fbpx

 “الخائن”… معضلة “مسلسلات الصابون” وبيروت المستحيلة!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

انتهى أخيراً بثّ الحلقات التسعين من مسلسل “الخائن” على منصة “شاهد” السعوديّة. الجدل المحيط بالعمل لا يتناول سطوة رأس المال السعوديّ ولا طبيعة هذه الصناعة الآمنة سياسياً، والتي تقدم بيروت مثلاً كمدينة متخيّلة ومسطحة، فأي محاولة للانتقاد تقابلها عبارة “هذا مسلسل صابون، شكله هكذا!” أو “أسكت خوفاً على رزقك”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

عام 2016، قامت مجموعة من ممثّلي الدوبلاج السوريين، بما يشبه إضراباً، مُطالبين برفع أجورهم. حينها، قال الممثل إياس أبو غزالة: “يجب حماية هذا الفن، الذي نحن أسياده في الوطن العربي، يجب حماية هذه الصناعة، وخصوصيتها السورية”. 

كتب حينها الصحافي الفلسطيني راشد عيسى، الذي نورد منه اقتباس أبو غزالة، مقالاً بعنوان “جمهورية الدوبلاج السورية تنتصر”، متحدثاً عن الفصام بين ما يظهر على الشاشة في صناعة الدوبلاج، وبين ما يختبره السوريون تحت سطوة نظام الأسد.

من هؤلاء السوريين، هناك “المُدبلجون”، الذين تنقل بعضهم بين بيروت ودمشق لبيع أصواتهم لشخصيات تركيّة وهنديّة وغيرها من الأفلام والمسلسلات المُدبلجة التي تبثّها مجموعة MBC، بينما يقتات “غير الممثلين” في بيروت، المنتظرين قرارات اللجوء من السفارات الأوروبيّة، على مشاهد “الصراخ والمجاميع”، لتلبية متطلبات الحياة في المدينة التي فرّوا إليها.

لم تتوقف صناعة الدوبلاج، بل أخذت شكلاً جديداً، تمثل في نموذج الاقتباس أو إعادة إنتاج المسلسل التركي بصبغة “عربيّة مشتركة”، ممثلون من سوريا ولبنان مُختلفو النجوميّة، يظهرون ضمن كوادر شديدة النظافة وألوان برّاقة وأزياء معاصرة، وأطنان من البوتوكس في الأوجه لـ”يشخّصوا” حكايات، أشهرها حالياً مسلسل “الخائن”، بطولة قيس الشيخ نجيب وسلافة معمار، والذي انتهت حلقاته التسعين منذ فترة وجيزة.

لا نعلم كيف نبدأ التعليق على هذه الصناعة، ولا نقصد تلك التُركيّة، بل المُعربة التي تتربع منصة “شاهد” السعوديّة على قمة هرم مُنتجيها/ ناشريها، والتي كلما حاولنا انتقادها أو الحديث عنها نُصفع بعبارة: “هذا مسلسل صابون، شكله هكذا، إن لم يعجبك، لا تشاهده”.

 لكن، كيف نتفادى “الخائن” والإعلانات في كلّ مكان؟ وحفل “جوي أووردز” بقيادة تركي آل الشيخ، يصدر نجوم المسلسل  على “السجادة الخزامية” ويمنحهم  جوائز، فالعام الماضي مثلاً، حصلت كاريس بشار على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في “ستيليتو”، الذي يشارك فيه أيضاً قيس الشيخ نجيب.

ناهيك بالحذر من انتقاد هذه “المسلسلات”، المتمثل بأن نبع المال الذي يُسمّى هيئة الترفيه في السعوديّة ما زال وافراً، ولا يجوز الاقتراب منه أو الحديث عنه، كون تركي آل الشيخ نفسه، لا يتوانى عن طرد وتهديد كل من يحاول المساس بصورة المملكة، ونهضتها الثقافيّة، أو الحديث عن فلسطين،  فأبو ناصر Hands on يتدخل في الشاردة والواردة.

سطوة رأس المال السعودي

لا مفارقات أكثر من حلقة  بودكاست “سردة” التي استُقبل فيها بطل “الخائن”، قيس الشيخ نجيب، الذي تحدث عن “الخائن” وكأننا أمام “تحفة فنيّة”، وهنا تأتي سطوة رأس المال، نعرّب المسلسل، نترك الممثلين يتحركون أمام مخرج ومدير تصوير لا يتكلمان العربية، نروّج له، ثم نمنحه جوائز.

