fbpx

ريما حسن… صوت فلسطيني إلى البرلمان الأوروبي؟

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

على رغم منح ريما حسن المركز السابع على لائحة “فرنسا الأبية” للانتخابات الأوروبية، لكنها خطفت الأضواء منذ الإعلان عن أسماء المرشّحين، تعود أصول هذه الشابة الفرنسية إلى قرية البروة الفلسطينية، ووُلدت في مخيم النيرب شرق حلب عام 1992 قبل انتقالها إلى فرنسا في العاشرة من عمرها. يصفها البعض الآن بنموذج لجيل “ما بعد أوسلو”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

على رغم منح ريما حسن المركز السابع على لائحة “فرنسا الأبية” للانتخابات الأوروبية، التي ستُجرى في حزيران/ يونيو المقبل، لكنها خطفت كل الأضواء منذ الإعلان عن أسماء المرشّحين في 6 آذار/ مارس الحالي.

استناداً إلى الموقع الإلكتروني لحركة “فرنسا الأبيّة” (أبرز أحزاب اليسار الفرنسي)، قُدِّمت ريما حسن بصفتها “حقوقية متخصّصة في القانون الدولي وناشطة للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني”.

 نشاطها المذكور كان الدافع ليس فقط لترشيحها بل أيضاً لمنحها مركزاً يؤهلها دخول البرلمان الأوروبي: الاستحقاق يُجرى وفق النظام النسبي مع اعتبار فرنسا دائرة انتخابية واحدة، وتكفي لائحة فرنسا الأبية 5.67 في المئة من أصوات الفرنسيين لتصبح ريما حسن نائبة أوروبية. نتيجة غير مستبعدة بحسب استطلاع للرأي أجراه معهد IPSOS في آذار 2024. 

تعود أصول هذه الشابة الفرنسية إلى قرية البروة الفلسطينية التي دُمرت وهُجّر أهلها خلال النكبة. وُلدت ريما حسن في مخيم النيرب شرق حلب عام 1992 قبل انتقالها إلى فرنسا في العاشرة من عمرها. 

تقدّم نفسها كلاجئة فلسطينية على حد تعبيرها في إحدى المقابلات. ليست مجرد لاجئة ولا فلسطينية مكتملة الهوية لحرمانها من حق العودة، ما جعلها في حالة بحث دائم عن هوية وعدالة وشرعية.

جيل ما بعد أوسلو

استكمال حياتها خارج المخيمات وضع ريما حسن في حالة مقارنة دائمة بين “القبل والبعد”: قبل بلوغها 18 عاماً، لم تكن تحمل أية أوراق ثبوتية ولم تحظَ بتعليم منتظم. قررت مدّ يدها لأبناء المخيمات الذين لم يحظوا بـ”الامتيازات” ذاتها، فأسست في العام 2019 “مرصد مخيمات اللاجئين”

تهتم هذه المنظمة غير الحكومية بأحوال اللاجئين القاطنين في المخيمات، أياً تكن جنسيتهم ومكان إقامتهم، من خلال إعداد قاعدة بيانات (حصر المخيمات، أعداد القاطنين …)، العمل الميداني لرصد أي خلل (الظروف المعيشية، انتهاكات حقوقية، أسلوب الادارة…)، إجراء دراسات حيال عواقب العيش الدائم في المخيمات والضغط لتوفير حلول بديلة. نشاطها هذا دفع بمجلة Forbes الى اختيارها كواحدة من 40 امرأة فرنسية تميّزن في العام 2023. 

علاوة على ذلك، تتمتع ريما حسن بحضور إعلامي لافت، إذ لا تتردد في التنديد “بنظام الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل “إلى جانب” الإبادة الجماعية التي يذهب ضحيتها الشعب الفلسطيني”. برأي الحقوقية الفلسطينية الأصل، حلّ الدولتين لم يعد ممكناً والبديل الواقعي هو الاعتراف بنظام الفصل العنصري للوصول إلى مصالحة على غرار تجربة جنوب أفريقيا، تفضي إلى إقامة دولة واحدة ثنائية القومية يتساوى فيها الجميع.

الصحافي بنجمان بارت شبّهها بليلى شهيد، السفيرة الفلسطينية السابقة، لطلاقتها الإعلامية وقوة حججها وقدرتها على الربط بين تجربتها الشخصية والقانون الدولي، معتبراً إياها نموذجاً لجيل “ما بعد أوسلو”.

