fbpx

لم أعد خائفاً من آذان الجدران أو صور بشار الأسد

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

غدت أذهاننا مُجنَّدة لسنوات طويلة، استطاعوا أدلجة عقولنا منذ الصغر عن القائد الخالد وعن ابنه الذي لقّبنا سوريا به “سوريا الأسد”، كبرنا على كل هذا المحبة لشخص لا نعرف عنه شيئاً سوى الشعارات والأحزاب والصور، لندرك أخيراً أن هذا كله كان مجرد كذبة، كذبة كبيرة اسمها “بشار وبس” 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم أتخيّل يوماً أنني قد أكتب هذا المقال، أو أن أقف ممتعضاً أمام صورة لبشار الأسد، لم أعد أستطيع قول كلمة رئيس حتى، ربما يمكنني مناداتك بسيد التصوير والوضعيات الفوتوغرافية، وربما صاحب الابتسامة الخبيثة… 

كل شيء يصلح إلا أن تكون قائداً لنا نحن الأحرار الذين مللنا منك. أقف اليوم أمام صورك الموزّعة في الشوارع، صورك المكررة والمبتذلة، أسأل نفسي، لماذا لا نزال مجبرين على رؤية وجه شخص يضحك طوال الوقت أمام حزنا وانكسارنا؟!… 

كثيراً ما راودتني رغبة كبيرة للتوجه نحوها وانتزاعها وتمزيقها إرباً، هذه اللحظة حبيسة داخلي منذ أكثر من 20 عاماً، منذ وُلدت في منزلٍ محاطٍ بصورك، كبرت أمام وجهك المتكرر، حملت صوراً لك ولوالدك في جيب صدرية المدرسة، وقفت في صفّ مع مئات الطلاب، علّمونا كيف نضرب تحيّةً لصورة أعلى منا دوماً، كنا نحاول رفع رؤوسنا عالياً وفي وجه الشمس فقط كي لا نعاقب، كنا نردد اسمك كل صباح قبل أن نعرف أسماء أقراننا في الصف.

غدت أذهاننا مُجنَّدة لسنوات طويلة، استطاعوا أدلجة عقولنا منذ الصغر عن القائد الخالد وعن ابنه الذي لقّبنا سوريا به “سوريا الأسد”، كبرنا على كل هذا المحبة لشخص لا نعرف عنه شيئاً سوى الشعارات والأحزاب والصور، لندرك أخيراً أن هذا كله كان مجرد كذبة، كذبة كبيرة اسمها “بشار وبس” 

طفولتي واسم بشار

ككل الأطفال من حولي، اقتبست هذه المفاهيم والمبادئ عن غير قصد، اللاشعور داخلي امتلأ بكل أفراد عائلة الأسد، استطاعوا إقناعنا بأن الموت في سبيل الوطن يُدعى استشهاداً، كنا أطفالاً نتمنى الموت من دون أن نعرف لماذا. تكرار هذا المطلب لم يترك لنا أي مجال للتفكير، لماذا لا نتمنى أن نعيش بدلاً من أن نموت؟!، كبرنا وعرفنا أن الوطن تُقصد به عائلة الأسد، والاستشهاد من أجله يعني الموت من أجل بقائهم لا أكثر!

من طلائع البعث إلى الحزب مروراً بالشبيبة وكل الأنشطة والفرق الحزبية التي تدعم هذا النظام المشلول، أمام كل التضليل السياسي والإعلامي والإخباري، كان من الصعب الاقتناع بأن الأسد شخصٌ سيئ، كيف سنصدق أن الشخص الذي هتفت له حناجرنا كل هذه السنين ونحن صغار، قد يقتلنا في اللحظة التي ننطق بها بكلمة واحدة… حريّة! 

بمرور الوقت، بدأت أكتسب فهماً أعمق للأحداث المحيطة بي، تداعيات الأحداث السياسية، الانتهاكات والقمع والأوضاع الاقتصادية الصعبة، تلك القصص والشهادات والمعاناة المستمرة، وسّعت مفهومي للمشهد السياسي هنا، استطاعت نقلي من طفولة المسيرات والتشبيح والهتاف لعائلة الأسد إلى التظاهرات والحِراكات المعارضة، وجعلت الوقوف مع حشود المتظاهرين في السويداء وإدلب وحلب إحدى أمنياتي، فقط أريد أن أحمل عريضة كبيرة وأهتف: “حرية وبس!”

وقفت سابقاً أمام إحدى التظاهرات في دمشق، في المكان نفسه الذي وقفت فيه وأنا طفل أمام إحدى المسيرات. يقف المشهدان في ذاكرتي وجهاً لوجه، تختلط الأصوات والعبارات والألوان، أشاهد عدداً كبيراً من الناس الذين هتفوا لبشار سابقاً في تظاهرات اليوم، يشاركونني هذه التجربة بكل ما فيها من مرارة وصبر وأحلام، الشخص الذي وقفنا معه سابقاً هو ذاته الذي قتلنا وشرّدنا وأتعبنا، هو ذاته الذي نريد إسقاط تماثيله من شوارعنا ونزع صوره من أمامنا، الخوف بدأ يتلاشى رويداً رويداً مقارنة بالسنوات السابقة، وهذا مؤشر حقيقي إلى أن الانتفاضة محقّة، وستصل الى ما تريده رغم هذا الخوف كله.      

