fbpx

هل أصبحت مُقاطعة إسرائيل نمط حياة في الأردن؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

“لا شك أن العداون الإسرائيلي الحالي أحدث تراجعاً في استثمارات سياحية وعزوف مواطنين من قرارات الشراء، لكن أهم ما في هذه المرة من مرات المقاطعة، أنها فيها العموم، ووصلت معظم دول العالم والفئات العمرية وأصبحت ثقافة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يتداول أردنيون وأردنيات على وسائل التواصل الاجتماعيّ عبارة “أنا مش مقاطع، أنا مُستغني”، الجملة التي تحيل إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيليّة، والتي اتخذت شكلاًجديداً عن سابقاتها من حملات المقاطعة على مر عقود، كونها تتجاوز حدود المنطقة العربيّة نحو أمريكا وأوروبا. ناهيك بالأزمة الاقتصاديّة التي تواجهها إسرائيل إثر الحرب التي تشنها على غزّة، الأزمة التي يمكن تلخيص أثرها على إسرائيل بـ”كارثة اقتصاديّة” حسب افتتاحية صحيفة هارتس.

يمكن القول أن كثيرا من الأردنيين يحاولون الانتقال بالمقاطعة من منطق “الفزعة” (أي اتخاذ موقف شديد ومختلف ومؤقت)  إلى نمط حياة مستمرّ في الزمن، يعدل إثره الشخص سلوكه الاستهلاكيّ مُتجنباً شراء المنتجات التي تصنّف على أنها داعمة لإسرائيل.

المقاطعة في الأردن شأن سياسي واجتماعي  بسبب التركيبة السكانيّة في الأردن، التي يقيم فيها عدد كبير من الفلسطينيين، سواء كلاجئين أو مجنسين من أصول فلسطينيّة، ما يجعلهم على تماس مباشر مع ما تشهده غزّة، ما يجعل المقاطعة شأن شخصي في كثير من الأحيان لا مجرد موقف سياسي- إنساني للوقوف إلى جانب الغزيين في مأساتهم.

يُمكن لمن يتجول في بعض أسواق الأردن أن يتلمس أساليب جديدة للمقاطعة كنمط حياة،  إذ تسمع في  السوبر ماركت سؤالاً مُتكرراً،  يطرحه بعض الزبائن على الباعة: “عندك بديل عن هاد المنتج؟”، في إشارة للبحث عن منتجات محلية بديلة عن المنتجات الأمريكية والإسرائيليّة.

وصلت هذه الاستراتيجيّة في بعض الأحيان إلى حيلة تسويقيّة، اقتنصتها مقاهي ومطاعم أردنية، مثل الإعلان الذي ملأ مواقع التواصل الاجتماعي  لعلامة القهوة المحلية “معروف”، التي كتب إعلاناً ترويجياً ومشجعاً لمقاطعة مقهى “ستاربكس” حيث نشر: “لا تكون خروف، خليك بموقفك معروف”. ذات العلامة التي استخدمت سابقاً شعاراً مشابهاً للترويج لمنتجاتها واستهداف شاربي القهوة “العنيدين” الذين يرفضون تبديل قهوتهم المفضلّة.

مطاعم الوجبات السريعة سارعت في ابتكار وجبة “هابي ميل”، كبديل عن وجبة الأطفال “هابي ميل” التي يقدمها مطعم ماكدونالدز، فضلاً عن دجاج “البروستد” الذي غزا مطاعم محلية كبديل عن “الكي إف سي”، ناهيك عن أن الشراب الغازي الأردنيّ (ماتريكس)، عاد إلى الصدارة منذ بداية الحرب على غزة،  كبديل عن “البيبسي”.

 هذا البديل الذي ظهر بسرعة واحتل ثلاجات “البيبسي” في الأسواق الأردنية، وعد زبائنه مؤخراً بإنتاج “ماتريكس دايت”، علاوة على ذلك ظهور منتج “غود داي” كبديل عن “النسكافيه”.

هي سياسة تسويقيّة لا يمكن إخفاء دوافعها “النبيلة” لكنها في ذات الوقت محاولة من السوق لاغتنام الفرصة، وطرح الشركات المحليّة لبضائع قد تكون قادرة على استبدال تلك “الأجنبيّة”، التي يحوي بعضها مصانع تعبئة في الأردن، كحالة كوكا كولا، أي بصورة ما، المعيار تسويقي- أديولوجيّ ولا علاقة له بالنوعيّة، الشأن الذي سيكون الحكم في النهاية، والقدرة على مواجهة الماكينات الإعلانية التي تمتلكها الشركات العابرة للقارات.

درجات الوعي بالمقاطعة الشعبيّة

 تعلق الناشطة الأردنية شذى الحياصات في حديثها ل”درج” عن استراتيجية المقاطعة وأثرها على الشارع الأرنيّ  بقولها: “وصلت مرحلة المقاطعة بالنسبة للشارع الأردني، إلى حد أن نُقيّم علاقتنا بالأشخاص المحيطين بنا، بناء على مدى التزامهم بالمقاطعة ووصولهم/ن فعلاً إلى مرحلة الاستغناء”.

