fbpx

فصائل مسلّحة في سوريا “توظّف” الأطفال كـ”مقاتلين مياومين”

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

مئات الأطفال شمال غربي سوريا يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة، بأجور يوميّة يُتَّفق عليها مع زعيم المجموعة، يبلغ “أجر” الطفل المقاتل/ المرابط في اليوم بين 3 و6 دولارات، أما الفصائل المتشددة فتدفع 100 دولار في الشهر.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

لم يجد مروان قيقوني من سبيل للعيش، سوى ترك طفليه، رباح وشحادة، للعمل مع فصائل المعارضة المسلحة، للحصول على ثمن الخبز وأساسيات المعيشة شمال غربي سوريا.

يتقاضى أبناء مروان بين ثلاثة وأربعة دولارات يومياً، بحسب اختلاف مواقع حملهم السلاح وأهميتها، وكـ”عمال مياومة كلما عملت أياماً أكثر، تحصل على أجر أكبر”.

مئات الأطفال والبالغين في شمال غربي سوريا حالتهم تتشابه مع حالة رباح وشحادة، إذ يعملون كمقاتلين لدى الفصائل المسلحة ذاتها بأجور يوميّة يُتَّفق عليها بين متزعم المجموعة والأفراد.

تتنوع مهام العمال/ المقاتلين بين حراسة النقاط العسكرية التركية، والتمركز على خطوط المواجهة الأولى والثانية، من دون التطرق الى ضمانات أو تعويضات في حال فقدان الحياة أو الإصابة. 

حمل السلاح هرباً من الجوع

أجبرت الحرب الدائرة في سوريا منذ العام 2011 وما نتج منها من ارتفاع مستوى الفقر والبطالة بين السكان، لا سيما القابعين في مخيمات النزوح، على عمل أبنائهم في صفوف الفصائل المسلحة كمقاتلين للحصول على الغذاء اليومي لباقي الأسرة.

في الوقت ذاته، تستغل قيادات تلك الفصائل حاجة السكان وفقرهم، وارتفاع مستويات البطالة، لتفرض “أجوراً” زهيدة على الأطفال العاملين في صفوفها.

شهرياً، يمضي عبد العزيز التركي (17 عاماً) القاطن مع أهله في مخيمات عفرين شمال حلب، 15 يوماً على خطوط القتال الأولى مع قوات سوريا الديمقراطية، طمعاً بالحصول على أعلى أجر يومي ( 4 دولارات) من فصيل فيلق الشام المنخرط ضمن صفوف “الجيش الوطني”. 

وبحسب تقرير للأمم المتحدة نُشر في حزيران/ يونيو 2023، فإن الفصائل المدعومة من تركيا، أبرزها الجيش الوطني السوري، جند العام الماضي 611 قاصراً، بينما جنّدت هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة وتنشط في شمال غربي سوريا، 383 قاصراً. 

يقول عبد العزيز في حديثه لـ”درج” : “كنت أتقاضى منذ نحو 5 أشهر مبلغ 3 دولارات عن كل يوم عمل مع الفصيل ذاته على خط الجبهة الخلفي مع وجبة طعام. أما الخط الأول فسعره أكثر بدولار واحد، وأهلي حقيقةً بحاجة لفارق هذا الدولار، بسبب توقف مساعدات برنامج الغذاء العالمي عنا من جهة، ولأن والديّ كبيران بالعمر، ويحتاجان دائماً الى الأدوية، ولا معيل للأسرة إلا أنا وشقيقاتي الثلاث اللاتي يعملن في الأراضي الزراعية بشكل يومي”.

ترك فيصل الكيويني  المهجّر من محافظة حمص المدرسة بعمر الثالثة عشرة سنة، ويعمل لدى ورشة صيانة دراجات نارية في مدينة الدانا شمال إدلب.

حين بلغ فيصل سن السادسة عشرة، اختار العمل ضمن الفصائل المسلحة مع الجبهة الوطنية للتحرير بسبب أجر اليومية المرتفع مقارنة بعمله في ورشة صيانة الدراجات مقابل دولارين عن كل يوم.