بطبيعة الحال، لم يقف خصومها “مكتوفي الأيدي”، فالإعلامي ورجل الأعمال جاك إيسيباج، الشهير بأرتور، انتقد تكريمها من مجلة Forbes، مغرداً في هذا السياق: “يكفي “التسامح مع الإرهاب” و”معاداة السامية” للظهور في التصنيف السنوي للمجلة”. تغريدة أشعلت حملة استهدفت ريما حسن وForbes، ما دفع المجلة إلى إلغاء حفل التكريم.  

تغريدة أرتور أتت بعد انتشار مقطع مصوّر مثير للجدل، ففي تشرين الثاني 2023، أجرت ريما حسن مقابلة مع منصة Le Crayon، لتظهر في الإعلان الترويجي وهي تجيب بنعم على سؤال: “هل أنشطة حماس مشروعة؟”. 

التداول بهذا المقطع على نطاق واسع دفعها إلى نشر سلسلة تغريدات موضحة أنها لم تقصد عملية 7 تشرين الأول/ أكتوبر إنما نشاط الحركة السياسي، مشيرة في تغريدة أخرى الى أنها ردّت بنعم على سؤال: “هل آلية عمل حماس إرهابية؟”، مطالبة بنشر المقابلة كاملة، وهو ما لم يحدث.

في محطات سابقة، اتُّهمت بمعاداة السامية بعد الربط بين دعمها حل الدولة الواحدة من جهة ورفعها شعار “فلسطين من البحر إلى النهر” من جهة أخرى. 

بعض الصحافيين والسياسيين اعتبروها دعوة إلى “تدمير الدولة اليهودية”، لترد ريما حسن بأن الغاية من تكرار هذا الشعار هو التأكيد على ضرورة تمتع الفلسطينيين القاطنين على هذه الأرض بحقوق متساوية. في مقابلات متفرقة، أشارت إلى امتلاك الفلسطينيين الشرعية التاريخية للعيش على كامل التراب الفلسطيني. 

حجة تستخدمها لدعم رؤيتها حيال إقامة الدولة الواحدة تستوعب الجميع، دولة تتيح لفلسطينيي غزة والضفة الغربية حرية التنقل ولفلسطينيي الشتات إمكانية زيارة قرى أجدادهم أو العودة إليها. 

تهديدات بالقتل والاغتصاب

في مقابلة نُشرت على الموقع الإلكتروني لإذاعة Radio France في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أوضحت ريما حسن أنها هاجرت إلى بلد يشعر بالذنب لمشاركته في اضطهاد اليهود، وهي مدركة الحواجز والعوائق التي تحول بينها وبين الرأي العام لمجرد توجيه النقد الى إسرائيل. 

وعليه، لا بد من دعم كل الحملات الداعية إلى مكافحة معاداة السامية وتبني خطاب مدروس يميز بوضوح بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية. 

التعرض لريما حسن لم يقف عند هذا الحد، فبعد 7 أكتوبر، نُشر رقم هاتفها وعنوانها لتتلقى تهديدات بالاغتصاب والقتل. كما كتب اسمها على قذائف للجيش الإسرائيلي.

على هامش مهرجان إطلاق لائحة فرنسا الأبية في 16 آذار، لم تختزل ريما حسن ترشيحها بأبعاده الرمزية، مؤكدة توظيف خلفيتها الحقوقية للدفع باتجاه تحقيق المساواة في إطار الدولة الواحدة، ما يعني أنها لا تنظر الى البرلمان الأوروبي كمنبر بل كمؤسسة تؤثر في صنع القرار. 

قد يبدو ترشيح شخص بهذه الخلفية وتلك التوجهات على تناقص مع روحية الانتخابات الأوروبية وتحدياتها: بحسب دراسة لمعهد Odoxa نشرت في 7 آذار 2024، القضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات الناخب الفرنسي كالتضخم والأمن والهجرة. بعبارة أخرى، الحرب الدائرة في غزة ليست معياراً يوجّه ورقة اقتراعه.

صحيح أن الغاية من الانتخابات الأوروبية تجديد مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لكن لا يمكن إغفال الحسابات الداخلية: قد يكون اقتراع الناخب الفرنسي لتسجيل موقف اعتراضي على سياسة الحكومة. 