تضيف الحياصات قائلة: ” هذه ليست المرة الأولى التي يتجه فيها الأردنيين/ات إلى مقاطعة المنتجات لإسرائيل، فالمُراقب يدرك أنه مع كل حرب إسرائيلية على غزة تظهر حملات المقاطعة في الأردن بقوة، لكن الفرق بين اليوم والأمس، أن حجم وبشاعة المجازر التي ترتكب في غزة، جعلنا نشعر بالخجل من أنفسنا ونحن نساهم في دعم إسرائيل من خلال شراء المنتجات الداعمة له”.

تستشهد شذى بمثال طريف، لكنه في ذات الوقت يكشف حجم الإصرار الشعبي الأردني على المقاطعة، وهو محاولات الشركة الأردنية الوكيلة لمطعم “ماكدونالدز” بإثبات أنها “غير داعمة لإسرائيل”، وتقول في هذا السياق: “بدأت الشركة ترسل رسائل نصية تزعم أنها غير داعمة لإسرائيل إضافة إلى تعليقها بوستر: ندعم غزة، على واجهات فروعها في المملكة، فضلاً عن إسدالها ستار محلاتها حتى لا تفضح نفسها بأن محلاتها باتت فارغة”.

تختم كلامها ساخرةً: “بعد كل تلك المحاولات التي باءت بالفشل، أصبحنا كأردنيين/ات نرد على المحاولات بنشرنا عبارة على مواقع التواصل الاجتماعي: والله لو تبثوا كلمة أبو عبيدة لايف من ماكدونالدز رح نضل مقاطعين!”.

“هذه المرة ليست ككل مرة”، يقول محمود عبد ربه، الموظف في إحدى أسواق “الهايبر ماركت” في العاصمة عمّان في حديثه لـ”درج”، ويفسر: “في السابق كان الزبائن وخلال حملات المقاطعة، يبحثون عن بدائل لسلع معينة ومحددة، كبدائل عن النسكافيه، ومساحيق الغسيل، لكن اليوم بات الزبائن يدخلون في تفاصيل أكثر وبدائل أوسع، كمعجون الأسنان، الشامبو، الفوط الصحية، المعكرونة، المشروبات الغازية وغيرها”.

ختم عبد ربه بذكر حادثة يومية يشهدها منذ بداية الحرب على قائلاً: “كل يوم يأتي مندوبو الشركات الداعمة لإسرائيل ويتفحصون حجم استهلاك مُنتجاتهم، ويرون أنها كما هي، ونحن كما نحن نمسح كل صباح الغبار عنها”.

“وصلت مرحلة المقاطعة بالنسبة للشارع الأردني، إلى حد أن نُقيّم علاقتنا بالأشخاص المحيطين بنا، بناء على مدى التزامهم بالمقاطعة ووصولهم/ن فعلاً إلى مرحلة الاستغناء”.

 “المقاطعة أول خطوة نحو الاستغناء”

طرحت السؤال التالي على منصة “إكس” لغايات إعداد هذا التقرير: هل هناك جدوى حقيقية من مقاطعة المنتجات الإسرائيليّة؟ وهل أنتم/ن في مرحلة المقاطعة أم الاستغناء؟

من ضمن الإجابات كانت لمأمون الرفاعي الذي علق: “المقاطعة هي أول طريق للاستغناء .. سعادة غامرة بالنظر لانتعاش الصناعات الوطنية و ازدهارها”.

وعلق الناشط السوري محمد صباح: “نعم مجدية جدا هي مقاطعة تصل للاستغناء ثم الاعتماد على المنتج الوطني والاكتفاء الذاتي أي ما يجعل القوة الاقتصادية المحلية في تحسن دائما وتقليل الأسعار لأنه لا يوجد جمارك و ضرائب ثم مرحلة التصدير هذه فرصة من ذهب للوطن العربي وتغير معادلة كبرى وقوة اقتصادية”.

مرام ممدوح (37) عاماً سيدة مصرية، قالت لـ”درج”، أن المقاطعة وصلت إلى مرحلة التنافس بينها وبين جاراتها في القاهرة، وتوضح: “أصبحنا نتسابق في اكتشاف بدائل مصرية عن المنتجات الداعمة لإسرائيل، ووصلت منافستنا إلى حد قدرتنا على إقناع أطفالنا بالاستغناء عن المطاعم الأميركية وتقبل المطاعم المصرية كبديل دائم”.

وتضيف: “تفاصيل كثيرة تحررنا منها منذ العدوان الحالي على غزة، ومن خلالها شعرنا أن الضمير ما يزال صاحي، كقهوة ستاربكس الصباحية بعد إيصالنا لأطفالنا إلى المدرسة، كشراء ملابس من محال داعمة لإسرائيل أون لاين، والأهم طريقة تربيتنا التي هي أيضاً تغيرت، وأصبحت تركز على أنه عندما يكون جارك مهموم، من العيب أن تبقى كما أنت أمامه، وغزة جارتنا!”.

