fbpx

تعويم جديد للجنيه… هل يتجرّع المصريون “مرارة الإصلاح” إلى الأبد؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تتزايد الضغوط على الجنيه المصري في ظل استمرار شح السيولة من العملة الصعبة، مع محدودية موارد الدولة، وهو ما صنع حالة من عدم اليقين وغياب الرؤية في ما يخص مستقبل الاقتصاد المصري.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

منذ إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي عن حزمة قرارات استثنائية لرفع رواتب العاملين في الجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام، أثناء زيارته الأخيرة لبني سويف، في 16 أيلول/ سبتمبر، والمصريون ينتظرون تعويماً جديداً للجنيه، إذ يعقب رفع الرواتب في العادة تخفيض لسعر الجنيه، كما أن زيادة السيولة في السوق تزيد من معدل التضخم.

تعمل تلك الزيادات الطفيفة في الرواتب على تلطيف نسبي لحدة الأزمة الاقتصادية على موظفي الدولة الذين يعانون من ثبات مداخيلهم فيما ترتفع أسعار السلع بشكل جنوني. لكن يبدو أن الزيادة غير كافية والتضخم سيواصل التهام أي زيادة جديدة، إذ تبلغ مستويات التضخم 40 في المئة، بينما يشهد التضخّم في السلع الغذائية ارتفاعاً بلغ 72 في المئة بحسب البيانات الحكومية.

اجتمعت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في 21 أيلول لحسم مصير سعر الفائدة الذي يبلغ في الوقت الحالي 19.25 في المئة على الإيداع لليلة واحدة، و20.25 على الإقراض، في حين يبلغ سعر الائتمان والحسم والعملية الرئيسة للبنك المركزي 19.75 في المئة، فيما وصل معدل الفائدة الحقيقي إلى سالب 18 في المئة بعد حذف معدل التضخم، واضطر المركزي لتثبيت سعر الفائدة نظراً الى حاجة السوق لفترة من الاستقرار بعد زيادة الـ 1 في المئة الأخيرة في آب/ أغسطس الماضي، لتجنب زيادة تكلفة الإنتاج والتشغيل، وبالتالي مزيد من الإغلاقات وتعطل المشروعات، وليعطي لنفسه متنفساً للرفع في الاجتماعين المقبلين في الربع الأخير من العام الحالي.

يأتي التعويم المرتقب بعدما رفض الرئيس السيسي بشكل حاسم وقاطع تخفيض سعر الجنيه في حزيران/ يونيو الماضي، حين قال: “كثير من الناس يطالبون بمرونة سعر الصرف ونحن مرنون فيه، لكن عندما يتعلق الموضوع بالأمن القومي وأن ذلك سيضيع الشعب المصري فلا… ما نقعدش في مكانا”.

ولا تزال البلاد تترقب إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي حول المراجعة الأولى لبرنامج التمويل البالغة قيمته 3 مليارات دولار، في لعبة شد وجذب بين الحكومة والصندوق، إذ ينتظر الأخير وجود مرونة حقيقية في تسعير العملة المصرية وإجراء صفقات بيع أصول الدولة على أساس هذه المرونة، لضمان نجاح المراجعة الأولى لبرنامج التمويل كما يرغب صندوق النقد.

وقالت وزارة المالية المصرية في بيان، إنه تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على دمج المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج قرض الصندوق في توقيت واحد على أن يُحدد قبل نهاية عام 2023.

“كثير من الناس يطالبون بمرونة سعر الصرف ونحن مرنون فيه، لكن عندما يتعلق الموضوع بالأمن القومي وأن ذلك سيضيع الشعب المصري فلا… ما نقعدش في مكانا”.

