fbpx

أندرو تيت وجلال أبو مويس… صورة “المليونير العصامي” المفرط في الذكورة

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

تأخر غزو “الذكوريين العصاميين” للمحتوى العربي، إذ بدأ الأمر بترجمة فيديوات أندرو تيت الى العربية ،ومن ثم بزوغ نسخٍ مُقلّدة لأندور برزت حديثاً، تصل في بعض الحالات حدَّ نسخ المظهر، كما يفعل الأردني المقيم في ولاية ميامي جلال أبو مويس، الذي تحصد فيديواته عشرات ملايين المشاهدات على مختلف المنصات.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

بأجسامٍ مشدودة وقمصان ضيّقة ونظارات شمسية لا تنزل عن العينين وسيارات فارهة وهوسٍ بالساعات، تغزو وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة الشباب الذكور الذين يصدّرون بفيديواتهم القصيرة أنفسهم على أنهم معيار النجاح؛ هؤلاء كسروا القواعد التي فرضها المجتمع وحققوا الثراء والاستقلال المادي من خلال اتباع منهجية “السعي من دون توقّف” (Grinding) (ويرادفها “النحت في الصخر” في لغتنا الشعبية) في الحياة، والتمسك بالأفكار والمعتقدات “الأصيلة” بحسب وصفهم، وهي أفكار لا تستطيع غالباً تجاوز الموروث الشعبي المحافظ عن دور الرجل والمرأة في المجتمع “المثالي”، حيث الرجل هو الحامي والمُزوّد والمرأة هي المسؤولة عن التربية ولمّ شمل الأسرة.

لم تكن الظاهرة غريبةً عن الإنترنت، خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، إذ بلغت ذروتها عام 2021 عندما تصدّر اسم الملاكم البريطاني-الأميركي أندرو تيت، والذي يمكن اعتباره الأب لهذه الظاهرة بشكلها الحديث، محركات البحث كأكثر اسم بحثاً حول العالم. 

لكن اللافت أن غزو هذه الظاهرة على الإنترنت الناطق باللغة العربية تأخر بعض الشيء، إذ بدأ الأمر بترجمة فيديوات تيت الى العربية وتكفّل الخوارزميات بإلقائها في أوجه المستخدمين من مختلف الشرائح، ومن ثم بزوغ نسخٍ مُقلّدة لتيت برزت حديثاً، تصل في بعض الحالات حدَّ نسخ المظهر، كما يفعل الأردني المقيم في ولاية ميامي جلال أبو مويس، الذي تحصد فيديواته عشرات ملايين المشاهدات على مختلف المنصات.

صورة المليونير العصامي… الذكوري

تتشارك شخصيات الإنترنت تلك بخلفية وصورة متطابقة عن الذات؛ المليونير العصامي الذي عمل سابقاً في الأفران ونام في الشوارع قبل أن يصل إلى ما هو عليه من ثراء. لا يملك وقتاً للمشاعر والحديث عنها، ويحثّ جمهوره على تجاهلها، يشجّع أتباعه على العمل بجدية أكبر، وكسب المزيد من المال، والأهم من ذلك كله: الاشتراك المدفوع في “مجتمعه المغلق” عبر الإنترنت أو شراء “كورساته” التي تساعد الذكور (والذكور فقط) على أن يصبحوا رجالاً أغنياء وأقوياء، تماماً مثله.

لدى تلك الشخصيات الشجاعة والاستحقاق لإبداء آرائها في كل شيء، بدءاً من وجبة الإفطار، التي يقول تيت إنها “أسوأ شيء يحدث للإنسانية على الإطلاق”، إلى الجامعة التي يعتبرها أبو مويس مجرد “تجربة اجتماعية”، وحتى الطريقة التي يجب أن يعامل بها الرجل شريكته وأخاه ووالدته، ويعتقدون أن النُخب ووسائل الإعلام التقليدي والاجتماعي قد دمرت العالم من خلال “تدمير الذكورة” و”تشويه الأنوثة”.

يعتمد خطاب تلك الشخصيات إلى حدّ كبير، على نهج فردي للغاية تجاه تحسين الذات وكيفية ربط ذلك بتكوين الثروة والحفاظ عليها، وبدلاً من أي تحليل ذكي أو تقديم خدمات أو خطوات فعلية يمكن لطالب الثروة أن يستفيد منها، يركّز أولئك في “تحفيزاتهم” على تأكيد أن المشاهد أدنى منهم، يحتقرونه ويوبّخونه، لا يقدمون النصح بقدر ما يركزون على استعراض ما وصلوا إليه، كنوع من الحاجة الملحّة لتقدير الذات في عين الغير؛ مثل عبارة You are a loser التي يكررها تيت بنبرة حادة أو “جلال مش زيّك” التي يرددها أبو مويس.

ولا يقتصر هذا النوع الجديد من الشعبوية على تنميط أدوار الجنسين وتفويض الرجل بالوصاية على المرأة، وفي بعض الحالات، لوم الأخيرة على تعرضها للعنف سواء الجسدي أو الافتراضي، إذ لا تخجل تلك الشخصيات من مهاجمة الرجال واعتبارهم ليسوا “ذكوريين” بدرجة كافية. على سبيل المثال، أي رجل يستخدم السجائر الإلكترونية، أو يمضي وقتًا طويلاً مع أطفاله، أو يتقاسم الفواتير مع زوجته أو يشكي همومه لوالدته، هو إنسانٌ أخرق “مش زلمة”، بحسب هؤلاء.

