fbpx

محاكمة جوليان أسانج…كم لوحة لبيكاسو نُحرق كي يطلق سراح مؤسس ويكيليكس؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

يصادف اليوم 20 شباط/ فبراير 2024، الجلسة الأولى من جلسات الاستماع الى جوليان أسانج، الهاكر، الصحافي،ومؤسس ويكيليكس، الذي أسقطت عنه السفارة الإكوادورية عام 2019 حق اللجوء، كي تتم محاكمته في بريطانيا لنقاش ترحيله إلى الولايات المتحدة كونه متهماً بـ”خرق قانون التجسس” و”تهديد الأمن القومي”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

يوم الأحد الأخير من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2024، رمت مواطنتان فرنسيتان من ناشطي البيئة، صلصة حمراء على لوحة الموناليزا في متحف اللوفر، اليوم نفسه الذي تجاوز فيه عدد القتلى في غزّة 25 ألفاً،  وقبل فترة وجيزة من “موت” الصحافي الروسي المعارض ألكسي نافالني في السجن. لم تتأثر الجوكندا التي استُهدفت مرات عدة سابقاً، كونها وراء زجاج مقاوم للرصاص، واتّهم بوتين بقتل نافالني، وكدّس الجيش الإسرائيلي 1,5 مليون فلسطيني في المواصي.

رسالة الناشطتين كانت “نُريد طعاماً صحياً”، ولم ينتج من هذا “الاحتجاج” سوى جهد إضافي لعمال النظافة في المتحف، الذين اضطروا لمسح الزجاج، بينما يبحث ما تبقّى من فرق الإنقاذ عن أحياء تحت أنقاض المنازل في غزّة، وكما أي احتجاج يستهدف “فنّ المعلمين” أو مباريات التنس أو محلات اللحوم، مشاكل “العالم المتحضر” الخاصة بالوقود الأحفوري و الطعام الصحيّ وغيرها، لا تمسّ أولئك الذين يقتلون يومياً، والذين لن يمانعوا “الطعام غير الصحيّ” عوضاً عن طحن علف الحيوانات لصناعة الخبز.

قيم الناشطين الأوروبيين القائمة على تهديد الفن للحفاظ على البيئة، لا تحضر حين الحديث عن منطقتـ”نا” أو مواطنيها وقتلهم، يقولها الكوميدي الإسرائيليّ إيلاي هافيف بوضوح،  حين قدّم عرضاً كوميدياً للجنود  الإسرائيليّين في  قاعدة ناهشونيم (الرّواد): “أثناء الحرب، لا وقت للحفاظ على البيئة!”.

قيمة “الفنّ” بوصفه تراثاً إنسانياً لا يستبدل، مُلتصقة بالفنون “الأوروبيّة”، تلك التي تحتوي الفنون “الأخرى” في المتاحف تحت تصنيفات “فنون المهاجرين، فنون بدائيّة، فنون الآخرين…” وغيرها من الحذلقات، التي كُشف في الحقبة النازيّة مثلاً أنها في لحظة الاحتلال تتساوى جميعاً، هي مجرد أدوات أيديولوجيّة وغذاء تقوم عليه الأكاديميات وسوق الفن/ غسيل الأموال.

سلعة أديولوجيّة

أحرق الاحتلال النازي لفرنسا (1940-1944)  لوحات ماتيس وبيكاسو وغيرهما في باريس كونها تنتمي إلى “الفنّ المنحطّ”، إذ فُرزت في متحف جو دو بوم،  وأحرق أكثر من 400 عمل، منها لوحات لسيزان وبيكاسو وخوان ميرو في حديقة تويلري المقابلة للمتحف، والتي تحمل اسم “مقبرة الشهداء”.  هذا الحدث فيصل في عالم الفنّ، كون النازيين لم يهتموا لا بحياة فئة من الناس، ولا الفن الذي لا يطابق “آريتهم”، لحظتها جُرّد العمل الفنيّ من كلّ قيمة جمالية، ليبقى سلعة أيديولوجيّة بحتة.

حديقة تويلري في باريس- 1944  تحطيم تمثال (الإنسان ومأساته -1891)

قيمة الفنّ  المعاصر في المتاحف بوصفه لا يُستبدل،  شديدة الهشاشة، كونه  يُستخدم لغسيل الأموال وحفظ الثروة في أقبية البنوك كورقة للمساومة. المفارقة، أن هذه القيمة تتلاشى كلياً حين الحديث عن فنون “أقدم” وذات قيمة دينيّة أو تراثيّة،  حزن العالم حين دمرت طالبان تماثيل بوذا ، وحين دمر “داعش” آثار العراق،  و قطع  رأس  تمثال المعريّ في إدلب في سوريا، قيمة الفنّ تكمن إذاً في “مكانه” ومصدره والاتفاق على “قيمته”، ولا قيمة جوهرية يحملها في داخله.