ضغوط على الجنيه

تتزايد الضغوط على الجنيه المصري في ظل استمرار شح السيولة من العملة الصعبة، مع محدودية موارد الدولة، وهو ما صنع حالة من عدم اليقين وغياب الرؤية في ما يخص مستقبل الاقتصاد المصري، ما يزيد من الرهان على قرب حدوث تعويم جديد للجنيه المصري، ويفتح الباب أمام المضاربة حول السعر الذي سيصل إليه الجنيه قبل نهاية العام.

وتواصل المؤسسات والوكالات المالية إصدار التقارير التي تتضمن توقعاتها السلبية بشأن النظرة المستقبلية لسعر صرف الجنيه، وكان آخرها تقرير “معهد التمويل الدولي” الذي يرى أن سعر صرف الجنيه المصري يزيد بنحو 10 في المئة عن قيمته الحقيقة، فيما توقع بنك “كريدي سويس” في تقريره أن تنخفض قيمة الجنيه بنحو   20 في المئة.

 أما أكثر التقييمات تشاؤماً فكانت تلك المتعلقة بشهادة البنك التجاري الدولي في بورصة لندن، والتي تُسعر العملة المصرية عند 46 جنيهاً للدولار مقارنة بسعر سهم البنك المُتداول في البورصة المصرية، ويُعد التجاري الدولي هو البنك الأكبر في القطاع الخاص داخل مصر.

وتزداد الضغوط على الجنيه المصري من جانب القطاع المصرفي الذي أصبح مُعرضاً لخطر زيادة صافي الالتزامات الأجنبية بسبب التراكم الكبير لطلبات الاستيراد في ظل نقص العملات الأجنبية، فيما سجّل العجز في صافي الأصول الأجنبية في البنوك التجارية والبنك المركزي المصري 26.3 مليار دولار لشهر تموز/ يوليو الماضي، وفق بيانات السيولة الخارجية الصادرة عن البنك المركزي.

أي أن العجز في صافي الأصول الأجنبية أقل بنسبة هامشية جداً من احتياطي النقد الأجنبي لمصر (من دون الذهب) والذي وصل إلى 26.5 مليار دولار في تموز الماضي، وأرجعت “فيتش” السبب في اتساع العجز في صافي الأصول الأجنبية إلى استخدام البنوك المصرية أصولها الأجنبية في تمويل السوق ولجوئها إلى التمويل الأجنبي لتوفير العملة الأجنبية، وتمويل عجز الحساب الجاري في مصر.

وفي خضم هذا، يتم تداول الجنيه في السوق الموازية حالياً عند 40 جنيهاً بفارق كبير عن السعر الرسمي الذي يقترب من 31 جنيهاً، ويتحوط القطاع الخاص ضد احتمال حدوث انخفاض كبير في سعر صرف العملة، وهو ما ساهم في تعزيز سلوك المضاربة على الجنيه المصري، والرغبة في تحقيق سعر أعلى، بسبب علم المضاربين بأن العملة ستنخفض قيمتها في المستقبل. وذلك بواسطة العقود الآجلة غير القابلة للتسليم، والتي تُشير توقعاتها لسعر العملة المصرية عند 41.5 جنيه للدولار خلال 12 شهراً. 

وتدفع التوقعات السلبية للجهات الدولية ومضاربات السوق إلى جعل الجنيه المصري يميل نحو الانخفاض. وما يثير المخاوف أن تتحول هذه التوقعات إلى حقيقة قائمة تدفع الحكومة المصرية للحاق بها وتخفيض قيمة العملة عند نسبة قريبة منها، وهو ما يؤدي الى الدخول في دوامة جديدة من تخفيض قيمة العملة وارتفاع التضخم، بشكل قد يصعب على المواطن المصري تحمّله. 

وكانت الحكومة قد حررت سعر العملة ثلاث مرات منذ آذار/ مارس 2022، ما أدى إلى ارتفاع الدولار بنسبة 96 في المئة مقابل الجنيه خلال أقل من عام؛ ما جعل التضخم السنوي يصل الى أعلى مستوى على الإطلاق منذ أن بدأ المركزي قياس معدلات التضخم قبل أكثر من عقدين.

