fbpx

عبد الحميد الدبيبة: وسيط الحرب السودانيّة العاجز عن حلّ أزمات ليبيا

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأتي وساطة عبد الحميد الدبيبة في السودان فيما يتأكد عجزه عن حل أزمات ليبيا الكثيرة وتنظيف البلاد من الميليشيات المسلّحة، هذا الفشل سببه تمسّكه بمنصبه، على رغم الدعوات السياسية والشعبية والدولية لتنحّيه، فهل من فشل بحل مشاكل ليبيا قادر على حل صراع السودان ؟.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

اقتحم عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الليبية المؤقتة، الملف السوداني من باب الوساطة بين طرفي النزاع، بعد إعلانه منذ فترة عن مبادرة لحلّ الأزمة في هذا البلد.

تأتي وساطة الدبيبة فيما يتأكد فشله في حل أزمات ليبيا الكثيرة وتنظيف البلاد من الميليشيات المسلّحة، والانتقال إلى مرحلة جديدة تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

هذا الفشل سببه تمسّكه بمنصبه، على رغم الدعوات السياسية والشعبية والدولية لتنحّيه، وتشكيل حكومة مؤقتة تشرف على الانتخابات وتكون قادرة على إنهاء حالة الجمود التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

استقبل الدبيبة أواخر الشهر الماضي، كلاً من رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وغريمه قائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي”، في العاصمة الليبية طرابلس بشكل منفصل، عقب اتصال هاتفي مع كليهما، أعلن خلاله عن مبادرة مفاجئة لإنهاء النزاع السوداني المحتدم. 

تجدر الإشارة الى أنه منذ منتصف نيسان/ إبريل 2023، يخوض كلّ من الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وميليشيا “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، حرباً خلّفت الآلاف من القتلى والملايين من النازحين واللاجئين حتى الآن. 

ومنذ بداية القتال، طُرحت مبادرات عدة من وسطاء محليين ودوليين بهدف إنهاء الحرب، على غرار المبادرة المشتركة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية، التي انعقدت في جدة في أيار/ مايو الماضي، ومبادرة دول الجوار السوداني التي تبنتها مصر في العام الماضي، ثم مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية الدولية “الإيغاد” التي انعقدت في كانون الثاني/ يناير الماضي، ناهيك بالمفاوضات التي عُقدت في المنامة عاصمة البحرين في الشهر نفسه أيضاً. 

فشلت جميع المبادرات في دفع الطرفين إلى توقيع وقف إطلاق النار في السودان، وعليه استمرّ القتال حتى اليوم. ومع ذلك، لم يتردد الدبيبة في طرح نفسه كوسيط جديد على رغم يقينه بأن مبادرته لن تكون أفضل من سابقاتها، وأن فشلها حتميّ لاعتبارات عدة تتعلق جميعها بالوضع الليبي قبل الوضع السوداني. 

ليبيا بوضعها الحالي لا تملك أي تأثير يُذكر في ظل الاعتقاد السائد بأن هذا البلد ليس أفضل حالاً من السودان، بخاصة على المستويين الأمني والسياسي، وأنه بدوره في حاجة الى مبادرات لإحلال السلام الدائم فيه وتوحيد البلاد التي تحكمها حكومتان، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، فضلاً عن نفوذ الميليشيات المسلّحة التي تدخل في كل مرة في اشتباكات تخلّف قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، آخرها كان في الفترة التي أعلن عنها الدبيبة عن مبادرته. علماً أن الأخير يستخدمها لبقائه في منصب رئاسة الحكومة بكل امتيازاته وصلاحياته الكبيرة التي يستنكرها قسم كبير من الليبيين. 

ويبدو أن رئيس الحكومة الليبية المؤقتة وبإيعاز من تركيا (المستفيدة من بقائه في منصبه)، حاول بهذه الخطوة القفز على الأوضاع في بلاده، لا سيما أنه بات يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية للتخلّي عن منصبه.

 يعتقد الدبيبة أن دخوله معترك الأزمة السودانية قد يتيح له أن يصبح لاعباً إقليمياً، وبالتالي كسب ثقة القوى الدولية وضمان تراجعها عن دعمها قرار تنحّيه. لكن المؤشرات ومجريات الأحداث على الأرض تشي بأن الرجل قد أساء التقدير، لاعتبارات عدة بعضها متعلق بالداخل الليبي وبمنصبه بخاصة، وبعضها الآخر متعلق بعلاقة الأطراف السياسية في ليبيا مع طرفي النزاع في السودان. 

منذ فترة قصيرة، بدت المواقف داخلياً وخارجياً متّفقة على ضرورة تشكيل حكومة موحّدة لمدة محدّدة، تشرف خلالها على التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وإنهاء مهام حكومة الدبيبة.