الإشكالية الثانية هي في الكواليس، وبعيداً من الإشاعات التي ينقلها الأصدقاء، يخبرنا شيخ نجيب نفسه أن هناك نحو 13 نسخة من المسلسل، مأخوذة كلها من المسلسل البريطاني Dr.Foster، مضيفاً أن الأتراك يعملون بالمسطرة، يقيسون الجمهور ومعدلات المشاهدة، وعلى أساس الأرقام التي “لا مزاح فيها”، يتم دفع الخطوط الدرامية وتقديم شخصية على حساب أخرى، فـ”قد تتحول شخصية جانبية في بداية المسلسل إلى بطل في منتصفه”، لكن، هل تقوم “شاهد” بالشيء ذاته في حالة الاقتباس العربيّ؟

مفهوم تبنّي المسلسل قائم على أساس السوق التركي البحت وخياراته، وما أعجبه من شخصيات، كل ما نراه هو إعادة تصميم لحكاية تتمحور فقط حول الشخصيات الـ6 أو الـ7 التي تظهر في المسلسل، لا عالم يحيط بها ولا متغيرات في المكان، والأهم، لا رأي للجمهور العربي بها، لكن ، لا تجوز هذه الأسئلة، هذا مسلسل صابون، إخرس وتابع.

لا نعلم كيف نبدأ التعليق على هذه الصناعة، ولا نقصد تلك التُركيّة، بل المُعربة التي تتربع منصة “شاهد” السعوديّة على قمة هرم مُنتجيها/ ناشريها.

صفعة النوع الفنيّ

خلال اللقاء ذاته في “سردة”، يتم الحديث عن مسلسل ” دالاس” الأميركيّ،  ودوره في نهضة هذا النوع من المسلسلات التي وصل بعضها إلى 5 آلاف حلقة. لكن ما يتم إغفاله، أن هذا المسلسل بالذات، دالاس، أسس لقسم مهم من الدراسات الثقافية، إذ فتح كتاب “ووتشينغ دالاس: مسلسلات الصابون والمخيلة الميلودراميّة” لـماي إين أنج، الباب على فهم كيفية مشاهدة هذه المسلسلات، عبر استبيانات وُزّعت على الجمهور لمعرفة سبب المشاهدة والانغماس في “المخيلة الميلودراميّة”،  وتشير المؤلفة الى أن إجابات كثيرة وصلتها بعد توزيع الاستبيان، تكرر فيها سؤال:”كيف بإمكان هذا العدد الكبير من الناس أن يشاهدوا هذا المسلسل !”.

يستنتج الكتاب أن هناك نوعين من الجمهور الذين يشاهدان هذا: “النوع السيئ من الثقافة الجماهيريّة”، هناك “نحن”، من لا نشاهد المسلسل، وإن شاهدناها فنحن “ساخرين” متعالين على موضوعاته وذوقه الرديء، وهذه نعوت لا تمسّ القيمة، بل ترتبط ترتبط بالذوق الفني، أي لا مشكلة في الإفراط العاطفي و التأملات في الفراغ، بالنهاية “نحن” نشاهد الحلقات التسعين!

هذه الـ”نحن” لا صوت  فعّال لها في المنطقة العربيّة، هناك تعامٍ من نوع ما حفاظاً على الرزق، ناهيك بأن هذه الـ”نحن”، ليست ساخرة دوماً، بل جديّة، تتعامل مع المسلسل كمنتج ثقافي ذي أبعاد سياسيّة، فلا “تسلية” بريئة من السياسة، خصوصاً إن كان رأس المال يتحكم بها. لكن اللافت  أن هذه الصناعة، الدراما التلفزيونية، لها عالمها الخاص وعلاقتها، والبعض منفيّ منها، سواء كتاب أو صحافيين، هؤلاء الذين لا يجسدون “اللعبة” والتي تتغير قواعدها بصعوبة هائلة، لكن يمكن فجأة أن تظهر القبلات على الفم على منصة سعودية!

