fbpx

في مصر “السيساوية-العرجانيّة” الجديدة… صوتي لحسن الصباح!

لتلقّي أبرز قصص درج على واتساب إضغط(ي) هنا!

أدى الرئيس عبد الفتاح السيسي القسم الدستوري أثناء مراسم تنصيبه لولاية رئاسية جديدة، من مقر البرلمان الجديد داخل العاصمة الإدارية، ذات الاسم الفجّ، والتي أنشئت لأغراض أمنية وكلفتنا ديوناً بالمليارات، بوصفها حداً فاصلاً بين عالمين، إذ يحتشد فيها بكوات العالم الجديد ضد سكان عالم يسلَّم إلى الخراب بما فيه.

الأكثر قراءة
[tptn_list show_date="1" heading="0" title_length="200" limit="5"]

أسفل نسر بالغ الضخامة والغرابة، أدى الرئيس عبد الفتاح السيسي القسم في مراسم تنصيبه لولاية رئاسية جديدة، من داخل العاصمة الإدارية من مقر البرلمان الجديد الذي تكلّف 5 مليارات جنيه. وبذلك، يكون السيسي أول رئيس يقسم اليمين خارج القاهرة ومبنى برلمانها التاريخي.

على رغم أن العاصمة تتبع إدارياً لمحافظة القاهرة، إلا أن الكل يعلم أن ما يحدث هو العكس، فالعاصمة الإدارية باسمها الفج، والتي أنشئت لأغراض أمنية، وكلفتنا ديوناً بالمليارات، هي حد فاصل بين عالمين، يحتشد فيه بكوات العالم الجديد ضد سكان عالم يسلَّم إلى الخراب بما فيه.

الفارق شاسع بين نسر الجمهورية القديمة والجديدة، النسر القديم ذو “صناعة جيدة، تفاصيل دقيقة، ألوان مناسبة، حجم معقول”، وما بين النسر الجديد ذي” الصناعة الرديئة والتفاصيل الغليظة والألوان الفجة والحجم المبالغ في ضخامته”، بحسب ما لاحظ من قارنوا بين الصورتين، ليجدوا فيهما مفتاحاً للتعبير عن الفرق بين جمهوريتين.

النسر القديم البرونزي يرفع رأسه في شموخ، برقبة طويلة وريش شديد التناسق، أما الجديد المكسو بالذهب بما يبدو أنه يعكس ذوق “السادة الجدد”، فأقرب الى الحمامة، بلا رقبة، ومنقاره أقرب الى منقار الببغاء، ومخالبه مغروسة حرفياً في جملة “جمهورية مصر العربية”، والدهانات التي استُخدمت لتلوين علم مصر شديدة الرداءة.

وفيما يحذرنا مسلسل “الحشاشين” من استغلال الدروشة الدينية التي تصل إلى ادعاءات النبوة وتلقّي الوحي عن الله في الحكم السياسي، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي يختار في مراسم تنصيبه آية من سورة يوسف: “رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين”.

هي سابقة قام بها السيسي تُضمّ إلى محاولات محاكاة نفسه بالأنبياء في الفهم والتأويل، كـ” فهمناها سليمان”، وأخيراً جاء حديثه عن النبي محمد خلال مطالبته الشعب بالصبر والتحمّل كما فعل الصحابة عندما حوصروا في شعب أبي طالب، محذراً إيانا من الجحود بإنجازاته، “فضلاً عن قوله في خطاب سابق: إنه سيحاسبنا جميعاً أمام الله”، فضلاً عن بدء حديثه مراراً بعبارة “ربنا قالي…”، كما أن التأكيد الأهم هو أن الله هو من ولاه لا الشعب.

السيسي وحسن الصباح: الوعد بالحشيش

أثار “الحشاشين” الجدل، حول محبة بعض متابعيه لشخصية حسن الصباح وتبرير مواقفه، إذ هو ثائر في النهاية على ظلم السلطة، كما أنه يطبق القانون على نفسه، فيصوم في ظل الحصار والمجاعة قبل أتباعه وضعف ما يتحمّله أتباعه، وحكم على ابنه القاتل بالموت، وجلد صديقه لأنه خالف القانون، كما أنه كان مثقفاً وعالماً، لكن الأكيد أنه يقدم للمؤمنين به شيئاً ما: الحشيش.

حسناً، لقد تذكرت، فقد وعد الرئيس بشيء ما قريب من ذلك في أحد خطاباته:

“أنا كنت بكلّم السادة مجلس القضاء الأعلى الصبح، وقلتلهم تخيّلوا ممكن أهدّ مصر بملياري جنيه؛ أدّي باكتة بانجو وعشرين جنيهاً وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة، أنزّله يعمل حالة”؛ هكذا تحدث السيسي في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهي كلمات على حداثتها دخلت تاريخ درر خطابات الرئيس، كواحدة من الروائع والكلاسيكيات لكن الرئيس تنصل من وعوده عدا “الحفر على الناشف”.

ما أجمل أن تلك الروائع كلّها مسجّلة صوتاً وصورة، وقد يستعين بها خليفة المخرج بيتر ميمي لاحقاً كمادة أرشيفية في مسلسل “الانهيار 4”.

