fbpx

مسلسل “ع أمل”… بين تجسيد الواقع وتكريس الصور النمطيّة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تدور أحداث مسلسل “ع أمل” من إخراج السوري رامي حنا، حول تجربة مذيعة مشهورة عانت من ظلم الذكورية في عائلتها، ويعد خرقاً للنمط السائد من القضايا التي تثار في الأعمال الدرامية، كونه يسلّط الضوء على الواقع اللبناني بعيداً من الحياة الفارهة و”الشوكة والسكينة”.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أطلق النار على شقيقته بدم بارد وقتلها ثم دفنها، لأنه “اعتقد” أنها هربت مع حبيبها سرّاً. بعدها، ذهب إلى أفراد عائلته “ليبشّرهم” بأنه غسل عار العائلة، مصراً على أنه فعل الصواب، لأن هذه الجريمة تضاعف من رجولته! 

ما سبق مجرّد مشهد من مسلسل رمضاني تراجيدي يُعرض حالياً على الشاشات، بعنوان “عا أمل”، إلا أن ردات فعل المشاهدين عليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، المصبوغة بالصدمة والعجز والقهر، تؤكد أن المسلسل مقتبس من واقع المجتمع في لبنان.

تشير الإحصائيات إلى ارتفاع جرائم قتل النساء في العام 2023 بمعدّل 300 في المئة، بحسب منظّمة “أبعاد”. وبالتالي، يسلّط العمل الضوء على العنف الذي يمارَس بحق شريحة واسعة من النساء في لبنان، ويحاكي ما تتعرض له فئة كبيرة منهن ضمن سياق العائلة والقرية.

تدور أحداث مسلسل  “ع أمل”، من إنتاج شركة “إيغل فيلمز” وإخراج السوري رامي حنا، حول تجربة مذيعة مشهورة تُدعى “يسار” (تؤدي دورها الممثلة ماغي بوغصن)، عانت من ظلم الذكورية في عائلتها. 

تعمد يسار من خلال برنامجها التلفزيوني “ع أمل” على تسلّيط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء اللبنانيات. فيما تظنّ عائلتها أنها ماتت، ما اضطرها إلى تغيير ملامح وجهها واسمها، لتجد نفسها متورّطة في شباك هذه العائلة مجدداً ورجليْن لا يرحمانها. 

تدور أحداث المسلسل في بلدة “كفرحلم”، عالم مواز يسوده الظلم وفائض القوة والذكورية المشبعة، إذ يسمح الرجل لنفسه بأن يكون محور الكون، بينما تُقْمَع النساء، بمن فيهن الوالدة، وهنّ بطبيعة الحال لسن صاحبات رأي أو قرار، فالمنزل مقرّهن الوحيد، ناهيك طبعاً بتحليل قتل النساء “المسيئات إلى الشرف”. 

نتعرف في المسلسل على شخصية “يسار” أو “سهاد حلم”، التي وقعت ضحية عائلتها، إذ حكم عليها والدها بالقتل بسبب غيابها ثلاثة أسابيع عن المنزل، ونفّذ الحكم شقيقها “سيف” (يلعب دوره الممثل عمّار شلق)، من خلالها رميها في النهر. 

من هنا، تبدأ أحداث المسلسل لتتم من خلالها مناقشة مجموعة من القضايا الشائكة بأسلوب جريء لم يعتده ربما الجمهور اللبناني في الدراما.

ويبدو أن كاتبة “عا أمل” نادين جابر، حصرت أحداث المسلسل في بيئة محدّدة بشكل واضح، وهي البيئة الجنوبية، ويظهر ذلك جلياً من خلال استخدام اللهجة الجنوبية البحتة والمصطلحات الخاصة بها، مثل “أتوجعينيش، يا مشحّرة، فينيش” وغيرها.

في المقابل، لم يحد المسلسل عن الصورة النمطية للنساء المحجبات اللواتي يعانين من ظروف قاسية، ويتمتعن بقدر محدود من الحقوق، ويعتمدن على الرجال في كل شيء، ما يثير تساؤلات حول مدى دقة تجسيد المسلسل للواقع اللبناني. 

كل نساء بلدة “كفرحلم” محجّبات، أما “ريّا” ( تؤدي دورها ريان الحركة) فاختارت مساراً مختلفاً ومناقضاً لعادات العائلة وتقاليدها، إذ أصرّت على متابعة تعليمها الجامعي سرّاً، فتقصد الجامعة في بيروت وتخلع حجابها ساعة وصولها إليها كدلالة على التحرّر،  والسؤال المطروح هنا: هل النساء المحجبات لا يذهبن إلى الجامعات ولا يتعلّمن؟! فيما تبيّن جولة صغيرة على الجامعات الخاصّة والجامعة اللبنانية أن عددهنّ ملحوظ. 

