. قبل ذلك التاريخ بعامين، صاغ العالِم الأوكراني مع الفيلسوفان الفرنسيان تايار دو شاردان (1881-1955) وإدوار لو روا (1870-1945) مصطلح عالم الفكر noosphere للإشارة إلى الدور المتنامي الذي تلعبه القدرات العقلية البشرية والمواهب التكنولوجية في تشكيل مستقبلها ومحيطها الحيوي.

قوة البشر توازي قوة النيازك

يصنف علماء الجيولوجيا قوة البشر على الأرض ضمن فئة من القوة، تشبه إلى حد ما قوة النيزك الذي اصطدم بالأرض قبل 66 مليون سنة، مما أدى إلى حدوث الانقراض الخامس الجماعي وبدء حقبة الحياة الحديثة أو ما يعرف بحقبة سينوزويك. وتعود منابع هذه القوة البشرية التي غيرت مناخ الكوكب وتسببت بفقدان الأنواع والتلوث، إلى الثورة الصناعية (1760-1820) بحسب تيار من العلماء، بينما يشير تيار آخر إلى أنها تعود لمنتصف القرن العشرين حيث شهد انتشار الأسلحة النووية وإطلاق المزيد من الانبعاثات إلى الغلاف الجوي للأرض. 

تشير بيانات علمية عالمية موثوقة إلى أن البشرية تمكنت في الـ 50 السنة الماضية من إضافة كميات من الطاقة إلى نظام مناخ الأرض توازي 25 مليار قنبلة نووية، ما ترك آثارا مدمرة ليس على الأرض والنظم البيئية فحسب، بل حتى على الزمن الجيولوجي للأرض. وهذا ما دفع العالمان (بول كروتزن ويوجين ستورمر) الى المطالبة بالتخلي عن اسم (الهولوسين) للحقبة الجيولوجي الحالية وتبديله باسم (الانثروبوسين). 

وتشكل حقبة الهولوسين التي بدأت مع نهاية العصر الجليدي الأخير قبل 12 ألف سنة، مع حقبة البليستوسين (1.8 مليون الى 12 ألف سنة قبل الآن)، العصر الرباعي الذي شهد ظهور الإنسان الواقف Homo Erectus قبل مليون و800 ألف سنة والإنسان العاقل Homo Sapiens قبل 500 ألف سنة، كما شهد انقراض انسان نياندرتال قبل 40 ألف سنة. وقد أدى تطور الإنسان وظهور أشكال اقتصادية واجتماعية جديدة في بداية حقبة الهولوسين (قبل 10 آلاف سنة)، الى ترك حياة الترحل والصيد وظهور مجتمعات بشرية مستقرة تعتمد على الزراعة. وتسمى هذه الفترة بالعصر الحجري الحديث حيث اتسم بالاستقرار الدائم في مستوطنات بشرية ثابتة شكلت الزراعة وتدجين الحيوانات الداعمان الرئيسيان في تطورها واستمرارها. 

حقبة الأنثروبوسين… ولادة من الخاصرة

في لقاء جمع أعضاء البرنامج الدولي للغلاف الجوي والمحيط الحيوي أقيم في المكسيك عام 2000، كان يتردد اسم (الحقبة الهولوسينية) بين المشاركين باستمرار، مما دفع بالعالِم الهولندي الحائز على جائزة نوبل في كيمياء الغلاف الجوي بول. ج. كروتزن (مواليد 1933) ليصرخ في وجه الحضور ويقول، “توقفوا عن استخدام اسم الهولوسين، نحن لم نعد في حقبة الهولوسين، نحن (كان يبحث عن اسم صحيح)، نحن في حقبة الأنثروبوسين”. كان ذلك بمثابة إعلان غير رسمي عن تجاوز الأرض الزمن الجيولوجي الهولوسيني، والدخول الى حقبة أخرى للأرض حيث أصبح الإنسان فيها جزءً من التغيرات الجيولوجية وأرشيف طبقات الأرض. 

ويعد تاريخ البشرية جزءً من الحقبة الهولوسينية التي بدت فيها ملامح الانقراض الجماعي السادس في تاريخ الأرض إذ أثبتت دراسات علمية على مدى القرن العشرين وبداية الألفية الثانية أن معدل الانقراض السنوي للأنواع على الأرض يعادل 100 الى 1000 ضعف المعدل الطبيعي.  

وبحسب دراسة سجل الحفريات يعود سبب ذلك إلى النشاط البشري الحديث مثل الانبعاثات، الصيد الجائر، تدمير النظم البيئية والتلوث. وكما تمت الإشارة، بدأت حقبة الهولوسين، وهي الفترة الأحدث في تاريخ الأرض، مع انتهاء العصر الجليدي الأخير، وتميز بارتفاع تدريجي لدرجات الحرارة على الكوكب وتغيرات في النظم البيئية. 