وفي حديث للمحلل المالي محمد مهدي لـ “درج”، قال إن الإجراءات السابقة لم تكن لتحرير سعر صرف العملة بالمعنى المتعارف عليه، أو كما يريد الصندوق والجهات الدولية، وإنما كانت مجرد خفض لقيمة العملة تجريه الحكومة في كل مرة لتخفيف الضغط مؤقتاً، وسرعان ما تعود المشاكل الهيكلية إلى الظهور وتتصاعد معها مستويات التضخم من جديد.

الآثار المتوقعة للتعويم

بسبب تأجيل المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي، لم تحصل مصر على بقية شرائح قرضها من الصندوق، وهو ما خلق لدى الأسواق حالة من التشكك وغياب الثقة.

ويشترط الصندوق تطبيق مرونة سعر الصرف لإتمام المراجعتين، ويرى أن مرونة سعر الصرف هي الحل الأمثل للمشكلة التي يعانيها الاقتصاد المصري وأنها ستجعل الجنيه عند قيمته العادلة، ما يساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية ويعود بالنفع على الصادرات، ويقلل من عجز الحساب الجاري، ويحقق الاستقرار.

وتُبيّن التجارب أن إجراءات مرونة سعر صرف العملة التي قامت بها مصر تنفيذاً لرغبات الصندوق، لم تنعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد المصري ولم تحقق الوعود التي تحدث عنها مسؤولو الصندوق مراراً وتكراراً، ولم تقدم حلاً للمشكلات الهيكلية التي يُعانيها الاقتصاد.

تأثير التعويم على التضخم

يتوقع هاني جنينة، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية، أنه عند تحرير سعر الجنيه المصري، في العام المقبل بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية، سيصل التضخم الى الذروة في الربع الأول من 2024، مشيراً إلى أن مستويات الارتفاع ستتراوح ما بين 45 – 50 في المئة، وذلك لأسباب عدة، منها تحريك سعر السلع المحددة إدارياً، ومنها الكهرباء والمحروقات، وارتفاع نمو السيولة في السوق.

وهو توقُّع المحلل المالي محمد مهدي نفسه، والذي قال لـ”درج”، إن تخفيض سعر صرف الجنيه المصري مجدداً خلال كانون الثاني/ يناير من العام الجديد سيؤدي الي تفاقم مستويات التضخم، العالية والمرتفعة بالفعل، بالمقارنة بمستويات التضخم في جميع دول العالم.

ومن المتوقع أن يؤدي التعويم إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى ملايين الأسر المصرية، لتنخفض معها القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، وذلك بفعل انخفاض قيمة الأجور الحقيقية، وفي ظل التأثير المحدود لزيادة الأجور الجديدة التي أقرها الرئيس المصري، والتي تستهدف شريحة محددة من المواطنين يُناهز عددهم 4.5 مليون موظف. بينما تعمل الغالبية العظمى من المصريين في القطاع الخاص الذي يبلغ الحد الأدنى للرواتب فيه 3000 جنيه، فضلاً عن العمالة المؤقتة في القطاع غير الرسمي، ما يعني أن القوة الشرائية للغالبية ممن لم تشملهم الزيادة ستنخفض بفعل أي تخفيض جديد للعملة.

تأثير التعويم على الأصول

تُلقي الحكومة المصرية آمالاً عريضة على بيع الأصول الحكومية لمستثمرين استراتيجيين بهدف الحصول على تدفقات من العملات الأجنبية تستطيع من خلالها الوفاء بالتزاماتها، ونجحت في جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار حتى الآن.

وقد طرحت حصصاً للبيع في نحو 35 شركة مملوكة للحكومة وللقوات المسلحة، وتستهدف جمع 4 إلى 5 مليارات دولار قبل نهاية السنة المالية الحالية بحلول حزيران 2024 من خلال بيعها لشركائها في دول الخليج، وينص برنامج الصندوق على قيام دول الخليج بإتاحة تمويل إضافي لصالح مصر بقيمة 14 مليار دولار عن طريق شراء الأصول المصرية.