 حدث ما سبق في ظل اقتناع الأطراف الدولية بضرورة وجود حكومة جديدة واحدة تقود إلى الانتخابات وتشرف عليها، لإيمان تلك الأطراف بأن المفوضية الوطنية العليا للانتخابات لن تكون قادرة على إدارة العملية الانتخابية تحت إدارة حكومتين.

أبدت واشنطن انفتاحاً على تشكيل حكومة جديدة في ليبيا، على لسان مبعوثها الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند، الذي أكد خلال اجتماعه مع الدبيبة منذ نحو أسبوعين، أهمية تشكيل حكومة تصريف أعمال لإزاحة ما تبقى من عوائق أمام الانتخابات.

 بدورها، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي، في غالبيتها، سراً وعلناً، دعمها ضرورة تشكيل الحكومة الجديدة بدل الحكومة المنتهية ولايتها التي يرأسها الدبيبة. كما رحبت دول الجوار بأي خطوة من شأنها إنهاء دوامة الصراع على السلطة في ليبيا. 

ارتفاع نسبة الفقر في بلد غني

على المستوى الداخلي أيضاً، يجد الدبيبة نفسه محاصراً بالاستياء الشعبي، بخاصة في مناطق غرب ليبيا، بسبب سياسات الحكومة وأشكال تعاطيها مع الحالة الأمنية والمالية بالبلاد، في ظل اتهامات كثيرة تلاحقه بكثرة المصروفات وقلة الإنجازات.

وبحسب أرقام ليبية رسمية، بلغ إجمالي الإنفاق المالي للدولة خلال العام الماضي 125.7 مليار دينار (26.1 مليار دولار)، وعلى رغم هذا الإنفاق الكبير، إلا أنه لم ينعكس إيجاباً على حياة الليبيين.

 وهذا ما يؤكده ارتفاع معدلات الفقر في السنوات الأخيرة في بلد مصنّف على أنه غني. ففي شباط/ فبراير الماضي، أكد تقرير للبنك الدولي ارتفاع معدلات الفقر في ليبيا، بخاصة في مناطق الشرق والجنوب. وكانت منطقة تازربو الغنية بالواحات والمياه العذبة الأشد فقراً بنسبة تناهز الـ80 بالمئة، تليها درنة وجالو بنسبة بلغت 70 في المئة. وبيّن التقرير أن 7 في المئة من العائلات التي شملتها الدراسة، تقع تحت خط الفقر، و13 بالمئة لا تستطيع تلبية حاجياتها الأساسية. فيما تمتلك ليبيا أكبر احتياطيات النفط في أفريقيا مع عدد سكان قليل نسبياً لم يتجاوز السبعة ملايين نسمة في عام 2023.

لم تتوقف الأمور عند تغيّر مواقف الأطراف الدولية التي كانت حتى وقت قريب تؤيد حكومة الدبيبة، بل شملت حتى أصدقاء الأمس بالداخل. ففي خطوة مفاجئة، طالب محافظ المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير، الحليف الأكبر للدبيبة، في خطاب وجّهه منذ أيام إلى البرلمان، بـ”إقرار حكومة موحّدة جديدة لتوحيد الإنفاق العام وترشيده، لتحقيق الاستقرار المالي للدولة الليبية، في ظل الصعوبات التي تواجه المصرف في توفير احتياجات السوق المحلي من النقد الأجنبي بسبب تزايد حجم الإنفاق العام ووجود إنفاق مواز مجهول المصدر”.

لكن الدبيبة ومن خلفه الأطراف العسكرية والسياسية الداعمة له في الداخل والخارج، يرفض تشكيل حكومة جديدة، ويتمسك بفكرة عدم التخلّي على منصبه إلا بعد إجراء الانتخابات، على رغم إدراكه أن استمرار حالة الانقسام لن تفضي أبداً إلى إجراء الانتخابات، تماماً كما حدث سابقاً. 

ميليشيات لحماية الدبيبة

قال الدبيبة بثقة إنه سيعمل على حلحلة أزمة الصراع في السودان، متجاهلاً الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة التي كانت تحصل في الوقت ذاته، في مدينة الزاوية غرب طرابلس، على بعد كيلومترات معدودة عن مقر حكومته، بين مجموعة من الميليشيات لم ينجح أو بالأحرى لم يرغب في القضاء عليها. وتوجّه بدل ذلك، إلى شراء ولائها بالأموال والامتيازات مقابل أن تكون ذراعه العسكرية لإطالة أمد بقائه في السلطة. 

