fbpx

شمال لبنان: حكايات من قارب الهجرة المفقود

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

القارب الذي انطلق منذ أكثر من أسبوعين من شواطئ طرابلس، على متنه حوالي 85 شخصاً، غالبيتهم من السوريين وبينهم فلسطينيون ولبنانيون وأغلبهم من النساء والأطفال، وتشير المعلومات أن بينهم 34 طفلاً، فقد أثرهم جميعاً منذ الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

“حياتي صارت جحيم ولا حياة لي هنا، الرحلة آمنة بحسب قول المهربين لا تقلقي يا ماما”، هذه آخر الكلمات التي قالها فؤاد لأمه فاطمة ، في ذات اليوم الذي صعد فيه القارب في الثاني عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2023. 

مرت حوالي  3 أسابيع، ولازالت فاطمة تنتظر خبراً عن ابنها البالغ من العمر 25 عاماً، والذي انقطعت أخباره مع اختفاء القارب الذي كان يحلم ركابه  بالحصول على حياة جديدة. 

فؤاد ابن مدينة حمص ترك مدينته منذ عام 2011 هرباً من ويلات الحرب، التي أجبرته على اللجوء إلى لبنان. كبر فيه ورافقه الخوف والشقاء طيلة تواجده هنا، عمل فؤاد منذ صغره في البناء لسد احتياجات عائلته، لكن المعيشة القاسية والظروف الاقتصادية المتدنيّة هددت قدرته على الاستمرار. مراوحاً بين الخوف والتعب وفقدان الأمل، قرر فؤاد حزم أمتعته وخوض غمار البحر “هرباً من الجحيم”، لكن النتيجة حتى اليوم تثير خوف عائلته وأمه فاطمة التي تعبر بكلمة واحدة، وتكررها “سأفقد عقلي”.

 انطلق فؤاد برحلته مع القارب عند الساعة الثانية بعد منتصف ليل الثاني عشر، تزامناً مع انطلاق ثلاث مراكب أخرى نجحت في الوصول إلى الساحل القبرصي. لكن حتى اليوم، وعلى رغم الرسائل ومناشدات المنظمات والأهالي لعدد من الدول منها قبرص للحصول على معلومات للإطمئنان على ذويهم، لم يحصلوا على رد أو معلومة توضح مصير القارب.

على رغم ما تحمله الرحلات غير الشرعية عبر القوارب البحرية من مخاطر وصعوبات، وتسجيل أكثر من 2000 حالة وفاة غرقًا في البحر الأبيض المتوسط خلال عام 2022، وما يقارب 1400 حالة في النصف الأول من عام 2023، ما يزال البعض يفضلون الهجرة غير الشرعية بدل البقاء في جحيم لبنان وسوريا، وكل ما يعانيه البلدين من أزمات تدفعهم للمخاطرة بحياتهم في البحر، ويقدر عدد كم استطاعوا الوصول إلى أوروبا عبر البحر المتوسط بنحو 82 ألف مهاجر منذ مطلع العام الماضي.

مراسلات حقوقية بلا جدوى ولبنان لم يحرك ساكناً

يتابع مركز سيدار للدراسات القانونية على رأسه مديره المحامي محمد صبلوح، ملف القارب منذ تبلغه من خلال منظمة “هاتف الإنذار”، والتي أفادت أن معلوماتها الأولية تشير إلى احتمال وصول القارب إلى قبرص، وبدأ صبلوح على الفور التواصل مع المعنيين في مفوضية الأمم المتحدة، الذين أكدوا متابعتهم للملف دون تقديم تفاصيل إضافية. 

 وبدوره يؤكد منسق قسم المناصرة في مركز “سيدار” سعد الدين شاتيلا، في حديثٍ لـ “درج ميديا” أنهم عملوا  بالتعاون مع منظمات حقوقية على مراسلة السلطات القبرصية للمطالبة بالكشف عن مصير القارب المفقود. كما قدمت أسماء المفقودين رسمياً إلى قسم الاختفاء القسري في مفوضية الأمم المتحدة-جنيف. ويعبر شاتيلا عن قلقه بسبب عدم الكشف عن تفاصيل مصير القارب، على عكس ما يتم التعامل مع قضايا مماثلة تتعلق برحلات غير نظامية انطلقت من لبنان سابقاً.

المحامي محمد صبلوح نشر خبر اختفاء القارب على مواقع التواصل الاجتماعي، وتمكن من تسجيل أكثر من 70 اسماً جميعهم من الجنسية السورية، بينما لم يتواصل أي من أهالي اللبنانيين معه. وتشير المعلومات الأولية إلى أن القبطان ومساعديه من الجنسية اللبنانية. 

 وتقدم صبلوح في بداية الشهر الجاري بشكوى وإخبار للنيابة العام التمييزية نيابة عن أحد أهالي المفقودين، للمطالبة بكشف ملابسات اختفاء المركب، وكذلك تقدم إلى وزارة الخارجية والمغتربين بكتاب يطلب منها التحرك دبلوماسياً.

 يعبر صبلوح عن استيائه من تقاعس المسؤولين اللبنانيين رغم مرور أكثر من 25 يوماً، ويقول في حديثه لـ “درج ميديا”: “من المؤسف أنه لم يتحرك أحد من المسؤولين للسؤال عن قارب مفقود نصف ركابه أطفالاً”. 

