fbpx

الغارات الأميركيّة على اليمن… مكافأة للحوثي يدفع ثمنها اليمنيّون

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

خطر لي أن أسأل ابنة أخي عن رأيها في ما يحصل من أحداث، هل تفخر بأفعال جماعة الحوثي؟ هل ترى فيها نصرة لفلسطين؟ لكنها كانت منشغلة بتأمين سلامة طفلتها في المدينة المضطربة، وبالتفكير في سبل جديدة لتدبير معيشتها مع استمرار مصادرة الحوثيين رواتب الموظفين منذ سنوات، ومن ضمنها راتب زوجها. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تحاول ابنة أخي التي تسكن في مدينة الحديدة طمأنتي، تقول إنها بخير، لكنها لا تستطيع أن تخفي الذعر الذي تبدّى في كلماتها وهي تصف الغارات الأميركية على مدينتها، ولا القلق مما تحمله الأيام الآتية للبلد الذي عاش أشكال الكوارث في تسع سنوات من الحرب، وها هو اليوم على مشارف كارثة جديدة، هذه المرة، ذات طابع دولي. 

في الآن ذاته، وعلى الجانب الافتراضي من العالم، تضجّ وسائل التواصل بهتافات روادها يحتفلون بهجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين) على السفن التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، ويعلنون تضامنهم مع اليمن ضد الغارات الأميركية- البريطانية، ويرفضون تصنيف الحوثيين “جماعة إرهابية”. 

تنتشر الوسوم (الهاشتاغات): اليمن قول وفعل.. حيا الله أبطال اليمن.. اليمن سند فلسطين. أشاهد تظاهرات عمّان، يهتف المتظاهرون: “قالوا اليمن إرهابية وكل العرب يمانية”. لا يسعني إلا أن أسأل في أسى، كيف اختُزل اليمن بكل تاريخه وحضارته الأصيلة في بضعة أفراد طارئين لا يزال يسكنهم ظلام الكهوف وإن خرجوا منها؟.

مؤلم أن نشهد احتفاء بعض  “الممانعين” أو من لا يعرفون حقيقة الحوثيين،  بهذه الجماعة، لا أحد سيصدقك إذا حاولت سرد الحقائق الغائبة. أحد المنتشين بالوهم قاطع حديثي مستنكراً: “من يقاتل إسرائيل لا يمكن أن يكون قاتلاً لشعبه”. كان من الصعب دوماً شرح دقائق مأساة اليمن المعقّدة، بات الأمر اليوم أشدّ صعوبة. لم تعد حجّتنا مقنعة حين نقول إن دعم جماعة الحوثي لفلسطين مجرد خرافة، فقد حوّلوها إلى أفعال، حتى وإن كانت تلك الأفعال لا تجدي، ثم تأتي الغارات الأميركية دليل براءة وختم بالبطولة.

ربما لا يتابع البعض أخبارنا، فهم يصدقون حزن “السيد” على نساء فلسطين، ولا يعلمون عن الاعتقالات وأحكام الإعدام في حق نساء اليمن. يقنعهم تأثره بحصار غزة ولم يسمعوا قصة حصار تعز المستمر منذ سنوات، وكيف أن “البطل” يقطع الماء عن ملايين السكان، ويمنع وكالات الإغاثة الإنسانية من الوصول إلى المدينة. 

لا يتابع “المتحمّس للقراصنة” أخبار تهجير الحوثي سكان القرى للاستيلاء على أراضيهم، وتفجير منازل المعارضين، والتضييق على الناس- وتحديداً على النساء- تحت ذريعة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، لم يسمع كذلك عن الإخفاء القسري للصحافيين والناشطين ولا قصص التعذيب في السجون. أستطيع أن أجد بعضاً من الأعذار لأولئك الغارقين بهموم بلادهم، وليس من وقت لديهم ليستعيروا هموم جيرانهم. 

من الجلي أن هجمات البحر والغارات الدولية وضعتنا أمام معضلة، سنضطر مستقبلاً الى أن نشرح كثيراً ونردد أكثر: الحوثيون ليسوا اليمن… الحوثيون ليسوا أبطال اليمن… أبطال اليمن هم شعبه الذي تقتله الحرب مرة، ومَن يهتف بحياة واحد من قاتليه مرة أخرى.

لم تتوقف الحرب على غزة، ولم تتضرر إسرائيل، وهناك ثمن فادح يدفعه المواطن اليمني. فمن المستفيد إذاً من هذا التصعيد كله؟ 

لكن… ماذا فعل الحوثي بالقضية؟ 

يرى صادق الوصابي، الباحث في شؤون الإعلام والاتصال، أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) هم أكثر من ألحق الضرر بالقضية الفلسطينية. يشرح هذا قائلاً: “إن استغلال الحوثي حرب غزة وإضفاء صورة أخلاقية لأعمال القرصنة التي يرتكبها لتحقيق أطماعه في السيطرة على المنافذ البحرية، ألحق الضرر بالقضية الفلسطينية وشتّت انتباه العالم ووسائل الإعلام عما يُرتكب من جرائم بشعة في غزة. رأينا فعلاً كيف أن الإعلام العالمي أصبح منشغلاً بتغطية الهجمات في البحر الأحمر وضربات التحالف الأميركي- البريطاني على اليمن، بعدما كان تركيزه منصباً على حرب إسرائيل على غزة”.

 يتابع: “للأسف، لا يدرك بعض المنتشين بأعمال القرصنة الحوثية عديمة الجدوى بأن هذه الجماعة قد سرقت قضيّتهم وأزاحت اهتمام العالم عن حرب غزة، وبات منهمكاً بمسألة أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر”.  