جمهورية العرجاني الجديدة

بعد ساعات قليلة من إعلان مراسم تنصيب الرئيس، أعلنت الحكومة المصرية عن استئناف خطة الحكومة لتخفيف الأحمال الكهربائية، التي توقفت في شهر رمضان، وذلك عقب إجازة عيد الفطر، لمدة ساعتين يومياً، تزيد إلى أربع ساعات منفصلة في غالبية المناطق بحلول شهر تموز/ يوليو. لم ينتظروا حتى لليوم التالي أو عقب أسبوع، لتفتتح الجمهورية الجديدة ببداية روائية عملاً بنصيحة الروائي الكبير ليو تولستوي، ففقط العائلات السعيدة تتشابه، لكن لكل عائلة تعيسة طريقتها في التعامل مع تخفيف الأحمال.

لكن ما يكشف حقاً عن شكل الجمهورية الجديدة، هو الإعلان الذي بثّ  عقب يومين فقط بصوت محمد منير، عن مجموعة العرجاني، التي وصفت نفسها بأنها أكبر كيان اقتصادي في الجمهورية الجديدة، بعدما استعرض الإعلان مجموعة صناعة استراتيجية تشارك فيها مجموعة العرجاني، من الحديد والصلب إلى صناعة السيارات وتوكيلات من شركات عالمية، وصولاً الى إنشاء 11 فندقاً و17 مستشفى في مصر، ناهيك بمشروعات سكنية ومصانع وشركات في البورصة ومزارع. إنه نشاط اقتصادي واسع في قطاعات حيوية، بحجم دولة وليس أفراداً، ومن دون شراكة “جهاز الخدمة الوطنية” كما لاحظ المتابعون.

واعتُقل الناشط السياسي محمد عواد، في الوقفة الأسبوعية للتضامن مع غزة قبل الإفراج عنه، لهتافه ضد شركة “هلا للسياحة “والمملوكة للعرجاني، وضد السمسرة المرتكبة على معابر رفح. وكان تحقيق نُشر في “درج”، كشف أن “هلا ترافيل” تستفيد من رغبة الغزيين في النجاة بحياتهم لجمع الأموال، وأن الشركة جمعت من سكان قطاع غزة على مدار 4 أشهر مبلغ 180 مليون دولار من 36 ألف مسافر تم التنسيق لهم.

يمكن أن نبدّل كلمات الإعلان بسهولة ليكون أكثر منطقية: الجمهورية الجديدة… هي أكبر كيان اقتصادي لمجموعة العرجاني، الذي يملك من الأموال والنفوذ، ما يجعله أكبر من شريك، الرجل الذي لا ينبغي ذكر اسمه، ثم صار علنياً إلى الدرجة التي يبث فيها إعلاناً بصوت واحد من أشهر مطربي العالم العربي عن وجوده، هو أيضاً قائد ميليشيا في بلد السيادة الوطنية.

السيسي الذي يلعب بنقود لا يملكها

الأجواء الكرنفالية الباذخة، هي سمة ذلك العهد، عهد المواكب، بكل الأشكال، مواكب فرعونية، ومواكب تنصيب، وهو أمر يجعلنا نفكر أن حسن الصباح بالكاد صنع حلم الجنة لأتباعه، لكن بينما يصنع لنا الرئيس حلم العظمة بنقود لا نملكها ولا يملكها الرئيس من خلال الاحتفالات الصاخبة، شكراً للإمارات العربية الشقيقة وقروض النقد الدولي، نحن الآن حرفياً “نلعب بالفلوس لعب”، وما كان في الماضي أداء قسم، ثم تحوّل منذ العام 2014 إلى حفل تنصيب، سيصير على “قولة” الناشط حسام بهجت: حفل تتويج.

حفلات بتلك الضخامة، يحضرها الملوك ورؤساء الدول والحكومات والبرلمانات مع تحية بـ21 طلقة مدفعية وحرس شرف وتحليق من الطيران في السماء للاحتفال، هي حفلات ملوك لا رؤساء، تقاليد هي بحسب صفحة الموقف المصري، بنت الملكية بشكل كبير، الإمبراطورية البريطانية على وجه التحديد، واستوردتها الملكيات في الدول التي احتلّتها بريطانيا، وقد تخلت عنها مصر بعد قيام ثورة 1952، على اختلاف الرؤساء المتعاقبين، مبارك نفسه لم تطلق لتحيته 21 طلقة مدفعية إلا في جنازته.

ما أتعس حظ مبارك حسن الصباح… في حياة أخرى كنت سأعطي الصباح صوتي فهو أقل بهرجة وكلفة، لكن لا أحد يؤمن بوجود حياة أخرى بعد السيد الرئيس.

في 2005، لاحظ الكاتب محمد حسنين هيكل أن الجمهوريات العربية بدأت تستعير مظاهر وتقاليد ملكية في السلطة، بينما تستعير الملكيات العربية تقاليد الجمهورية كي تتقرب إلى الشعب، وتضفي على الحكم سمة البساطة، وهو ما دفع عالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم الى صك مصطلح ” الجملوكية”، وهو تركيب من كلمتين: الجمهورية والملكية. ففي العالم العربي، النظام السياسي يبدأ كنظام جمهوري بالدستور، ثم يتحول في الواقع إلى حكم ملكي منفصل عن جمهوره.

حفلات التنصيب الأسطورية الجديدة على التراث السياسي للجمهورية المصرية، تهدف في الأساس للتأكيد على اتساع المسافة بين الحاكم والجمهور، والقضاء على احتمالات التغيير في خيالهم السياسي، فالحاكم هناك بعيد، في القلعة، ونسر جمهوريته الجديدة بالغ الضخامة، غير معقول ورديء.