يتقاضى فيصل 3 دولارات باليوم أجراً مقابل عمله على حراسة إحدى نقاط المراقبة التركية جنوب محافظة إدلب، ويلفت الى أنه لم يختلف عليه العمل بين ورشة صيانة الدراجات النارية عن عمله في حراسة النقطة التركية، فالجهتان يعمل معهما بالمياومة، ويحصل يومياً على سندويش فلافل أو مرتديلا بأحسن الأحوال.

“رباط” الأطفال على الحدود

تعمل فصائل المعارضة المسلحة على تعيين أشخاص في القرى والبلدات حتى يستقطبوا الأطفال والبالغين، على أن يحصل هؤلاء الأشخاص على نسبة معينة عن العدد الذي يجمعونه، ودائماً ما تكون تلك النسبة المئوية من الأجر الذي يتقاضاه الأطفال والبالغون على خطوط الجبهات العسكرية والمعروف محلياً باسم “الرباط”.

يقول الناشط الميداني سامر الإدلبي، إنه في كل تجمع للمخيمات يوجد وكلاء للفصائل العسكرية يسمون أنفسهم قادة كتائب، يجمعون الأطفال والبالغين الراغبين في عمل المياومة ضمن فصائل المعارضة المسلحة.

ويضيف أنه كل 15 يوماً، يذهب الوكيل بالأطفال والبالغين الى النقاط العسكرية ويسلمهم أسلحة ويعود هو الى منزله بعدما يتقاضى بدل إيجار سيارته ويستلم وجبات طعام لنفسه، ليعود بعد 15 يوماً ليستلم أجور الأطفال والبالغين المكلف بهم ويعود بهم إلى منازلهم، وله حرية التصرف بتوزيع الأجور واقتطاع نسبته المئوية، وذلك بعلم قيادات الفصائل.

لا تلتزم فصائل المعارضة المسلحة بإخضاع المنتسبين الى صفوفها بصفة عناصر على خطوط الجبهات والمواجهة لأي تدريبات قتالية أو تدريبات على استخدام الأسلحة، وكل ما يهمها هو إيصال هؤلاء المنتسبين إلى خطوط المواجهة الأولى والثانية وحماية النقاط العسكرية التركية.

الاستغلال السابق أسفر خلال السنوات الماضية، عن مقتل العشرات من الأطفال والبالغين على خطوط المواجهة الأولى بنيران قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية بسبب عدم خبرتهم بفنون القتال والاحتماء من النيران المعادية.

خسرت دلال الجميل زوجها فاروق الجميل (أسماء مستعارة) بعدما ترك لها طفلاً لا يتجاوز عمره العام، جراء إصابته بنيران حربية على خطوط القتال في ريف حلب الشمالي.

تقول في حديثها لـ”درج”: “تزوجت بفاروق وهو ابن عمي وكان عمره 18 عاماً، ليرزقنا الله بمولود بعد زواجنا بعام واحد. ونظراً الى فقر زوجي وعجزه عن تأمين مستلزمات الطفل من حليب وحفاضات، اختار العمل ضمن فصائل المعارضة المسلحة، وبالتحديد السلطان مراد المنضوية ضمن الجيش الوطني عن طريق أحد أقارب زوجي في مدينة الباب”.

تضيف: “وعلى مدار أربعة أشهر، كان زوجي في كل دورة حراسة تستمر 15 يوماً يأتي لنا بمبلغ 60 دولاراً أميركياً فقط، نشتري فيه مستلزمات طفلنا وبعض الخبز والغذاء البسيط لنا. لكن في شهر نيسان/ أبريل 2023، عاد فاروق من دون أن يتمكن من تقبيل طفله وحمله واللعب معه، عاد لي حينها جثة هامدة، إذ أصيب بـ7 طلقات في صدره وبطنه على خطوط القتال، ومنذ ذلك الوقت أرسل لي فصيل الحمزات مبلغ 800 دولار فقط كتعويض عن دم زوجي”. 

الراديكاليين أكثر تنظيماً!

لم يقتصر تجنيد الأطفال والبالغين ضمن فصائل المعارضة المسلحة على فصائل الجيش الوطني والجبهة الوطنية فحسب، بل تعمل الفصائل الراديكالية كهيئة تحرير الشام والحزب التركستاني وأنصار الإسلام، على عمليات تجنيد الأطفال في صفوفها.