رأس المعري المقطوع-معرة النعمان سوريا-2013/ نحت التمثال عام 1944 الفنان فتحي قباوة

“الفنّ” رهينةً

يصادف اليوم 20 شباط/ فبراير 2024، الجلسة الأولى من جلسات الاستماع الى جوليان أسانج، الهاكر، الصحافي، فاضح انتهاكات الجيش الأميركي، ومؤسس ويكيليكس، ذاك الذي أسقطت عنه السفارة الإكوادورية عام 2019 حق اللجوء، كي تتم محاكمته في بريطانيا لنقاش ترحيله إلى الولايات المتحدة كونه متهماً بـ”خرق قانون التجسس” و”تهديد الأمن القومي”.

 نموذج أسانج غيّر شكل الصحافة التقليدية كما نعرفه، تلك التي تغيرت الآن مرة أخرى، سواء مع  اليمينيّ تاكر كارلسون الذي التقى في موسكو مع بوتين ووصفته هيلاري كلينتون بـ”أحمق مفيد” أو الانفلونسر الصحافي، الذي يظهر في غزّة وهو “يبث” المقتلة، أو في محاكمة آمبر هيرد وجوني ديب لتقديم الأدلّة، وما يبرّئ ديب.

محاكمة أسانج، اللاجئ السياسيّ في سفارة الإكوادور منذ 2012 إلى حين “حمله” حرفياً خارجها عام 2019  إلى سجن في لندن، حدث عالميّ،  فأسانج رمز لحرية التعبير المطلقة منذ عام 2010.تسليمه لأميركا لمحاكمته هناك، تهديد لحرية التعبير الراديكاليّة. نحن أمام قضيّة دقيقة ومعروفة الجهات الفاعلة فيها، بعكس موضوع الوقود الأحفوري أو الطعام الصحيّ، فما هي اللوحة التي يجب تخريبها لمنع ترحيله؟ 

ما نعلمه أنه لا يمكن ابتزاز محمد بن سلمان بلوحة مقابل خفض استخراج النفط أو تنفيذ عمل تجهيز  للضغط على إسرائيل لوقف المذبحة، وحتى مُقاطعة مهرجان بريلنالية للسينما  من الكثيرين لم تغير أي شيء من موقف ألمانيا. وكل الانتقادات لم تُغير من برنامج أيام الرياض وجوائز “جوي” في السعوديّة.  لكن  الفنان الروسي أندريه مولودكين وجد أسلوباً لحل المعضلة السابقة بخصوص جوليان أسانج، ففي قرية صغيرة في جبال البيرينيه الفرنسيّة حيث يقيم، اشترى خزنة سويسريّة بوزن 32 طناً، قياسها 3.6*2.7 متر مربع، ولها 5 أقفال، لينفذ ما سمّاه “درع فنيّ”.

الخزنة التي اشتراها مولودكين- تصوير ناديا بيرد- نشرت في النيويوركر

مولودكين، المعروف بأعماله الفنيّة الاستفزازية، سيضع في الخزنة هذه لوحات لرامبرات وبيكاسو وآندي وارهول، وما مجموعه 16 عملاً فنياً قيمتها 25 مليون دولار، بجانبها مواد كيميائية حارقة، وكاميرا تبث على يوتيوب محتوياتها، وحسب قوله، في حال قُرر ترحيل أسانج، ومات في السجن بشكل غامض (وهي الحالة المتكررة في السجون الأميركيّة) ستحرق هذه الأعمال التي تبرع بها أصدقاؤه من فنانين وجامعي لوحات  عبر زر  في جهاز تحكّم خلال ساعتين.

درع بشري… درع فنيّ!

