fbpx

مهاجرو المناخ من القرن الأفريقيّ بمواجهة الواقع القاسي في اليمن

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

التقلبات المناخية والتغيرات البيئية خلفت آثاراً كارثية على مناطق شاسعة. وتسبب الجفاف بتصاعد موجات الهجرة، فأي مستقبل ينتظر ملايين المحاصرين ببيئة صعبة وظروف أمنية واجتماعية سيئة؟

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

تركت التقلبات المناخية والتغيرات البيئية آثاراً وخيارات ضيقة أمام عدد كبير من سكان القرن الأفريقي، ومن بينهم عبد الله سالم (38 عاما). الجفاف الشديد والأمطار الغزيرة والحرب الأهلية في محافظة بنادر شرق مقديشو في الصومال، أجبرته على التفكير في خيارات للعيش والبحث عن سبل للحياة. 

يتحدث سالم عن التحولات في الظروف المناخية، قائلاً: “اعتدنا الجفاف، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت الموجات أطول وأكثر عنفاً. وفي المقابل، ازدادت غزارة الأمطار، ما يؤدي أحياناً إلى فيضانات تجتاح منازلنا الهشّة ومزارعنا”. ويضيف، بعد تنهيدة عميقة، “مزرعتي كانت كل ما أملك، وكانت مصدراً لقوت أسرتي، ولكن الطقس القاسي هدد محاصيلنا وسبل عيشنا”.

هذه التحولات المناخية القاسية دفعت أيضاً يونس عمر (26 عاما)، إلى مغادرة الصومال بحثاً عن حياة أفضل في اليمن، إذ يأمل في استكمال رحلته إلى سلطنة عمان. يشارك عمر قصته قائلاً: “كنا نمتلك مزرعة ومعدات زراعية، لكننا فقدنا ذلك كله بسبب الفيضانات الأخيرة. كنت مع عائلتي نعيش براحة، ولكن كل شيء انتهى، ويبدو أن المستقبل سيكون أسوأ، وفقاً للأحاديث التي يتم تداولها في وسائل الإعلام”.

تعتبر منطقة القرن الأفريقي واحدة من أكثر المناطق تعرضاً لتقلبات المناخ، وتشهد تطرفات مناخية بوتيرة متسارعة، ما دفع بالكثيرين إلى الهجرة نتيجة لتدهور الظروف المعيشية وفقدان وسائل العيش التقليدية.

تشكّل دول الخليج العربي الغنية منطقة جاذبة وهدفاً رئيسياً للمهاجرين، الذين يسعون إلى تحسين ظروفهم المعيشية والبحث عن فرص عمل في ظل الاستقرار الاقتصادي هناك. وفي هذا السياق، يبرز اليمن بوصفه جسر عبور للمهاجرين الأفارقة، الذين تقطعت بهم السُبل إلى منطقة الخليج بحثاً عن أمل للعيش.

ومع قرب اليمن من القرن الأفريقي وموقعه في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب، يشكل اليمن ممراً ضرورياً للكثير من المهاجرين، لكن قلة منهم تنجح في الوصول إلى دول الخليج المجاورة، فالرحلة غير الشرعية عبر الحدود البرية مكلفة وخطرة، ولا يحالف الحظ الكثيرين،  وفقاً لتقرير منظمة الهجرة الدولية خلال العام 2022، تم تهجير نحو 175,000 مهاجر كانوا متجهين الى المملكة العربية السعودية، وأعيدوا إلى إثيوبيا واليمن والصومال.

من يتعثّر في تلك الرحلة يجد نفسه يستقر في بلد قد لا يكون أفضل حالاً من موطنه الأصلي، اليمن قد تكون وجهة نهائية للبعض، إذ لا تتاح لهم خيارات أخرى، كعبدالله سالم، المقيم في منطقة البساتين، وهو مخيم للمهاجرين غرب مدينة عدن اليمنية.

تداخل تغيّر المناخ والعنف

شهدت اليمن خلال الربع الأول من عام 2023، زيادة ملحوظة في أعداد المهاجرين القادمين من منطقة القرن الإفريقي نتيجة لتداخل حالات عدم الاستقرار الداخلي في المنطقة مع الظروف المناخية القاسية. ارتفع إجمالي عدد المهاجرين إلى 41,453، إذ بلغت نسبة المهاجرين الإثيوبيين 78 في المئة مقابل 22 في المئة من الصومال.

تأثرت إثيوبيا بشكل كبير بتداخل العنف الطائفي والجفاف الشديد، بخاصة في منطقة تيغراي، ما أثر سلباً على سبل العيش ودفع الكثيرين الى الهجرة. في الصومال أيضاً، تسببت الحرب الأهلية في فرار مئات الآلاف من الأفراد نتيجة لحالة عدم الاستقرار والتأثيرات البيئية مثل الجفاف والفيضانات.

