fbpx

سكان المقابر… ضحايا غير مرئيين في خطّة تطوير القاهرة 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

قد تنجو المقابر المسجلة كآثار من الهدم، لكن يظل عرفة وربيعة وجمعة وغيرهم في انتظار أن يصبحوا مرئيين، ويتم تعويضهم عن وضع اجتماعي لم تكن لهم يد فيه، وطموح لمشروع لم يراعِ حرمة الأموات والأحياء معاً.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لا يعرف بالضبط جمعة حسن متى انتقلت أسرته الى سكن مقابر الإمام الشافعي بالقاهرة، فالشاب الثلاثيني وُلد في “الحوش” الذي سكنت فيه عائلته منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، فيما ينتظر مثل غيره أن تطاوله جرافات الهدم بعد وضع علامات الهدم الحمراء على “الأحواش” التي تسبقه في الشارع.

“قالوا إن المحافظة ستعوضنا بمساكن بديلة، ولكن حتى الآن لم يتم تعويض أحد رغم أن موظفين من المحافظة جاؤوا للسكان وحصروا أسماءهم، ورغم هدم عدد ضخم من المقابر إلا أن سكانها ما زالوا في الشارع”.

ما يعرفه جمعة أن والده جاء قبل ما يزيد عن نصف قرن إلى القاهرة من بلدتهم أسيوط، واستأجر شقة قبل أن يتم إخلاؤه بسبب تصدع العقار. آنذاك، لم يجد سوى الانتقال إلى أحد الأحواش التي يسكنها قريب له يعمل فيها “تربي”، وتقاسم معه الغرفتين الموجودتين بالحوش، وبعد سنوات توفي “التربي” لينتقل الأبناء إلى الغرفة الثانية ويبقى الأب والأم في الغرفة الأصلية.

قبل سنوات، خطط جمعة للحصول على واحدة من شقق الإسكان الاجتماعي، إلا أن عدم حصوله على عمل ثابت منعه من استكمال الأوراق، فضاعت منه فرصة الحصول على الشقة، وهو ما ينطبق على أشقائه الثلاثة المتزوجين، إلا أنه استطاعوا استئجار شقق في مناطق عشوائية، لكنهم يعانون من تدبير إيجاراتها، بخاصة مع ارتفاع مصاريف المعيشة وفواتير المرافق خلال السنوات العشر الأخيرة، حتى أن شقيقه الأكبر اقترح أن يحضر أسرته ليعيش معه في الحوش.

“الأهالي لم يتركوا المقابر المهدمة حتى الآن، خوفاً من أن يضيع حقهم في الشقق التعويضية، فلجأوا في غالبيتهم الى أقاربهم ليحلوا ضيوفاً عليهم مع ترك فرد من الأسرة في مكان المقبرة المهدمة”، وهو ما جعل حوش جمعة مقراً لتجمع الجيران في الليل يجلسون ويتسامرون أو يفترشون الأرض لينالوا قسطاً من الراحة.

وفقاً لدراسة ماجستير تحت عنوان “تأثيرات تداخل الجبانات مع عمران إقليم القاهرة الكبري” للباحث محمود محمد المرسي بجامعة الأزهر، فإن إقليم القاهرة الكبرى يتضمن 51 جبانة مقسمة على 24 منطقة، تتداخل 14 منها مع العمران، إلا أن منطقتين فقط يوصف فيهما التداخل بالكثيف، هما منطقة الخليفة ومنشية ناصر وكذلك مصر القديمة، وهو ما تسبّب في نمط عمراني غير آمن وغير مخطط، ويطلق على هذه المناطق اسم الجزر السكنية، وهي المناطق التي تتداخل فيها مناطق الاستعمال السكني مع المناطق المخصصة لأغراض أخرى مثل المقابر.

“قالوا إن المحافظة ستعوضنا بمساكن بديلة، ولكن حتى الآن لم يتم تعويض أحد رغم أن موظفين من المحافظة جاؤوا للسكان وحصروا أسماءهم، ورغم هدم عدد ضخم من المقابر إلا أن سكانها ما زالوا في الشارع”.