أطلق مولودكين على “العمل” اسم Dead Man’s Switch، في لعب  واضح على الكلام، في محاولة لمنع مواجهة أسانج الذي يعلم بهذا “العمل” ووافق عليه، مصير جيفري أبستين، وعلى اختلاف الرجلين بشدّة،  السجن الأميركي ليس بمساحة آمنة،  واشترط مولودكين ، أن الأعمال لن تدمر إلا في حال ” خرَج أسانج من السجن حياً وحراً”، خصوصاً أن تقريراً لـCIِA يعود إلى عام 2021، كشف تفكير إدارة ترامب، الرئيس الأميركي حينها، باغتيال أسانج، بالطبع أخبر مولودكين إدارة بايدن بما سيقوم به في رسالة رسميّة وُجهت الى البيت الأبيض، ولم يأته أي رد.

لا نعلم إلى أي حدّ يمتلك تخريب الأعمال الفنيّة قدرة على ترك أي أثر خارج سوق الفن وأمواله، بانكسي الذي مُزّقت لوحته “الطفلة تحمل بالون” أمام المشترين في المزاد، وتسببت بصدمة و تريند عالمي، بيعت بعد ذلك في مزاد آخر بمبلغ 25 مليون دولار تحت اسم “الحب في القمامة”. النازيون أحرقوا أعمالاً فنية سابقاً ولم يتغير شيء. والمفارقة، أننا أمام فنون معاصرة، لا فنون المعلمين، لوحات وأعمال لفنانين أنتجوا عشرات اللوحات، لا مجرد بضع لوحات محفوظة ومصانة كما الجوكندا، بصورة ما، اللعب ما زال داخل السوق.

يطرح مولودكين سؤالاً في صحيفة النيويوركر التي أجرت معه لقاء طويلاً، “هل هناك ما هو بربري أكثر مما يحصل مع جوليان أسانج؟ هل أكثر الأعمال الفنيّة قيمة تبرر أن نضحي بحريتنا؟”، نجيب بكل ضمير مرتاح، نعم، هناك ما هو أكثر بربرية، ونعم هناك أعمال فنيّة “أعلى” قيمة دمّرت في أوروبا والشرق الأوسط، وصودرت الحرية بعدها بكل سلاسة، لكن لا نفاضل بين قيمة حياة وأخرى، لكن المختلف هو التعريف السياسي لهذه الحياوات.

التهديد في عالم مفرط في عاطفيته

حشر غزّة في القصة السابقة قد لا يبدو مبرراً، لكنه يطرح أسئلة عدة، نكرر، كل الحياوات متساوية في القيمة، لكن قيمة الفنّ نفسها هي محطّ السؤال، إذ لا نعلم الأثر الذي سيتركه “العمل” الذي قام به مولودكين لكن، هل هناك ما هو غالٍ أو يمتلك قيمة كقيمة بيكاسو ليُستخدم كورقة للتفاوض مع النظام السوريّ مثلاً؟ مع إيران؟ مع إسرائيل؟ أو حتى السعوديّة؟.

 سخرية السؤال تفضح القيمة التزيينيّة للفنون بوصفها عاجزة أمام العنف السياسيّ، سواء كانت في الشرق الأوسط أو أوروبا، فهل من رمزيّة أكثر قيمة من رفع علم فلسطيّن بتجمع بشري في قرية غارنيكا الإسابنيّة انتصارأً لغزّة؟، لا ، لكن لم يتغير شيء، حتى تغيير صور البروفايلات و”تغيير السرديّة” لم يوقف المقتلة الحالية.

فاعلية الفنون والعدمية في قراءة “عمل”مولودكين  ليست جديدة، لم يوقف أي شيء قصف سوريا، وقبلها العراق، والآن غزّة، “اللعب” في حالة مولودكين يتحرك ضمن القيمة الفنيّة والهالة الأوروبية المحيطة بها، دون ترك أثر مادي في العالم السياسي، ما يكشف واقع الفنّ في السوق المعاصر، هو “سلعة” وقيمة إعادة الإنتاج والفرادة والملكيّة، كلها مجرد معايير في السوق و الأكاديميات، وغرف الانتظار في عيادات الأطباء.

نراهن هنا ونسلم (بسذاجة) أن للفن الأوروبي قيمة قادرة على ترك أثر سياسي، ما يعني أننا أمام ورقة رابحة، يمكن استخدامها للضغط في سبيل وقف إطلاق النار في غزة، بل استخدامها كـ”درع فنيّ” كما في حالة مولودكين إذ يحوي لوفر أبو ظبي 120 عملاً فنياً وصفت بأنها Master piece، منها لوحات لغوستاف غايبو، وبول كلي، ومانيت، وبيليني، وموندريان أعمال تتحرك بين فن المعلمين والفن الحدث فهل يمكن تهديدها ؟.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.