fbpx

الفلسطينيات والأرشيف الشفويّ… الوقوف في وجه “إبادة الذاكرة”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تسعى إسرائيل بشكل دائم إلى محاربة الذاكرة الفلسطينيّة، إلى حد ممارسة ما اصطُلح على تسميته بـ”إبادة الذاكرة”، ما جعل توثيق الحكايات وجمع التاريخ أمراً ملحّاً كأداة مقاومة، والحفاظ على التاريخ الفلسطينيّ من استراتيجيات الاستلاب والسيطرة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

 أحد أشكال مقاومة “إبادة الذاكرة” يتجلّى بتوثيق التاريخ الشفوي، فقد بدأ العمل على هذا المشروع في التسعينات، بتسجيل شهادات الجيل الأول من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وفي عام 2019، أطلق معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت، أرشيف التاريخ الشفوي الفلسطيني. المشروع يحتوي على 1000 ساعة من شهادات الجيل الأول من المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان.

تذكر الباحثة الفلسطينية فيحاء عبد الهادي في كتاب “ذاكرة حية”، شهادات حول تهجير الفلسطينيين عام 1948: “اتفقت روايات الفلسطينيين المهجرين عام 1948 على أن القوات الإسرائيلية لجأت إلى الطرد المنظم لعائلات فلسطينية بكاملها بوسائل عدة، منها القتل المباشر والقصف بالطائرات والدبابات والمصفحات وإطلاق الرصاص الحي، والقتل غير المباشر بواسطة الترويع وبث الذعر في النفوس، وارتكاب المجازر، ما يؤكد أن ما حدث تطهيرٌ عرقي بامتياز”. 

الكتاب يوثّق شهادات من تبقى من الفلسطينيين من النساء والرجال الذين شهدوا النكبة، وقد جمعته باحثات داخل فلسطين (الضفة الغربية، غزة، مناطق 48) وفي الشتات (مصر، لبنان، الأردن، تشيلي).

 تقول عبد الهادي، الباحثة الفلسطينية المتخصصة بالتاريخ الشفوي ومؤسِّسة مشروع الرواة للدراسات والأبحاث لـ”درج”، إنهم في بداية العمل على مشروع التاريخ الشفوي الفلسطيني، بحثوا عن المراحل التي يندر فيها وجود النساء في التاريخ الرسمي، وتضيف: “بدأنا في البحث عن النسوة اللواتي عشن هذه الفترة، النسوة اللواتي يتذكرن فترة الثلاثينات، وثورة 1936، كان عمرهن قد تعدى الثمانين في فترة التسعينات، هذا الجيل للأسف لم يعد موجوداً الآن، ما كان يشغل الباحثين/ات حينها هو ماذا كانت تعمل النساء في هذه الفترة؟ ألم يكن لهن دور؟ أم كان لهن دور ولكنّ أحداً لم يذكره؟”.

من يملك الأرشيف يملك السلطة

“أرشيفنا قد نُهب وسُرق وُدمّر بفعل الاحتلال الإسرائيلي، لأنه أدرك خطورة الذاكرة”، تستطرد عبد الهادي وتضيف: “هذا ما خلق خصوصية للتاريخ الشفوي الفلسطيني لأن شعبنا واقع تحت احتلال استيطاني لا يريد لنا أن نتنفّس، وعادةً ما تكون هناك أرشيفات للشعوب تحفظ ذاكرتها، لكن أرشيفنا يُدمر في كل مفصل من المفاصل، وقد أدركت إسرائيل أهمية الأرشيف فسرقت بعضه ودمرت بعضه الآخر. أما أرشيف النساء، فهناك مراحل كاملة يذكرها التاريخ بشكل طفيف جداً”.

 تلفت عبد الهادي الى أن الجيش الإسرائيلي اقتحم بيروت عام 1982 وسرق الأرشيف الفلسطيني من مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان يحوي آلاف الوثائق، ولم يكتفِ بذلك، فقد عاد في عام 1983 لينسف هذا المركز تماماً. 