 هناك  أيضاً “هم”، من يشاهدون المسلسل ويدافعون عنه مُنغمسين في الميلودراما، التي قد لا يتماهون معها، لكنها تعيد ترتيب الرموز المألوفة  أمامهم على الشاشة بصورة يمكن التفاعل معها عاطفياً، لا عقلياً، شرط التصديق هنا عاطفي، لا يقوم على التماسك المنطقي للحبكة، أولئك الـ”هم”، المنصاعون لأيديولوجيا الإنتاج العالي، تأسرهم الصورة الناصعة والثياب الجميلة، في عالم “وهمي”لا مسافة نقدية فيه من أي شيء، لكن المفارقة، أن “هم”و”نحن” يشاهدون المسلسل.

هذه الهيمنة على الثقافة الشعبيّة والأيديولوجيا وراءها، تذكرنا بكلام علي جابر، مدير MBC، الذي يقول في حلقة من البودكاست (سردة) ذاته، إن الهدف من “شاهد”، هو خلق بيئة تستقطب كل أنواع الجمهور، بصورة ما هي نوع من الهيمنة، والسبب، ألا منافس لـ”شاهد”، التي أعادت تقطيع العمل من ساعتين للحلقة، الى ساعة كل حلقة، لتلائم المشاهد العربي، الذي اعتاد على 30 حلقة للموسم، الصيغة التي يقال إن أنور عكاشة في مصر أول من طبقها، لكن هذه “البيئة” محكومة بأيديولوجيا لا تُخفى على أحد.

لا نعلم إن كانت هناك أبحاث للجمهور وقدرة على تغيير أحداث مسلسل “الخائن “بصورة مختلفة عن النسخة التركيّة، لكنه مناسب، يلائم وقت الفراغ، ذاك الذي تراهن عليه كل الصناعة الثقافية، هي  مساحة غير جديّة، وفي حالة “الخائن”، مساحة خاليّة كلياً من أي إحالة سياسيّة، وهذا بالطبع، شرط مسلسل الصابون، لكن في حالة “الخائن”، لا تتخلله إعلانات، فالأحداث تتدفّق لساعات حدّ الملل.

نستخدم هنا كلمة مسلسل صابون سخريةً، كونه في الحالة الأميركية كان مدعوماً من شركات الصابون، وفي الحالة التقليدية المُعلنين، لكن في حالة “شاهد” أين الربح؟ من الاشتراكات الشهرية؟ بحيث  أن بحثاً سريعاً على الإنترنت يشير إلى أن شاهد مموّلة من MBC، التي كانت مملوكة بنسبة 60 في المئة للدولة السعوديّة، وطُرحت  10 في المئة من الأسهم للتداول العلني عام 2023.

دراما المدن المستحيلة 

أين تدور أحداث “الخائن”؟ في لبنان، لكن أي لبنان، لا نعلم. سؤال المكان جوهري في هذا المسلسل، فاختيار لبنان على أنه مسرح الأحداث بينما التصوير في تركيا، لذا  لبنان المسلسل لا يحوي أي مشكلة، لا أزمة بنوك، لا حرب، لا ميليشيا مسلحة تحكم الجنوب، لا شيء، كل شيء ناصع ونظيف ضمن إضاءة ممتازة. لكن، لمَ هذا الخيار بالذات، ربما لتلبية فانتازم ما عن لبنان، وهنا المفارقة، هذه النسخة المتخيلة من لبنان إهانة بصورة ما للبنان الذي يقف على شفا حرب مع إسرائيل، ناهيك بالأزمة الاقتصادية الحادة التي يختبرها.

المدينة المستحيلة التي تدور فيها الأحداث مصمّمة بصورة لرسم ملامح عامة مستنسخة من المدينة التركيّة، لا تخدم الشخصيات ولا الحدث، والأهم، لا وجود لسوريا التي تفضح لهجات الممثلين، مثلاً لمَ هم في لبنان؟ من هم أولئك الأغنياء؟ وما تفسير تكرار فضاء المستشفى الحاضر دائماً في المسلسلات التركية التقليديّة المدبلجة كمال في (المتوحش)، إن أردنا فهم المنطق حسب الوضع الاقتصادي التركي هي ربما دعوى للإعمار الذي اشتهرت به تركيا، وازداد بعد كارثة الزلزال، في سوريا ولبنان الشأن مختلف، لكن لا تجوز هذه الأسئلة، لا تنسى، هذا مسلسل صابون.

