fbpx

قضيّة الراهبة مايا زيادة: بين أدلجة التعليم والتخوين وتكميم الأفواه

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

التسييس الكامل لخطاب الراهبة من الجهات التي حرضت عليها، قوّض النقاش الأساسي المتعلق بإقحام السياسة والأدلجة في تعليم الأطفال، وهو مسار يترسخ بقوة في البلد منذ سنوات. 

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اختارت الراهبة مايا زيادة الصمت أو ربما فُرض عليها، بعدما تحوّل مقطع فيديو لها إلى مادة انقسام سياسي طائفي واسع في لبنان.

ففي الأيام الماضية، انتشر مقطع مصور للراهبة زيادة، أثناء إلقائها خطاباً وجيزاً أمام مجموعة من تلامذة مدرسة راهبات “الحبل بلا دنس” في كسروان، ممن لا تتعدى أعمارهم العشر سنوات، تتحدث خلاله عما يجري في الجنوب وتحثّ فيه على التضامن مع أهل الجنوب والمقاومة، مستشهدةً بعبارات للشاعر محمود درويش.

كان هذا المقطع كفيلاً بإشعال حملات متباينة ما بين التحريض والتخوين اللذين أوصلا إلى إبعادها من مهامها، في مقابل التضامن الواسع، ولم يخلُ أيّ من الموقفين من استثمار سياسي ومذهبي. 

الحكاية بدأت من ردود فعل غاضبة من أولياء أمر التلامذة في المدرسة وسكان المنطقة بسبب ما تضمّنه الفيديو المنشور، ما دفع المدرسة الى إعفائها من مهامها كـ”مرافقة”، وإصدار بيان يؤكد أن الراهبة ليست جزءاً من الكادر التعليمي للمدرسة.

يبدأ الفيديو محور القضية بسؤال أعقبته زيادة على حديثٍ حصل بينها وبين التلامذة الأسبوع الماضي، وهو عن كيفية بناء وطن إن لم نتعلم الحب، وأتبعته بإخبار الأطفال عما يحصل من اعتداءات إسرائيلية شبه يومية على الجنوب، ودعوتهم الى الصلاة بدايةً لأطفال الجنوب الذين “لا يمتلكون اليوم سوى حلم حماية أرضهم”، من ثم لأهالي الجنوب وأمهات الجنوب، وخصّت بالذكر رجال “المقاومة”، وشددت على خصوصيتهم بكونهم “يتعبون من أجل حماية الوطن”، وأن الصلاة لأجلهم وحبهم واجبٌ، بغض النظر “عما نفكر فيه”، وعدم فعل ذلك هو خيانة للأرض والوطن، وخيانة بحق “كل كتابٍ نفتحه ونقرأ فيه”.

الانقسام الذي أحدثه المقطع المصور لم يكن مرتكزاً على بُعده السياسي فقط، والذي استثمرته أحزاب مسيحية كبرى في سياق مواجهتها مع حزب الله. التسييس الكامل لخطاب الراهبة من الجهات التي حرضت عليها، قوّض النقاش الأساسي المتعلق بإقحام السياسة والأدلجة في تعليم الأطفال، وهو مسار يترسخ بقوة في البلد منذ سنوات. 

ففي بلد تسعى فيه سلطات حزبية وطائفية لتكريس التمترس السياسي الديني في ساحات المدارس والجامعات، بدت قضية الراهبة انعكاساً لهذا الأمر. 

يرى حقوقيون أن ردة الفعل التي قامت بها المدرسة بإعفاء الراهبة من القيام بمهامها في المدرسة مبالغ فيها، وأنها تمت تحت تأثير وضغوط من جماعات منفعلة عاطفياً ومنحازة الى توجهاتها السياسية والطائفية.

أدلجة أم تنشئة وطنية؟

يسمح القانون اللبناني للطوائف بإنشاء مدارسها، وتدريس مناهجها التعليمية والتربوية الخاصة، ما أتاح الفرصة أمام الأحزاب السياسية الطائفية لإنشاء مدارس تابعة لها، يتم خلالها تعليم الأطفال وتلقينها بما يتناسب مع أيديولوجية الجهة المؤسسة أو الداعمة، والتي تسعى الى توظيف كوادر تعليمية مؤيدة لتوجّهاتها السياسية والدينية.