نقرأ في كتاب “ذاكرة حية”، والذي جمع 6 شهادات ممن عاصروا نكبة 1948، عن حياة هنيئة في صفورية. يحكي أمين محمد علي عبد المعطي، ابن قرية صفورية المهجرة، عن أهله وإخوته، وأمه التي كانت تحمل اسمين فاطمة ونجمة، لكن الاسم الغالب كان نجمة. 

يحكي عبد المعطي عن طفولته وعن بنات عمته وعن شهر رمضان وعن نساء صفورية، وعن أغانيهن الشعبية، وعن قرى فلسطين. يقول: “إحنا في صفورية كان كل إشي كان جميل، كل شي كان حلو”. 

نقرأ في شهادته عن حرب 48، أنه كان يبلغ حينها الـ 12 أو 13 عاماً، ولم يكن أحد يعتقد أن اليهود القادمين من أنحاء العالم  قادرون على احتلال البلاد. عبد المعطي كان متأكداً أنه سيرجع إلى صفورية، وأنشأ جمعية تراث صفورية ليجمع كيف كان يعيش الناس آنذاك، كان معنياً بجمع التاريخ الفلسطيني، وعلى رغم أنه توفي لكن روايته عن النكبة عاشت الى الأبد.

الحكاية تحيا الى الأبد

تقول عبد الهادي لـ”درج”: “كلما غادرنا راوٍ أو راوية نشعر بالحزن لأننا لم نستطع تسجيل روايتهم، فعندما نسجل رواية الرجال أو النساء فكأنهم يحيون الى الأبد. وتعتبر أن توثيق تهجير الـ 48، هو المشروع الأهم لمركز الرواة، والذي يعمل على توثيق روايات الفلسطينيين الذين عاصروا النكبة، وذلك لأن هذا الجيل بدأ في التناقص والاختفاء”. 

توثق مؤسسة رواة أيضاً مشروع تهجير الــ 67، ووثقت أيضاً روايات جرحى العدوان على غزة في عام 2014، بما فيها قصة الجريح كما تقول عبد الهادي، إذ إن وراءها قصة حياة كاملة، بيت مهدوم وأب أو أخ مقتول. استطاعت الباحثات جمع شهادات 16 جريحاً/ة خرجوا من القدس الى الأردن، بينما لم يستطعن توثيق شهادات الجرحى الذي ذهبوا للعلاج في مصر.

صنعت الباحثة عبد الهادي 4 مجلدات عن أدوار المرأة الفلسطينية، من الثلاثينات حتى الثمانينات، وفي عام 2012 فكرت في إنشاء مؤسسة معنية بالذاكرة الفلسطينية، وهي مركز الرواة، وكانت معها مجموعة باحثات، جزء منهن بدأ منذ التسعينات. كما قامت بتدريب حوالى 17 باحثة ميدانية، لإجراء مقابلات وتوثيق شهادات الفلسطينيين/ات.

 تقبع في ذاكرتنا أسماء فلسطينية مشهورة مثل ليلى خالد وتريزا هلسه أو كاميليا جبران، لكن حقيقةً نحن لا نعرف الكثيرات، نعرف فقط من كُتب عنهن الكثير. تقول عبد الهادي إن الذاكرة العربية لا تعرف من الفلسطينيات الكثير، فالتاريخ الشفوي معني بالنساء غير المعروفات، أو الناس العاديين، وكان مشروع توثيق التاريخ الشفوي الفلسطيني سبباً لمعرفة أسماء نسوة كثيرات لا يعلم أحد عنهن شيئاً.

