fbpx

هل توقّفت إسرائيل عن القلق حول غزّة وأحبّت القنبلة؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تدليل احتمال استخدام القنبلة النوويّة لـ”إفناء” غزة شأن لا يمكن تجاهله، كونه يمسّ المنطقة بكاملها هو علامة على اللاعقلانيّة بأشد صورها، المتمثلة بالخراب الذي لا “حياة” من بعده.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بلغَ عدد المواطنين الإسرائيليين الذين قُتلوا إثر قصف قطاع غزة الـ 30 (وفق “حماس”). بعبارة أخرى، قتلت إسرائيل 30 من مواطنيها. الدولة التي رفع ممثلها في الأمم المتحدة، جيلعاد إدران،  شعار “ليس مرة أخرى-Never again”، في إشارة إلى أن مأساة الهولوكوست لن تتكرر، “ضَحّت” بـ30 شخصاً من مواطني الدولة العبريّة للقضاء على “حماس”.

إن تجاهلنا الأحاديث عن تطبيق بروتوكول هانيبال في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، البروتوكول الذي يسمح بقتل الإسرائيليين جنوداً ومدنيين منعاً لأسرهم، فنحن أمام تغيير علني وواضح في السيادة الإسرائيليّة على مواطنيها، فتركهم لموتهم والمخاطرة بحياتهم، يعنيان ببساطة، أن إسرائيل لم تعد تختلف عن الأنظمة العربيّة المحيطة بها التي تقتل مواطنيها وتهدّد حياتهم لـ”محاربة الإرهاب”.

تغير العلاقة بين المواطن الإسرائيلي والسيادة السياسيّة سببه أن 7 تشرين الأول هدّد الجسد الإسرائيلي المُفترض أنه مُصان بعد الهولوكوست، إذ انتشرت صور لهذا الجسد مُستباحاً، رأيناه للمرة الأولى منذ عقود لاجئاً وهارباً، بل ومفتتاً الى أشلاء. 

الصدمة أو الهجوم الذي شُبّه بـ11 أيلول/ سبتمبر (والذي يقاس في الحالة الإسرائيلية بنسبة الضحايا الى السكان، لا بالعدد كما في الحالة الأميركيّة) أطلق حملة الانتقام الذي يمكن أن يوصف من دون تردد بالأعمى، كونه أصاب إسرائيليين ولم تعد حماية حياتهم  هي مهمة السلطة الأولى، وهذا ما طالب به بوضوح المحتجون في إسرائيل الذين رفعوا شعار “الرهائن أولاً”.  لكن لا، إسرائيل تخوض “الحرب على الإرهاب” – وكما في كل مرة يُستخدم فيها هذا المصطلح-  يتخلّل هذه الحرب “نيران صديقة”، تقتل المواطنين لهدف أهمّ، القضاء على “العدو” الوجودي الذي يهدد إسرائيل بكاملها، بل “اليهود في كل العالم”، هذا إن تبنّينا البروباغندا الإسرائيليّة. 

لكن، العنف تجاوز “محاربة الإرهاب” نحو الإفناء، أي ضرورة القضاء على غزّة بوصفها مساحة موبوءة، “كل” من فيها “حماس” ، مدنيون وأطفال وأمهات وعجائز. نحن إذاً أمام عدوّ لا تصلح معه الترسانة “التقليديّة”، لذا دلّل “الفيلسوف” يوفال نوح هراري احتمال استخدام القنبلة النووية ضد غزة للقضاء على “حماس”، الأمر ذاته مع  وزير التراث في حكومة الائتلاف اليميني الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، الذي لم يتردد بالقول إن “استهداف غزة بقنبلة نووية أمر غير مستبعد”، التصريح الذي علق عليه الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوك قائلاً إنه “قمامة وغير عقلاني، وعبثي”.