لا يوجد حصر كامل لسكان المقابر في القاهرة، ولكن طبقاً لتقرير التنمية الاجتماعية الثالث  الصادر عن منظمة “الإسكوا” التابعة للأمم المتحدة لعام 2019، فإن مقابر القاهرة تضم نحو 250 ألف حوش، إلا أن الأحواش القريبة من العمران هي المؤهولة بالسكان، لا سيما مع وجود شبكة مياه داخل الأحواش، وأن بداية سكن الأحواش لم تكن في النصف الثاني من القرن العشرين، وإنما سبقتها بعقود عدة، إلا أنها تفاقمت في فترتي الستينات والسبعينات. ويشير تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2008، الى أنهم ما بين مليون ومليوني نسمة.

ووفقاً للتقرير، فإن بداية السكن في المقابر كانت مع تعيين الأسر حراساً للمقابر، ولكن مع بداية الستينات والمشروعات التي حظيت بها مدينة القاهرة، عمل هؤلاء الحراس على استقدام أسرهم من الأقاليم للإقامة معهم كنوع من الهجرة الداخلية. لكن، مع النكسة ونزوح آلاف من سكان مدن القناة، اضطر الأفقر منهم الذين لم يجدوا فرصة للحصول على شقة، للسكن في المقابر القريبة من القاهرة، فيما أدت أزمة الإسكان وسياسات الانفتاح إلى نزوح عدد آخر.

في كتابها “عمارة للأموات”، رجحت أستاذة العمران د. جليلة القاضي، أن سكن المقابر قد بدأ في القرن التاسع عشر، وقدّرت عددهم عام 1897 بحوالى 30 ألف نسمة.

في أواخر عام 2007 وأوائل عام 2008، ظهر إلى العلن مشروع “القاهرة 2050″، وهو مشروع يهدف إلى خلق منطقة خضراء مترابطة بشكل يحاكي مدن مثل طوكيو وباريس ودبي، ويشمل هذا المخطط إفراغ المناطق العشوائية وإزالتها، ونقل سكانها إلى مساكن بديلة. ووفقاً لتقرير التنمية الاجتماعية السابق، فإن المشروع استهدف تحويل مناطق الجبانات إلى متنزهات خضراء كبيرة، مع توفير بدائل للسكان الحاليين فيها من دون أن يحدد ماهية هذه البدائل، وقد قدم المشروع الهيئة العامة للتخطيط العمراني التي كان يرأسها رئيس مجلس الوزراء الحالي مصطفي مدبولي بصفه وزيراً للإسكان حينها.

في شارع داخل مقابر الشافعي، تقبع السبعينية ربيعة عبد الستار تنظر الى أحفادها الثلاثة الذين يلعبون بالقرب من الحوش الذي كانوا يسكنون فيه قبل أن يتم هدمه بالكامل.

تستفيد ربيعة من معاش تكافل وكرامة، رفع الرئيس عبد الفتاح السيسي قيمته إلى 700 جنيه(15 دولاراً) في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكن هذه الزيادة جاءت بعد فقدها الراتب الشهري الذي خصصته الأسرة المالكة للحوش مقابل حراسته والعناية به، بعد نقل رفاة المتوفين.

تقول ربيعة، “لم أفقد منزلي فقط، ولكن أيضاً مصدر الرزق الأساسي، فأنا أعيش بعد وفاة زوجي على راتب خصصته العائلة المالكة للمقبرة مقابل حراستها وتنظيفها، ومعاش تكافل وكرامة لا يكفي لأسبوع واحد، بالإضافة إلى الصدقات التي نحصل عليها من أقارب المتوفين، لكن هذا كله توقف الآن”.

تعيل ربيعة أحفادها الثلاثة بعد وفاة والدهم في حادث سير أثناء ذهابه الى العمل، وتركتهم من والدتهم. “زوجة ابني كانت مضطرة، فهي لم تحصل على قدر من التعليم يتيح لها العمل، كما تعبت من العمل في المنازل، فكان الزواج هو الحل الأمثل لها. ويعمل حفيدي الأكبر إلى جانب دراسته، ولحق به شقيقه الأوسط، أما الأصغر فلم يتعدَّ عمره الست سنوات”. 

تعهدت الأسرة التي تملك المقبرة بدفع الراتب الشهري لربيعة، إلا أنها تقول: “يمكن أن يدفعوه شهراً أو اثنين أو حتى عام، ولكن لن يستمروا في ذلك، بخاصة مع ارتفاع أسعار المعيشة، فلماذا يتحملون راتباً لخدمة لم يعودوا يتلقونها؟”.