وترى دول الخليج أن الجنيه يمتلك قيمة بأعلى من قيمته الحقيقية، ما يؤثر على تقييم الصفقات ويرفع من سعرها، ومع إدراكها أن تخفيض قيمة العملة مقبل لا محالة، فإنها تنتظر ذلك التخفيض بهدف الاستحواذ على الأصول المصرية بأسعار منخفضة، كما تتوقع الحصول على فرص أفضل رغم ما تقدمه الحكومة المصرية من مغريات.

وترغب الدول الخليجية في المزيد من الضمانات للتحوط من أداء السوق المصري المضطرب بفعل أداء العملة السيئ الذي يميل نحو الانخفاض، وهي لا تريد أن تتملك الشركات ومن ثم تنخفض قيمتها مع كل تخفيض جديد للعملة.

فعلى سبيل المثال، حصلت شركة أبوظبي القابضة التابعة للصندوق السيادي الإماراتي، على ضمانات من البنك المركزي قبل شراء حصص في ثلاث شركات مصرية بقيمة إجمالية 800 مليون دولار، إذ يضمن المركزي للشركة الإماراتية الحصول على 8 في المئة من قيمة الصفقة كعائد سنوي لمدة أربع سنوات، بهدف التحوط من سعر الصرف وضمان الحصول على عائد ثابت مهما تغيرت أوضاع السوق.

إذ إن تخفيض سعر العملة المنتظر سيكون موجهاً بالأساس إلى جعل الأصول المصرية جاذبة للشراء مع تدني قيمتها السعرية، حسب قول محمد مهدي لـ”درج”، على رغم أن المستثمر الخارجي يعرف أن هذه الأصول قيّمة للغاية ومُدرة للأرباح، بدليل أن الصفقات التي أُجريت في العام الماضي ارتفعت أسهمها قرابة 300 الى 400 في المئة. 

 ويعود ذلك إلى أن الهيكل التشغيلي لهذه الشركات جيد، ومعظمها ذات إيرادات دولارية، ويرى مهدي أن تحرير سعر الصرف لا يحصد ثماره إلا للمستثمر الأجنبي فقط، الذي ينظر الى قيم الأصول المعروضة بكثير من التمنع ويريد تخفيضات أكبر.

آثار التعويم على الإنتاج 

يعاني الاقتصاد المصري من عجز شديد في توليد العملة الصعبة بسبب زيادة الواردات عن الصادرات التي تعد نسبتها قليلة للغاية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، وذلك بسبب انحسار دور الدولة الاستثماري وبيع القطاع العام وتحجيم ما تبقى منه، فيما تجري مزاحمة القطاع الخاص على الفرص والإنتاج من الشركات المملوكة للقوات المسلحة والهيئات العسكرية ذات الطابع الاقتصادي.

بينما تزاحم الحكومة القطاع الخاص في الحصول على قروض البنوك التي تستخدمها لتمويل العجز المالي وسداد المستحق من أقساط وفوائد الدين المحلي، إذ زاد نصيب الحكومة من الإقراض البنكي من 49 في المئة في 2010 إلى 67 في المئة في 2020، وفي المقابل تراجع نصيب القطاع الخاص من 42 في المئة إلى 21 في المئة، أي بمقدار النصف في الفترة ذاتها، بالتالي تراجع نصيبه من الإنتاج والتصدير.

من ناحية أخرى، يؤدي تحرير سعر الصرف (تخفيض قيمة الجنيه عملياً) إلى تراجع الصادرات، ويشهد على ذلك تراجع صادرات مصر السلعية “غير النفطية” في النصف الأول من عام 2023 نحو 17 في المئة إلى نحو 16 مليار دولار، مقابل 19.3 مليار دولار قبل عام واحد، إذ بلغت صادرات مصر السلعية في 2022 نحو 35.61 مليار دولار، بارتفاع نسبته 12 في المئة مقارنة بعام 2021، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى نقص المواد الخام ومستلزمات الإنتاج التي تُستورد بالدولار.