وعليه، يصبح ترشيح ريما حسن منطقياً إذا ما قورب من هذه الزاوية، أي تحول الاستحقاق الأوروبي إلى امتداد للصراع السياسي الداخلي. خير مثال هو مطالبة حزب التجمع الوطني، اليميني المتطرف، بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بعد تصدّره الانتخابات الأوروبية الأخيرة عام 2019، متخطياً اللائحة المدعومة من إيمانويل ماكرون.

“فرنسا الأبيّة” تنتقد إسرائيل

الموقف من عملية 7 أكتوبر بات أحد عناوين الفرز السياسي في فرنسا، بخاصة بعد تغريد حركة فرنسا الأبية خارج السرب المنحاز الى إسرائيل انحيازاً مطلقاً. موقف أدى إلى حملة إعلامية وسياسية شرسة استهدفت الحركة، وصلت إلى حد اتهام قادتها بمعاداة السامية، ما خلط بعض الأوراق لجهة علاقتها مع باقي الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.

سعي الحركة الى إيصال صوت فلسطيني إلى داخل مؤسسات أوروبية، دلالة على تمسكها بموقفها السياسي ورفضها اتخاذ أية وضعية دفاعية. بالإضافة إلى تلك الرسالة السياسية، لا يخلو هذا الترشيح من الحسابات الانتخابية: تشكل الضواحي المهمّشة جزءاً أساسياً من القاعدة الانتخابية لحركة فرنسا الأبية، وانضمام ريما حسن إلى اللائحة يساعد على استنفار هذه الشريحة من الناخبين وحثّهم على الاقتراع، فالصورة النمطية تشير الى أن معظم سكان الضواحي المهمّشة هم من أصول مهاجرة ويستميلهم الخطاب الداعم لدول العالم الثالث.  

موجة الاعتراض على ترشيحها تؤكد أن معركة الانتخابات الأوروبية هي محطة لاستكمال تصفية الحسابات بين الأحزاب السياسية.  

رئيس حزب التجمع الوطني جوردان بارديلا، والذي سيترأس لائحة حزبه للانتخابات الأوروبية، رأى في ترشيح ريما حسن دليلاً على استعداد حركة فرنسا الأبية لإيصال “داعمي الإرهاب إلى البرلمان الأوروبي”

 رئيس كتلة حزب النهضة (الموالية للرئيس ماكرون) سيلفان مايارد، صنّف ترشيحها في خانة “العار”، ليضيف “ما أقدمت عليه حركة فرنسا الأبية مقزز لإرسالها إلى البرلمان الأوروبي شخصاً يعتبر حماس حركة تحرر وليس منظمة إرهابية”.

 حتى أمين عام الحزب الشيوعي الفرنسي هاجم ترشيح ريما حسن وإن بعبارات أقل حدة، معتبراً أنها “تحمل مشروعاً لن يفضي إلى سلام أو حل سياسي”.

“وجوه جديدة مقموعة”!

الأكاديميون دخلوا بدورهم على الخط، فعبر صحيفة Le Point طعنت أستاذة علم اللغة والخطاب الإعلامي يانا غرانشبين بالصورة التي تصدرها ريما حسن عن نفسها. وفقاً لها، لم تذكر اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين  أحفاد اللاجئين، بالتالي لا تنطبق عليها صفة اللاجئة، بخاصة بعد حصولها على الجنسية الفرنسية، ملمّحة الى أن الاتفاقية المذكورة تسمو على قرارات الأونروا لجهة انتقال صفة اللاجئ إلى ذريته

غرانشبين اتهمت ريما حسن بنشر أخبار مضلّلة وبأن الدافع وراء ترشيحها هو كراهيتها إسرائيل وليس تمثيلها مصالح الشعب الفلسطيني، مضيفة أن هويتها تلائم حركة فرنسا الأبية الساعية إلى تصدير “وجوه جديدة مقموعة” لإعادة وصل ما انقطع مع “البروليتاريا الفرنسية”. 

موقع “درج” تواصل مع ريما حسن لإجراء مقابلة معها، لكنها اعتذرت لامتناعها عن إجراء مقابلات صحافية في الوقت الحالي.