من هنا، ركّز بعض منتقدي خطاب الراهبة زيادة على الخصوصية التي منحتها لمقاتلي حزب الله، ما صبغها بتوجه سياسي واضح، بحيث بدت أنها من موقعها كمرشدة دينية تحاول توجيه الأطفال لتبني موقف سياسي مشابه لموقفها، وأنها بذلك تعدت حدود واجبها التربوي، الذي يتيح لها أن تحيط التلامذة علماً بما يجري في البلد، من دون إقحامهم بدهاليز السياسة اللبنانية، لا سيما أنهم في مرحلة عمرية تجعلهم أكثر عرضة للتأثر بما يتلقونه في مجتمعاتهم المصغرة، وهو ما سعت المدرسة الى التبرؤ منه في بيانها بعد الحادثة، بتأكيدها على أنه لم ولن “تنحاز الى أية سياسة أو حزب أو فئة معيّنة”.

في هذا السياق، يقول الأستاذ الجامعي والمدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد، في حديثه لـ “درج”، إن “هذا الخلل أساسه ضعف تقديم مادة “التنشئة الوطنية” في منهج موحد ومتين في المدارس اللبنانية، ما فسح المجال أمام الأساتذة لطرح آرائهم السياسية أمام التلامذة، بطريقة تخلو من الموضوعية في كثيرٍ من الأحيان”. 

يضيف عبد الصمد أنه “لا ضرر من طرح قضايا وطنية أمام التلامذة، وإخبارهم بأن الجنوب يتعرض للقصف، لكن ينبغي على المعلم الحذر في مقاربته” و “وجود مناهج مناسبة تعالج هذه القضايا بشكل موضوعي، يجنبنا هذا النوع من الأخطاء الذي وقعت فيه الراهبة”.

الحديث عن الأدلجة في المدارس كان عاد إلى الواجهة أخيراً مع انتشار مقاطع مصوّرة عدة لإحياء مناسبات دينية وحفلات داعمة لحزب الله منذ بدء معركة طوفان الأقصى، يظهر فيها طلاب صغار في المراحل الابتدائية، يشاركون في ترديد أناشيد وشعارات مؤيدة للحزب وأمينه العام حسن نصر الله. 

هذه ليست بظاهرة جديدة، إنما هي أسلوب ممنهج يعتمده الحزب في المراكز التعليمية والتربوية كافة وغيرها من مراكز خاصة موجودة في مناطق نفوذه، لضمان استقطاب أكبر عدد ممكن من الجماهير، وترسيخ هذه الأيديولوجية السياسية الدينية في مختلف مراحل التعليم، خصوصاً الصغرى. 

من المعروف طبعاً أن المؤسسات التربوية التابعة لحزب الله لا تتساهل في تقديم رواية مغايرة لخطاب الحزب، بل كرّر تربويون في الأشهر الماضية مواقف تخوينية تجاه من يعبر عن سياسات تناقض سياسات الحزب. هم أنفسهم اليوم يخوضون معركة الدفاع عن الراهبة زيادة.  

حرية الرأي وتخوين الآخر

بالعودة الى كلام الراهبة، فهو لم يكن موجهاً للأطفال وحدهم، بل لذويهم بطريقةٍ غير مباشرة، ولعدسة الكاميرا الموجّهة نحوها، أي لأي جمهور محتمل لهذا الخطاب، وقد استُخدم في ختامه التخوين الناعم، إذ جعلت الأطفال يشعرون بعدم ارتياحٍ تجاه اختلاف سياسي ربما لم يكونوا مدركين حد تلك اللحظة لوجوده، ولكنها أكدت على وجوده، إذ دعتهم بشكل واضحٍ الى تجاهل “ما نفكّر فيه”، وهو ما يفترض أنهم اكتسبوه من ذويهم، ومن الجو العام للمنطقة حيث يوجدون.