تتمسك ربيعة بأمل تعويض الدولة بشقق بديلة مثل أهالي منطقة الأسمرات، بخاصة بعد حصر أسماء سكان المقابر، لكن ما تخشاه هو دخول فصل الشتاء عليها، وهي وأحفادها في الشارع، مشيرة إلى أن بعض سكان الأحواش التي لم تهدم بعد يستضيفونها هي وأحفادها في الليل ليناموا في “الحوش”، لكن مع دخول الشتاء سيصبح ذلك غير ممكن، بخاصة في حالة هطول أمطار.

في فيلم “حين ميسرة”، وصف الممثل عمرو عبد الجليل أبناء العشوائيات بأنهم غير مرئيين، حتى أنهم استطاعوا السير في الشوارع أثناء حظر التجول من دون أن يلتفت إليهم الجنود الموجودون على الدبابات، وبالمرارة نفسها يتحدث عرفة الضمار عن حال سكان المقابر الذين تجاهل أزمتهم الإعلام ومجلس النواب، بينما استنفروا من أجل الأموات وشواهد القبور.

“نحن أحياء نعيش ونتنفس، لكن لا يرانا أحد ولا يهتم بنا، ولم نسمع شخصاً واحداً يتساءل عن مصيرنا، ماذا سيحل بنا؟ كيف سنعيش أو أين؟ لم يسأل عنا أحد.

يتمتع عرفة محمد بقدر من التعليم يجعله يستطيع القراءة، وقد شاهد الكثير من برامج التوك شو التي ناقشت مصير المقابر التاريخية، وتكذيب الحكومة المساس بالمقابر التاريخية المسجلة بالآثار، لكن لم يناقش أحد مصير سكانها.

في نيسان/ إبريل 2022، وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإنشاء محور متحف الحضارة لربط متحف الحضارة بهضبة المقطم، وبدأت معه إزالة بعض المقابر، بما فيها مقبرة الأديب طه حسين، إلا أن أنباء الهدم تسببت في الكثير من الجدل، الأمر الذي أدى الى تراجع الحكومة عن الهدم. وفي أيار/ مايو الماضي، انتشرت صورة للمقبرة يمر فوقها جسر.

ومن المقابر التي كان من المقرر هدمها أيضاً، مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقي، إلا أن الحكومة عادت وكذبت تلك الأنباء ولم تمس المقبرة حتى الآن، أما المقابر التي لم تنال حظاً من الإنقاذ كانت على رأسها مقبرة الأديب المصري يحيى حقي.

في آب/ أغسطس الماضي، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صوراً وأنباءً عن هدم مقابر أثرية في منطقة الإمام الشافعي، وهو ما أنكرته الحكومة المصرية في بيان لها، جاء فيه: “رداً على منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، بينها منشور لعلاء مبارك، نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، تزعم تنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية وتاريخية، نفى المركز تلك الأنباء، مُؤكداً أنه لا صحة لتنفيذ الحكومة حملة شاملة لهدم مقابر أثرية”.

وأضاف “أن المقابر الأثرية كافة قائمة كما هي، ولا يمكن المساس بها، فهي تخضع لقانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، الذي يجرم أي عمل يتلف أو يهدم أثراً، مُؤكداً حرص الدولة على الحفاظ على الآثار بأنواعها وأشكالها كافة، ليس فقط للأجيال القادمة ولكن للإنسانية جمعاء”. 

نفي الحكومة لم يمنع رئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز في شرق القاهرة، الدكتور أيمن ونس، من الاستقالة احتجاجاً على ما وصفه بالتدمير الذي يحدث لمقابر القاهرة التاريخية، بحسب ما جاء في نص الاستقالة.

قد تنجو المقابر المسجلة كآثار من الهدم، لكن يظل عرفة وربيعة وجمعة وغيرهم في انتظار أن يصبحوا مرئيين، ويتم تعويضهم عن وضع اجتماعي لم تكن لهم يد فيه، وطموح لمشروع لم يراعِ حرمة الأموات والأحياء معاً.

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 16.05.2024

“مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع "مفاتيح دبي" بالتعاون مع مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد" OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.