يؤكد المحللون أن هناك تداخلاً واضحاً بين المتغيرات البيئية والسياسية التي تدفع الناس نحو الهجرة. يشير الخبراء إلى أن نقص الموارد الأساسية مثل المياه، قد يؤدي إلى اندلاع صراعات وتهجير على مستوى محلي. ومن المتوقع أن يزيد تأثير التغير المناخي على نقص الموارد الأساسية في اندلاع نزاعات محلية وتزايد حالات الهجرة في المستقبل في ظل غياب سياسات التكيف في المجتمعات الهشّة.

الباحث مساعد عقلان، مسؤول ملف المياه والبيئة في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، يؤكد ترابط التغيرات المناخية و النزاعات قائلاً: “يساهم التغير المناخي في إشعال النزاعات حول الموارد بطرق عدة”، موضحاً: “يؤثر الجفاف وتدهور الأراضي بسبب التصحر والرياح على الزراعة، ما يزيد من المنافسة على الأراضي، كذلك تتأثر موارد الأسماك بارتفاع درجات حرارة البحار والمحيطات لتتفاقم نتيجة لذلك ظاهرة هجرة السكان نحو المناطق الأفضل إنتاجية، ما يؤدي إلى توترات مع المجتمعات المضيفة”.

على رغم اندلاع الحرب في اليمن في 2015، لم تتوقف موجات الهجرة من منطقة القرن الأفريقي. فعدد المهاجرين الذين وصلوا إلى اليمن تجاوز بكثير عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى أوروبا في الفترة نفسها.

منذ عام 2015، بدأت إثيوبيا تسجّل النسبة الأكبر في أعداد المهاجرين إلى اليمن، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية ونقص فرص العمل وتأثير الجفاف على القطاع الزراعي. يشير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن الكثير من الإثيوبيين الذين وصلوا إلى اليمن يأتون من المجتمعات الزراعية ويعانون بشكل كبير من ظروف الجفاف.

تشير تقارير منظمة الهجرة الدولية إلى زيادة مستمرة في أعداد المهاجرين غير الشرعيين من منطقة القرن الأفريقي وشرق القارة. وفي آذار/ مارس 2023، وصل حوالى 20 ألف مهاجر، غالبيتهم إثيوبيون، إلى السواحل اليمنية.

تتزايد التحديات في اليمن مع تزايد أعداد المهاجرين في ظل الظروف المعيشية الصعبة. الأمر الذي يفضي في بعض الأحيان إلى نشوب توترات قد تتطور الى  صدامات دامية بين المهاجرين أنفسهم، ما يعكس التوترات الناجمة عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. هذه المصادمات تثير مخاوف حكومية ومجتمعية من انتقال الصراعات العرقية والسياسية من منطقة القرن الإفريقي إلى اليمن، ما يعزز الضغط على الأمن والمعيشة في البلاد.

رحلة الموت

تبدأ رحلة المهاجرين القادمين إلى اليمن بتحديات شاقة ومخاطر تهدد حياتهم في بعض الأحيان، حسب قول سالم، الذي يروي قائلاً: “أيام صعبة بين الإبحار والمشي تحت الشمس والرياح”. ويضيف: “رحلة شاقة وصعبة لا تنسى تفاصيلها على الرغم من مرور هذه السنوات كلها، تعرضت لمشاكل وحوادث تسببت لي بإصابات قبل أن ينتهي به المطاف في عدن.

المهاجرون غير الشرعيين يبدأون رحلتهم إلى اليمن عبر البر، عبر جيبوتي في المقام الأول، ويخوضون في النهاية رحلات محفوفة بالأخطار عبر القوارب التي تعبر خليج عدن، وتصل إلى السواحل الجنوبية لليمن. في المقابل، يبحر عدد أقل من السواحل الصومالية. 

يُعَد الممر الذي يسلكه مهاجرو القرن الأفريقي واحداً من أكثر طرق الهجرة البحرية ازدحاماً في العالم، القاصرون الذين يتم تهريبهم هم الأكثر عالمياً، إذ يُمثِلون نحو 20 في المئة من المهاجرين، ويتم تهريب الكثير منهم من دون مرافقين. يُنعت هذا الطريق بـ “طريق الهجرة القاتل” الذي يتجاهله العالم، إذ يُقدَر أن اقتصاد تهريب المهاجرين يتجاوز الـ 47 مليون دولار أميركي سنوياً.

يستذكر يونس عمر، الذي يستعرض تفاصيل رحلة الرعب، أن الطقس غير المستقر كان له تأثيرٌ بالغ أثناء رحلته، إذ تسببت الرياح الشديدة أثناء عبور القارب المزدحم للخليج المائي في تأرجح القارب الذي كاد يوشك على الغرق. ويضيف: “نفد ماء الشرب خلال الرحلة، وعانينا من الجفاف، وللأسف، لم يصمد البعض، بخاصة القاصرين، الذين فارقوا الحياة”.

