fbpx

اغتيال “أبو تقوى” وبداية تغيّر قواعد الاشتباك في العراق

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

بعد مراقبة طويلة ودقيقة، هاجمت طائرة مسيّرة ظهيرة يوم الخميس (4 كانون الثاني/ يناير)، بأربعة صواريخ، هدفاً مهماً داخل مقر للحشد الشعبي وسط بغداد، ما يمثل تصعيداً خطيراً لطبيعة الهجمات ونوعية الأهداف، وتغيراً في قواعد الاشتباك المفروضة منذ تشكيل حكومة محمد شياع السوداني.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

نجح هجوم بالمسيرة التي ما زالت مجهولة المصدر رسمياً، في إصابة الشخص المستهدف بدقة وقتله على الفور، وهو طالب السعيدي المعروف باسم “أبو تقوى”، الذي يعد قيادياً بارزاً في حركة النجباء، إحدى الفصائل الشيعية المقرّبة من إيران والمنضوية في الحشد الشعبي، والتي تعلن باستمرار شن هجمات على القواعد الأميركية في العراق.  

الهجوم، الذي يرجح أن الطائرة التي نفذته انطلقت من قاعدة عين الأسد غرب العراق التي توجد فيها قوات أميركية، وقع داخل مقرّ الدعم اللوجستي للحشد الشعبي في منطقة شارع فلسطين، ضمن مقتربات كلية الشرطة العراقية وسط العاصمة بغداد عند الساعة 12 من ظهر الخميس، وقتل خلاله الى جانب السعيدي أحد مرافقيه ويدعى (أبو سجاد) وأصيب 8 آخرين أثناء الدخول إلى المقر.

قائمة الأهداف الأميركية في السابق وطوال فترة عامين، بما فيها خلال فترة التصعيد الأخيرة المرتبطة بحرب غزة، كانت تتركز على استهداف مركبات المقاتلين الذين ينفذون الهجمات في أطراف المدن العراقية الى جانب مقرات الفصائل العراقية الموالية لإيران في سوريا، لكن الهجوم الأخير استهدف قيادياً كبيراً وحصل في قلب العاصمة بغداد، ما يشكل بداية لتغيّر قواعد الاشتباك.

ويتوقع أن ترتفع وتيرة الهجمات المتبادلة بين الجانبين مع الرد المرجح للفصائل المسلحة على مقتل السعيدي، وهذه المرة ربما باستخدام أسلحة أكثر تطوراً وبتوسيع دائرة الاستهدافات لتشمل مجدداً السفارة الأميركية في بغداد، وهو ما سيزيد الضغوط على الحكومة العراقية التي تطالبها الفصائل المسلحة بإخراج سريع للقوات الأميركية من البلاد، فيما تطالب الحكومة الأميركية الجانب العراقي بوقف نهائي للهجمات ضد قواعدها.

إقرار بالهجوم وبيانات إدانة

بعد ساعاتٍ من وقوع هجوم مقر الحشد، أقرّت الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ الضربة الجوية ضد الحشد الشعبي، وقال مسؤول أميركي: “نفذنا ضربة في بغداد ضد قيادي في فصيل عراقي يشتبه بوقوفه وراء هجمات على قواتنا”. وقال مسؤول عسكري آخر إن “أبو تقوى” كان ضالعاً في التخطيط وشن هجمات على القوات الأميركية. 

بعد الهجوم، الذي بدا صادماً للحكومة العراقية والتشكيلات الأمنية، توالت بيانات الاستنكار والشجب للمسؤولين الحكوميين والحزبيين ضد هجوم المسيرة الأميركية. إذ وصفت رئاسة الجمهورية ذلك بـ “الانتهاك” للعلاقات بين العراق والتحالف الدولي، وأنه يمثل خرقاً وتجاوزاً على سيادة البلد وأمنه، وانتهاكاً صريحاً للعلاقات بين العراق والتحالف الدولي، ومخالفة للأطر والمسوغات التي وُجد من أجلها التحالف في تقديم المساعدة والمشورة للقوات الأمنية العراقية”.