وعلى رغم أن هذه المليشيات تنفلت في كل مرة وتدخل في اشتباكات عنيفة تروّع المدنيين وتدوم أحياناً لأيام عدة، إلا أن الدبيبة لم يقدم أي قرار يهدف الى تجريدها من السلاح وإخراجها من البلاد، نظراً الى أن مجمل هذه الميليشيات من جنسيات أخرى غير الليبية.

وكانت آخر هذه الاشتباكات تلك التي اندلعت بين مجموعات مسلحة في مناطق مكتظة بالسكان في العاصمة طرابلس ليل الخميس الجمعة حيث كان الأهالي يحتفلون بعيد الفطر واستمرت لنحو ساعة، دون معرفة الأسباب وعدد الضحايا. علما أن الاشتباكات كانت بالأسلحة الثقيلة، واضطرت العائلات للفرار من المتنزهات والمقاهي في شرق وجنوب طرابلس.

وتعيق هذه الميليشيات طريق تشكيل أي حكومة جديدة في ظل تغوّلها في طرابلس وسيطرتها التامة عليها، وهو ما يجعل عموم الليبيين يؤكدون أن الهرولة نحو تشكيل حكومة جديدة من دون القضاء على المظاهر الميليشياوية في البلاد، لا سيما في العاصمة، لن تؤدي إلى أي نتيجة مرجوة، لأنه لن يكون في مقدور أي حكومة  ممارسة مهامها إلا إذا كانت قد اختارت التحالف معها كما يفعل الدبيبة.

معابر حدوديّة خارج السيطرة

ليست الميليشيات هي المعضلة الوحيدة التي فشل الدبيبة في التعاطي معها، بل هناك أيضاً ملف المعابر الحدودية الواقعة تحت سيطرة مجموعات مسلحة غير تابعة للدولة، ولم يتمكن منذ تولّيه منصبه من استعادتها. 

انتهت مجمل محاولات الدبيبة بالاشتباك مع القوات المسيطرة على المعابر وحدوث خسائر في الأرواح والأموال بلا فائدة، كان آخرها تلك التي حصلت في معبر “رأس جدير” (المنفذ البري الأهم الذي يربط ليبيا بتونس)، منذ أقل من أسبوع بين قوة تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة، وأخرى مسلحة تابعة للغرفة العسكرية بمدينة زوارة (أمازيغ)، تبسط نفوذها على المعبر منذ الإطاحة بالنظام السابق 2011، ما تسبّب في وقوع جرحى وخسائر مادية كبيرة، الأمر الذي أدى الى إغلاقه حتى اليوم. وهناك مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية عنيفة بين الجانبين خلال الأيام المقبلة.

بدوره، لا يخضع معبر “غدامس – الدبداب” الحدودي مع الجزائر (600 كلم جنوب غربي طرابلس) لسلطة الحكومة، بعدما أعلنت السلطات المحلية في مدينة غدامس الليبية، القريبة من المعبر، بعد إعادة افتتاحه بشكل رسمي في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، رفض أي وجود لأي قوات مسلحة تابعة لحكومة الدبيبة، متّهمينها بإحداث الفوضى داخل مدينتهم.

المحلل السياسي الليبي إدريس أحميد، يعتبر أن حالة الفوضى السائدة في ليبيا سهّلت سيطرة التشكيلات المسلحة على المعابر الحدودية، التي يفترض أنها تخضع جميعاً لسلطة الدولة.

وقال أحميد: “طالما أن البلاد تفتقر الى حكومة شرعية منتخبة واحدة، فإن الجميع لن يمتثل، بخاصة المجموعات المسلّحة التي تعرف أن حكومة الدبيبة تحابي تشكيلات مسلّحة على حساب أخرى. كما أن وجود حكومة تعتمد على مجموعات مسلحة لحمايتها ولضمان السلطة، هو أحد عوامل تغوّل الميليشيات في المعابر وغيرها. ولهذا من العبث الحديث في الوضع الراهن، عن حلحلة هذه الملفات الخطيرة طالما أن السلطة شريكة في ما يجري”. 

وفي خضم هذا الواقع، بدا توجّه الدبيبة الى إعلان مبادرة سلام في دولة أخرى مريباً ومثيراً لسخرية الليبيين أنفسهم، ولعل هذا ما جعل المبادرة تمر من دون أي نتيجة تُذكر حتى الآن. علماً أن ليبيا ليست مؤهلة أبداً للوساطة في الملف السوداني أيضاً، نظراً الى انخراطها عسكرياً في القتال الدائر في هذا البلد، في ظل تقارير دولية تحدثت عن دعم حفتر قوات الدعم السريع بالسلاح والوقود. 

وكشف الأمم المتحدة في 2019، أن حميدتي أرسل مرتزقة لدعم الحرب التي شنّتها آنذاك قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، على العاصمة طرابلس.