تحوُّل “حماس” في قطاع غزة إلى خطر يبلغ من الشدة أنه يمكن استخدام سلاح نووي ضده شأن مُريع (أي يهدد العقل/ الروع)، بل يمكن القول إعطاء الميليشيا المسلحة قوةّ لا نعلم إن كانت فعلاً تمتلكها،  خصوصاً أن “الإفناء” النووي لن يقتصر بالطبع على القطاع، القنبلة النووية ليست سلاحاً تكتيكياً، ولا يمكن حصر أذاها، هي تمتد في المكان والزمن، تنفي “الآن” واحتمالات “الحياة” في المستقبل.

الواضح من وجهة نظر إسرائيل، أن 25 ألف طن من المتفجرات لم تكف، بل لا بد من سلاح ينفي أي استمرار للحياة في القطاع المحاصر، خصوصاً أن قائمة قيادات “حماس” الذين تم قتلهم، بعد كل قصف لم تنته، ما يعني أن غزة ليست إلا “الشرّ الأكبر” الذي لا بد من إفناء كل احتمالات ظهوره في المنطقة.

السعي نحو “الإفناء” لا يُخفى عن خطاب إسرائيل الرسمي، ذاك الذي يحوي نفحات من سردية “نهاية العالم”،  نتانياهو نفسه شبّه الجنود الإسرائيليين بأنهم امتداد ليوشع بن نون، الذي حسب الأسطورة، أوقف الشمس عن المغيب يوم الجمعة، للوصول إلى القدس، حدث توراتي استثنائي لا يمكن تكراره، وهذا بالضبط احتمال القنبلة النووية، حدث استثنائي، يولّد شمساً جديدة للقضاء على “الأعداء”، تدليل المجاز الديني هنا يبدو حذلقة، لكن تدليل احتمال القنبلة النووية بالأرقام يتجاوز ذلك نحو الرعب، ورغبة مخيفة في إفناء الآخر.

هل يمكن تدمير غزة؟ 

عام 2012، أنشأ مؤرخ العلوم والأسلحة النووية أليكس ويلرستاين مدونة بعنوان “خريطة نووية-Nuke Map”، تتيح لأي مستخدم اختيار المدينة التي يريد “قصفها”، ثم التعرف على نتائج هذا القصف، سواء كان السلاح نووياً أو هيدروجينياً، وبعد الاختيار  تقدم لنا المدوّنة معلومات عن دائرة الانفجار وتبعاتها، وعدد الضحايا ومقدار الخراب المُحتمل، أي بصورة أخرى، تتيح لنا المحاكاة أن نختار المكان الذي نريد تدميره ثم الاطلاع على نتائج هذا القرار.

لا نعلم بدقة أنواع القنابل النووية التي تمتلكها إسرائيل كونها لم توقع على اتفاقيات الحد من انتشار الأسلحة النووية، والأهم تنكر في الكثير من المناسبات امتلاكها، لكن سنجرب استخدام قنبلة نووية صغيرة ، W53 fission bomb الأميركيّة التي طُورت في الخمسينات، ثم إلقاءها فوق القسم الشمالي في غزة منتصف شارع صلاح الدين.

خريطة تحاكي استهداف قطاع غزة بقنبلة نووية من نوع W53 fission bomb

نتائج محاكاة إلقاء القنبلة تشير إلى حوالى 850 ألف قتيل، و720 ألف مصاب لحظة الانفجار، وبعد 24 ساعة، هناك حوالى 2.5 مليون قتيل في دائرة الانفجار الأولى، وحفرة بعمق 192 متراً.