وعلى غرار رئاسة الجمهورية وبلغة أقل دبلوماسية وأكثر حدة، وصف بيان الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول الهجوم الصاروخي بالعمل “الإرهابي”، مُحملاً قوات التحالف الدولي مسؤولية الهجوم الذي وصفه أيضاً بـ”غير مبرر”، وذكر أن الهجوم يمثل “تصعيداً خطيراً واعتداءً على العراق”، وأنه بعيد من روح ونص التفويض والعمل الذي وجد من أجله التحالف الدولي في العراق.

على المنوال ذاته، أكدت وزارة الخارجية أن العراق “يحتفظ بحقه باتخاذ موقف حازم وكل الإجراءات التي تردع من يحاول المساس بأرضه وقواته الأمنية”.

من جانبها، ذكرت هيئة الحشد الشعبي أن “التصعيد المتعمد والخطير يعبر عن إصرار مكشوف على انتهاك السيادة والقانون العراقي النافذ، وهو استهانة بالدماء العراقية وكرامة العراقيين”، مؤكدةً “جاهزية الحشد الشعبي لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة يحفظ سيادة العراق ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه”.

لكنّ بيان رئيس “تحالف نبني” هادي العامري، حمل نوعاً من القسوة على الحكومة العراقية التي شكلها الإطار التنسيقي الذي يضمّ القوى السياسية الشيعية باستثناء التيار الصدري، محملاً إياها “مسؤولية أي تغاضٍ أو تراخٍ في المطالبة الجادة لإخراج فوري لما يُسمى بقوات التحالف الدولي من الأرض العراقية”، معتبراً قصف مقر الحشد الشعبي في بغداد “جريمة أميركية”. 

في المقابل، انتقد رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، بعد 24 ساعة من وقوع الهجوم، ما وصفه بـ”بتكرار الهجمات التي تستهدف مقار الحشد الشعبي” من قوات التحالف الدولي المناهضة لتنظيم “داعش”، معلناً أن موقف حكومته ثابت في “إنهاء وجود تلك القوات في البلاد”.

وقال في كلمة ألقاها خلال حضوره حفلاً تأبينياً في الذكرى الرابعة لاغتيال نائب رئيس هيئة الحشد “أبو مهدي المهندس” وقائد الحرس الثوري الإيراني السابق الجنرال قاسم سليماني قرب مطار بغداد عام 2020، إن “الاعتداء الذي أدى الى (اغتيال المهندس)، وضيف العراق الجنرال قاسم سليماني، مثّل ضربة لكل الأعراف والمواثيق والقوانين التي تحكم العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، مثلما كان جريمة نكراء غير مبررة”.

وأضاف أن الحكومة بصدد تحديد موعد بدء عمل اللجنة الثنائية لوضع ترتيبات إنهاء وجود قوات التحالف الدولي في العراق بصورة نهائية، مشدداً على أنه لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض العراق وسمائه.

تصعيد نوعي خطير

مراقبون للمشهد الأمني وصفوا استهداف “أبو تقوى” وطبيعة العملية بأنهما يمثلان تطوراً نوعياً خطيراً، وذلك لأن الجيش الأميركي نفذ هجومه ليس كردة فعل على هجوم تعرّض له من الفصائل، لا سيما وأنه وقع في وسط بغداد وبشارع فلسطين الذي يخضع لحماية أمنية عالية، وهو أحد أبرز الشوارع التجارية، وهذا ما يدفع الخبير الأمني الدكتور أعياد الطوفان إلى القول بأن “دقة الهدف والإصابة تُعطيان مؤشرات خطيرة الى أنهم أمام خرق أمني واستخدام التكنولوجيا العالية بتتبّع الأشخاص”.