مبدأ التمرّد الذي يطرحه “ع أمل” (يُعرض على منصّة “شاهد” السعودية وقناة “أم تي في” اللبنانية)، مطلوب في الأعمال الدرامية لتسليط الضوء على المشكلات التي يعاني المجتمع والنقاش فيها وتعزيز الوعي بها، لكن كان الأجدر بالعمل إحداث توازن في تصوير الأحداث. فعلى سبيل المثال، كان بإمكان ريّا أن تذهب إلى الجامعة من دون أن تخلع حجابها، أيضاً كان بإمكان امرأة محجّبة رفض العنف وتخطّيه نحو بناء حياة جديدة. كما كان بالإمكان عبور الحدود المناطقيّة، لأن النساء المعنّفات موجودات في كل المناطق اللبنانية، على اختلاف دياناتهن ومعتقداتهنّ، ولسن محصورات في قرية أو مدينة بعينها. 

واللافت أن “ع أمل” ليس المسلسل الوحيد الذي يبرز قمع المحجّبات، إنما سبقته مسلسلات عدّة مثل المسلسل المصري “تحت الوصايا” بطولة منى زكي، و”2020″ بطولة نادين نسيب نجيم، وكذلك مسلسل “بردانة أنا” بطولة كارين رزق الله التي تلعب فيه دوريْن: دور المحجّبة التي تُضرب بشكل مبرح، وأختها التوأم غير المحجّبة الحرّة والقوية، وغيرها الكثير من المسلسلات التي لا تنصفنا، نحن المحجّبات. 

من جهة أخرى، طرح “ع أمل” مسائل جريئة وواقعية لا يمكن تجاهلها، خصوصاً التركيز على تسلّط بعض الرجال الذين يعتبرون المرأة ملكاً حصرياً لهم، حتى لو كانوا يدّعون التحرّر. وهذا ما شاهدناه بوضوح مع شخصية “جلال” (بديع أبو شقرا)، المهووس بـ”يسار”، فيضغط عليها للبقاء معه وإلاّ يفسخ عقد إنتاج برنامجها التلفزيوني.  كذلك “سيف” وعديله اللذان يعنّفان زوجاتهما عند أي مفترق، الى درجة نستطيع الشعور بخوفهن (أبرزهن كارول عبّود وإلسي زغيب) قبل وصول الزوج إلى المنزل، لكنهنّ يتقبّلن الواقع لأنهن لم يدركن غيره، معتبرات أن الحياة التي يعشنها طبيعية. 

جديره ذكره في هذا السياق، مشهد تعنيف “سيف” لزوجتيّه وضربهما بشكل مبرح بالحزام، فيما هما عاجزتان عن التّصدي له، وذلك بموافقة الشقيق الذي يعتبر هذا العنف من حق الصهر الطبيعي لأنه يريد محاسبة الزوجتيْن على “أخطائهما”، ما يظهر غياب السّند والمزيد من الاحتقار. 

كما أن تسليط الضوء على الاضطراب الذي يصيب هؤلاء النساء إثر العنف الجسدي والنفسي الذي يلحق بهن، يُحسب للكاتبة جابر، فعلى رغم نجاح “يسار” بالهروب والعمل مذيعة تلفزيونية تنقل معاناة النساء، إلا أن معاناتها لا تزال مغروسة في قلبها، وكل صفعة تتعرض لها تعيدها إلى تاريخ عائلتها المعنِّفة وكأنها لم تخرج من رحمها أبداً. 

الشعبية التي حظي بها المسلسل، إضافة الى جرأته، لا تكفي لغض النظر عن الهفوات التي وقع فيها، مثل تقليد شخصية المذيعتيْن المصريتيْن رضوى الشربيني وياسمين عز، وتصوير الصحافة على أنها مهنة فوقيّة، فـ”يسار” لا تدلي بتصاريح لزملائها الصحافيين والصحافيات، والمنتج هو “مدير أعمالها”، ناهيك باستجواب هؤلاء في المخافر بدلاً من محكمة المطبوعات. 

يعد مسلسل “عا أمل” خرقاً للنمط السائد من القضايا التي تثار في الأعمال الدرامية، وهذا أمر ضروري، وهو يسلّط الضوء على الواقع اللبناني بصدق بعيداً من الحياة الفارهة و”الشوكة والسكينة”.