كبرنا على كل هذا المحبة لشخص لا نعرف عنه شيئاً سوى الشعارات والأحزاب والصور، لندرك أخيراً أن هذا كله كان مجرد كذبة، كذبة كبيرة اسمها “بشار وبس” 

داخل الجدران وخارجها

من أصعب المواقف التي واجهتها في مرحلة انتقالي الى الحياة الجامعية، هو الانسلاخ عن المبادئ التي تشبّعت بها. خلال هذه المرحلة، استطعت رؤية الواقع الداخلي في البلد عارياً كما هو، وكان مرعباً حرفياً، كل القصص التي رسمناها في مخيلتنا منذ الصغر غير حقيقية. النظام العسكري يحكم مفاصل البلد بطريقة تجعله مشلولاً، والأنظمة التي تجعل بلدانها مشلولة قادرة على شلّ شعوبها أيضاً. التفكير بالسياسة السورية ليس أمراً سهلاً، بخاصة إن كنت في وسط مراقب ولا أمان فيه، فبمجرد أن تطلق رأياً أو حكماً أو تعليقاً بسيطاً عن الوضع، ستجد نفسك في قبضة الأمن.

 علّمنا النظام أن جميع من حولنا مخيفون ولا نستطيع أن نثق بهم، هذا التسيس ممنهج منذ بداية استلام عائلة الأسد الحكم في سوريا، وبدأ بالانتشار بين الشعب مع بسط حزب البعث سلطته، زرعوا بيننا الخوف وعلّمونا التخوين… فكل من يستطيع الإفشاء عن شخص لديه رأي مخالف للنظام سينال مكافأة مادية مقابل هذا الأمر، وسيختفي الآخر في المقابل. استطاع نظام الأسد أن يحسب حساب كل شيء يمكن أن يواجه حكمه، وضعَ خططاً استراتيجية بانت جذورها اليوم، روّض شعباً كاملاً لسنوات ونجح في ذلك فقط ليحقق مراده. لكن، ماذا لو وجَّه هذه الأفكار والخطط لصالح الشعب والبلد، ماذا لو استهلك هذه السنوات كله في خدمة الناس والتفكير معهم لا عليهم، أم أن النجاة تعني قتل الشعب وهدم بيوته ووضع صورة شخصية أمامه!   

تجربتي في الجامعة والانخراط في البلد والتنقل بين محافظاته، كانت السبب الأول والأساسي في كرهي النظام وتشكّل رؤيتي السلبية تجاهه، من المؤسسات الحكومية إلى المعاملات الفاسدة والنظام الأمني والاعتقالات والأحكام والتجويع المقصود والأحداث المؤلمة الأخرى التي شاهدتها… لم يعد بإمكاني إنكار ما رأيته، فقد خدعنا النظام طوال هذه السنوات. وفي وجه هذه المشاهد المروعة كلها، بقي الزعيم يبتسم في صورة ضخمة تتم طباعتها بتكلفة باهظة تصل إلى ملايين الليرات السورية… وتعلّق فوق المشردين والأطفال الذين يأكلون من حاويات القمامة. يتصاعد صراعي الداخلي عندما أستذكر طفولتي وكل التأثيرات السلبية والتشبيح الذي مورس علينا. في إحدى المرات، عندما عدت إلى المنزل، سألت والدتي: “هل خدعنا نظام الأسد؟”، هذه الجملة البسيطة أثارت غضبها بشدة، التفتت نحوي وصرخت قائلة: “سكوت، لا تحكي بالسياسة!”، وهكذا استمرّ والداي في إسكاتي طوال هذه السنوات، كلما حاولت قول كلمة غير معتادة عن النظام أو أن أطرح سؤالاً عادياً عن البلد، مبررين ذلك: “الحيطان إلها آذان!”.

يراقبني اليوم والداي بينما أكتب هذه المقالات وأقرأها بصوت مرتفع أمامهما، لم يستطيعا ردعي أو إيقافي منذ امتلكت اسماً صحافياً مستعاراً، أعلم أن والديّ خائفان، ولا يريدان لابنهما/ابنتهما أن يختفي يوماً ما، فالآباء الذين يخافون من جدران سميكة لن يثقوا باسم مستعار، “مفكّر إنو ممكن تحمي حالك بمجرد اسم غريب!”، يقول والدي بينما أرفع بدوري صوتي عالياً أكثر فأكثر، أسمع صدى صوتي المرتدّ من الجدران حولي، بهذه الطريقة أستعيد جزءاً مما فقدته سابقاً، أرمم الخوف الذي رافقني لسنوات، ومنذ سمعت أصوات التظاهرات التي تجتاح السويداء اليوم، لم أعد أخاف من هذه الجدران، على الأقل أصبح بإمكاني قول رأيي داخل هذا المنزل، والكتابة ساعدتني على حمل صوتي الى أبعد من تلك الجدران، وربما غداً، سيكون صوتي أعلى بكثير… صوتنا نحن السوريين الأحرار الذين نحلم بحياة عادلة وحسب، حياة من دون جدران ولا خوف ولا صورة لبشار الأسد!

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.