ويوضح، “لا تكمن العقدة المهمة والحيوية في جمع المعلومات بل في إيصالها عند وقت التنفيذ، وهو سيناريو مشابه للقصف الذي تعرّض له القيادي في حركة “حماس” صالح العروري قبل أيام وأدى إلى اغتياله في بيروت”.

وهذا يعني أن هناك خرقاً أمنياً واستخبارياً يُعاني منه الحشد الشعبي وقادته يصفه الخبير أعياد بـ”خطير”. ويتوقع أن تكون الأيام المقبلة حبلى بمفاجآتٍ تتضمن اغتيال قيادات في الصف الأول تدخل في سجالات دائمة مع الجيش الأميركي أو سفارة واشنطن في بغداد. ويشير الى أن الجيش الأميركي والفصائل المسلحة كلاهما ماضيان في عملية التصعيد الأمني، والتنفيذ على أرض الواقع بات هو المطلوب بينهما.

توافقاً مع رأي الطوفان، يقرّ القيادي في تحالف الفتح -أحد أبرز تشكيلات الإطار التنسيقي الشيعي- علي الفتلاوي، بأن استهدافات كهذه تأتي عن طريق التكنولوجيا أو من يُسميهم بـ”العملاء” الذين استطاعوا أن يرصدوا تحركات قادة الحشد، ومنهم “أبو تقوى”.

الفتلاوي رفع من سقف المواجهة وقال مهدداً: “سيكون الرد الحقيقي على ذلك من خلال فصائل المقاومة التي تتبنى حمل مشاريع المقاومة في العراق وتنفيذها، وسيكون بمستوى ما ارتقى إليه الشهداء”.

ويبرّر الاستهدافات الأميركية المتكرّرة لمقرّات الحشد بأن الأخير هو الوحيد الذي تصدّى لكل مؤامرات واشنطن، بالإضافة إلى إيقاف زحف “داعش”. وطالب الحكومة العراقية والبرلمان بموقف شجاع وصادق وجاد يتشكّل بإخراج القوات القتالية الأميركية من البلاد.

ويرى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي وعد القدو، أن “القصف يحمل 3 رسائل خطيرة، أبرزها أن هناك استهدافاً مبيتاً للحشد الشعبي من واشنطن وبذرائع واهية، مع محاولة لزعزعة أمن العراق خدمة للكيان الصهيوني؛ بسبب مواقف بغداد الوطنية من القضية الفلسطينية”. 

ويضيف، “ما حدث يستدعي موقفاً عاجلاً من الحكومة العراقية والقوى الوطنية لوضع حد لجرائم الاحتلال الأميركي الذي يريد الشر لكل أطياف الشعب العراقي”، على حدّ قوله. 

غضب في إقليم كردستان

الهجوم الذي تعرض له مقر الحشد الشعبي في بغداد، جاء ضمن سلسلة من الاستهدافات المتبادلة بين الأميركيين والفصائل الموالية لإيران، التي تستسهل الهجوم على ما تصفه بالمقرات الأميركية في إقليم كردستان، والتي أثارت غضب قيادة الإقليم في ظل سكوت الفصائل المشاركة في الحكومة العراقية عن إدانة تلك الهجمات والتحرك الجدي لوقفها.

فالقوى الشيعية بمختلف مُسمياتها تستنكر وتشجب استهداف المسيرات الأميركية لمقرّات الحشد، في المقابل تظهر مرونة واضحة تجاه قصف مسيرات الفصائل المسلحة لمطاري أربيل وحرير في أربيل العاصمة بإقليم كردستان تحت ذريعة ضرب المصالح الأميركية، مع اكتفاء الحكومة العراقية بانتقاد تلك الهجمات واعتبارها مضرّة بالبلد.

وكان مقر قوات البيشمركة الكردية في وسط أربيل، تعرض في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2023 الى هجوم غير مسبوق بطائرتين مسيّرتين مفخختين، نفذه فصيل مسلح يطلق على نفسه “المقاومة الإسلامية في العراق” الذي يتبنى هجمات المسيرات على المصالح الأميركية في محافظتي الأنبار وأربيل. وغالباً ما ترتبط جماعات كهذه بالفصائل المقرّبة من إيران والمنضوية في الحشد الشعبي.