المثير للقشعريرة في صورة الانفجار، أن القسم الشمالي من قطاع غزة سيختفي في دائرة الانفجار الأولى، والقطاع بكامله في الدائرة الثانية، أما الإشعاع فسيملأ غزة بكاملها وما حولها، لا داعي هنا لتخيل شكل الدمار، يكفي تأمل الأرقام، والسؤال، كيف ستتم حماية حياة الإسرائيليين؟ لنفترض إبادة غزة بكاملها ومن فيها، ماذا عن النصف مليون إسرائيلي على الأقل الذين سيقتلون، هذا إن افترضنا سذاجة أن المليونين من أثر القنبلة هم فلسطينيون وحمساويون! السؤال هنا، هل التضحية/ التفريط/ المخاطرة بحياة إسرائيلي واحد للقضاء على “حماس” هي فاتحة نحو مقتل غيرهم؟.

احتمال القنبلة النوويّة يدفعنا الى إعادة النظر في مفهوم “الإرهاب”، ذاك الذي يستحق قنبلة نووية للقضاء عليه، إذ لا بد من تعريفات جديدة لتبرر لا فقط إبادة القطاع بكامله، بل المواطنين الإسرائيليين، وتسميم المنطقة بالإشعاعات، خصوصاً أنه لم يسبق أن استُخدم سلاح نوويي ضد ميليشيا مسلّحة. لكن هذا الهوس والرغبة في إفناء غزة يمكن تفسيرهما كشكل من أشكال “المانيا-Mania”، تلك الرغبة في النصر الذي لا يحقق فقط إفناء الآخر والذات، بل “كلّ شيء”. إذاً، هل ثمن القضاء على “حماس”، إفناء المنطقة؟ هل الإسلام الأصولي يحتاج الى قنبلة نوويّة؟.

 لم تعلُ أصوات ضد تدليل احتمال استخدام إسرائيل القنبلة النوويّة، بعكس ما حصل حين روّجت أوروبا بأن روسيا ستستخدم السلاح النووي، وهنا المفارقة شديدة المأساوية والسخرية، إذ صدرت إدانة من مصدر في وزارة خارجية نظام الأسد، الذي أشار الى التصريحات بـأنها “تؤكد ما دأبت إسرائيل على إخفائه حول حقيقة امتلاكها هذا السلاح خارج أنظمة الرقابة الدولية”.

هل من “إنسان عاقل” بعد غزّة؟

ما زال صدى عبارة “لا شعر بعد أوشفيتز” التي أطلقها ثيودور أدورنو، يتردد بعد كل كارثة أو مأساة، سياق العبارة حينها يرتبط بالأشكال الفنيّة والثقافية التي لا بد لها أن تتغير. هكذا يفسر أدورنو العبارة لاحقاً، فأوشفيتز حدث “استثنائي”، عمليّة بيروقراطية وإدارية للإبادة المفترض ألا تتكرر، وأن يتغير “العالم” و”أشكاله الفنيّة” من بعدها.

نسأل هنا، يوفال نوح حراري، صاحب كتاب “الإنسان العاقل” الذي تربع على قائمة أفضل المبيعات لأشهر عام 2014، في حال استُخدمت القنبلة النووية، هل يمكن أن نقول “لا إنسان عاقل بعد غزة”؟.

 نطرح السؤال، لأن تدليل احتمال القنبلة النوويّة شأن لا يمكن تجاهله، كونه يمسّ المنطقة بكاملها ويهدد “استمرار الحياة” فيها، هو علامة على اللاعقلانيّة بأشد صورها، المتمثلة بالفناء،  ذاك الحدث الاستثنائي الذي يرتقي أحياناً إلى مستوى “المعجزات”، كأن يُؤخّر غروب الشمس، أو أن تُقتبس شعلتها شمال غزّة لأجل النصر، لكن الأهم، أن “الجريمة النووية” يلام “الكلّ” عليها. يقول حراري نفسه في كتابه ذائع الصيت، إن “إنتاج رأس نووي حالياً يتطلب تعاون ملايين الأشخاص الغرباء من كل أنحاء العالم، من العمال في مناجم اليورانيوم… حتى علماء الفيزياء النظرية…”، وفي حال سقطت القنبلة، كل هؤلاء “الغرباء” يوجّه لهم إصبع اللوم، من عامل المنجم إلى من ضَغَط على الزر الأحمر.