وتعليقاً على حجم اتساع المقاطعة، قال الخبير الاقتصادي الأردني الدكتور قاسم الحموري ل”درج”: “لا شك أن العداون الإسرائيلي الحالي أحدث تراجعاً في استثمارات سياحية وعزوف مواطنين من قرارات الشراء، لكن أهم ما في هذه المرة من مرات المقاطعة، أنها فيها العموم، ووصلت معظم دول العالم والفئات العمرية وأصبحت ثقافة”.

ورجح الحمور أن حجم التطور  “ممكن جدا أن يتطور ويكبر وينمو وأصبح الناس يتحرون عن السلع بطريقة التفتيش، ولا شك أن المقاطعة أحدثت تأثيراً كبيراً على الشركات المنتجة بحيث أن أسمهما في السوق المالي تراجعت بشكل واضح وملموس وبات من الضروري أن تتخذ إجراءات لإنقاذ نفسها، ولا أستباعد أن تلجأ إلى التحايل مثل تبديل اسم المنتج، لكن برأيي أن هذا صعب لأن الناس تتحرى على مواقع التواصل الاجتماعي عن أصل وفصل كل منتج”.

هل المقاطعة تؤثر على أرزاق العاملين في فروع الشركات الداعمة في الوطن العربي؟ سألنا الحمور وأجاب: ” من باب المسؤولية الاجتماعية أن تستقطب الشركات المحلية العاملين في الشركات المُقاطعة، وهو أمر ظهر جلياً في الأردن إذ أعلنت مطاعم ومقاهي عن فتح باب التوظيف لأولئك العاملين”.

هل المقاطعة أداة فعّالة ؟

سألنا المحلل الاقتصادي الأردني هيثم حسان عن فعالية المقاطعة كأداة للضغط السياسي والاقتصاديّ، وأجاب: “نعم، المقاطعة سلاح فعال ومؤثر، وهي فعل مقاوم، وفعل نبيل، رغم أنها فعل امتناع، بمعنى سلبي، لاتفعل شيء سوى أن تتوقف عن ممارسة فعل أو سلوك قد يؤذي الأبرياء والضحايا، وهي، بلاشك، فعل ضاغط على الشركات الداعمة لإسرائيل، ويمكن أن تؤدي إلى تراجع إيراداتها وخفض أرباحها، وربما لاحقا إلى انسحابها من السوق، أو تعديل مواقفها السياسية لتتماهى مع توجهات المجتمعات المستهلكة، أو أن تقف على الحياد في أسوأ الأحوال”.

وأضاف: ” المقاطعة فعل واع وتراكمي للمجتمعات، عندما تقوم في اللحظات الحاسمة والمصيرية، بفرز الاصطفافات: من هم في صفها ومن هم ضدها، حيث اكتشفنا في المدة الأخيرة أن معظم السلع التي نتناولها أو نتداولها هي لشركات داعمة بشكل مباشر لإسرائيلي سواء بمواقفها او عبر تقديم التبرعات والمنح له، وكذلك بعض وسائل التواصل الاجتماعي المتماهية مع مواقف إسرائيل” 

يضيف حسان: “معركة التحرر واحدة، والمبادئ لاتتجزأ، فإن كان ما يجري في أي مكان بالعالم فعل تحرر، فهو أكثر وضوحا وسطوعاً ويقينا في فلسطين ضد الحالة الامبريالية، وهي آخر المعارك ضد الاستعمار، علما أن الغرب مصاب بالانفصام، لا سيما أنه صاحب مدونات حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، بل هو من ابتدعها،  والآن نراه يتعاطف في الوقت الراهن مع القاتل، ويقف ضد الضحيّة، وكأن هناك حالة نوستولوجية لزمن الاستعمار، وهو ما يجعل الغرب أسيرا للمرحلة الكولونيالية”. 

 الشأن الأكثر جدية بالنسبة للمقاطعة وأثرها، يتعلق بإيجاد بدائل للموظفين الذين يعملون في الشركات التي تتم مقاطعتها، إذ يختم حسان حديث مجيباً عن هذا السؤال : ” من الممكن إيجاد فرص عمل لتلك الفئة من الموظفين، إذ يمكن لرجال أعمال واقتصاديين، وهم أناس وطنيون وإنسانيون في معظمهم، توفير فرص للعاملين في مؤسساتهم وشركاتهم بديلا عن الشركات الداعمة، علما ان المقاطعة سترفع مبيعات الشركات غير الداعمة لإسرائيل، وبشكل أكبر تلك الداعمة للحق الفلسطيني، لأن المستهلك سيبحث عن بديل لديها، وبالتالي سترتفع إيراداتها وأرباحها، وفائض الأرباح يمكن أن يوفر، في جانب منه، فرص العمل لهؤلاء العاملين”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.