يعتبر عبد الصمد أن خطأ الراهبة باستخدام خطاب التخوين، وبأنها “تحمل مسؤولية أكبر كونها تتحدث أمام أطفال غير مكتملي النضج”، وأنها بكلامها “قطعت الطريق أمامهم لاحتمالية وجود رأي آخر، فماذا لو توجّه هذا الطفل إلى منزله و”دعا أحد والديه الى مشاركته الصلاة من أجل رجال المقاومة، ورفض لأنه يتبع رأياً سياسياً مختلفاً؟  في هذه الحالة، سيشعر الطفل أن أبويه خائنان للوطن والعذراء”، يردف عبد الصمد.

التسريح التعسفي

يرى حقوقيون أن ردة الفعل التي قامت بها المدرسة بإعفاء الراهبة من القيام بمهامها في المدرسة مبالغ فيها، وأنها تمت تحت تأثير وضغوط من جماعات منفعلة عاطفياً ومنحازة الى توجهاتها السياسية والطائفية.

يقول الباحث التربوي عدنان الأمين لـ “درج”، إن “ما حصل ليس غريباً، فالسياسة تنخر مفاصل الدولة والمراكز التعليمية، وما جعل هذه الحادثة تتّجه الى هذا النحو، هو تحويل كلام الراهبة الذي يمكن وضعه في سياق سياسي وطني متفق عليه في العقد الاجتماعي اللبناني، من حيث اعتبار إسرائيل عدوة في الدستور اللبناني وتصحّ محاربتها، إلى حديث سياسي حزبي، وهو ليس كذلك بالضرورة، وأن هذا تم بسبب ردة فعل أهالي التلامذة وأبناء المنطقة”، وهو ما يراه الأمين واقعاً لبنانياً معاشًا، لكن الفارق “ألا أحد خالف السائد ضمن مجتمعه وصرحه التعليمي، بينما فعلت مايا ذلك وعلانية”.

في المقابل، ترى المحامية ديالا شحادة، أن الانقسام والجدل يكمنان في تفسير دور حزب الله في الداخل اللبناني وقراءته، “هل هو موكل بحماية لبنان أو أنه يستدرجه الى الخطر، هل وجوده يحمي لبنان أو يستوجب الخطر، هل أجندته لبنانية أم إيرانية كما سبق وصرح منذ سنوات طويلة؟”. وهذا الطرح على حد تعبير شحادة، يحتوي على “تهويل كبير على الأطفال”، وفرض وجهة نظر محددة على هؤلاء الأطفال هو ترهيب لهم، لكن “إعفاء الراهبة من مهامها هو خطوة تعسفية، لم تأخذ الراهبة خلالها فرصةً لمراجعة كلامها وإصلاح خطأها بتخوين الآخرين، في حال كانت لديها الرغبة في ذلك”، وأنه كان من الأفضل القيام بخطوة بديلة، وهي “إقامة جلسة حوارية تجمع بين الراهبة والتلامذة أنفسهم بحضور مساعد ملمّ بالتعاطي مع الأطفال، والحديث عن وجود وجهتي نظر وانقسام سياسي حول مشروع حزب الله في لبنان، “لأن الراهبة بكلامها تحدثت عن وجهة نظر واحدة من دون إطلاعهم على الأخرى”.

وتعتبر شحادة أن أثر هذه الخطوة ليس إيجابياً على الأطفال، لا سيما من يمتلكون مشاعر تجاه هذه الراهبة، وسيرون الآن أنها “عوقبت لتعبيرها عن رأيها”، وهو ما يوضع في إطار سياسة  “تكميم الأفواه” التي تنتهجها المؤسسات التعليمية وغيرها نحو موظفيها في ما يخص الوضع السياسي الراهن.

سامر المحمود- صحفي سوري | 23.04.2024

“مافيات” الفصائل المسلّحة شمال سوريا… تهريب مخدرات وإتجار بالبشر واغتيال الشهود

بالتزامن مع تجارة المخدرات، تنشط تجارة البشر عبر خطوط التهريب، إذ أكد شهود لـ"درج" رفضوا الكشف عن أسمائهم لأسباب أمنية، أن نقاط التهريب ممتدة من عفرين إلى جرابلس بإشراف فصائل الجيش الوطني، وتبلغ تكلفة الشخص الواحد نحو 800 دولار أميركي، والأشخاص في غالبيتهم خارجون من مناطق سيطرة النظام، متوجهون إلى تركيا ثم أوروبا.