إعادة التفكير بـ”الحيوانات” و “المسافة صفر”

لا بد أيضاً من إعادة النظر في لفظ “الحيوانات”، الذي استخدمه وزير الدفاع الإسرائيلي لوصف سكان غزة. إن سلمنا به جزافاً، فنحن أمام مقاربة مختلفة لفهم ما يحصل في المنطقة، فالحيوانات/ الوحوش، تقع خارج نطاق السيادة السياسية، هم ليسوا مواطنين، ولا مُستَعمَرِين، ونتحدث عن سكان غزة المدنيين هنا، فضمن منطق الوحوش، هم كائنات لا يمكن توقع ماذا يمكن أن تقوم به، والقرين الوحيد الذي يشابهها في قدرته على الخروج من سلطة السيادة السياسيّة ومواجهتها، هو “السيد-The sovereign”، ذاك الذي بالتعريف الكلاسيكي، هو من يحدد حالة الاستثناء وكيفية التعامل معها. 

إن كانت إسرائيل في مواجهة مع “وحوش” إلى حد استخدام السلاح النووي، الصراع إذاً بلا قوانين، وبلا ضوابط، وهذا ما يتردد حين تبرير “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، إذ لم يجب أحد عن سؤال عدد الأرواح التي يجب أن تُزهق من أجل “النصر” أو رد الخطر، الإجابة دائماً، أن الهدف هو القضاء على “حماس”، العداد البشريّ غير مهم إذاً أمام الفناء.

هذه القراءة “وحش” في مواجهة “سيد”، تدفعنا أيضاً الى التفكير في الطبيعة التكنولوجية المستخدمة في الحرب، السلاح النووي يفترض عدواً لا بد من شلّه وإفنائه، عدواً وجودياً، لا مانع من “التضحية” بالمواطنين ودافعي الضرائب لـ”إبادته”، وهنا لا يمكن لنا سوى النظر بسخرية الى ما يحصل.

أميركا استخدمت السلاح النووي رداً على اعتداء بيرل هاربر، الذي تم بالطائرات والسفن، حينها استُخدم سلاح إبادة فوق هيروشيما وناكازاكي، أي سلاح استثنائي، يفوق التكنولوجيا التقليديّة، لا لإفناء اليابان، بل لإيقاف ماكينة الحرب التي تستخدمها، وهذه عادة بلاغة التهديد بالنووي، الهدف ليس الإبادة، بل الشلل.

لكن، في حالة “حماس”، “العدو الإرهابي” ذاك الذي يستحق الفناء، القنبلة فرضياً ستبيده عن بكرة أبيه، وتشل “أسلحته”. لكن، ما هي هذه الأسلحة التي لا بد من مواجهتها، دراجات طائرة، بنادق خفيفة، ومغامرات عن الاشتباك من “مسافة صفر” عبر فيديوات لمقاتلين ببنطلونات الرياضة يضعون العبوات “منزلية الصنع” فوق الدبابات. نحن أمام استخدام لليومي والمبتذل كسلاح، يمكن أن تتفوق عليه أي بندقية إسرائيليّة، فلمَ النووي إذاً؟.

نقتبس من لقاء مع هراري  قول فيه، إن “البشر أشبه بخراف يمتلكون أسلحة نوويّة… والخراف التي تمتلك أسلحة نووية أخطر من الذئاب التي تمتلكها… لأن الخراف أكثر خوفاً”، السلاح النووي إذاً علامة على الخوف، استدعاؤه تجلٍّ للحظة يأس، والهدف هو إبادة “الوحش”، ذاك الذي لا يمكن ترويضه أو إدخاله ضمن النظام القانوني، بل يجب فقط قتله وإفناء سلالاته حتى لو كان ذلك على حساب المواطنين الإسرائيليين أنفسهم.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.