يضيف صادق الوصابي أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) لم تعمل على استغلال حرب غزّة لتحقيق أطماعها وتنفيذ الأجندات الإيرانية وحسب، بل شوّهت صورة المدافعين عن فلسطين.  يشير، “خلقت جماعة الحوثي صورة مشوّهة أمام العالم والإعلام الغربي تُجسّد داعمي القضية الفلسطينية في شكل قراصنة ولصوص يهدّدون أمن الملاحة والتجارة الدولية  وسلامتهما”. 

تتفق نورا الجروي، رئيسة تحالف نساء من أجل السلام في اليمن، مع ما ذهب إليه الوصابي في أن الحوثيين حوّلوا أنظار العالم تجاههم على حساب قضية فلسطين. تسأل ساخرة: “بماذا أفادوا فلسطين؟ هل ارتدعت إسرائيل؟ هل توقفت الحرب على غزة؟”. كما تشكك الجروي في خطابات الحوثي، “من يعتدي على نساء اليمن لا يحق له الحديث عن حماية نساء فلسطين”. 

الجروي التي غادرت صنعاء منذ سنوات هرباً من مضايقات جماعة أنصار الله (الحوثيين) وتهديداتهم، تصف الجماعة بأنهم “الأخطر بين كل ميليشيات إيران. “هناك 15 ألف مواطن يمني في سجون الحوثيين، بينهم أكثر من 1900 امرأة اعتُقلن منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017، سبع منهن حكم عليهن بالإعدام، إضافة إلى الانتهاكات ضد النساء والأطفال التي رصدتها تقارير دولية. نحن الذين نعرف حقيقة هذه الجماعة”. 

مَن المستفيد إذاً؟

لم تتوقف الحرب على غزة، ولم تتضرر إسرائيل، وهناك ثمن فادح يدفعه المواطن اليمني. فمن المستفيد إذاً من هذا التصعيد كله؟ 

يقول غمدان اليوسفي، الكاتب والمحلل السياسي: “تساهم ضربات الحوثي في تقوية وحشد نوع من الشرعية الشعبية له عند الناس، خصوصاً أولئك الذين يصدقون أنه بالفعل يحقق مكاسب لقضية فلسطين، فيما لا يحقق إلا مكاسب ذاتية لجماعته”. 

يتابع اليوسفي: “يدرك العالم أن الحوثيين جماعة إرهابية منذ البداية، ولكن الدول الكبرى فرضتهم كواقع، سابقاً، حين هاجمت جماعة الحوثي السفن التي حاولت الحكومة اليمنية من خلالها تصدير النفط لتحسين أوضاع الشعب المعيشية. تعامل العالم مع تلك الهجمات بكل حياد، وذهبت بعض الدول التي تضرّرت إلى الضغط على الحكومة اليمنية لتوقيع اتفاقات تعزّز قوة الحوثي”.

عند سؤال غمدان اليوسفي ما إذا كان من المرجح أن ترفع الأحداث من شعبية الحوثي الداخلية، يستبعد ذلك قائلاً: “الهجمات على السفن في البحر، والتصنيف الدولي للجماعة في قائمة الإرهاب، ذلك كله سينعكس بشكل مباشر على الطبقات المطحونة اقتصادياً. ارتفاع كلفة تأمين السفن سيرفع أسعار كل المواد، وسيعزز انهيار العملة، في ظل ندرة موارد البلاد. المواطن اليمني لن يتخدّر طويلاً بالقضايا التي لا تمس لقمة عيشه، سيصحو الناس اليوم على انعدام مشتقات النفط والغاز، وغداً على كارثة صحية وغذائية، ولن تسدّ جوعهم الحماقات التي تحصل في البحر الأحمر”.

خطر لي أن أسأل ابنة أخي عن رأيها في ما يحصل من أحداث، هل تفخر بأفعال جماعة الحوثي؟ هل ترى فيها نصرة لفلسطين؟ لكنها كانت منشغلة بتأمين سلامة طفلتها في المدينة المضطربة، وبالتفكير في سبل جديدة لتدبير معيشتها مع استمرار مصادرة الحوثيين رواتب الموظفين منذ سنوات، ومن ضمنها راتب زوجها. 

تتكاثف الأحداث ثقيلة، الولايات المتحدة تتعهد باستمرار الضربات حتى إضعاف جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فور إعلان إدراجهم في القوائم الإرهابية، الناطق الرسمي للجماعة، وفي بيان تحدٍّ وعدم اكتراث بالقرار، يصرّح أن التصنيف الأميركي لن يثنيهم عن دعمهم لفلسطين، بعده بساعات نقرأ نبأ استهداف سفينة أميركية في خليج عدن واشتعال النيران فيها، يليه خبر تجدد الغارات الأميركية- البريطانية على مدن في اليمن، أتوقف قليلاً كي أكتب إلى الساكنين في تلك المدن ممن أعرفهم، يخبرونني أنهم لا يزالون أحياء، أعود بعدها إلى ملاحقة الأنباء العاجلة مع ترقّب الأسوأ. 

هلا نهاد نصرالدين - صحافية لبنانية | 06.05.2024

الاحتجاجات الطلابيّة: فرصة لتصحيح البوصلة الأخلاقيّة للسياسة الأميركية!

أوشك تخييم المحتجين في جامعة كولومبيا على الانتهاء، لكن لم ينتهِ أثره ولا التحركات في جامعات أخرى حول العالم، فهل تلعب الاحتجاجات الطلابية مجدداً دوراً تاريخياً في تصحيح المسار الأخلاقي للأداء السياسي والضغط لإنهاء الفصل العنصري؟ أم سنشهد المزيد من القمع لحرية الرأي والتعبير في الجامعات، التي يجب أن تكون منطلقاً صحياً للحياة الديمقراطية؟