لذا، فإن الحل المزدوج الذي يطرحه صندوق النقد بشكل دائم والمتمثل في الخصخصة ومرونة سعر الصرف، يؤدي الشق الأول منه إلى خروج الدولة من معادلة الاستثمار والإنتاج فيما تحتاج البلاد إلى استثمارات ذات حجم كبير في ظل انخراط القطاع الخاص في النشاطات الخدمية والاستهلاكية بالإضافة إلى ضعف قدرته على توليد الوظائف.

بالنسبة الى جذب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين المصرية، التي يرى الصندوق أن تحرير سعر الصرف سيشجع على جذبها، فإن هذه الأدوات هي التي فاقمت من حدة الأزمة الاقتصادية المصرية، إذ ساهمت في ارتفاع الدين الخارجي إلى نحو 165 مليار دولار حتى حزيران الماضي، وذلك لأن وزارة المالية المصرية تدير مسألة الديون على طريقة “مخطط بونزي”، فتقترض ديوناً طويلة الأجل لسداد فوائد القروض السريعة، وتستقبل قروضاً ساخنة لسداد أقساط القروض طويلة الأجل وفوائدها، إلى أن أطاحت الحرب الأوكرانية تلك الدائرة التي كانت تقترب من الاكتمال لتنفجر الأزمة ذاتياً من دون تأثيرات خارجية.

وعلى رغم أن التدفقات النقدية المنتظرة أصبح مشكوكاً في إمكان قدومها في ظل سعر الفائدة السلبي، فإن تلك التدفقات لم تفعل سابقاً سوى شراء الوقت واستقرار المؤشرات الاقتصادية الإجمالية على أمل أن تأتي استثمارات مباشرة طال انتظارها منذ عام 1977 من دون جدوى، لأسباب ليس من بينها ثبات سعر الصرف ولا ملكية الدولة للمؤسسات الإنتاجية كما يشكو صندوق النقد، بل لضعف البنية المؤسسية لاقتصاد السوق في مصر، وعدم قدرة الاقتصاد المصري على المنافسة في السوق العالمية استناداً على سلع ذات قيمة مضافة.

إذ لا يزال الاقتصاد المصري يغلب عليه الطابع الريعي ويعتمد على قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج وتصدير السلع الزراعية وبعض من الغاز الطبيعي في ظل الاكتشافات الأخيرة في البحر المتوسط، وبالتالي تُرجمت هذه التبادلات مع الاقتصاد العالمي إلى نمو في القطاعات غير التجارية مثل العقارات التي توسع النظام الحالي فيها إلى ما يفوق قدرة السوق على الاستيعاب، وكذلك البنية التحتية التي ساهمت في تضخم الدين الخارجي، الأمر الذي عرَّض البلاد لأزمة إتاحة النقد الأجنبي التي أصابت الاقتصاد بكامله بالضعف.

في المحصلة، لا تساهم حلول صندوق النقد في معالجة الهشاشة الاقتصادية للبلاد أو ضعف صمود البنية الاقتصادية أمام المؤثرات الخارجية، ولا تقترب من المشكلات الهيكلية في الاقتصاد المصري التي تتمثل في ضعف الإنتاجية وسوء توزيع الموارد وضعف الأجور وضآلة المُدَّخرات المحلية اللازمة للتصنيع وإهمال الزراعة، لصالح التوسع العقاري الفائض عن الحاجة، لكنَّ الصندوق لا يرى سوى الضبط المالي وتقليص النفقات الاجتماعية، الأمر الذي يؤثر على مداخيل السكان الذين تتآكل رواتبهم، ولا يحصلون على خدمات لائقة وضرورية.