بيروت المستحيلة في الخائن تتيح للشخصيات أن تتحرك كما تشاء، خصوصاً أن عقباتها نفسية، لا عقبات ماديّة أمامها، زمن الحلقة الذي قد يمتد إلى “يوم واحد”حسب تصريح شيخ نجيب نفسه، يبدو كأنه يحدث في مدينة ملساء، لا تحتوي على مطبات في الطريق مثلاً، ولا ازدحام، ولا نقص في المال، ولا شجارات، ولا رجالات ميليشيا يقطعون الطرقات بموتوراتهم، بيروت في الخائن، مدينة لا فقط متخيلة، بل ملساء، صفحة بيضاء لعلاقات الحب الميلودرامية بين الشخصيات.

بحكم” النوع الفنيّ”، لا يمكن الإشارة الى المدينة المتخيلة وعلاقتها مع الواقعية، لكن ما يتضح أن حتى الأحداث الميلودرامية، في نسختها التركيّة، تحمل جانباً ترويجياً للمدينة، كما في كل المسلسلات من هذا النوع، هناك صورة فانتازميّة لطبقة غنيّة نكتشف علاقاتها “الإنسانيّة”، في الخائن، ترويج لنسخة من بيروت مصورة في تركيا، بطلها مهندس سوري وطبيبة سورية قادمان من أميركا، أما حفل توزيع الجوائز الذي استقبل “أبطال المسلسل” ففي الرياض.

الفُصام للتسليّة و”العمل”

لم تعد هناك فائدة من الحديث عن الفصام بين ما نراه على الشاشة وبين ما يحدث على أرض الواقع، أو التاريخ، أو كل ما يمكن أن يحمل دلالة سياسيّة. نحن  أمام ترفيه شديد التجريد، يعيق حتى قدرات الممثلين السوريين أنفسهم ليتحول “النجم” أو “النجمة” إلى صورة تصلح للبوستر فقط وجذب المشاهدين، ولن نخوض في الأداء، لأنه ببساطة هذا مسلسل صابون، شكله هكذا!

نحن إذاً أمام سطوة المال من جهة وسطوة النوع الفني، لإسكات محاولات النقاش والانتقاد والقراءة الجديّة، نعم لا يخلو الأمر من مقالات ونصوص تهاجم هذا النوع، وتراه مبتذلاً لكنه “عمل”،  وهذا ما أشار إليه زياد عدوان في مقال:”تَصَدَّرَ المسلسل التلفزيوني المعايير وتفسيرات النجاح، وبات مصير من لا عمل له في المسلسل التلفزيوني انتظار فيلم سينمائي ما، أو التمثيل في المسرح، وتنتهي سلسلة الفشل عند العمل في الإذاعة، ومن بعدها تغيير المهنة. وأمام هذه الهرمية، كان لا بد من تبجيل المسلسل التلفزيوني والسعي الى إبعاده عن كونه مصدر تسلية أساساً”.

الهرمية التي يشير إليها عدوان، تختلف في حالة هذا النوع الهجين من المسلسلات، إذ تختلف هرميّة الممثلين، بين صف أول وممثلين صاعدين يتقاسمون المشهد ذاته ومساحات اللعب ذاتها خلال الحلقات التي تقارب المئة. السبب  في جاذبية هذا النوع من “الأعمال” هو الرغبة في ممارسة المهنة ضمن اقتصادات عربية منهارة،  تهيمن فيها السعودية والإمارات على الإنتاج أو العرض.

 ناهيك بأن هذه المسلسلات خيار شديد الأمان سياسياً، تحمي العاملين من الانقسام السياسي في المنطقة، هي حكايات تحدث في أماكن متخيلة، يتقاضى إثرها الممثلون أجوراً مرتفعة، بمعية تركي آل الشيخ، الذي يصفّ “الجميع” على الخشبة في “جوي أووردز”، كي يشكروه،  لتقبّل أصالة نصري جورج وسوف على رغم الاختلاف السياسي الشديد بينهما، ويدخل أبو ناصر وساطة صلحة بين أنغام وأصالة نصري، إذ لا سلطة إذا سوى رضى “الأمير”، الذي لا فقط يحكم بالمال، بل بشكل القطاع الفنّي.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.