 “الذكر الألفا” الذي لا يخطئ أبداً

ما يجعل محتوى شخصيات الإنترنت هذه وخطابها مغريين جداً الى درجة نيلهم المشاهدات المليونية، هو أن صورة الرجولة التي يبيعونها هي صورة متجذرة جداً في المخيلات الذكورية التقليدية؛ إذ يُعتبرون التجسيد الحديث لفكرة “الذكر الألفا”؛ الرجل الذي يتولى زمام الأمور، ويعرف دائماً ما يفعله، ويحصل دائماً على ما يريد، ويجعل الجميع ينتظرونه بأيديهم وأقدامهم، ناهيك بالفكرة القائلة بأنه صار معصوماً من الخطأ، بعد أخطاء الماضي التي ارتكبها وأوصلته إلى ما وصل إليه اليوم. إضافة إلى دغدغة تلك الشخصيات المُخيلة التي تُغذيها الثقافة الاستهلاكية، إذ يعيشون أسلوب حياة مُترف للغاية، بسيارات رياضية وطائرات خاصة وقصور فارهة ورحلات باهظة الثمن.

يقول روبرت لوسون، مؤلف كتاب “اللغة والذكورة الوسيطة” (Language and Mediated Masculinities)، إن واحداً من أفضل تفسيرات السبب الذي يجعل الشباب بخاصة ينجذبون الى نموذج الرجولة الذي تقدمه هذه الشخصيات، هو فكرة عالم الاجتماع الأميركي مايكل كيميل عن “الاستحقاق المظلوم“، التي تقول إنه على مدار العشرين إلى الثلاثين عاماً الماضية، تغير العالم بطريقة أدت إلى تقويض مركزية الذكور في المجتمع من الناحيتين الاقتصادية والمادية، ومشاركتهم المرأة في العمل والتعليم ومختلف نواحي الحيز العام. 

أشخاص مثل تيت أو أبو مويس جذابون لأنهم يعيدون تركيز الشباب بطريقة واضحة جداً، شديدة التبسيط، وصريحة للغاية، تقول بشكل أساسي: “أنت مهم، وما زال الكثير مطلوباً منك، ورجولتك مطلوبة لمحاربة كل التغييرات التي تحدث في العالم الذي لم يعد لك ولم يعد يريد الاستثمار فيك”. 

فمن ناحية، اعتاد أجدادنا على إعالة عائلة بكاملها من راتبٍ واحد، في حين لا تكاد تستطيع عائلة من الطبقة المتوسطة النجاة اليوم من دون راتبين. ومن ناحية أخرى، لم تعد المرأة مضطرةً للاعتماد على الرجل مالياً أو عاطفياً. تقول شخصيات الإنترنت بشكلٍ أساسي إنها ستحارب ذلك، لا من خلال تقديم حلول اقتصادية أو نقدٍ على الأقل لما وصلت إليه الرأسمالية، بل عبر استعادة الشعور بالذكورة التقليدية “الأصيلة”. وهذه قصة تعود حتى إلى ثمانينات القرن الماضي.

أزمة الجسد الرجولي الشاب

الكثير مما تقوله تلك الشخصيات ليس جديداً في الواقع. إنها إعادة صياغة لأزمة خطاب الذكورة التي شهدتها الولايات المتحدة في السبعينات والثمانينات، من خلال “حركة الرجال”، إذ كان هناك شعور سائد بأن إعادة الاتصال بالذكورة وسيلة لإصلاح العالم. فما نشهده اليوم، على شكل “ريلز” وفيديوات خالية من الأخطاء، ما هو إلا شكلٌ جديد في سلسلة طويلة من الرجال الآخرين الذين فعلوا أشياء مشابهة.

لقرون طويلة، كان المجتمع يتصارع مع مسألة ما يجب فعله مع الشباب القلقين. في مسرحية “حكاية الشتاء” لشكسبير، يرثى الراعي الحكيم قائلاً: “أتمنى أن ينتقل المرء مباشرة من سنِّ العاشرة إلى الثالثة والعشرين، أو أن ينام السنوات التي ما بينهما، إذ لا يحدث في هذه السنوات إلا التسبب في حمل فتاة، أو الإساءة إلى الكبار، والسرقة والمشاجرة!”.

إلا أن الحداثة تقدّم مزيجاً فريداً من الظروف؛ من تضخمٍ متوحش لا يرحم، وهوّة تتسع بين الأجور والتكاليف، وأزمة في صورة الجسد الذكوري، و”محفّزين” يحتقرون الشباب ويُفاقمون مشاكلهم، يقدمون رؤيةً سطحية للصبا الأبدي، يُظهرون حياةً خاليةً من المسؤوليات؛ الماضي فيها عبارة عن “قصة ملهمة”، ولا قلق من مستقبل فيها يتجاوز حدود الذات، أما الحاضر فهو مجرد استمتاع عابر بالهناء.

أحمد الفخراني - كاتب وروائي مصري | 30.04.2024

التضحية بعيد القيامة في مصر.. مغازلة رسميّة لتفسيرات المسلمين الرافضة قيامة المسيح

عيد العمال في الأول من أيار/ مايو، ذلك أمر عالمي، حدث نتيجة تضحيات وثورات ودماء. لكن رئيس الوزراء المصري قرر ضمّ تلك التضحيات إلى التضحيات المسيحية، ثم الإعلاء عليها بحس ماركسي، أو لا أدري، إذ قرر أن عيد العمال في الخامس من أيار، عوضاً عن إعلانه شيئاً شديد الإحراج، وهو أنه يصادف عيداً مسيحياً، عيد…