يقول ياسر الخزاعي، وهو اسم مستعار لمنتسب ضمن هيئة تحرير الشام، إن ما يميز الفصائل الراديكالية هو أنها تُخضع الأطفال لدورات إعداد بدني وعسكري وتعليم على الأسلحة، وأجورها الشهرية ثابتة لا تعتمد على نظام عمل المياومة كفصائل الجيش الوطني، وتمنح منتسبيها سلة غذائية كل شهر مع الأجر الشهري الذي يقدّر بنحو 100 دولار أميركي فقط.

يختلف الحزب التركستاني عن هيئة تحرير الشام، إذ يعتمد الحزب على التمييز بين عناصره الأجانب والسوريين في الأجور المالية، فالعنصر المنحدر من تركستان الشرقية والمعروفة في الصين باسم مقاطعة سكيانج، يتقاضى 200 دولار شهرياً، أما السوريون، وبخاصة الأطفال، فيتقاضون 100 دولار فقط.

فيما أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن هيئة تحرير الشام أنشأت عشرات مراكز تدريب خاصة بالأطفال وألحقتهم بدورات عسكرية وشرعية متزامنة، بهدف التأثير على معتقداتهم وقيمهم وحثهم على حمل السلاح والقتال في صفوفها، وغالباً ما اتبعت الكثير من أساليب تنظيم داعش في تجنيد الأطفال في مرحلة مبكرة من حياتهم لضمان ولائهم وبقائهم مدة أطول.

وقال التقرير الصادر في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، إن فصائل المعارضة المسلحة (الجيش الوطني) جندت الأطفال ضمن صفوف قواتها مستغلةً الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها الطفل. وبحسب التقرير، فإنَّ 12 طفلاً قتلوا خلال مشاركتهم في ميادين القتال إلى جانب فصائل في المعارضة المسلحة خلال العام 2023.

مستقبل مفزع وتمايز في المعيشة

يقول الباحث النفسي أحمد الجمعة إن تجنيد الأطفال يتسبب في تشويه الطفولة، ويعرض الأطفال لتجارب قاسية وصادمة تؤثر على تطورهم النفسي والاجتماعي، إضافة الى الخطر على مستقبلهم العملي والتعليمي. ومن الصعب عليهم بعد ذلك، العودة إلى الحياة المدنية الطبيعية، ويمكن أن يعانوا من صعوبات في الاندماج في المجتمع والعثور على فرص عمل مستقبلية.

ومن الناحية النفسية، فإن الأطفال المجندين يعانون من اضطرابات نفسية خطيرة، بما في ذلك الصدمات النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والقلق، والتوتر النفسي، ومشاكل في النوم، والتصرفات العدائية.

أبناء القادة المدللون!

تختلف حياة الأطفال العاملين كمقاتلين بصفة المياومة في صفوف فصائل المعارضة عن حياة أبناء قادة الفصائل والتشكيلات العسكرية بحسب الناشط شهاب الحموي، إذ دائماً ما ينشر أبناء قادة فصائل المعارضة على صفحاتهم في “إنستغرام” و”فيسبوك” هواياتهم في ركوب الخيول الأصيلة واقتناء المسدسات الحديثة والسيارات الفارهة، وحتى جولات سفرهم في بلدان العالم بعد حصولهم على الجنسية التركية.

يضيف الحموي: “على الطرف المقابل، يُقتل عشرات الأطفال سنوياً في صفوف المعارضة بسبب الفقر والحاجة مقابل فتات لا يكفي أبناء قادة الفصائل لوجبة غداء في الفنادق الفارهة”.

ويرى الحموي أنه نتيجة تشابه سلوك قادة الفصائل مع المقربين من نظام الأسد كآل مخلوف وشاليش في استعراض ثرائهم وبذخهم، لم يعد هناك إيمان من المنتسبين الى فصائل المعارضة بالدفاع عن المنطقة في وجه أي اعتداء، وكل ما يهم العنصر سواء كان طفلاً أو بالغاً هو الحصول على أجر يوميته التي تشبه الى حد كبير العمل بالمياومة في الأعمال الزراعية والصناعية.