فيما وصف المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان بيشوا هورامي تلك الجماعة بـ”قوة خارجة عن القانون” نفذت هجومها بمساعدة المتعاونين معها، وعدّهُ أمراً “خطيراً واستفزازاً”.

وحمل هورامي الحكومة الاتحادية مباشرة مسؤولية الهجمات التي تتعرض لها أربيل، “هذه الجماعات الخارجة عن القانون يتم تمويلها من الحكومة الاتحادية وتتحرك بعلم الحكومة العراقية وتنقل الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة وتنفذ هجمات إرهابية على مؤسسات رسمية وعسكرية، في حين أن الحكومة العراقية صامتة ولا تتحرك لاتخاذ الإجراءات ضدهم”.

ونوه هورامي بأن الحكومة لا تواجه الجهات التي تنفذ تلك الهجمات بل تدعمها مالياً، فيما تقوم بـ”قطع مستحقات شعب كردستان”، في إشارة إلى عدم إرسال حصة الإقليم من الموازنة بشكل منتظم.

وطالب المتحدث باسم حكومة الإقليم الحكومة العراقية بمعاقبة هذه الجماعات، “نحتفظ بحقنا في الرد في الوقت المناسب، وندعو جميع الأصدقاء والأطراف إلى عدم الصمت إزاء هذا العمل الإرهابي ودعمنا في أي رد نراه مناسباً”.

من جانبه، قال رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، بعد هجوم أربيل، “أشعرُ بقلق عميق إزاء الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة للبيشمركة شمال شرقي أربيل، وأدينُ بأشد العبارات الخارجين عن القانون والمتواطئين معهم”.

وأضاف على حسابه الرسمي في منصة “إكس” قائلا: “نحن ندرك جيداً الألاعيب التي يمارسونها هنا، والخارجين عن القانون الذين يقفون وراءها، ولدينا الحق في الدفاع عن شعبنا”، داعياً “الحكومة الاتحادية إلى أن تنظر الى أي هجوم على الإقليم على أنه هجوم على العراق بكامله، وأن تتصدى له بالإجراء المناسب، فالتقاعس المستمر سيشجع هؤلاء الجناة على مواصلة ارتكاب جرائمهم”.

وأكد أن “هؤلاء يستغلون أموال الدولة وأسلحتها لمهاجمة كردستان، وزعزعة استقرار البلاد بأسرها، ما يعرضها لخطر إعادة إشعال الصراع في بلد عاش ما يكفي من سفك الدماء”.

وعلى رغم أن التصعيد موجود بينهما منذ سنوات، لكن تبادل القصف بالمسيرات بين الفصائل الشيعية المسلحة والقوات الأميركية شهد نوعاً من التصاعد مع اندلاع الحرب بين إسرائيل و”حماس” في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، إذ اعتادت تلك الفصائل على استهداف قاعدتي “حرير” في أربيل، و”عين الأسد” في الأنبار، فيما صارت واشنطن تردّ على كل هجوم باستهداف مقرات للحشد الشعبي في مناطق عدّة، كان أبرزها قبل أيام في ناحية جرف الصخر ببابل، ما أدى الى مقتل وإصابة عدد من مقاتلي الحشد. 

وبحسب تقارير صحافية، تعرّضت القوات الأميركية المتمركزة في العراق وسوريا إلى أكثر من 60 هجوماً بطائرات مسيرة وصواريخ منذ 17 تشرين الأول الماضي من تلك الجماعات المسلحة، كما نفّذت تلك الجماعات في آخر شهرين أكثر من 20 هجوماً على قواعد تضم قوات أميركية ضمن حدود مدينة أربيل، وبأكثر من 45 مسيرة.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.