fbpx

جريمة قتل باسكال سليمان: بانتظار رواية تحترم العقل 

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!
"درج"

 أصحاب القصة يريدوننا أن نشيح بوجوهنا عن مضمون الجريمة السياسي، وهم إذ نجحوا في شحن النفوس في مواجهة العمال السوريين، الذين كانوا الضحية الأولى لغرائز الشارع، فشلوا في إقناع حتى من هبّوا للانتقام من اللاجئين بأن وراء الجريمة عصابة سرقة.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بغض النظر عن السجال الأهلي والمذهبي المحتقن، الذي رافق جريمة اغتيال منسّق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل باسكال سليمان، فإن الرواية التي قدّمها الجيش للجريمة غير مقنعة على الإطلاق، وهذا ما رفع منسوب الاحتقان سواء الواقعي أم  الافتراضي. 

رواية الجيش قوامها أن عصابة عابرة للحدود جاءت من سوريا وأقام أفرادها في الفنادق واستقلّوا سيارات، بهدف السطو على سيارة (متوسطة الحال)، فقتلوا صاحبها الذي للمصادفة أنه مسؤول في حزب القوات اللبنانية، وهو الحزب الذي للمصادفة أيضاً استُهدف مسؤول فيه الصيف الماضي (الياس الحصروني) بعملية قتل في بلدة عين إبل الجنوبية!.

تمتدّ المفارقات إلى تفاصيل الجريمة، فقد قتلت عصابة سرقة سيارات صاحب السيارة، و اصطحبت جثته إلى سوريا، عابرة نحو مئة كيلومتر، ثم تمكنت القوى الأمنية من استعادة الجثة. 

أما الوقائع الكثيرة التي تشكّل سياق الاستهداف لحزب الضحية، فتقترح علينا الرواية الرسمية أن نهمله!،

هذه القصة تنطوي على استخفاف غير معهود بعقول متلقّيها، وتشبه في ركاكتها قصة انتحار غازي كنعان.

 أصحاب القصة يريدوننا أن نشيح بوجوهنا عن مضمون الجريمة السياسي، وهم إذ نجحوا في شحن النفوس في مواجهة العمال السوريين، الذين كانوا الضحية الأولى لغرائز الشارع، فشلوا في إقناع حتى من هبّوا للانتقام من اللاجئين بأن وراء الجريمة عصابة سرقة.

نعم، الغرائز اشتغلت وفق منطق أصحاب الرواية، وتم استهداف اللاجئين والعمال السوريين. المفارقة، أن هؤلاء في معظمهم من ضحايا النظام الذي استقبل جثة المغدور، وأعاد إرسالها إلى أهله. 

هذه القصة تنطوي على استخفاف غير معهود بعقول متلقّيها، وتشبه في ركاكتها قصة انتحار غازي كنعان.

الغرائز وحدها في الشارع اللبناني اليوم، والمسؤول عن انفلاتها هو السلطة في تبنّيها رواية القتل، واستخفافها بحقوق أهل الضحية. لا بل إن الرواية حتى الآن، عززت الشكوك ودفعت الغرائز إلى الانفلات، فهي من جهة لم تقنع أهل الضحية، ومن جهة أخرى تولّت التحريض على اللاجئين. 

وجاء خطاب أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله ليعطي للاحتقان دفعة وضعت البلد على شفير انفجار أهلي، فبدل واجب العزاء بالضحية شنّ حملة تحريض.

وبما أن بين أيدينا رواية غير مقنعة عن جريمة غير عادية، فعلى المرء أن يذهب في تفسيراته لدوافعها إلى توقعات مرتبطة بما يشهده لبنان والمنطقة من احتمالات. فللجريمة زمن سياسي، مثلما لها شرط سياسي، وهي إذ حصلت على ضفاف انقسام أهلي حاد حول الحرب، فمن المنطقي أن تكون دوافعها متّصلة بالمشهد الراهن.

الخطر الكامن وراء رواية ناقصة وغير مقنعة لجريمة على هذا القدر من الحساسية، يتمثل في أن الجريمة ستأخذنا إلى تفسيرات تفضي إلى الأمن الذاتي، وإلى استيقاظ الغرائز الانتقامية، وإلى رسم حدود بين الجماعات الأهلية والمذهبية تفضي إلى استيقاظ الكانتونات.

أما أن تكون وراء هشاشة الرواية نوايا من نوع الانقضاض على المساحات الضيقة التي يتحرك فيها ما تبقى من تنوّع في البيئة اللبنانية، بذريعة أن الحرب لا تحتمل تنوعاً، فإن أصحاب هذه النوايا يكون قد فاتهم أن انفجار الوضع الداخلي مقروناً بالحرب الإقليمية سيجعل حساباتهم أقرب إلى أوهام لطالما اختبرتها الجماعات اللبنانية في المنعطفات الكبرى. 

المسيحيون اختبروها حين توهموا أنهم سيُخضعون المسلمين في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، والمسلمون اختبروها حين استعانوا على المسيحيين بالنظام السوري في تسعينات القرن الفائت.

خطوط الانقسام اليوم مختلفة، على رغم الجهود التي تُبذل لإعادة رسمها وفقاً لمعادلات الحرب الأهلية السابقة. والأمل الوحيد يبقى في أن تظهر رواية للجريمة تعيد إلى العقل بعضاً من الاحترام.