اليمن والقرن الأفريقي: تحديات مناخيّة مشتركة

تتقاسم منطقة اليمن ومنطقة القرن الأفريقي تحديات التغير المناخي والضغوط الأمنية والاقتصادية غير المستقرة، ما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على البيئة والحياة اليومية. في القرن الأفريقي، تشهد المنطقة أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً، ما يزيد من أزمة الأمن الغذائي وتقليل فرص العيش. في اليمن، تم تصنيف عام 2022 كواحد من أكثر الأعوام جفافًا في تاريخ البلاد، ما سبب تطرفات جوية مدمرة مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير.

تأثر اليمن بظواهر مناخية قاسية تسببت في تدمير البنية التحتية وتهديد وسائل العيش. الفيضانات التي وقعت في النصف الثاني من آذار أثرت على أكثر من 9000 أسرة، متسبّبة في تلوث مياه الشرب وتدمير شبكات الصرف الصحي، ما أدى إلى خلق بيئة مناسبة لانتقال الأمراض.

يتجلى التشابه بين اليمن والقرن الأفريقي في الضغوط التي يواجهها المهاجرون نتيجة لتغير المناخ. عبد الله سالم يوضح تلك التحديات قائلاً: “الوضع في اليمن أيضاً سيئ، في منطقة البساتين حيث أعيش لا تتوفر أدنى الخدمات الأساسية وتشهد المنطقة انتشاراً متزايداً للأمراض، بخاصة الحميات الموسمية”، ويضيف: “نواجه صعوبة في العثور على ماء نظيف للشرب، إذ أصبحت معظم المياه مالحة وغير صالحة للشرب، وحرارة الصيف أصبحت جحيماً لا يُطاق”.

بصورة واضحة، يعكس هذا التقارب في التحديات المناخية والظروف الصعبة للعيش تأثيرات تغير المناخ على الأفراد والمجتمعات في هاتين المنطقتين.

المهاجرون… بين التهميش والبحث عن حلول

تشير البيانات إلى وجود وضع مأساوي للمهاجرين الأفارقة في اليمن، إذ يظهر أن 48 في المئة منهم يفتقدون أي مأوى، ويعيشون في ظروف صعبة. يقيم 17 في المئة منهم في أماكن مؤقتة، ويعتمد 42 في المئة منهم على أعمال موسمية كمصدر للدخل. ومع ذلك، يفتقد 35 في المئة أي مصادر للدخل.

ومن المثير للانتباه أن 56 في المئة من هؤلاء المهاجرين يشيرون إلى أن المساعدات الغذائية تعتبر أهم احتياجاتهم وأكثرها أولوية، ما يظهر الحجم الكبير للمعاناة التي يواجهونها. وهو ما أكده وجدي بن محمد، مسؤول في منظمة الهجرة الدولية باليمن بقوله: “يعيشون في غالبيتهم في ظروف صعبة ولا يستطيعون الوصول الى الخدمات الأساسية التي تلبي احتياجاتهم، بخاصة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والنساء والأطفال”.

تعد التحديات المتزايدة للهجرة المناخية من أفريقيا تحدياً كبيراً يواجه العالم بأسره، وفقاً للأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بيتيري تالاس. ينبه تالاس إلى أن الظروف المناخية في أفريقيا، بخاصة في الجزء الشمالي والجنوبي من القارة، ستصبح أكثر صعوبة، ما يتطلب استراتيجيات محددة لمواجهتها. في المقابل، تفتقر الدول الهشة الى الدعم للوصول الى التمويلات المناخية لتمكينها من التكيف، فدولة مثل الصومال تواجه تهميشاً حقيقياً في الدعم الدولي للبرامج التنموية طويلة الأجل وتحسين سبل العيش. فبحسب تقرير أوكسفام، هناك وصول محدود للتمويلات المناخية للدول الأكثر هشاشة، إذ تتلقى نسبة أقل خمس مرات من الدول النامية وتغلب الديون على سياق التمويلات، ما يضاعف العبء الاقتصادي.

من جهتها، تشير مديرة المرصد الأفريقي للهجرة، نميرة نجم، إلى أن موجات الهجرة والنزوح المتوقعة في أفريقيا نتيجة التغير المناخي، تشكل تحدياً متنقلاً يهدد القارة. وتحث على ضرورة وضع استراتيجيات محددة لمواجهة هذا التحدي وتأمين التمويل اللازم للحد من آثاره المدمرة.

في إطار مواجهة التحديات، جاء إعلان كامبالا التاريخي حول الهجرة والبيئة وتغير المناخ في مؤتمر وزاري دولي بأوغندا في تموز/ يوليو 2022، والذي تم تعميمه ليصبح إطار عمل شامل على مستوى أفريقيا. وقد تم إقرار هذا الإعلان في القمة المناخية الأفريقية الأولى في نيروبي في أيلول/ سبتمبر الماضي.

وبفعالية، يُعَدُّ هذا الإعلان الإطار الأول الذي تقوده الحكومة لمعالجة قضايا التنقل الناجم عن المناخ والاحتياجات والثغرات وفرص التنقل البشري نتيجة لتغيّر المناخ في أفريقيا.