تم اختيار الاسم في عام 1833 من قبل عالم الجيولوجيا البريطاني تشارلز لاييل واعتمده المؤتمر الجيولوجي الدولي في مدينة بولونيا بإيطاليا عام 1885. وقد تطورت الأنشطة البشرية تدريجياً خلال حقبة الهولوسين إلى قوة جيولوجية ومورفولوجية كبيرة، كما اعترف بذلك عدد من العلماء في وقت مبكر.

في وقت لاحق من لقاء المكسيك لعلماء الجيولوجيا عام 2000، كتب بول كروتزن وعالم النظم البيئية المائية في جامعة ميشيغان يوجين ف. ستورمر (1934-2012) المنشور العلمي الأول حول تسمية الحقبة الجيولوجية الحديثة ونشراه في النشرة الإخبارية للاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية. وجاء في رسالتهما بأن التوسع البشري، سواء من حيث العدد أو من حيث استغلال الفرد لموارد الأرض، كان مذهلاً. على سبيل المثال زاد عدد سكان العالم عشرة أضعاف ليصل الى 6 مليار خلال القرون الثلاثة الماضية بتاريخ نشر تلك الرسالة (أكثر من 8 مليار اليوم). ونما عدد الماشية إلى مليار و400 مليون (حوالي بقرة واحدة لكل أسرة متوسطة الحجم)، فيما يزيل الافتراس البشري الآلي (مصايد الأسماك) 60 في المئة من الإنتاج الأولي للمحيطات في مناطق ارتفاع مياه القاع وأقاليم الجرف القاري المعتدلة، ما ترك تأثيرات موثقة على الدورة الطبيعية للعناصر المختلفة في أنظمة مستجمعات المياه. 

الأرض المُعدّلة

وبحسب مضمون الرسالة ذاتها، سوف تستنفد البشرية الوقود الأحفوري الذي تولّده الأرض في جوفها على مدى مئات الملايين من السنين ولا تراه الأجيال القادمة. 

إطلاق ثاني أكسيد الكبريت إلى الغلاف الجوي على مستوى العالم (حوالي 160 تيراغرام في السنة) جراء حرق الفحم والنفط، أكبر بمرتين على الأقل من مجموع الانبعاثات الطبيعية، فضلاً عن زيادة إطلاق ثاني أكسيد الكربون بنسبة تزيد على 30% والميثان بنسبة أكبر من 100% بالمقارنة مع الكميات التي تولدها النظم البيئية الطبيعية. يضاف إلى ذلك إنتاج النيتروجين صناعياً واستخدامه كأسمدة زراعية أكثر مما تنتجه جميع النظم البيئية الأرضية، علاوة على استغلال نصف المياه العذبة المتاحة. 

نتج عن كل ذلك، تغير في سطح الأرض بين 30-50% بفعل الإنسان، وهو ما أدى إلى زيادة معدل انقراض الأنواع بمقدار ألف إلى عشرة آلاف مرة في الغابات الاستوائية المطيرة. 

وعلى الرغم من جميع تلك البيانات والحجج التي تثبت التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، لم يكن هناك إجماع كاف حول علامات ظهور حقبة الأنثروبوسين وتاريخ بدايتها. مع ذلك، وبعيداً عن المجتمع الجيولوجي، أصبحت حقبة الأنثروبوسين تسمية شائعة في الدراسات والأدبيات العلمية المناخية. وفي يوليو 2023، أعلنت اللجنة الدولية للطبقات عن دخول الأرض إلى حقبة جيولوجية جديدة تسمى (الأنثروبوسين)، وهو اسم مشتق من اليونانية القديمة ويعني “الإنسان الجديد”، وقد أثار جدلاً علمياً واسعاً منذ أن أطلقه بول كروتزن قبل 23 عاماً. تتلخص مجمل سمات حقبة الأنثروبوسين في النمو السكاني، تعديل الطبيعة، تربية الحيوانات الأليفة على حساب الحياة البرية، القنابل الذرية، استخراج الوقود الاحفوري، تدمير النظم البيئية الأرضية للاستيطان والاستعمار والزراعة وكذلك تأثر الدورة الهيدروليكية للمياه بالنشاط البشري. 

استناداً إلى تلك الآثار وتزايد تأثيرات رئيسية أخرى ناتجة عن النشاط البشري على الأرض والغلاف الجوي، اقترح العالمان المذكوران استخدام مصطلح الأنثروبوسين للحقبة الجيولوجية الحالية، ذلك أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ، قد تغيّر المناخ بشكل كبير عن السلوك الطبيعي على مدى 50 ألف السنة القادمة. وسوف تظل البشرية قوة جيولوجية كبرى لآلاف السنين، وربما ملايين السنين كما جاء في رسالتهما.

استراتيجية مقبولة على مستوى العالم من شأنها أن تؤدي إلى استدامة النظم البيئية ضد الضغوطات التي يسببها الإنسان على النظم الأرضية، ستكون إحدى المهام المستقبلية العظيمة أمام البشرية، مما يتطلب جهود بحث مكثفة وتطبيقاً حكيماً للمعارف المكتسبة عن تأثير الوعي البشري والنشاط العقلي للإنسان على محيطه الحيوي. 

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.