أرشيف النساء العاديات

كل حكايات النساء جديرة بالتوثيق، وللنساء طرق شتى للمقاومة تختلف بالضرورة عن الرجال؛ وتُسمي عبد الهادي التاريخ الشفوي بـ”منهج بحث ديمواقراطي”، لأنه كما تقول “يتيح للمهمّشين ولمن لا صوت لهم أن يتكلموا ويُسمعوا صوتهم بالشكل الذي يريدونه”، والمرأة بشكل خاص كما تقول عبد الهادي هي “الأكثر تهميشاً”، وهي التي يقع عليها قمع مضاعف، فـ”الاحتلال يقمع الرجل”، والرجل “يفش خلقه فيها”. لم يستبعد مشروع توثيق التاريخ الشفوي الفلسطيني وتهجير الـ 48 الرجال، إنما يستعين بهم كي يكونوا شهوداً على حكايات النساء في زمنهم.

 نقرأ في إحدى الشهادات التي وثّقها كتاب “ذاكرة حية”: “تجوز أخوي الكبير إلياس وإحنا في بيت جالا، وقت ما تجوز، بنفس الجمعة اللي ذبحوا الفلسطينية في دير ياسين”. هذا ما تقوله فريال حنا جمعة أبو عوض من الشتات من سانتياغو بتشيلي. تتذكر فريال أن حياتها كانت حلوة، كانت أصغر إخوتها، كانوا يمتلكون داراً من طبقتين، كانت تذهب مع أبيها إلى بيت لحم، تتذكر فيلم “طرزان”، أول فيلم سينما تشاهده في القدس في عمر السابعة.

الشخصي سياسي

لا ينشغل مشروع توثيق تهجير الـ 48 بالمشاركة السياسة فقط، إذ ترصد الشهادات الوضع الثقافي والاجتماعي. تؤمن عبد الهادي أن النسوية تعيد تعريف السياسة، والنسوية في رأيها لا تعرف الحقول المنفصلة، العمل الثقافي عمل سياسي أيضاً، والعمل الفني سياسي. كما تشير إلى “دور رائع بين العمل الثقافي والسياسي، وتناغم بين حقول المعرفة في حياة النساء”.

توثيق شهادات النساء، تحديداً عن الأحداث السياسية والاجتماعية، ليس بالأمر اليسير، ذلك لأن كثيرات من النساء يشعرن بأن مشاركتهن غير جديرة بالذكر، أو التوثيق، فهن لم يحملن سلاحاً مثل الرجال، وغير مسيسات.

 تقول عبد الهادي إن المرأة كي تصل إلى مرحلة البوح لا بد من أدوات بحثية نسوية ” كي تخرج الشيء الكامن بداخلها، لأن هذه  المرأة تعودت من طفولتها على ألا تتكلم، وتخفض صوتها، والأفضل ألا تحكي، وتعلمت أن تكون أقل شأناً من الآخرين، وأن صوتها غير مسموع، وإذا تحدثت تُنعت بأنها ثرثارة”، وهنا تأتي أهمية التاريخ الشفوي النسوي الذي يجعل النساء يحكين مشاعرهن وانفعالاتهن، أي “أن تقول ما تريد قوله، وليس ما يريد المجتمع سماعه”.

 تسأل عبد الهادي إحدى المبحوثات: “خالتي انتي شاركتي بالسياسة؟”، فتجيب: “لا لا، مالي دخل بالسياسة”، فتسألها: “شو كنتِ تعملي وانتي صغيرة؟”، فتجيب: “أبويا قالي خبيلي ها المسدس، روحت على البستان وخبيته”. لا تعتبر المبحوثة ذلك عملاً سياسياً، فهي تقاوم من دون أن تعرف المصطلحات المعقدة.

 تقول عبد الهادي إنه بعد صدور “كتاب لو أملك الخيار”، وهو أحد المشاريع التي وثقت معاناة النساء أثناء الاجتياح الإسرائيلي لمناطق السلطة سنة 2002، وبعد اطلاع النساء على شهادتهن منشورة فيه، ذُهلن بأن أصواتهن مهمة، وأن صورهن مهمة، وقالت بعضهن لعبد الهادي: “لو نعرف أن روايتنا مهمة كنا حكينا أكتر”.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.