أسر بأكملها على متن القارب المفقود

على القارب المفقود حوالي 85 شخصاً لكل منهم قصة، ومنهم من لم تبدأ قصته بعد، أو تركها خلفه بحثاً عن سيناريو أفضل من الوضع السيء الذي يعيشونه في سوريا التي رحلوا إليها او لبنان الذي تتفاقم أزماته الاقتصادية والأمنية والاجتماعية يوماً بعد يوم. 

من بين هؤلاء عائلة مؤلفة من 7 أفراد قرّروا ترك لبنان نحو تجربة لجوء جديدة في أوروبا . تنتظر أماني أفراد عائلتها الذين كان من المفترض أن يصلوا وجهتهم آمنين بحسب وعود المهرّب. ومن بينهم طفلها البالغ من العمر 7 سنوات، وأمها وأبيها وإخوتها الأربعة الذي يبلغ أصغرهم 13 عاماً، تقول أماني في حديثها لـ “درج ميديا”، “ماتوا من الجوع وما في أمم (المفوضية) والوضع زفت، لا كهربا ولا مياه ولا منزل ، كانوا بالشارع”. 

عائلة بأكملها غادرت بحثاً عن حياة أفضل، وأماني اضطرت إلى أن ترسل طفلها في البحر، بعيداً عنها آملةً أن ينعم بفرصة جديدة وبيت ومدرسة. في البقاع تجلس الأم منتظرة خبراً، وتتابع مع عشرات الأهالي الذين اختاروا أن يجتمعوا في غرفة محادثة إلكترونية على تطبيق واتساب لمشاركة شهاداتهم ومعلوماتهم، أمّا اليوم فصارت تارةً  لتبادل المعلومات الجديدة وتارة أخرى للأدعية والتعبير عن القلق والخوف والغضب من المجهول. عائلة أماني اللاجئة من حلب إلى لبنان، عاشت أيامها الأخيرة في الشارع بحسب قولها أما اليوم فمصير العائلة مجهول تماماً والخوف يسيطر على الجميع.

لأم عبدالله أيضاً طفلها الذي لم يتجاوز الحادي عشر من عمره بعد، وزوجها الذي قرر اصطحاب طفله معه بحثاً عن مستقبل أفضل له خلف البحر. قبل أيام فقط من انطلاق الرحلة قرر عبدالله  السفر، هو الذي يعمل بالبلاط، وجد نفسه بلا دخل وسط الوضع الاقتصادي المتأزم في لبنان. بفارغ الصبر تنتظر أم عبدالله خبراً يثلج قلبها. فعلى الرغم  من اتصال المهرب الذي أكد وصولهم إلى قبرص بسلام، إلا أن عدم تلقيها أي اتصال من زوجها أو ابنها أثار قلقها وخوفها أكثر. 

قبرص: رحلة  البحث عن المفقودين في المراكز الرسمية

بانتظار أخبار مطمئنة، يجوب نورس المراكز الرسمية في قبرص بحثًا عن خيط  يربطه بمصير قارب الهجرة الذي يحمل عائلته: والده حسن العلي (61 عامًا) وشقيقه الأصغر حسين العلي(17 عامًا) وأخته شيرين (24 عاماً)، بالإضافة إلى طفليها الصغيرين، إبراهيم وأحمد اللذين لا يتجاوز عمرهما 3 و 5 سنوات. يتنقل نورس بين المراكز، يبحث عن رابط لمعرفة الحقيقة، ويحمل معه هاتفه الذكي الذي يحتفظ بالصورة الأخيرة للطفلين التي التقطتها لهما أخته يوم الرحلة. 

 يعبر نورس عن قلقه في اتصالٍ مع “درج ميديا”، قائلاً “لقد مرت 22 يومًا ولم أستطع النوم، لا يوجد جهة أمنية لم أتصل بها حتى الآن. سأتواصل قريبًا مع الإنتربول، نريد بلدًا نبدأ منه البحث، نريد رداً واضحاً”.

 اختارت شيرين وطفليها السفر عبر البحر للانضمام إلى زوجها اللاجئ في قبرص، بسبب عدم توفر سبل سفر شرعية آمنة. وحرصاً على سلامتها وطفليها، قرر والدها وشقيقها الأصغر مرافقتهم. ويؤكد نورس أنه تواصل مع المخابرات اللبنانية والسورية وميناء بيروت والجهات الأمنية في تركيا واليونان، ولكن دون جدوى، مضيفاً “وعدتنا المفوضية أنهم سيأتونا بخبرٍ مبشر عما قريب”.

كثيرة هي قصص المفقودين الذين ينتظر ذوويهم خبر يثلج قلبهم، وعندما تدخل غرفة المحادثة الإلكترونية يمكنك أن تلتمس التوتر والخوف والقلق بين هؤلاء، بين أخبار متضاربة  ترمى  لتُصعد قلقهم في حين وأخرى تثلج قلوبهم في حين آخر، ومن بين هؤلاء من يحكي قصة عمه الذي باع منزله في سوريا  للنجاة منها، واليوم بات في عداد المفقودين.

السيناريوهات المطروحة حول الاختفاء، هي احتمال ضياع المركب في البحر أو احتجازه من قبل السلطات القبرصية، مما يثير قضية اختفاء قسري، أما إمكانية الغرق تبدو مستبعدة لعدم العثور على أي جثة منذ الاختفاء.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.